التعريف بالسورة :
- سورة مكية .من المفصل .آياتها 11 . ترتيبها بالمصحف الثالثة والتسعون .نزلت بعد سورة الفجر. بدأت السورة بقسمين: " والضحى* والليل إذا سجى ".
محور مواضيع السورة :
يَدور مِحور السّورة حَول شخصِيـَّةِ سيد الخلق نبينا الأعظم ﷺ، وَمَا حَبَاهُالَّله بـِه مِن الفضلِ وَالإِنعَام في الدُّنيَا وَالآخرة ؛ لِيشكر الَّلهَ على تلْك النِّعَم الجليلة.
فهذه السورة تعرض مظاهر كرم الله على نبيهﷺ ولطفه به وما أعده له في الآخرة ؛ وذلك أنه أعّد له من يأويه عندما وُلد يتيمًا ، وأنه هداه واختصه بتبليغ ختام الرسالات الباقية إلى آخر الزمان، بعد سنوات من الحيرة ، وأنه رزقه بالمال بعد المعاناة والفاقة.
- وهب له وحي لن ينقطع عنه حتى انتقاله للرفيق الأعلى من أجل أن يعلم الإنسان.
-وأخبر الله تعالى أن خير العطاء هو العلم الذي يصل به إلى أعلى درجات الجنة.
-وأنه سبحانه وتعالى اختص نبيه ﷺ بالعطاء الوفير مثل الشفاعة والتمكين له وانتشار رسالته.
سبب نزول السورة :
اشتكى النبي فلم يقم ليلة أو ليلتين ، فأتت امرأة فقالت ، يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك : فأنزل الله عز وجل ( والضحى ) الآية ، رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم قيل : أن المرأة هى " العوراء بنت حرب " زوج أبي لهب ، وهى حمالة الحطب .
هل يشرع التكبير عند تلاوة القرآن من هذه السورة ؟
روينا من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بَزةَ المقرئ قال:قرأت على عكرمة بن سليمان، وأخبرني أنه قرأ على إسماعيل بن قسطنطين وشبل بن عبَّاد، فلما بلغت « وَالضُّحىَ » قالا لي: كَبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة، فإنا قرأنا على ابن كثير فأمرنا بذلك. وأخبرنا أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك. وأخبره مجاهد أنه قرأ على ابن عباس فأمره بذلك، وأخبره ابن عباس أنه قرأ على أبي بن كعب فأمره بذلك، وأخبره أبي أنه قرأ على رسول الله ﷺ فأمره بذلك .
فهذه سُنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، من ولد القاسم بن أبي بزة، وكان إمامًا في القراءات، فأما في الحديث فقد ضَعَّفَه أبو حاتم الرازي وقال:لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال:هو منكر الحديث.
وقد اتفقت الحفاظ الذهبي وغيره بأن حديث التكبير لم يرفعه إلى النبي ﷺ إلا البزي،
لكن حكى الشيخ شهاب الدين أبو شامة في شرح الشاطبية عن الشافعي أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال له:أحسنت وأصبت السنة. وهذا يقتضي صحة هذا الحديث، والله أعلم.
وصح أيضًا التكبير للبصري من طريق السوسي، لكن إذا بسمل، لأن راوي التكبير لا يجيز بين السورتين سوى البسملة.
ثم اختلف القراء في موضع هذا التكبير وكيفيته، فقال بعضهم:يكبر من آخر « وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى» وقال آخرون:من آخر « وَالضُّحَى » وكيفية التكبير عند بعضهم أن يقول: الله أكبر ويقتصر، ومنهم من يقول: الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر.
وذكر الفراء في مناسبة التكبير من أول سورة « الضحى » :أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله ﷺ وفتر تلك المدة [ ثم ] جاءه الملك فأوحى إليه: « وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى » السورة بتمامها، كبر فرحًا وسرورًا. ولم يرو ذلك بإسناد يحكم عليه بصحة ولا ضعف، فالله أعلم .
تفسير السورة:
وَالضُّحَىٰ ﴿١﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ ﴿٢﴾ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ ﴿٣﴾ وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ ﴿٤﴾ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ ﴿٥﴾ أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ ﴿٦﴾ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ ﴿٧﴾ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ﴿٨﴾ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ ﴿٩﴾ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴿١٠﴾ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴿١١﴾
قال الإمام أحمد:حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن الأسود بن قيس قال:سمعت جُنْدُبا يقول:اشتكى النبي ﷺ فلم يقم ليلة أو ليلتين، فأتت امرأة فقالت:يا محمد، ما أرى شيطانك إلا قد تركك. فأنـزل الله عز وجل: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) .
روى البخاري ومسلم والترمذي، والنسائي، عن جُنْدُب - هو ابن عبد الله البَجلي قال: أبطأ جبريل على رسول الله ﷺ، فقال المشركون:وُدِّع محمد. فأنـزل الله: (وَالضُّحَىٰ* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ)
روى مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي: قال: دَمِيَتْ إصْبَعُ رَسولِ اللهِ ﷺ في بَعْضِ تِلكَ المَشَاهِدِ- رُميَ بحجر في أصبعه- فَقالَ ﷺ: "هلْ أَنْتِ إلَّا إصْبَعٌ دَمِيتِ... وفي سَبيلِ اللهِ ما لَقِيتِ" قال:فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم، فقالت له امرأة:ما أرى شيطانك إلا قد تركتك فنـزلت: (وَالضُّحَىٰ * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) والسياق لأبي سعيد.
قيل:إن هذه المرأة هي:أم جميل امرأة أبي لهب، وذكر أن إصبعه، عليه السلام دميت. وقوله - هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون- ثابت في الصحيحين ولكن الغريب هاهنا جعله سببًا لتركه القيام ، ونـزول هذه السورة.
وقالابن جرير الطبري: عن هشام بن عُرْوَة، عن أبيه قال: أبطأ جبريل على النبي ﷺ، فجزع جزعًا شديدًا، فقالت خديجة: إني أرى ربك قد قلاك مما نَرى من جزعك. قال:فنـزلت: ( وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) إلى آخرها .
فإنه حديث مرسل ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا، أو قالته على وجه التأسف والتحزن عليه.
وقد ذكر بعض السلف - منهم ابن إسحاق- أن هذه السورة هي التي أوحاها جبريل إلى رسول الله ﷺ، حين تبدى له في صورته التي خلقه الله عليها، ودنا إليه وتدلى منهبطًا عليه وهو بالأبطح، (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى )( النجم١٠) . قال: قال له هذه السورة: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى)
قال العوفي، عن ابن عباس:لما نـزلَ على رسول الله ﷺ القرآن، أبطأ عنه جبريل أياما، فتغير بذلك، فقال المشركون:ودعه ربه وقلاه. فأنـزل الله: ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى )
وهذا قسم منه تعالى بالضحى وما جعل فيه من الضياء، (وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) أي: سكن فأظلم وادلَهَم. قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وغيرهم. وذلك دليل ظاهر على قدرة خالق هذا وهذا. كما قال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ) ( الليل١-٢]، وقال: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (الأنعام٩٦) .
وقوله: ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ ) أي:ما تركك، ( وَمَا قَلَى ) أي: وما أبغضك.
النفي الوارد في هذه الآية: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ) يبث في النفس المؤمنة الاطمئنان لرحمة الله وعنايته، على الرغم من أن الأية موجهة للنبي ﷺ ، لكنه سبحانه كريم على عباده الصالحين، من سار على خطى الحبيب وسنته وعمل بكتاب الله.
( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأولَى) أي: والدار الآخرة خير لك من هذه الدار. ولهذا كان رسول الله ﷺ أزهد الناس في الدنيا، وأعظمهم لها إطراحًا، كما هو معلوم [ بالضرورة ] من سيرته. ولما خُيِّرَ، عليه السلام، في آخر عمره بين الخلد في الدنيا إلى آخرها ثم الجنة، وبين الصيرورة إلى الله عز وجل، اختار ما عند الله على هذه الدنيا الدنية.
قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد، حدثنا المسعودي، عن عبد الله - هو ابن مسعود- قال:اضطجع رسول الله ﷺ على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه وقلت:يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال رسول الله ﷺ: "ما لي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظَلّ تحت شجرة، ثم راح وتركتها "
(رواه الترمذي وقال الترمذي:حسن صحيح.)
وقوله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) أي:في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته، وفيما أعدَّه له من الكرامة، ومن جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، وطينه [ من ] مسك أذفر.
وقال الإمام أبو عمر الأوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال: عرض على رسول الله ﷺ ما هو مفتوح على أمته من بعده كنـزا كنـزا، فسر بذلك، فأنـزل الله: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر، في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. رواه ابن جرير من طريقه، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس:ومثلُ هذا ما يقال إلا عن توقيف.
وقال الحسن: يعني بذلك الشفاعة.
وقال أبو بكر بن أبي شيبة:حدثنا معاويةُ بن هشام، عن علي بن صالح، عن يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله قال:قال رسول الله ﷺ: « إنا أهلُ بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) .
ثم قال تعالى يعدد نعَمه عل عبده ورسوله محمد ﷺ: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ) وذلك أن أباه تُوفّي وهو حَملٌ في بطن أمه، وقيل:بعد أن ولد، عليه السلام، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب وله من العمر ست سنين. ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب. ثم لم يزل يحوطه وينصره ويَرفع من قَدره وَيُوقّره، ويكفّ عنه أذى قومه بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة من عمره، هذا وأبو طالب على دين قومه من عبادة الأوثان، وكل ذلك بقدر الله وحُسن تدبيره، إلى أن تُوفي أبو طالب قبل الهجرة بقليل، فأقدم عليه سفهاء قريش وجُهالهم، فاختار الله له الهجرة من بين أظهرهم إلى بلد الأنصار من الأوس والخزرج، فلما وصل إليهم آوَوه ونَصَرُوه وحاطوه وقاتلوا بين يديه، رضي الله عنهم أجمعين، وكل هذا من حفظ الله له وكلاءته وعنايته به.
وقوله: ( وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى ) كقوله: ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ( الشورى٥٢)
وهنا تأكيد على أن الهدى هدى الله فلا يغتر شخص بهداية الله له، ولا ينتقص من غيره لمعصية ظاهرة عليه ، بل يحمد الله على الهداية ويدعو للناس بالهدى، فإذا كان الله هو من هدى نبيه للإيمان وللكتاب ، فما بال حال المسلم البسيط،
وإن القرآن يهدي للصلاح ، وقد أكدت آيات أخرى عديدة على هذا المعنى ومن بينها أيات في سورة البقرة ( شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِیۤ أُنزِلَ فِیهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدࣰى لِّلنَّاسِ وَبَیِّنَـٰتࣲ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ) ( سورة البقرة ١٨٥)
ومنهم من قال :المراد بهذا أنه، عليه السلام، ضل في شعاب مكة وهو صغير، ثم رجع. وقيل: إنه ضل وهو مع عمه في طريق الشام، وكان راكبًا ناقة في الليل، فجاء إبليس يعدل بها عن الطريق، فجاء جبريل، فنفخ إبليس نفخة ذهب منها إلى الحبشة، ثم عدل بالراحلة إلى الطريق. حكاهما البغوي.والأول أولى وأبقي.
وقوله: ( وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) أي: كنت فقيرًا ذا عيال، فأغناك الله عمن سواه، فجمع له بين مقامي، الفقير الصابر والغني الشاكر ﷺ.
والرزق بيد الله وحده يغني من يشاء ويريد أن يهديه، ويرزق من يشاء سبحانه، و هو معنى مؤكد كذلك في آيات اخرى مثل ( یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡۚ هَلۡ مِنۡ خَـٰلِقٍ غَیۡرُ ٱللَّهِ یَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ ) (فاطر ٣)
وقال قتادة في قوله: ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى ) قال:كانت هذه منازل الرسول ﷺ قبل أن يبعثه الله عز وجل. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وفي الصحيحين - من طريق عبد الرزاق- عن مَعْمَر، عن همام بن مُنَبّه قال:هذا ما حَدّثنا أبو هُرَيرة قال: قال رسول الله ﷺ: " ليس الغنى عن كثرة العَرَض، ولكن الغنى غنى النفس " .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله ﷺ: " قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه " .
.ثم قال: ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ) أي: كما كنت يتيمًا فآواك الله فلا تقهر اليتيم، أي:لا تذله وتنهره وتهنه، ولكن أحسِنْ إليه، وتلطف به. قال قتادة:كن لليتيم كالأب الرحيم.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي: وكما كنت ضالا فهداك الله، فلا تنهر السائل في العلم المسترشد.
قال ابن إسحاق: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي: فلا تكن جبارًا، ولا متكبرًا، ولا فَحَّاشا، ولا فَظّا على الضعفاء من عباد الله.
وقال قتادة:يعني رَد المسكين برحمة ولين.
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي:وكما كنت عائلا فقيرًا فأغناك الله، فحدث بنعمة الله عليك، كما جاء في الدعاء المأثور النبوي: " واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها- عليك- قابليها، وأتمها علينا " .
وقال ليث، عن رجل، عن الحسن بن علي: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قال:ما عملت من خير فَحَدث إخوانك.
وقال ابن جرير: عن أبي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد: عن النعمان بن بشير قال:قال رسول الله ﷺ على المنبر: « مَنْ لمْ يَشكرِ القليلَ لمْ يَشكرِ الكثيرَ ومَنْ لمْ يَشكرِ الناسَ لمْ يَشكرِ اللهَ وما تَكرهونَ في الجماعةِ خيرٌ ممَّا تُحبونَ في الفُرقةِ في الجماعةِ رحمةٌ وفي الفُرقةِ عذابٌ» إسناد ضعيف.
وفي الصحيحين، عن أنس، أن المهاجرين قالوا:يا رسول الله، ذهب الأنصار بالأجر كله. قال: " لا ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم " .أي أنه بدعائكم لهم والثناء عليهم بما فعلوا ، وأعترافكم بإحسانهم يعود عليكم أنتم بالأجر كما لهم.
وقال أبو داود:حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا الربيع بن مسلم، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال: ""مَنْ لمْ يَشكرِ الناسَ لمْ يَشكرِ اللهَ" " .( رواه الترمذي عن أحمد بن محمد، وقال:صحيح.)
وقال أبو داود:حدثنا عبد الله بن الجراح، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن النبي ﷺ قال: « من أبلي بلاء فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره » . تفرد به أبو داود .
وقال أبو داود:حدثنا مُسَدَّد، حدثنا بشر حدثنا عمارة بن غَزْية، حدثني رجل من قومي، عن جابر بن عبد الله قال:قال رسول الله ﷺ: « مَن أُعطيَ عَطاءً فوجَدَ، فلْيَجْزِ به، فإنْ لم يَجِدْ، فلْيُثْنِ به، فمَن أثْنى به فقد شَكَرَه، ومَن كَتَمَه، فقد كَفَرَهُ.»، قال أبو داود: عن شرحبيل عن جابر - كرهوه فلم يسموه. تفرد به أبو داود .
وقال رسول الله : " وإنَّ مَن أَثْنى عَليكَ بما فعَلتَ كمَن جَزَى" (ضعيف الترغيب والترهيب)
وقال ﷺ: " ولقد أتاني جِبريلُ عليه السَّلامُ برِسالةٍ مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فقال: يا محمَّدُ، مَن فُعِلَ به خَيرٌ، أو مَعروفٌ، فإنْ لم يَجِدْ إلَّا الثَّناءَ فليُثْنِ، فإنَّ مَن أثْنى كمَن كافَأَ. وفي روايةِ أبي عبدِ اللهِ: مَن صُنِعَ إليه مَعروفٌ فلم يَجِدْ إلَّا الدُّعاءَ والثَّناءَ فقد كافَأَ." (ضعيف الترغيب والترهيب)
وقال مجاهد:يعني النبوة التي أعطاك ربك. وفي رواية عنه:القرآن، وينصرف إلى كل علم علمه إياه، وأمته من بعده.
وقال محمد بن إسحاق:ما جاءك الله من نعمة وكرامة من النبوة فحدّث بها واذكرها، وادع إليها. وقال:فجعل رسول الله ﷺ يذكر ما أنعم الله به عليه من النبوة سرًا إلى من يطمئن إليه من أهله، وافترضت عليه الصلاة، فصلى، وهي من نعم الله على عباده المؤمنين أن يأذن لهم بالقيام بين يديه يسألونه فيجيب، فلله الحمد علة نعمه.
آخر تفسير سورة « الضحى » ؛ ولله الحمد والفضل والمنة .
No comments:
Post a Comment