Sunday, 17 August 2014

تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب الخامس والعشرون – دعاء سيدنا يوسف عليه السلام



 

دعاء سيدنا يوسف عليه السلام 


قال تعالى في سرد قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، وبعد أن اجتمع شمله مرة أخري بوالديه وإخوته ، وكان قدر أكرمه الله تعالى بالنبوة وملك مصر ، فاجتمع إليه كل محابه في آن واحد ومكان واحد فقام يدعو بهذا الدعاء:
( رَ‌بِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ‌ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَ‌ةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ )  يوسف 101
التفسير:
( من)من قوله ( من الملك) للتبعيض، وكذلك قوله ( وعلمتني من تأويل الأحاديث) لأن ملك مصر ما كان كل الملك، وعلم التعبير ما كان كل العلوم. وقيل (من) للجنس كقوله سبحانه: (  فاجتنبوا الرجس من الأوثان) (الحج 30) أي جنس الأوثان عموما، وقيل : للتأكد. أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديث. قوله تعالى ( فاطر السماوات والأرض) وهو نداء مضاف؛ والتقدير : يارب! ، والفاطر الخالق؛ فهو سبحانه فاطر الموجودات، أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء، ولا مثال سبق،( أنت وليي) أي ناصري ومتولي أموري في الدنيا والآخرة. ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين) يريد آباءه الثلاثة؛ إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فتوفاه الله - طاهرا طيبا - بمصر، ودفن في النيل في صندوق من رخام؛ وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه؛ كل يحب أن يدفن في محلتهم، لما يرجون من بركته؛ واجتمعوا على ذلك حتى هموا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النيل من حيث مفرق الماء بمصر، فيمر عليه الماء، ثم يتفرق في جميع مصر، فيكونوا فيه شرعا ففعلوا؛ فلما خرج موسى ببني إسرائيل أخرجه من النيل :  وكان يووسف عليه السلام قد أوصى علمائه لما حضرته الوفاة ان ينقلوا عظامه معهم إذا خرجوا مع موسى عليه السلام من مصر إلى فلسطين. فلما أراد موسى الخروج من مصر مع علمائه سأل عن قبر يوسف ، قالوا له إن عجوزا من بني إسرائيل تعلم قبره ، فبعث اليها موسى فاتته فقال : دليني على قبر يوسف ، فقالت : لا أخبرك حتى تعطيني أربع خصال ، تطلق رجلي، وتعيد الي بصري، وشبابي ، وتجعلني معك في الجنة ، فكبر ذلك على موسى فأوحى الله تعالى اليه ان أعطها ما سألت ، ففعل ، فانطلقت بهم الى موضع عين في مستنقع ماء فاستخرجوه من شاطئ النيل في صندوق من مرمر ، فلما حملوا التابوت ، طلع القمر وأضاء الطريق مثل النهار فاهتدوا به وحملوه معهم ودفنوه مع آباءه في فلسطين.
 ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى بيت المقدس، فدفنوه مع آبائه لدعوته ( وألحقني بالصالحين) وكان عمره يوم توفي مائة عام وسبعة أعوام. وعن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة، ثم جمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنه؛ وكان له من الولد إفراثيم، ومنشا، ورحمة وهي زوجة أيوب؛ في قول ابن لهيعة ـ
وأما يعقوب عليه السلام روي أنه عاش مائة وسبعا وأربعين سنة ، ودخل مصر على يوسف وهو ابن مائة وثلاثين سنة ، وكان عند يوسف بمصر سبعة عشر سنة ، وقيل : أربعا وعشرين سنة ثم توفي بمصر ، ونقل جسده الى بيت المقدس في تابوت من ساج. ( قصص الأنبياء للثعلبي، والبداية والنهاية لابن كثير ، وهذا كله مما لم يرد في صحيح عن رسول الله فيكون من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب )
هل تمنى يوسف الموت؟
كان هذا دعاء من يوسف الصديق ، دعا ربه عز وجل لما تمت نعمة الله عليه  باجتماعه بأبويه وإخوته ، وما منّ الله عليه من النبوة والملك ، سأل ربه كما أتممت علي النعمة في الدنيا أن تستمر كذلك إلى الآخرة ، بأن يتوفاه مسلما حين يتوفاه ، وأن يلحقه بالصالحين ، وهم إخوانه المرسلين
ودعؤه هذا يحتمل كما قال المفسرون ان يكون قد دعاه عند احتضاره ، كما ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبيي جعل يرفع أصبعه عند الموت ويقول : ( اللهم في الرفيق الأعلى ) ثلاثا
ويحتمل ان يكون قد سأل الوفاة على الإسلام ، واللحوق بالصالحين إذا جاء الأجل ، وليس منجزا ، إي أنه لم يطلب الموت _ كما قال بهذا بعض المفسرين ، وقالوا كان هذا جائزا بشريعتهم ، وهو أبعد -   بل هو من باب الرجاء أن يكون هذا حاله ومآله عند وفاته ، كما يقول الداعي لغيره : أماتك الله على الإسلام ، أو رزقك الله الشهادة عند الموت .. وهكذا
هل يجوز للمسلم أن يطلب الموت:
إن طلب الموت في شريعتنا وديننا الذي ندين الله تعالى به غير جائز لا من همِّ ولا غم ولا ضنك ولا مرض ولا ضائقة ، وإليكم ما جاء في هذا السياق :
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ،إمّا محسنا فيزداد ، وإمنّا مسيئا فلعله يستعتب ، ولكن ليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) ( في الصحيحين البخاري ومسلم ) ومعنى محسنا فيزداد : أي يزداد من العمل الصالح بطول حياته، فتكثر حسناته ، وتعلو درجاته في الجنة ،  وإما مسيئا فلعله يستعتب : أي ربما إذا كان مسيئا أن يتراجع عن فعل السوء ، ويتوب في بقية عمره ،فيقبل الله منه .
وعند الإمام أحمد رحمه الله ، عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله فذكّرنا ورققنا ، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء ، وقال : يا لينتي مت ، فقال النبي ( يا سعد أعندي تتمنى الموت ؟ ) فردد ذلك ثلاثا ، ثم قال : ( يا سعد إن كنت خلقت للجنة ، فما طال من عمرك وحسُن من عملك ، فهو خير لك )ـ
كما روى الإمام أحمد رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال ( لا يمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، ولا يَدعُ به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون وثق بعمله ، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ، وأنه لا يزيد المؤمن عمله إلا خيراً ) ، وقوله ( إلا أن يكون وثق بعمله ) هي للتعجيز والتبعيد فمن يثق بعمله ؟
جواز طلب الموت من الفتنة في الدين:
هذا النهي عن طلب الموت هو في حال أن يكون الضر خاصاً بشخص في نفسه ، أما إذا كانت فتنة في الدين فيجوز سؤال الله الموت ، كما قال تعالى إخبارا عن السحرة لما أراد فوعون ثنيهم عن دينهم ، قالوا: ( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين )
وقالت مريم لما جاءها المخاض ( يا ليتني مت قبل هذا ) وذلك لما تيقنت أن الناس سيرمونها بفعل الفاحشة  لأنها لم تكن ذات زوج ، وقد حملت ووضعت  

وفي حديث معاذ عن النبي : (  وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون )ـ

وفي الحديث عن فتنة الدجال فيه :( إن الرجل ليمر بالقبر - أي في زمان الدجال – فيقول ( يا ليتني كنت مكانك ) لما يرى من القتن والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي تفتن كل مفتون .

وتمني الشهادة ليس من تمني الموت المنهي عنه  :

 بل مستحب لا سيما عند حضور أسبابها ، لما في الصحيح عن رسول الله : ( من تمنى الشهادة خالصا من قلبه أعطاه الله منازل الشهداء ) وعن أبي هريرة رضي الله عنه : كان رسول الله يقول في دعائه: ( اللـهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، واجعل الموت راحة لي من كل شر) أخرجه مسلم

 

اللهم إنّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن  ، ونعوذ بك من جهد البلاء ، ودرك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء



No comments:

Post a Comment