Tuesday, 1 April 2014

شرح أحاديث الأربعين النووية - الحديث الثالث عشر - من كمال الإيمان


  
    

   



الحديث الثالث عشر  

عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله عن النبي الله قال:
 ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)  رواه البخاري ومسلم‏

الشرح:
 
المراد بنفي الإيمان في الحديث هو نفي بلوغ حقيقته ونهايته وكماله ، فإن الإيمان كثيرًا ما ينفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته، ويؤيد هذا التفسير لفظ الحديث عند الإمام أحمد رحمه الله وهو: (  لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير ) وهذه الرواية تبين هذا المعنى.
ومثله ما رواه البخاري عن أبي هريرة عنه :( لا يزني الزَّاني حينَ يزني وَهوَ مؤمنٌ ولا يشرَبُ الخمرَ حينَ يشرَبُ وَهوَ مؤمنٌ ولا يسرقُ حينَ يسرقُ وَهوَ مؤمنٌ ولا ينتَهبُ نُهبةً يرفعُ النَّاسُ إليْهِ فيها أبصارَهم حين ينتهِبُها وَهوَ مؤمنٌ .) البخاري
 وفي نفس المعنى حديث أبي هريرة  قوله : (  واللهِ لا يؤمنُ ، والله لا يؤمنُ ، والله لا يؤمنُ قيل : من يا رسولَ اللهِ ؟ قال : الذي لا يأمنُ جارُه بوائقَه قالوا يا رسولَ اللهِ وما بوائقُه ؟ قال : شرُّه .).السلسلة الصحسحة – الألباني.

  وقد اختلف العلماء في مرتكب المعاصي صغيرها وكبيرها هل يسمى مؤمنا ناقص الإيمان أم لا يسمى مؤمنا وإنما يقال هو مسلم فليس بمؤمن
على تفصيل وهو :ـ
-      فأما من ارتكب الصغائر فلا يزول عنه اسم الإيمان بالكلية بل هو مؤمن ناقص الإيمان ينقص من إيمانه بحسب ما ارتكب من ذلك ، وهو القول المختار عند أهل السنة.   
-     أما مرتكب الكبائر :ـ قال ابن عباس رضي الله عنهما:  الزاني ينزع عنه نور الإيمان ، وقال أبو هريرة ينزع منه الإيمان فيكون فوقه كالظلة فإن تاب عاد إليه،  وقال عبدالله بن رواحة وأبو الدرداء : الإيمان كالقميص يلبسه الإنسان تارة ويخلعه تارة أخرى.
والمعنى أنه إذا أكمل خصال الإيمان لبسه فإذا نقص منها شيء نزعه وكل هذا إشارة إلى الإيمان الكامل التام الذي لا ينقص من واجباته شيء.

المقصود من الحديث : 

 إن من جملة خصال الإيمان الواجبة أن يحب المرء لأخيه المؤمن ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لنفسه فإذا زال ذلك عنه فقد نقص إيمانه وقد روي أن النبي قال لأبي هريرة: (  و أَحِبَّ للناسِ ما تُحِبُّ لنفسك تكنْ مؤمنًا) خرجه الترمذي وابن ماجه‏ ، وصححه الألباني

وخرج الإمام أحمد من حديث معاذ أنه سأل النبي عن أفضل الإيمان قال: (أنْ تُحِبَّ للهِ ، وتُبغضَ للهِ ، وتُعملَ لِسانَكَ في ذِكرِ اللهِ قال : ومَاذا يا رسولَ اللهِ ؟ قال : وأنْ تُحِبَّ لِلناسِ ما تُحبُّ لنفسِكَ ، وتَكرَهَ لَهم ما تَكرَهُ لِنفسِكَ) ضعيف الترغيب - الألباني
 
هذه الخصلة سبب في دخول الجنّة: 

 وقد رتب النبي دخول الجنة على هذه الخصلة ففي مسند الإمام أحمد رحمه الله عن يزيد بن أسد القسري قال قال لي رسول الله : (  أتحب الجنة قلت نعم قال فأحب لأخيك ما تحب لنفسك )
وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي قال: (  من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه )
 
 وفي مسلم  أيضًا عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال لي رسول الله
ﷺ: (يا أبا ذَرٍّ إني أراكَ ضعيفًا ، وإني أُحِبُّ لك ما أُحِبُّ لنفسي ، لا تَتَأَمَّرَنَّ على اثنَيْنِ ، ولا تُوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ) ـمسلم


تطبيق عملي:

وكان محمد بن واسع يبيع حمارا له فقال له رجل:  أترضاه لي ؟ قال:  لو رضيته لم أبعه ، وهذه إشارة منه إلى أنه لا يرضى لأخيه إلا ما يرضى لنفسه وهذا كله من جملة النصيحة لعامة المسلمين التي هي من جملة الدين .
وفي حديث حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي قال : ( مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) خرجاه في الصحيحين.
 
أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك دلالة على سلامة الصدر:

وهذا يدل على أن المؤمن يسوءه ما يسوء أخاه المؤمن ويحزنه ما يحزنه، وحديث أنس الذي نتكلم الآن فيه يدل على أن المؤمن يسره ما يسر أخاه المؤمن ، ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر من الغش والغل والحسد،  فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد بها عنهم والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء وقد مدح الله تعالى في كتابه من لا يريد العلو في الأرض ولا الفساد فقال تعالى: ‏( ‏تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين ) القصص 83

وكذا روي عن الفضيل بن عياض في الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ، قال: من لا يحب أن يكون نعله أجود من نعل غيره،  ولا شراكه أجود من شراك غيره ، وقد قيل إن هذا محمول على أنه إذا أراد الفخر على غيره لا بمجرد التجمل‏.

وقد ورد ما يدل على أنه لا يأثم من كره أن يفوقه من الناس أحد في الجمال فخرج الإمام أحمد رحمه الله والحاكم في صحيحه من حديث أبو هريرة رضي الله عنه قال:( أنَّ رجلًا أتى النبيَّ وكان رجلًا جميلًا ، فقال : يا رسولَ اللهِ إني رجلٌ حُبِّب إليَّ الجمالُ ، وأُعطيتُ منه ما ترى حتى ما أُحبُّ أن يفوقني أحدٌ ، إما قال : بشِراك نعْلي ، وإما قال : بشِسْع نَعلي ، أفمنَ الكِبرِ ذلك ؟ قال : لا ، ولكنَّ الكبرَ من بطَر الحقَّ ، وغمطَ الناسَ ) وفي أحاديث أخرى أن الرجل هو : مالك بن مرارة الرهاوي- السلسلة الصحيحة – الألباني
وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم.
فنفى أن يكون كراهته لأن يفوقه أحد في الجمال بغيا أو كبرا ، وفسر البغي والكبر ببطر الحق وهو التكبر عليه والامتناع من قبوله كبرا إذا خالف هواه،  ومن هنا قال بعض السلف: التواضع أن تقبل الحق من كل من جاء به وإن كان صغيرًا فمن قبل الحق ممن جاء به سواء كان صغيرًا أو كبيرًا وسواء كان يحبه أو لا يحبه فهو متواضع ، ومن أبي قبول الحق تعاظما عليه فهو متكبر وغمط الناس هو احتقارهم وازدراؤهم وذلك يحصل من النظر إلى النفس بعين الكمال وإلى غيره بعين النقص .

وفي الجملة فينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه فإن رأى في أخيه المسلم نقصا في دينه اجتهد في إصلاحه قال بعض الصالحين من السلف أهل المحبة لله نظروا بنور الله وعطفوا على أهل معاصي الله مقتوا أعمالهم وعطفوا عليهم ليزيلوهم بالمواعظ عن فعالهم وأشفقوا على أبدانهم من النار.  ولا يكون المؤمن مؤمنا حقا حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه وإن رأى في غيره فضيلة فاق بها عليه فيتمنى لنفسه مثلها فإن كانت تلك الفضيلة دينية كان حسنا وقد تمنى النبي لنفسه منزلة الشهادة
وقال : ( لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله القرآن فهو يقرؤه آناء الليل وآناء النهار )
وقال في من ينفق ماله في طاعة الله فقال : ( لو أن لي مالًا لفعلت فيه كما فعل هذا فهما في الأجر سواء)  وإن كانت دنيويه فلا خير في تمنيها كما قال تعالى ‏:
(  ‏فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ‏ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا‏) القصص 79
فيستفيد بذلك أمرين نفيسين : أولهما : الاجتهاد في طلب الفضائل والازدياد منها
والثاني : النظر إلى نفسه بعين النقص
وإن علم المرء أن الله قد خصه على غيره بفضل فأخبر به لمصلحة دينية، وكان إخباره على سبيل التحدث بالنعم ويرى نفسه مقصرا في الشكر كان جائزا فقد قال ابن مسعود: (  ما أعلم أحدًا أعلم بكتاب الله مني)  ولا يمنع هذا أن يحب للناس أن يشاركوه فيما خصه الله به فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما ( إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود أن الناس كلهم يعلمون منها ما أعلم)  وقال الشافعي: ( وددت أن الناس تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلى منه شيء ) ، وكان عتبة الغلام إذا أراد أن يفطر يقول لبعض إخوانه المطلعين على أمره وأعماله :( أخرج إلى ماء أو تمرات أفطر عليها ليكون لك أجر مثل أجري‏ )

بتصرف من : جامع العلوم والحكم لابن رجب، في شرح أحاديث الأربعين النووية

No comments:

Post a Comment