Friday 29 March 2024

تفسير سورة الإسراء ح2 تفسير للأيات وربط المعاني

 

 وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا ﴿٢٨﴾‏

وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى، فأما مع العدم أو تعسر النفقة الحاضرة فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال: { وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} أي: تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر.

{ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا } أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى }

وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ولعل الله ييسر له [بسبب رجائه]

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴿٢٩﴾‏

وقال هنا: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ } كناية عن شدة الإمساك والبخل.

{وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} يقول تعالى ذكره لنبيه محمد : إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، ويقدر على من يشاء، يقول: ويُقَتِّر على من يشاء منهم، فيضيِّق عليه ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا ): يقول: إن ربك ذو خبرة بعباده، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده؛ ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه (بصيرا) : يقول: هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم، يقول: فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه، وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه، وتكفها فيه، فنحن أعلم بمصالح العباد منك، ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم.

{ فَتَقْعُدَ } إن فعلت ذلك { مَلُومًا } أي: تلام على ما فعلت {مَحْسُورًا } أي: حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ولا خلفه مدح وثناء.

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿٣٠﴾‏

إن ربك يا محمد يبسط رزقه لمن يشاء من عباده، فيوسع عليه، ويقدر على من يشاء، يقول: ويُقَتِّر على من يشاء منهم، فيضيِّق عليه ( إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا ): يقول: إن ربك ذو خبرة بعباده، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده؛ ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه (بصيرا) : يقول: هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم، يقول: فانته يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه، وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه، وتكفها فيه، فنحن أعلم بمصالح العباد منك، ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم.

 وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ ۚ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴿٣١﴾‏

وهذا من رحمته بعباده حيث كان أرحم بهم من والديهم، فنهى الوالدين أن يقتلوا أولادهم خوفا من الفقر والإملاق أي خشية الفاقة،وتكفل برزق الجميع.

وأخبر أن قتلهم كان خطأ كبيرا أي: من أعظم كبائر الذنوب لزوال الرحمة من القلب والعقوق العظيم والتجرؤ على قتل الأطفال الذين لم يجر منهم ذنب ولا معصية. وقد كان أهل الجاهلية يقتلون أولادهم خشية الفاقة، فوعظهم الله في ذلك، وأخبرهم أن رزقهم ورزق أولادهم على الله، فقال ( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ).

وقال تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ) ( الأنعام ١٥١)، فقال فيها: نحن نرزقكم وإياهم.

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴿٣٢﴾‏

والنهي عن أن يقربه، أبلغ من النهي عن مجرد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: " من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه " خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه.

ووصف الله الزنى وقبحه بأنه { كَانَ فَاحِشَةً } أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجري على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد.

وقوله: { وَسَاءَ سَبِيلًا } أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.

وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ﴿٣٣﴾‏

وهذا شامل لكل نفس { حَرَّمَ اللَّهُ } قتلها من صغير وكبير وذكر وأنثى وحر وعبد ومسلم وكافر له عهد.

{ إِلَّا بِالْحَقِّ } كالنفس بالنفس والزاني المحصن والتارك لدينه المفارق للجماعة والباغي في حال بغيه إذا لم يندفع إلا بالقتل.

{ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا } أي: بغير حق { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ } وهو أقرب عصباته وورثته إليه { سُلْطَانًا } أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل، وجعلنا له أيضا تسلطا قدريا على ذلك، وذلك حين تجتمع الشروط الموجبة للقصاص كالعمد العدوان والمكافأة.

{ فَلَا يُسْرِفْ } الولي { فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا } والإسراف مجاوزة الحد إما أن يمثل بالقاتل أو يقتله بغير ما قتل به أو يقتل غير القاتل.

وفي هذه الآية دليل إلى أن الحق في القتل للولي فلا يقتص إلا بإذنه وإن عفا سقط القصاص.

وأن ولي المقتول يعينه الله على القاتل ومن أعانه حتى يتمكن من قتله.

وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۚ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴿٣٤﴾‏

هذا من لطفه ورحمته تعالى باليتيم الذي فقد والده وهو صغير غير عارف بمصلحة نفسه ولا قائم بها أن أمر أولياءه بحفظه وحفظ ماله وإصلاحه وأن لا يقربوه { إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } من التجارة فيه وعدم تعريضه للأخطار، والحرص على تنميته، وذلك ممتد إلى أن { يَبْلُغَ } اليتيم { أَشُدَّهُ } أي: بلوغه وعقله ورشده، فإذا بلغ أشده زالت عنه الولاية وصار ولي نفسه ودفع إليه ماله.

وقضى أيضا أن لا تقربوا مال اليتيم بأكل، إسرافا وبدارا أن يَكْبَروا، ولكن اقرَبوه بالفَعْلة التي هي أحسن، والخَلَّة التي هي أجمل، وذلك أن تتصرّفوا فيه له بالتثمير والإصلاح والحيطة. كما قال تعالى: { فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ }

وكان قتادة يقول في قوله ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) لما نـزلت هذه الآية، اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله ، فكانوا لا يخالطونهم في طعام أو أكل ولا غيره، فأنـزل الله تبارك وتعالى:{ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} فكانت هذه لهم فيها رُخْصة.

وقوله ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) قال: الأكل بالمعروف، أن تأكل معه إذا احتجت إليه.

{ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ } الذي عاهدتم الله عليه والذي عاهدتم الخلق عليه. { إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } أي: مسئولين عن الوفاء به وعدمه، فإن وفيتم فلكم الثواب الجزيل وإن لم تفوا فعليكم الإثم العظيم.

 وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴿٣٥﴾‏

وهذا أمر بالعدل وإيفاء المكاييل والموازين بالقسط من غير بخس ولا نقص. وقَضَى أن زنوا أيضا إذا وزنتم لهم بالميزان المستقيم، وهو العدل الذي لا اعوجاج فيه، ولا دَغَل، ولا خديعة.

ويؤخذ من عموم المعنى النهي عن كل غش في ثمن أو مثمن أو معقود عليه والأمر بالنصح والصدق في المعاملة.

{ ذَلِكَ خَيْرٌ } من عدمه { وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } أي: أحسن عاقبة به يسلم العبد من التبعات وبه تنزل البركة.

 وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴿٣٦﴾‏

ولا تقل ما ليس لك به علم، ولا تتبع ما ليس لك به علم، ولا تقف مثل ولا تقل . وقيل: ولا تقل سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، لا ترم أحدا بما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا .بل تثبت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك.

فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسئول عما قاله وفعله وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يعد للسؤال جوابا، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله وإخلاص الدين له وكفها عما يكرهه الله تعالى.

 وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴿٣٧﴾‏

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا } أي: كبرا وتيها وبطرا متكبرا على الحق ومتعاظما على الخلق.فلا تمش في الأرض مختالا مستكبرا ( إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ ) يقول: إنك لن تقطع الأرض باختيالك، ( وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا ) بفخرك وكبرك، وإنما هذا نهي من الله عباده عن الكبر والفخر والخُيَلاء، لأنك بتكبرك تكون حقيرا عند الله ومحتقرا عند الخلق مبغوضا ممقوتا قد اكتسبت أشر الأخلاق واكتسيت أرذلها من غير إدراك لبعض ما تروم.

 كُلُّ ذَٰلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ﴿٣٨﴾‏

{ كُلُّ ذَلِكَ } المذكور الذي نهى الله عنه فيما تقدم من قوله: { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } والنهي عن عقوق الوالدين وما عطف على ذلك { كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا } أي: كل ذلك يسوء العاملين ويضرهم والله تعالى يكرهه ويأباه.

 ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ﴿٣٩﴾‏

{ ذَلِكَ } الذي بيناه ووضحناه من هذه الأحكام الجليلة، { مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ } فإن الحكمة الأمر بمحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق والنهي عن أراذل الأخلاق وأسوأ الأعمال.

وهذه الأعمال المذكورة في هذه الآيات من الحكمة العالية التي أوحاها رب العالمين لسيد المرسلين في أشرف الكتب ليأمر بها أفضل الأمم فهي من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا.

ثم ختمها بالنهي عن عبادة غير الله كما افتتحها بذلك فقال: { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ } أي: خالدا مخلدا فإنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.{ مَلُومًا مَدْحُورًا } أي: قد لحقتك اللائمة واللعنة والذم من الله وملائكته والناس أجمعين.

  

Tuesday 5 March 2024

هبات وفضائل شهر رمضان وفقه الصيام ح1

 

رمضان فضائل وهبات الرحمن

أحكام الصيام - والقضاء

 

خطوات للاستعداد النفسي لشهر رمضان

من انتبه من المسلمين لحقيقة صيام شهر رمضان راح يستعد له من شعبان، بل بعضهم قبل ذلك، وإليكم 10 خطوات للاستعداد لشهر رمضان.

 

1-التوبة الصادقة

وهي واجبة في كل وقت، لكن بما أنه سيقدم على شهر عظيم مبارك فإن من الأحرى له أن يسارع بالتوبة مما بينه وبين ربه من ذنوب، ومما بينه وبين الناس من حقوق؛ ليدخل عليه الشهر المبارك فينشغل بالطاعات والعبادات بسلامة صدر، وطمأنينة قلب. قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور  31.)

 

وعَنْ الأَغَرَّ بن يسار رضي الله عنه عن النبيﷺ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ) رواه مسلم  .

 

 2-   الدعاء

وقد ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه خمسة أشهر بعدها حتى يتقبل منهم.

فيدعو المسلم ربَّه تعالى أن يبلِّغه شهر رمضان على خير في دينه في بدنه، ويدعوه أن يعينه على طاعته فيه، ويدعوه أن يتقبل منه عمله.

 

  3-  الفرح بقرب بلوغ هذا الشهر العظيم

فإن بلوغ شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على العبد المسلم؛ لأن رمضان من مواسم الخير الذي تفتح فيه أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والغزوات الفاصلة في ديننا. قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس 58.)

 

  4-  إبراء الذمة من الصيام الواجب

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: "كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ." رواه البخاري  ومسلم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان آخر "فتح الباري"

 

 5- التزود بالعلم ليقف على أحكام الصيام، ومعرفة فضل رمضان.

 

 6- المسارعة في إنهاء الأعمال التي قد تشغل المسلم في رمضان عن العبادات.

 7-الجلوس مع أهل البيت من زوجة وأولاد لإخبارهم بأحكام الصيام وتشجيع الصغار على الصيام.

  8-  إعداد بعض الكتب التي يمكن قراءتها في البيت، أو إهداؤها لإمام المسجد ليقرأها على الناس في رمضان.

 

 9- الصيام من شهر شعبان استعداداً لصوم شهر رمضان.

فمن فوائد صوم شعبان أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده فيدخل رمضان بقوة ونشاط.

قال أبو بكر البلخي رحمه الله: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.

فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ." رواه البخاري ، ومسلم.

عَنْ أُسَامَة بْن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ: قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ). رواه النسائي وحسَّنه الألباني في "صحيح النسائي".

 

 10- قراءة القرآن

 

قال سلمة بن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهر القراء. وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.

هل يجوز الصيام قبل رمضان:

ورد نهي عن الصيام بعد نصف شعبان، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر.    غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام . فمن ذلك :

ما رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) .

فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام ، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس ، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، أو ما كان عليه قضاء من رمضان فهذا يجوز له أن يقضيه ولو في يوم الشك .

وروى البخاري  مسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ) . واللفظ لمسلم ..

فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان ، ولكن لمن صام قبل النصف، ولم يتعمد أن يبدا بالصيام من بعد النصف من شعبان، فهذا يقال له بكراهة التحريم.

نعم الله علينا في رمضان:

وإذا دخل رمضان، هيء الله تعالى لعبادة المؤمنين الجو ليكون مناسبا لقدوم هذا الشهر الكريم عند الله ، ومشجعا لعبادة المؤمنين على الصيام والقيام، والتجرد من الدنيا، والتشوق لما عند الله من النعم.ففي الحديث:

"إذا كانَ أوَّلُ ليلةٍ من رمضانَ صُفِّدَتِ الشَّياطينُ مردَةُ الجنِّ ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ ، وفتِحَت أبوابُ الجنَّةِ فلَم يُغلَقْ منها بابٌ وَنادى مُنادٍ : يا باغيَ الخيرِ أقبل ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِر ، وللَّهِ عتقاءُ منَ النَّارِ ."( البخاري)، في هذا الحديث بيانُ عظَمةِ لُطفِ اللهِ تعالى، وكَثرةِ كرَمِه وإحسانِه على عبادِه، حيث يَحفَظُ لهم صِيامَهم، ويَدفَعُ عنهم أذَى المرَدَةِ مِن الشَّياطينِ.

وفي الحديث المفصل عن رسول الله ﷺ: " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ، فإنَّه لي وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ." (البخاري)

ويجب على المسلم أن يحرص كل الحرص على صيانة الصيام من كل الأعمال السيئة:

ومنها الرفث والفسوق، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الصيامُ جُنَّةٌ، فلاَ يَرْفُثْ ولا يَجهلْ، وإنِ امْرُؤٌ قَاتلهُ أوْ شاتَمَهُ، فَليَقُلْ إني صائمٌ مَرَّتينِ. والذي نَفسي بيدهِ لُخلوفُ فمِ الصائمِ أطيبُ عِندَ الله تعالى منْ ريحِ المِسكِ، يَترُكُ طعامَهُ وشرابَهُ وشهوتَهُ منْ أجْلِي، الصيَامُ لي وأنا أجزِي بهِ، والحسنةُ بعشرِ أمْثالِهَا» (صحيح البخاري)


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: " قال لي جبريلُ : رغِمَ أنفُ عبدٍ أدرك أبوَيه أو أحدَهما لم يُدخِلْه الجنةَ، قلتُ : آمين ثم قال : رَغِمَ أنفُ عبدٍ دخل عليه رمضانُ لم يُغفَرْ له ، فقلتُ : آمين،  ثم قال : رَغِمَ أنفُ امريءٍ ذُكِرتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليك ، فقلتُ : آمين" ( صحيح الأدب المفرد البخاري) "رَغِمَ أَنْفُهُ"، أي: لُصِقَ أَنْفُه بِالرَّغامِ وهو التُّرابُ المختلِطُ بِالرَّملِ؛ والمرادُ به: الذُّلُّ والخزيُّ.

شهر العتق من النار :

إنها أجمل نعمة أن نكون من العتقاء من النار، والعتق من النار وتجنب دخول جهنم ودخول الجنة هو الهدف العظيم الذي يسعى المسلم بتحقيقه رجاء في رحمة الله جل جلاله، قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران ١٨٥]، وفي شهر رمضان وفي كل ليلة يمن الله تعالى على عباده بأن يجعل منهم عتقاء، فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: «إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ» (صححه الألباني، صحيح ابن ماجة)  

يُقدِّرُ  الله النَّجاةَ للصَّائِمين عندَ وقتِ الإفطارِ كلَّ يومٍ في رمَضانَ، وقولُه: "في كلِّ ليلةٍ" بمنزلةِ التَّأكيدِ لِما قالَه، وإلَّا فقولُه: "عندَ كلِّ فِطْرٍ" يَشمَلُ كلَّ ليلةٍ بعُمومِه. وهذا يدُلُّ على أمورٍ عظيمةٍ؛ منها: - كَثْرةُ العُتقاءِ مِن النَّارِ في أيَّامِ الصَّومِ في رمَضانَ بمَغفِرةِ ذُنوبِهم، وقَبولِ عِبادتِهم، وحِفْظِهم مِن المعاصي الَّتي هي أسبابُ العذابِ.

 وهذا الوعدُ العظيمُ يَشْحَذُ هِمَمَ الصَّائِمين للتَّسابُقِ إلى إحسانِ العبادةِ وإخلاصِها للهِ، لعلَّهم يَفوزونَ بكَرَمِه بالعِتقِ مِن النَّارِ. ومنها: التَّنبيهُ إلى اغتِنامِ الأوقاتِ الفاضلةِ للدُّعاءِ وسُؤالِ اللهِ إجابةَ الدَّعَواتِ، وتَلبيةَ الحاجاتِ، وتفريجَ الكُرباتِ. فنرجو من الله تعالى أن يجعلنا من العتقاء وأهلنا وجميع المسلمين، وعلينا الحرص على نيل هذا الشرف بفعل الصالحات وتجنب السيئات وملازمة الدعاء.

شهر قيام الليل:

قيام الليل فضيلة كبيرة، وسبب عظيم لمغفرة الذنوب والقرب من الله تعالى، قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:9]، وفي شهر رمضان يحرص المسلم على اغتنام مواسم الخير فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ» (صحيح النسائي)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (يَتَنَزَّلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له.) (البخاري)

وإنَّ من قام مع الإمام في صلاة القيام حتى ينصرف الإمام، كان له فيها أجر قيام الليلة كاملة، وإن أكمل بعدها في بيته ما شاء الله له من القيام، فله أجر زائد عليه، قد يصل إلى أجر قيام ليلة أخرى والله أعلم، فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إنَّه مَن قام مع الإمامِ حتى ينصرفَ، كُتِبَ له قيامُ ليلةٍ» (صححه الألباني، صحيح الجامع) ونسأل الله العليِّ العظيم أن  لا يحرمنا منها في رمضاننا هذا، وإن كان أمره أن نبقى نصلي في بيوتنا أن يأجرنا بنياتنا القيام مع الإمام. إنه واسع الفضل والمن والعطاء.

شهر الإكثار من تلاوة القرآن الكريم :

إن تلاوة القرآن الكريم أفضل ذكر لله تعالى وهي من أعظم العبادات وبها من الأجور التي تحفز المسلم أن يغتنم الأوقات في ملازمة هذه العبادة العظيمة، قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ } [البقرة 185]

 ويتأكد الإكثار من تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان الكريم تأسيا بخير خلق الله تعالى رسولنا الكريم ﷺ: فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "كان يَعرِضُ على النبي ﷺ القرآنَ كلَّ عامٍ مرَّةً، فعرَضَ عليهِ مرَّتينِ في العامِ الذي قُبِضَ فيه، وكان يَعْتَكِفُ كلَّ عامٍ عَشرًا، فاعْتَكَفَ عِشرينَ في العامِ الذي قُبِضَ فيهِ" (صحيح البخاري). في ربيع الأول من العام 11 من الهجرة .

اعتكاف رسول الله

قال الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد، إن النبي ﷺاعتكف مرة في العشر الأول من رمضان، ثم الأوسط يلتمس ليلة القدر، ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكاف العشر الأخير حتى لحق بربه عز وجل.

وأضاف ابن القيم أن النبي ترك مرة اعتكاف العشر الأخير فقضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه. رواه البخاري ومسلم، ولما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً.

شهر الإكثار من الصدقة

 إن الصدقة لها شأن عظيم في الإسلام، ولقد أمر الله تعالى الصدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى في آيات كثيرة لبيان أهمية وفضل الصدقة، قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:276]، وقال الله سبحانه: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ  39]، وكان من سنة الرسول الإكثار من الصدقة في شهر رمضان فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

ولذا يحرص المسلم كل الحرص على الصدقة وفي هذا أوجه كثيرة ويسيرة فلنساهم في إطعام المساكين والمحتاجين ولنسع كل السعي على التعاون في جمع المال لبذله في سبيل الإنفاق لوجه الله تعالى فلنقم بشراء أكياس التمر ونعطيها للأهل والجيران والأصدقاء فلنقم بدعوة الغير للإفطار.

مضاعة الأعمال في رمضان

لما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة ، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره ، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات ، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق ، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره ، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة " انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز " .

قد ورد الشرع ببيان هذه المضاعفة في بعض الأعمال والأوقات .

ففي ليلة القدر قال الله عز وجل: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (القدر  3)، أي أن العبادة فيها خير من العبادة في ألف شهر .

قال الشيخ السعدي رحمه الله :

" أي : تعادل من فضلها ألف شهر، فالعمل الذي يقع فيها، خير من العمل في ألف شهر خالية منها ، وهذا مما تتحير فيه الألباب، وتندهش له العقول، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة والقوى، بليلة يكون العمل فيها يقابل ويزيد على ألف شهر ، عُمْرُ رجلٍ مُعَمِّرٍ عُمْرًا طويلا نيفا وثمانين سنة " انتهى من " تفسير السعدي " .

وقد ورد في العمرة في رمضان قول النبي: (عُمْرَة فِي رَمَضَانَ تَقْضِي [أي تعدل] حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ) رواه البخاري، ومسلم

فمضاعفة الحسنة - في رمضان وفي غيره- مضاعفة بالكم والكيف، والمراد بالكم: العدد، فالحسنة تضاعف أكثر من عشرة أمثالها، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط، أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد.

ذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون : "إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره " .

وقال النخعي رحمه الله : "صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة" انتهى من "لطائف المعارف" لابن رجب .

الشهر الذي فيه العمرة تعدل حجة مع الرسول ﷺ

 إن العمرة من عبادات وشعائر الإسلام العظيمة، وفي شهر رمضان لها فضيلة أخرى، فمن استطاع العمرة في رمضان فليفعل لكي يكون في زمرة من نالوا هذا الأجر الكريم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ لامرأة من الأنصار: «ما منَعَكِ أن تَحُجِّي معَنا» قالت: لم يكن لنا إلا ناضحان، فحج أبو ولدها وابنها على ناضح، وترك لنا ناضحًا ننضح عليه، قال: «فإذا جاء رمضانُ فاعتمِري، فإنَّ عُمرةً فيه تعدِلُ حجَّةً» (صحيح مسلم)، وفي رواية لمسلم: «حجَّةً معي». والناضح هو بعير يسقون عليه.