تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب السابع عشر ج 1 – أثر الكبر في البعد عن الحق .
قال تعالى :
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )﴿146 الأعراف﴾
( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ )﴿146 الأعراف﴾
في
تفسير هذه الآية: قال ابن كثير
قول تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ
فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي سأمنع قلوب المتكبرين عن طاعتي، والذين ويتكبرون على الناس بغير
حق، الذين يرون أنهم أفضل الخلق، سأمنعهم فهم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي ، أي كما
استكبروا بغير حق أذلهم بالجهل. وقال سفيان بن عيينة: أنزع عنهم فهم القرآن
وأصرفهم عن آياتي، وقيل: سأصرفهم عن الإيمان بآيات الله ، وقيل: سأصرفهم عن الإنتفاع بالآيات .
وقال آخر: من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً.
وقال بعض السلف: لا ينال العلم حيي ولا مستكبر.
وفي اصناف الناس الذين يصرفون عن فهم آيات الله ، قال في البرهان : واعلم أنه لا يحصل الناظر فهم معاني الوحي ، ولا
يظهر له أسراره ، وفي قلبه بدعة أو كبر أو هوى أو حب الدنيا ، أو وهو مُصِرٌّ على
ذنب ، أو غير متحقق بالإيمان ، أو ضعيف التحقيق ، أو يعتمد على قول مفسر ليس عنده
علم أو راجع إلى معقوله ، وهذه كلها حجب وموانع بعضها آكد من بعض. اهـ
وفي معاني وما تدل عليه كلمة ( آياتي ) : من تفسير القرطبي
(آيَاتِيَ) : جمع ( آية ) ، وتطلق ثلاث إطلاقات:
فإما أن تكون آية كونية: مثل
قوله تعالى: ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَاخْتِلاَفِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ ) (آل عمران 190)
وإما أن تكون معجزة : دالة على صدق الرسول في البلاغ ، قوله تعالى: ( فَلَمَّا زاغُوا
أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) (الصف 5 ) لما زاغوا على الحق، أزاغ الله
قلوبهم عن فهم معجزات الله .
وإما أن تكون آية قرآنية: فيها حكم من أحكام الله. قال سفيان بن عيينة: أنزع عنهم فهم القرآن
وأصرفهم عن آياتي.
فهذه ثلاث معاني ل(
آياتي ) كلها معتبرة هنا
( الذين يتكبرون) ، يرون أنهم أفضل
الخلق. وهذا ظن باطل فلهذا قال: (بِغَيْرِ
الْحَقِّ) فلا يتبعون نبيا ولا يصغون إليه لتكبرهم.ولا حق لهم بالكبر ، فليس عندهم
مقوماته ، قوله تعالى: ( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ
آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا} يعني هؤلاء المتكبرون. أخبر عنهم أنهم يتركون طريق الرشاد
ويتبعون سبيل الغي والضلال، أي الكفر يتخذونه دينا. ثم علل فقال: ( ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا)
أي ذلك بسبب
بتكذيبهم، فتكذيبهم بآيات الله صار بهم أنهم ضلوا عن طريق الحق
فهو في الحقيقة السبب (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا )، وهو النتيجة ( انهم ضلوا عن طريق الحق) (وَكَانُوا
عَنْهَا غَافِلِينَ) أي
كانوا في تركهم تدبر الحق كالغافلين. ويحتمل أن يكونوا غافلين عما يجازون به، كما
يقال: ما أغفل فلان عما يراد به.
وفي المقابل : أما المجاهدون الذين طهرت صدورهم من الحقد والكبر، وبرئت نفوسهم
من الشهوات، وتنزهت ميولهم عن خسيس المطامع ، فلهم هذا الوعد الحسن من رب العباد
ومجري الأرزاق : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا
فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت 69
ومما يؤخذ من هذه الآيات
:ـ
أنه جدير بكل طالب علم أن يصفّي نيته ويتجّه بقلب سليم لطلب العلم، لا سيما إذا كان علماً شرعياً، فهو أحرى بأن يتجردّ طالبُه عن كل ما يحجبه عنه، فالعلم نور يُحجب عن كل عاصٍ ومتكبر.
ومن الطائف ما ذكره الشيخ الشعراوي عليه رحمة الله في تفسير هذه الآية قال:
-والمتكبر
هو من ظن أن غيره أدنى منه وأقل منزلة ، فلا يرى شيء أعظم من نفسه وفعل نفسه ولو
كان معجزات نبي ، أو آية كونية عظيمة ، ومقومات الكبر قد تكون قوة، لكن
ألم يرَ المتكبر قويًّا قد ضعف؟
وقد يكون الثراء من مقومات التكبر،
لكن ألم يرَ المتكبر غنيًّا قد افتقر؟
أو يكون المتكبر صاحب جاه، ألم يرَ
ذا جاه صار ذليلاً ؟
فمن يتكبر، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً. ومقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية، فلا يحق لأحد منهم أن يتكبر مهما علا، ومن نظر إلى عظمة خالقه وكماله، وإلى ما يؤول إليه كل بشر، لتضاءل في نفسه.
فمن يتكبر، عليه أن يتكبر بشيء ذاتي لا يُسْلَب منه أبداً. ومقومات الكبرياء في البشر غير ذاتية، فلا يحق لأحد منهم أن يتكبر مهما علا، ومن نظر إلى عظمة خالقه وكماله، وإلى ما يؤول إليه كل بشر، لتضاءل في نفسه.
-وقوله سبحانه: ( يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) يفيد أن هناك كبرياء بحق لمن يملك في ذاته كل عناصر القوة والثراء والجاه والعزة، ولذلك فالكبرياء لله وحده. فهو سبحانه كما قال عن نفسه فيما يرويه أبو هريرة قال : قال رسول الله ﷺ ( قال الله عز وجل : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ) رواه مسلم
مساوئ
الكبر :
الكبر صفة
تسلب الفضائل وتكسب الرذائل وتجلب المقت بين الناس ، وليس
لمن استولى عليه الكبر اصغاء لنصح، ولا قبول لتأديب ،لأن المتكبر يترفع بنفسه عن
رتبة المتعلمين، ولهذا فقد نهى الله تعالى عباده المؤمنين عنها
فقال:
( ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا )
(الإسراء: 37) ،
وقال سبحانه : ( واقصد في مشيك واغض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (لقمان: 19)
موعظة للتدبر:
حُكي ان مطرف بن الشخير نظر الى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يستحبها ويمشي الخيلاء فقال: يا أبا عبدالله ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ فقال المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك: أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة ، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.
وقال سبحانه : ( واقصد في مشيك واغض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) (لقمان: 19)
موعظة للتدبر:
حُكي ان مطرف بن الشخير نظر الى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يستحبها ويمشي الخيلاء فقال: يا أبا عبدالله ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟ فقال المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى أعرفك: أولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة ، وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة.
[
المذرة: الكريهة الرائحة الفاسدة يقال مذرت البيضة اي فسدت وكرهت رائحتها - عذرة:
غائط ] هذا هو الانسان، فلم الكبر
والاعجاب!
حكم التكبر على المتكبر :
حكم التكبر على المتكبر :
جرت واشتهرت عبارة على ألسن الناس بألفاظ مختلفة منها (التكبر على المتكبر حسنة وفي لفظ صدقة)، وليست بحديث كما ذكر العجلوني في كتابه ( كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما اشتهر من الحديث على ألسن الناس )، بالرغم من أنها عبارة صحيحة، وليس الكبر حينئذ كبراً بل سمي تكبراً من باب المشاكلة فحسب.
فالتكبر على المتكبر صدقة، لأنه إذا تواضعت له تمادى في ضلاله وإذا تكبرت عليه تنبه، ومن هنا قال الشافعي تكبر على المتكبر مرتين، وقال الزهري: التجبر على أبناء الدنيا أوثق عرى الإسلام، وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى: أظلم الظالمين من تواضع لمن لا يلتفت إليه، وقيل قد يكون التكبر لتنبيه المتكبر لا لرفعة النفس فيكون محموداً كالتكبر على الجهلاء والأغنياء المتغطرسين، قال يحيى بن معاذ: التكبر على من تكبر عليك بماله تواضع.
تعوذ
رسول الله ﷺ من الكبر :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه
أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ،
فَهَمْزُهُ:الْمُوتَةُ، وَنَفْثُهُ: الشِّعْرُ وَنَفْخُهُ: الْكِبْرُ)
أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه ، قوله: (المُؤتة): بضم
الميم، نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه كمال العقل
كالسكران، وقيل: همزه وساوسه ونزغاته من الهمز وهو النخس، قوله: (نفثه الشعر): لأنه ينفث من الفم،
والمراد الشعر المذموم وإلا فقد جاء: إن من الشعر لحكمة، وفسر النفث بالسحر، قال
تعالى: “وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ”(الفلق: 4)، قوله: (ونفخه الكبر): أي
التكبر، حيث ينفخ فيه الشيطان فيتعاظم في نفسه ويحتقر الناس ويرد الحق .
نفعنا
الله تعالى بالقرآن العظيم ، ورزقنا حسن تلاوة كتابه آناء الليل واطراف النهار على
الوجه الذي يُرضيه عنا
No comments:
Post a Comment