نسب النوّار:
أورد ابن سعد في الطبقات: النوار بنت مالك بن صِرْمَة بن مالك بن عدي بن
عامر بن غنم بن عديّ بن النجار، وأمها سلمى بنت عامر بن مالك بن عدي، تزوجها ثابت
بن الضحاك، فولدت له زيدًا ويزيد ابني ثابت، وتوفي عنها في حرب بعاث (هو موضع
بالقرب من المدينة المنورة جرت به حروب ومناوشات بين أبناء قبيلتيّ الأوس والخزرج)
قبل الهجرة بخمس سنين ، وكان عمر ابنها زيد ست سنين ، ثم خلف عليها عمار بن حزم بن زيد النجاري الأنصاري رضي الله عنه، وكان من السبعين الذين بايعوا رسول الله ﷺ ليلة العقبة. وهو من أهل بدر، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله ﷺ فولدت له مالكًا.
إسلامها:
النوّار صحابية أنصارية سخَّرت مالَها
وابنَها لله تعالى، ولرسوله الكريم ﷺ وأسلمت مع مَن أسلم من أهل المدينة المنورة على يد الصحابي الجليل
مصعب بن عمير ، و منذ إسلامها وهي تحفظ بشغفٍ آياتِ القرآن الكريم وتلقِّنها
ابنَها وتعلِّمه كلَّ ما تتعلمه.
روايتها للحديث:
كانت النوّار رضي الله عنها إلى جانب
حبها ووعيها لحفظ القرءان شغوفة ً بحفظ الأحاديث النبوية الشريفة، فقد روت عن
النبي ﷺ بعض الأحاديث وكذلك روت عن أمهات المؤمنين، وكانت صاحبة همةٍ عالية، علمت ابنها زيد القرآن ،وربته أحسن تربية
فكانت مكرّمة هي وولدها عند النبي ﷺ وعند الخلفاء الراشدين من بعده.
بارك الله فيك وفي أمك:
وكانت أول من قدمت هدية للمصطفى ﷺ بعد وصوله إلى المدينة، بعد
نزوله بدار أبي أيوب الأنصاري، كانت قصعة من طعام حملها ابنها زيد إليه. وعن قصة
الهدية يقول ابنها زيد: ( أول
هدية دخلت على رسول الله في بيت أبي أيوب، قصعة أرسلتني بها أمي إليه، فيها خبز
مثرود بسمن ولبن، فوضعتها بين يديه، وقلت: يا رسول الله، أرسلت بهذه القصعة أمي،
فقال رسول الله: ( بارك
الله فيك وفي أمك) .
النوّار ؛ النجيبة أم النجيب : ام جامع القرآن :
النوار هي أم زيد بن ثابت كاتب الوحي
وإمام أهل المدينة في العلم وقراءة القرآن، أسلم وهو ابن إحدى عشرة سنة، أول دخول
الإسلام إلى المدينة .
ولقد كان لأمه فضل كبير في دفعه للعلم والحفظ والجهاد في سبيل
الله. ففي غزوة بدر ذهب إلى رسول الله ﷺ يرجوه أن يخرج
معهم في سبيل الله في تلك الغزوة, فلما أشفق عليه الرسول الكريم لصغر سنه ورده
رداً كريما حزن الفتي وحزنت أمه أكثر منه.
وكان الله سبحانه وتعالى
قد امتن عليه بنعمة الحفظ الجيد والذاكرة القوية ومحبة العلم. إنه يروى عنه كيف
كانت سعادته حين أتى به بعض رجال قومه إلى رسول الله ﷺ وأخبروه أنه قد
حفظ سبع عشرة سورة من القرآن الكريم. فعرض عليه النبي
ﷺ أن يتعلم كتاب اليهود التوراة فقد قال له الرسول ﷺ: (يا زيد تعلَّم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي). فمن تعلَّم لغة قوم أمن شرهم. ويروى أيضاً أنه تعلمه في نحو
أسبوعين, وأتقنه تماماً. ثم طلب إليه الرسول ﷺ وهو ابن سبع عشرة سنة أن يتعلم السريانية فتعلمها في سبعة عشر يوماً.
الرسول يكلفه بكتابة الوحي
ولما رأى رسول الله ﷺ براعته وإتقانه
في التعلم والحفظ وأمانته ودقته في النقل, مع فهمه لما يقرأ, كلفه ﷺ بكتابة الوحي الذي يتنزل على الرسول الكريم ﷺ، وهي مهمة عظيمة وجليلة.فكل
هذه المهمات والفضائل اجتمعت لابنها وتربيتها زيد بن ثابت رضي الله عنهما .
يوم السقيفة
وبعد وفاة الرسول ﷺ اجتمع الناس في سقيفة بني ساعدة،
اجتمع المهاجرون والأنصار لاختيار خليفة منهما، فقد قال الأنصار للمهاجرين رجل منا
ورجل منكم، ولكن زيد بن ثابت كاتب الوحي قال رأياً سديداً جعل الناس جميعاً ترضى
بحكمه، قال رضي الله عنه: (إن رسول الله كان من المهاجرين ونحن أنصاره، وإني أرى أن يكون الإمام من المهاجرين ونحن نكون
أيضا أنصاره) .
زيد بن ثابت جمعه للقرآن:
في معركة اليمامة أثناء حرب الردة قتل عدد كبير من حفظة القرآن ، فبعث
إليه خليفة المؤمنين أبو بكر رضي الله عنه وكان
عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: (يا زيد إن عمر أخبرني أن عدداً كبيراً من حفظة القرآن قد قتلوا
وإنه يعرض عليَّ أن نقوم بجمع القرآن, فما رأيك يا زيد؟).
قال زيد: (كيف نفعل شيئاً لم يفعله الرسول ﷺ ؟) . ولكن عمراً رضي الله عنه ظل
يناقش زيداً حتى شرح الله صدره لذلك، ثم أمر الصّديق زيدًا أن بجمعه، فجمعه من صدور
الرجال مشافهة ومن الرقاع ومن سعف النخيل، يقول زيد عن ذلك: (فتتبعت القرآن من صدور الرجال) ،
ثم أودعه عند أبي بكر حتى توفي, ثم كان عند عمر، ثم عند السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي
الله عنها وعن أبيها .
كتابة المصحف
وكان له دوره أيضا في كتابة المصحف الشريف في عهد عثمان رضي الله عنه، حيث أمر زيد وعبد الله بن الزبير
وسعيد بن العاصي وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوا الصحف التي عند حفصة في
المصاحف على قراءة قريش.
زيد أفرض أمة محمد ﷺ وشيخ المقرئين:
زيد بن ثابت هو شيخ المقرئين، ومفتي المدينة. كان زيد أعلم الناس
بعلم المواريث, وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله
عنه عن النبي ﷺ أنه قال: (أفرض
أمتي زيد بن ثابت) "رواه أحمد والنسائي": أي
أعلمهم بعلم الفرائض. وقال عنه ابن عباس رضي الله
عنه : (لقد علم الحفَّاظ من أصحاب محمد ﷺ أن زيد بن ثابت
من الراسخين في العلم) .
النوّار صاحبة بيت الأذان:
واستكمالاً لما نالته هذه الصحابية من شرفٍ ومكانةٍ عاليةٍ فقد
كانت دارُها أولَ بيت يؤذَّن من فوقه للصلاة؛ حيث كان أعلى دار حول مسجد الرسول ﷺ بالمدينة المنورة، فكان سيدنا بلال رضي الله عنه يؤذن من فوقه.
وهكذا أصبح دارالنوّار بنت مالك أول منارةٍ يؤذَّن من فوقها للصلاة والسعي إلى ذكر الله.
عن النوّار أم زيد بن ثابت قالت:
كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن
فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله ﷺ مسجده.
وفاة النوّار :
رحلت النوّار بعد حياة مباركة قضتها كما أمرها خالقها، فقد كانت حريصة على
تربية ابنها وتنشئته على الهدي النبوي، ورأت ثمرة غرسها الصالح في ولدها، فهو زينة
من رجالات الأمة المحمدية .
أما عن وفاة النوّار رضي الله عنها فيذكر كتاب التراجم أنها توفيت
في حياة ابنها زيد وصلى عليها .
وفي العام الخامس والأربعين من الهجرة ، توفي ابنها زيد بن ثابت
رضي الله عنه ، ورثاه حسان بن ثابت رضي الله عنه بقوله:
فمن للقوافي بعد حسان وابنه **** ومن
للمثاني بعد زيد بن ثابت
رضي الله عن النوار بنت مالك وابنها زيد وأرضاهما، وجمعنا الله وأياهم في جنات النعيم
No comments:
Post a Comment