Monday, 15 November 2021

تفسير سورة الكوثر نهر أعطاه الله للنبيه المصطفى

   
 

 

التعريف بالسورة :

-سورة مدنية ، وقيل مكية والأول أصح- أياتها ثلاث آيات- من المفصل – من الجزء (٣٠) الحزب ( ٦٠) الربع (٨) - ترتيبها بالمصحف الثامنة بعد المائة – نزلت بعد سورة العاديات-

بدأت باسلوب توكيد { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }، وهي أقصر سورة في القرآن - لم يذكر لفظ الجلالة فيها - الكوثر هو أحد أنهار الجنة .

محور مواضيع السورة:

السورة في فضل الله تعالى على نبيه ، وبيان حبه له وتعظيم قدره إذ أعطاه ما لم يعط نبي قبله، من الفضل الدائم، نهر في الجنة خالدا بخلودها.

 قال تعالى : { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }، ودعاه لإقامة الصلاة المفروضة عليه ونحر النسك تقربا لله تعالى وشكرا له، قال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }

ولمواساة الله لنبيه الكريم في الدنيا، ختمت السورة ببشارة له ﷺ بخزي عدوه المبغض له ،  ووصفته بأنه سيقطع ذكره من خير الدنيا والآخرة .جزاء له على ما عير به الرسول الكريم بموت أولاده الذكور. قال تعالى:  {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ }

سبب النزول:

1- قال ابن عباس نزلت في العاص بن وائل السهمي وذلك أنه رأى رسول الله يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش في المسجد جلوس فلما دخل العاص قالوا له من الذي كنت تحدث قال ذاك الأبتر يعني النبي" صلوات الله وسلامه عليه" وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله وكان من خديجة وكانوا يسمون من ليس له ابن {أبتر} فانزل الله تعالى هذه السورة .

2- حدثني يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل السهمي اذا ذكر رسول الله قال:  دعوه فإنما هو رجل أبتر لا عقب له لو هلك انقطع ذكره واسترحتم منه ، فأنزل الله تعالى في ذلك { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } إلى آخر السورة ، وقال عطاء عن ابن عباس كان العاص بن وائل يمر بمحمد ويقول : إني لأشنأك، وإنك لأبتر من الرجال ، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } من خير الدنيا والآخرة .

العاص بن وائل السهمي:

أولاده: عمرو بن العاص، وهشام بن العاص، وقد أسلم قبل أخيه، وحبسه أبوه العاص، ومنع عنه الطعام، وكانت زوجة أخيه تأتيه بالطعام، حتى هرب وهاجر إلى الحبشة مع من هاجر.

عن خباب بن الأرت قال: كنت رجلا قينا، وكان لي على العاص بن وائل دين، فأتيته أتقاضاه، فقال: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا أكفر بمحمد ﷺ حتى تموت ثم تبعث، قال: فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيتك، فأنزل الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا *كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا } ( مريم ٧٧-٨٠)

 

التفسير:

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ( ١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ( ٢ ) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ( ٣ )

قال الإمام أحمد: عن أنس بن مالك قال:أغفى رسول الله ﷺ إغفاءة، فرفع رأسه مبتسما، إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول الله ﷺ: « إنه أنـزلت عليَّ آنفا سورة » . فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } ، قال: « هل تدرون ما الكوثر؟ » ، قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: « فإنَّه نَهْرٌ وعَدَنِيهِ رَبِّي عزَّ وجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فيُخْتَلَجُ العَبْدُ منهمْ، فأقُولُ: رَبِّ، إنَّه مِن أُمَّتي فيَقولُ: ما تَدْرِي ما أحْدَثَتْ بَعْدَكَ.» (رواه مسلم)

وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية، وكثير من الفقهاء وعلى أن البسملة من السورة، وأنها منـزلة معها.

 

فأما قوله تعالى: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة. وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى، عن أنس فقال:حدثنا عفان، حدثنا حماد، أخبرنا ثابت، عن أنس أنه قرأ هذه الآية ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال:قال رسول الله ﷺ: « أعطيتُ الكوثر، فإذا هو نهر يجري، ولم يُشق شقًا، وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسكه ذَفَرة، وإذا حصاه اللؤلؤ »

وقال الإمام أحمد أيضا: عن أنس قال:قال رسول الله ﷺ: « دخلت الجنة فإذا أنا بنهر، حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسك أذفر. قلت:ما هذا يا جبريل؟ قال:هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، عز وجل».

ورواه البخاري في صحيحه، ومسلم، من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أنس بن مالك قال:لما عُرجَ بالنبي ﷺ إلى السماء قال: « أتيتُ على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت:ما هذا يا جبريل؟ قال:هذا الكوثر » . وهذا لفظ البخاري رحمه الله.

وقال ابن جرير:عن ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس قال:سُئل رسول الله ﷺ عن الكوثر، فقال: « هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ترابه مسك، [ ماؤه ] أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجُزُر » . فقال أبو بكر:يا رسول الله، إنها لناعمة؟ قال: « أكلها أنعم منها»  .

 

وقال البخاري:حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قال:سألتها عن قوله تعالى: ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قالت:نهر [ عظيم ] أعطيه نبيكم ﷺ، شاطئاه عليه در مجوف، آنيته كعدد النجوم.

وعن شقيق أو مسروق قال:قلت لعائشة:يا أم المؤمنين، حدثيني عن الكوثر. قالت: "نهر في بطنان الجنة. قلت:وما بطنان الجنة؟ قالت:وسطها، حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصاؤه اللؤلؤ والياقوت."

وهذا التفسير يعم النهر وغيره؛  لأن الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد،وأبي الحسن البصري. حتى قال مجاهد: هو الخير الكثير في الدنيا والآخرة.

وقال عكرمة:هو النبوة والقرآن، وثواب الآخرة.

وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضا، فقال ابن جرير: عن ابن عباس قال:الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه ذهب وفضة، يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل.

 

وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } أي:كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهرُ الذي تقدم صفته - فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [ الأنعام١٦٢-١٦٣)

وفي النحر قيل:

عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف. وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } الآية (الأنعام ١٢١) .

وقيل:المراد بقوله: {وَانْحَرْ } وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر. يروى هذا عن علي، ولا يصح. وعن الشعبي مثله.

وعن أبي جعفر الباقر: {وَانْحَرْ } يعني:ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة.

وقيل: {وَانْحَرْ } أي:استقبل بنحرك القبلة. ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير.

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثا منكرا جدا فقال:حدثنا وهب بن إبراهيم الفامي - سنة خمس وخمسين ومائتين- حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال:لما نـزلت هذه السورة على النبي ﷺ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } قال رسول الله: « يا جبريل، ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ » فقال:ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك  إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة." وهكذا رواه الحاكم في المستدرك، من حديث إسرائيل بن حاتم، به.

وعن عطاء الخراساني: {وَانْحَرْ }  أي: ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل، وأبرز نحرك، يعني به الاعتدال. رواه ابن أبي حاتم.

[ كل هذه الأقوال غريبة جدا ] والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح المناسك؛ ولهذا كان رسول الله ﷺ يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: « مَن صَلَّى صَلَاتَنَا، ونَسَكَ نُسُكَنَا، فقَدْ أصَابَ النُّسُكَ، ومَن نَسَكَ قَبْلَ الصَّلَاةِ، فإنَّه قَبْلَ الصَّلَاةِ ولَا نُسُكَ له» .( البخاري)، فقام أبو بردة بن نيار فقال:يا رسول الله، إني نَسكتُ شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم. قال: « شاتك شاة لحم » . قال:فإن عندي عناقا هي أحب إليَّ من شاتين، أفتجزئ عني؟ قال: « تجزئك، ولا تجزئ أحدا بعدك » .والعناق: ما دون السنة من العمر

قال أبو جعفر بن جرير:والصواب قول من قال:معنى ذلك:فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكرًا له على ما أعطاك من الكرامة والخير، الذي لا كِفَاء له، وخصك به.

وقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } أي:إن مبغضك - يا محمد- ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين، هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكْرُه.

قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة:نـزلت في العاص بن وائل، كما سبق.

وقال محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله ﷺ يقول:دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره. فأنـزل الله هذه السورة.

 

وقال البزار:حدثنا زياد بن يحيى الحَسَّاني، حدثنا بن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المُصَنْبر المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج، وأهل السدانة وأهل السقاية؟ فقال: أنتم خير منه. قال:فنـزلت: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ } هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح.

وعن عطاء:نـزلت في أبي لهب، وذلك حين مات ابن رسول الله ﷺ فذهب أبو لهب إلى المشركين وقال:بُتِرَ محمد الليلة. فأنـزل الله في ذلك: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }

وعن ابن عباس:نـزلت في أبي جهل. وعنه: {إِنَّ شَانِئَكَ}  يعني:عدوك. وهذا يَعُمُّ جميعَ من اتصفَ بذلك ممن ذكر، وغيرهم.

وقال عكرمة:الأبتر:الفرد. وقال السُّدِّي:كانوا إذا مات ذكورُ الرجل قالوا: بُتر. فلما مات أبناء رسول الله ﷺ قالوا:بتر محمد. فأنـزل الله: { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ }

وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره.

 فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلا!  بل قد أبقى الله ذكره على رءوس الأشهاد، وأوجب شرعه على رقاب العباد، مستمرا على دوام الآباد، إلى يوم الحشر والمعاد صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم التناد.

 

آخر تفسير سورة « الكوثر » ، ولله الحمد والمنة.

 

No comments:

Post a Comment