Friday, 5 November 2021

تفسير سورة الهمزة من أخسر ممن انشغل بالحط من الناس همزا ولمزا وجمع المال...

    
      

التعريف بالسورة :

- السورة مكية .- من المفصل – من جزء(عم) (٣٠) الحزب (٦٠) الربع (٨) – ترتيبها بالمصحف الرابعة بعد المائة .- عدد آياتها  ٩ آيات - نزلت بعد سورة القيامة .

بدأت بالدعاء على الذين يعيبون الناس "ويل لكل همزة "

 

سبب نزول السورة :

أخرج ابن المنذر عن ابن إسحاق قال : كان أمية بن خلف إذا رأى رسول الله همزه ولمزه ، فأنزل الله ( ويل لكل همزة لمزة ) السورة كلها. 

محور مواضيع السورة:

تحدثت السورة عن الذين يعيبون الناس ويأكلون أعراضهم بالسخرية والطعن ، وذمت من يشتغلون يجمع المال وتكديس الثروات وكأنهم مخلدون في الدنيا ، وذكرت عاقبتهم بدخولهم النار، وبينت الآيات عظم النار وشدتها على كل من يكفر بالله تعالى وينسى شكر نعمه فيترك الإنفاق في سبيله.

التفسير:

الهماز:بالقول، واللماز:بالفعل. يعني: يحتقر ويقلل من شأن الناس، ويزدريهم ، وينتقص بهم. وهو مثل قوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } (القلم ١١) . ( هَمَّازٍ ) قال ابن عباس وقتادة:يعني الاغتياب.{ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ } يعني:الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة كما قال رسول الله ﷺ.
 وقد ثبت في الصحيحين عن ابن عباس قال:مر رسول الله ﷺ بقبرين فقال:
« إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ»

وقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } (التوبة٥٨)، يعني يلمزون النبي ﷺ وهو يوزع الصدقات.

قال ابن عباس: {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } طعان معياب. وقال الربيع بن أنس: الهُمَزة، يهمزه في وجه، واللمزة من خلفه.

 وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعنُ عليهم.

وقال مجاهد: الهمزة: باليد والعين، واللمزةُ: باللسان. وهكذا قال ابن زيد. وقال مالك، عن زيد بن أسلم:هُمَزة لحوم الناس.

واللمز: ما كان باللسان .ويستدل عليه بقوله تعالى: {لا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} (الحجرات١١) .

 وبعضهم يقول:

الأمر لا يتعلق بالآلة، وإنما الهمزة هو من يطعنك في وجهك.

واللمزة : هو من يطعنك في غيابك.

 وعلى كلٍّ، فكلاهما مذموم منبوذ مقبوح .

وعن ابن عباس أنه سئل عن قوله: { وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ }

قال : هو المفرّق بين الجمع، المغري بين الإخوان.

في التحذير من الهمز واللهمز وذمُّ السخرية والاستهزاء والنهي عنهما في السنة النبوية:

والهمز واللّمز هما من صور الغيبة المحرّمة التى نهى عنها الشارع الحكيم، حيث جاء فى الحديث الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه: « أَتَدْرُونَ ما الغِيبَةُ؟ قالوا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بما يَكْرَهُ قيلَ أفَرَأَيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ؟ قالَ: إنْ كانَ فيه ما تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فيه فقَدْ بَهَتَّهُ.»، ( مسلم)،  والغِيبةُ، وهي مِن أقبحِ القبائح وأكثَرها انتشارا بين النّاس؛ حتَّى إنه لا يكاد يسلم منها إلَا القليل مِنَ النَّاسِ، نسأل الله العافية.

عن عائشة، قالت: «حكيت للنبي ﷺ رجلًا فقال: ما يسرني أني حكيت رجلًا وأن لي كذا وكذا، قالت: فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني قصيرة، فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج» ( رواه الترمذي وقال حسن صحيح)

 فهي رضي الله عنها أشارت بيدها إشارة بها (تعني قصيرة)، أي تريد أن صفية قصيرة، فقال لها رسول الله ﷺ: «لقد مزجت بكلمة»  أي أعمالك «لو مزج» بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها، وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضًا والمعنى تغير وصار مغلوبًا. وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه.

وقوله (ما أحب أني حكيت إنسانًا): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصًا له)، يقال حكاه وحاكاه، قال الطِّيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح (وأن لي كذا وكذا) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئًا كثيرًا منها بسبب ذلك، فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة، قال النووي: من الغيبة المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مطاطيًا رأسه، أو غير ذلك من الهيئات، وقد تكون المحاكاة على سبيل التظرف والتسلية وهي عند الله كبيرة.

- وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سألت رسول الله ﷺ قالت: (قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ } (العنكبوت ٢٩) ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق، ويخذفونهم)

وقد نهى رسول الله  أن يحقِّر أو يقلل المسلم من شأن أخيه المسلم، فقال: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" ، يعني يكفي المؤمن من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شرٌّ عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا؛ لكان كافيًا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته، ولا في ثيابه، ولا في كلامه، ولا في خلقه، ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم، فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره.

وقوله: {الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ } أي:جمعه بعضه على بعض، وأحصى عدده كقوله: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} ( المعارج ١٨) قاله السدي، وابن جرير.

وقال محمد بن كعب في قوله: {الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ} أ ألهاه ماله بالنهار، هذا إلى هذا، فإذا كان الليل، نام كأنه جيفةوهذا الذي يحمله على الحطِّ من أقدار الناس هو جمعُه المال، وتعديده - أي: عدُّه - مرة بعد أخرى؛ شغفًا به وتلذذًا بإحصائه؛ لأنَّه لا يرى عزًّا ولا شرفًا ولا مجدًا في سواه،  قال تعالى:

{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ

وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة  ٥٥)، وعذاب الدنيا هو تعبهم في عدها، وخزنها، والحذر من سرقتها، وفي الآخرة الحساب.

روى البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ النبي ﷺ قال: " تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ" (رواه البخاري)، وهذا تَحذيرٌ مِنَ النَّبيِّ ﷺ لكُل مؤمن مِن أنْ يكونَ عبدًا لشَهَواتِه، وحثٌّ على أنْ يعيش المؤمِن حياتَه لله، وفي سبيله سبحانَه.

قوله تعالى: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} أي: أيظنُّ أنَّ ماله الذي جمعَه وأحصاه، وبخِل بإنفاقه مُخلدُه في الدنيا، فمزيلٌ عنه الموت؟ كلاَّ، وكلا هنا للنفي، فيوقف عليهاحتى لا تنفي ما بعدها. وقد قال تعالى لنبيِّه ﷺ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (الأنبياء٣٤)

ثم قال تعالى: {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} أي: ليلقين هذا الذي جمع مالا فعدده في الحطمة وهي اسم من أسماء النار صفة؛ لأنها تحطم من فيها.

ولهذا قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفْئِدَةِ } قال ثابت البناني: تحرقهم إلى الأفئدة وهم أحياء، ثم يقول:لقد بلغ منهم العذاب، ثم يبكي.

وقال محمد بن كعب:تأكل كل شيء من جسده، حتى إذا بلغت فؤاده حَذْوَ حلقه ترجع على جسده.

وقوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ } أي:مطبقة ،

وقال ابن مَرْدُويه:بسنده عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} قا ﷺ: ( مطبقة ) .

{فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} قال عطية العوفي:عمد من حديد. وقال السُّدِّي:من نار. وقال شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} يعني:الأبواب هي الممدوة .

وقال قتادة في قراءة عبد الله بن مسعود:إنها عليهم مؤصدة بعمد ممدة.

وقال العوفي، عن ابن عباس:أدخلهم في عمد فمدت عليهم بعماد، وفي أعناقهم السلاسل فسدت بها الأبواب.

وقال قتادة:كنا نحدث أنهم يعذبون بعمد في النار. واختاره ابن جرير.

وقال أبو صالح: {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} يعني القيود الطوال.  اللهم إنا نعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.

 

والله أعلم ، ولله الحمد على التمام والفضل والمنة

 

No comments:

Post a Comment