السيدة رقية بنت رسول الله أم عبد الله، ذات الهجرتين
شرف نسب السيدة رقية :
رقية بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمية بنت سيد البشر رسول الله
ﷺ ، أمها خديجة بنت خويلد.
وكانت تكنى بأم عبد الله، وتكنى بذات الهجرتين، أي هجرة الحبشة
وهجرة المدينة.
مولدها رضي الله عنها:
وولدت السيدة رقية وعمر النبي ﷺ ثلاث وثلاثون،كما في مستدرك الحاكم من طريق محمد بن إسحاق ، إن
رقية بنت رسول الله ﷺ وُلدت سنة ثلاث وثلاثين من مولد النبي ﷺ ، وكانت أم كلثوم أصغر منها سنا. وبعث النبيﷺ وعمره أربعون،
وأسلمت رقية مع أمها خديجة، فعلى هذا يكون عمرها عند إسلامها سبع سنوات.
تزويجها من ابن عمها عتبه بن أبي لهب:
وكان رسول الله ﷺ قد زوج ابنته رقية من عتبة بن أبي لهب قبل بعثته ﷺ ، وكانت دون العاشرة، وزوج أختها أم كلثوم
عتيبة بن أبي لهب ، وأمهما أم جميل بنت
حرب بن أمية حمَّالة الحطب ، فلما نزلت سورة المسد ، وفيها الويل والوعيد لأبي لهب
وزوجته لشدة إيذائهما لرسول الله ﷺ، قال أبو لهب لأبنه : رأسي من رأسك
حرام إن لم تطلق ابنته .
ففارقاهما قبل أن يدخل بهما كرامة من الله تعالى، وهوانًا لابني أبي لهب.
و فى رواية : أن أبا لهب كان قد زوّج ولديه عُتْبَةَ وعُتَيْبَة ببنتي رسول
الله ﷺ رُقَيَّة وأم كُلْثوم قبل النبوة، فلما بادى رسول الله ﷺ - قريشاً بأمر الله تعالى وعاب آلهتهم، قالوا: إنكم قد فرَّغتم محمداً من
همّه- أي بناته -، فرُدّوا عليه بناته فاشغلوه بهنّ .
توضيح في سن رقية وام كلثوم عند زواجهن
بعتبة وعتيبة إبنا أبي لهب:
فإن الوارد في ولادة رقية ـ رضي الله عنها ـ أنها ولدت والنبي ﷺ عمره ثلاث وثلاثون، وأنَّ أختها أم كلثوم أصغر منها سنا.
وقد ذكر ابن عبد البر أن ابني أبي لهب تزوجا ابنتي رسول الله ﷺ
قبل البعثة، وكان عتبة قد تزوج رقية وعتيبة تزوج أم
كلثوم، فإن ثبت هذا فيكون العقد عليهما قد تم وهما صغيرتان- قبل السبع سنوات- ،
لكن هذا لا يستلزم الدخول عليهما، ولهذا قال
الحافظ ابن حجر في الإصابة معلقا على كلام ابن عبد البر السابق: إن
ثبت ذلك يكون عقد نكاح إلى حين يحصل التأهل فكان الفراق وقع قبل ذلك. اهـ.
يعني أنهما قد طلقاهما قبل الدخول، وما ذكره الحافظ هنا يزول به
الإشكال فيما يتعلق بنكاح الصغيرة، حيث إن مجرد العقد ليس له سن محدد، وأما الدخول
فإنها لا تسلم إلى زوجها إلا إذا كانت مطيقة للوطء، وهو سن البلوغ وهذا لا يتحدد
بسن معين، وإنما يختلف الأمر باختلاف البيئات والأزمان.انتهي كلامه
زواجها بعثمان بن
عفان رضي الله عنه:
شاءت قدرة الله لرقية أن يبدلها عن ابن أبي لهب بزوج صالحٍ كريمٍ، من النفر
الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، ذلك هو عثمان بن عفان
صاحب
النسب العريق، والطلعة البهية، والمال الموفور، والخلق الكريم. وما كان
الرسول الكريم ﷺ ليبخل على مثل هذا الصحابي بمصاهرته عندما طلب عثمان رقية ، فسرعان ما
استشار ابنته، ففهم منها الموافقة عن حب وكرامة، وتم لعثمان نقل عروسه إلى بيته،
فأكرمه الله تعالى بشرف مصاهرة نبيه الكريم ، بعد أعزه الله أن كان من السابقين
إلى الإسلام .
وولدت رقية غلامًا من عثمان فسماه عبد الله، واكتنى به.
إسلام عثمان :
ذكر عثمان رضي الله عنه أنه دخل بيته ذات
يوم مهموماً ، وذلك في أول بعثه النبي ﷺ، فوجد عند أهله خالته، فقالت له: عثمان لك الجمال، ولكِ اللسان، هذا
النبي معه البرهان. أرسله بحقه الديان، وجاءه التنزيل والفرقان، فاتبعه لا تغتالك
الأوثان.
قال: فقلت: إنك لتذكرين أمراً ما وقع ببلدنا.
فقالت: محمد بن عبد الله رسول من عند الله، جاء بتنزيل الله يدعو به إلى
الله، قال عثمان: فانطلقت مفكراً، فلقيني أبو بكر فأخبرته
فقال: ويحك يا عثمان، إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، ما هذه
الأصنام التي يعبدها قومنا؟ أليست من حجارة صم لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع
؟ قال: قلت بلى والله إنها لكذلك.
فقال: والله لقد صدقتك خالتك هذا رسول الله محمد بن عبد الله، قد بعثه الله
إلى خلقه برسالته، هل لك أن تأتيه ؟.
فاجتمعنا برسول الله، فقال: "يا عثمان، أجب الله إلى حقه، فأنا رسول الله إليك وإلى خلقه" . قال عثمان: فوالله ما تمالكت نفسي منذ سمعت رسول الله ﷺ أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. يقول : ثم لم ألبث أن تزوجت رقية بنت رسول الله ﷺ ، فكان يقال: أحسن زوجين رآهما إنسان؛ رقية وزوجها عثمان، وذكر ابن إسحاق، وذكر في المغازي أن رقية بنت رسول
الله ﷺ وعثمان فيما ذكروا لم ير في العرب ولا في الحبش أحسن منها.
وكانت رقية ذات جمال بارع وكذا عثمان ، ومن ثم كان النساء يغنينهما
بقولهن:
أحسن شيء قد يرى
إنسان ** رقية وبعدها عثمان
ومن ثم ذكر «أنه- أي
النبي ﷺ بعث رجلا إلى عثمان
ورقية فاحتبس عليه الرسول، فلما جاء إليه قال له: "إن شئت أخبرتك ما حبسك؟ قال نعم، قال: وقفت تنظر إلى عثمان
ورقية تعجب من حسنهما» أي
ومعلوم أن ذلك كان قبل آية الحجاب.
وقد جاء في وصف حسن عثمان قوله : "قال لي جبريل: إن أردت أن تنظر من أهل الأرض شبيه يوسف
الصديق فانظر إلى عثمان بن عفان" (
ذكره ابن كثير في البداية والنهاية)
هجرتها مع زوجها عثمان الى الحبشة
ما رأى رسول الله ما نزل بالمسلمين من توالي الأذى عليهم من كفار
قريش مع عدم قدرته على انقاذهم مما هم فيه، قال لهم: تفرقوا في الأرض فإن الله تعالى سيجمعكم قالوا: إلى أين نذهب؟ قال: هاهنا وأشار بيده إلى جهة
أرض الحبشة ؛ قال: وفي رواية :قال لهم:"
اخرجوا إلى جهة أرض الحبشة، فإن بها ملكا
لا يظلم عنده أحد"، أي وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه.
وكان أهلُ هذه الهجرة الأولى اثنى عشَرَ رجلاً، وأربع نسوة وكان أوَّلَ مَن هاجر إليها عثمانُ بن عفان، ومعه زوجتهُ رُقيَّةُ بنتُ رسول الله ﷺ، وكان مع رقية أم أيمن حاضنته ﷺ.
روى
البيهقي عن النضر بن أنس يقول: سمعت أبا حمزة - يعني: أنس بن مالك رضي الله عنه
يقول: خرج عثمان بن عفان، ومعه امرأته رقية بنت رسول الله ، إلى أرض الحبشة، فأبطأ
على رسول الله ﷺ خبرهما، فقدمت
امرأة من قريش فقالت: يا محمد، قد رأيت ختنك ومعه امرأته.
قال: على أي حال رأيتهما؟
قالت:
رأيته قد حمل امرأته على حمار من هذا الدبابة، وهو يسوقها
فقال
رسول الله ﷺ: (إِنَّهُمَا لأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ بَعْدَ لُوْطٍ ) رواه الحاكم في المستدرك - أي حيث (قال إني مهاجر إلى ربي) فهاجر إلى عمه إبراهيم الخليل، ثم هاجرا عليهما الصلاة والسلام حتى
أتيا حران، ثم هاجرا إلى أن نزل إبراهيم فلسطين، ونزل لوط المؤتفكة.
ولدت رقيه رضي الله
عنها لعثمان عبدالله في الحبشة، فكان يكنى
به.
هجرتها الى المدينة ووفاتها:
ثم هاجرت إلى المدينة بعد عثمان ومرضت
قُبيل بدرفي السنة الثانية للهجرة، فاستأذن عثمان رسول الله ﷺ في التخلف عد الخروج معه إلى بدر لمرض ابنته رقية،فأذن له النبىﷺ ، ليقوم عليها يمرضها، فتوفيت والمسلمون ببدر
ولها من العمر اثنتان وعشرون سنة، ودفنت في البقيع قبل رجوع النبي ﷺ إلى المدينة.
روي عن ابن عباس قال: لما ماتت رقية
بنت رسول الله قَالَ ﷺ: (الْحَقِي
بِسَلَفِنَا عُثْمَانَ بنِ مَظْعُوْنٍ). فبكت النساء عليها؛
فجعل عمر يضربهن بسوطه. فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ، وَقَالَ: (دَعْهُنَّ يَبْكِيْنَ).
ثم قال: (ابْكِيْنَ،
وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيْقَ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّهُ مَهْمَا يَكُنْ مِنَ القَلْبِ
وَالعَيْنِ فَمِنَ اللهِ وَالرَّحْمَةِ، وَمَهْمَا يَكُنْ مِنَ اليَدِ
وَاللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ).
الثابت مِنْ جَمِيْعِ الرِّوَايَات: أَنَّ رُقَيَّةَ تُوُفِّيَتْ مرجع وَرَسُوْلُ
اللهِ ﷺ من ِبَدْرٍ. فلَعَلَّهُ أَتَى قَبْرَهَا بَعْدَ بَدْرٍ زَائِراً وحدثت هذه المحاورة.
رحم الله رقية بنت رسول الله ﷺ ورضي الله عنها وأرضاها.
No comments:
Post a Comment