Monday, 15 November 2021

تفسير سورة الماعون الإيمان يهذب نفس المؤمن قيرق للمسكين

  
 

 

التعريف بالسورة:

-سورة مكية - من المفصل  - عدد آياتها (٧) آيات -ترتيبها بالمصحف السابعة بعد المئة – من الجزء (٣٠) الحزب ( ٦٠) الربع (٨)

نزلت بعد سورة التكاثر- بدأت بأسلوب استفهام { أرأيت الذي يكذب بالدين} - لم يذكر لفظ الجلالة في السورة .

سبب النزول

قوله تعالى (أَرَأَيتَ الَّذي يُكَذِّبُ بِالدينِ) قال مقاتل والكلبي: نزلت في العاص بن وائل السهمي وقال ابن جريج: كان أبو سفيان بن حرب ينحر كل أسبوع جزورين فأتاه يتيم فسأله شيئاً فقرعه بعصا فأنزل الله تعالى {أَرأَيتَ الَّذي يُكَذِّبُ بِالدينِ فَذَلِكَ الَّذي يَدُعُّ اليَتيمَ}.

محور مواضيع السورة:

السورة في موضوعين مهمين رئيسيين: منع الخير عن المحتاجين، والثاني؛ هو الغفلة عن الصلاة

هل للموضوعين صلة ببعض ليكونوا في سورة قصيرة معا؟

الموضوع الأول: في فريق من الناس: الذين يمنعون الصدقات عن المحتاجين، وهم يمتلكون، حتى لو كان المحتاج ضعيفا جدا كاليتيم، فهم لا يعطون اليتامى حقوقهم بل ويزجرونهم،  فيبخلون عن إطعام الطعام، فيقول الله تعالى فيهم : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ {1} فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ {2} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}

والموضوع الثاني:  هو في فئة من المصلين  اللاهين عن صلاتهم ، والذين إن صلّوا لم يرجوا ثوابا وإن تركوا الصلاة  لم يخشوا عقابا، وهؤلاء هم المنافقون الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها تهاوناً ، ومنهم الذين يتركون الصلاة سراً ويصلونها علانية، ويمنعون عن الناس الزكاة وكل خير .فتوعدتهم السورة بالويل والهلاك وشنعت عليهم أعظم تشنيع ، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ }

وربط بين الموضوعين ببيان أن ترك الصلاة هو الحاث، والمسبب للبخل ومنع الصدقات، ولو كانت أقل القليل.

 

التفسير:

يقول تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ } أرأيت - يا محمد- الذي يكذب بالدين؟ وهو: المعاد والجزاء والثواب، {فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ } أي: هو الذي يقهر اليتيم ويظلمه حقه، ولا يطعمه ولا يحسن إليه، { وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ } كما قال تعالى: ﴿كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ﴿١٧﴾‏ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴿١٨﴾‏ (الفجر) يعني: الفقير الذي لا شيء له يقوم بأوده وكفايته.

ثم قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ }  قال ابن عباس، وغيره:يعني المنافقين، الذين يصلون في العلانية ولا يصلون في السر.

ولهذا قال: {لِلْمُصَلِّينَ} أي:الذين هم من أهل الصلاة وقد التزموا بها، ثم هم عنها ساهون، إما عن فعلها بالكلية، كما قاله ابن عباس، وإما عن فعلها في الوقت المقدر لها شرعا، فيخرجها عن وقتها بالكلية، كما قاله مسروق.

وقال عطاء بن دينار:والحمد لله الذي قال: {عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} ولم يقل:في صلاتهم ساهون. وهذا السهو إما أن يكون:

وإما عن وقتها الأول فيؤخرونها إلى آخره دائما أو غالبا.

وإما عن أدائها بأركانها وشروطها على الوجه المأمور به.

وإما عن الخشوع فيها والتدبر لمعانيها، فاللفظ يشمل هذا كله،

ولكل من اتصف بشيء من ذلك قسط من هذه الآية. ومن اتصف بجميع ذلك، فقد تم نصيبه منها، وكمل له النفاق العملي.

 كما ثبت في الصحيحين أن رسول اللهﷺ قال: « تلك صلاةُ المنافقين, تلك صلاةُ المنافقين: تلك صلاةُ المنافقين يجلسُ أحدُهم حتى إذا اصفرَّتِ الشمسُ فكانت بين قرْنَيْ شيطانٍ أو على قرنيِ الشيطانِ قام فنقرَ أربعًا لا يذكرُ اللهَ فيها إلا قليلاً.» ( صحيح أبي داوود)، فهذا آخر صلاة العصر التي هي الوسطى، كما ثبت به النص إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خشع فيها أيضا؛ ولهذا قال: «لا يذكرُ اللهَ فيها إلا قليلاً.» .

ولعله إنما حمله على القيام إليها مراءاة الناس، لا ابتغاء وجه الله، فهو إذًا لم يصل بالكلية. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } ( النساء١٤٢). وقال هاهنا: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ }

وقال الطبراني:حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبدويه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ قال: « إنَّ في جهنمَ لواديًا تستعيذُ جهنمَ من ذلك الوادي كلَّ يومٍ أربعَ مئةِ مرةٍ، أعد ذلك الوادي للمُرائين من أمةِ محمدٍ ﷺ: لحاملِ كتابِ اللهِ، وللمصدقِ في غيرِ ذاتِ اللهِ، وللحاجِّ إلى بيتِ اللهِ، وللخارجِ في سبيلِ اللهِ» (السلسلة الضعيفة)

وعن عمرو بن مرة قال:كنا جلوسا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو  يقول: قال رسول الله ﷺ: « مَن سمَّعَ النَّاسَ بعَملِه ؛ سمَّعَ اللهُ بهِ ماسمَّعَ خلقَه، وصغَّرَه وحقَّرَه » ( صحيح الترغيب والترهيب).

ومما يتعلق بقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} أن من عمل عملا لله فاطلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء،

 والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: بسنده عن أبي هريرة قال:كنت أصلي، فدخل علي رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول اللهﷺ، فقال: « كتب لك أجران:أجر السر، وأجر العلانية » .

قال أبو يعلى أيضا:حدثنا محمد بن المثنى بن موسى، حدثنا أبو داود، حدثنا أبو سِنان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:قال رجل:يا رسول الله، الرجل يعمل العمل يَسُرُّه، فإذا اطُّلعَ عليه أعجبه. قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « له أجران:أجر السر وأجر العلانية » .

وقد قال أبو جعفر بن جرير:حدثني أبو كُرَيْب، حدثنا معاوية بن هشام، عن شيبان النحوي عن جابر الجعفي، حدثني رجل، عن أبي برزة الأسلمي قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نـزلت هذه الآية: ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) قال: « الله أكبر، هذا خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا، هو الذي إن صلى لم يَرْجُ خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه » .

فيه جابر الجعفي، وهو ضعيف، وشيخه مبهم لم يُسَم، والله أعلم.

وقال ابن جرير أيضا:حدثني زكريا بن أبان المصري، حدثنا عمرو بن طارق، حدثنا عِكْرمِة بن إبراهيم، حدثني عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن: ( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ) قال: « هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها » .

وتأخير الصلاة عن وقتها يحتمل تركها بالكلية، أو صلاتها بعد وقتها شرعا، أو تأخيرها عن أول الوقت [ سهوا حتى ضاع ] الوقت.

وكذا رواه الحافظ أبو يعلى عن شيبان بن فَرُّوخ، عن عكرمة بن إبراهيم، به. ثم رواه عن أبي الربيع، عن جابر، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا وهذا أصح إسنادًا، وقد ضعف البيهقي رفعه، وصحح وقفه، وكذلك الحاكم.

وقوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} أي: لا أحسنوا عبادة ربهم، ولا أحسنوا إلى خلقه حتى ولا بإعارة ما ينتفع به ويستعان به، مع بقاء عينه ورجوعه إليهم. فهؤلاء لمنع الزكاة وأنواع القُرُبات أولى وأولى. وقد قال ابن أبي نجيح عن مجاهد:قال علي:الماعون:الزكاة. وكذا رواه السدي، عن أبي صالح، عن علي. وكذا روي من غير وجه عن ابن عمر. وبه يقول محمد بن الحنفية، وسعيد بن جبير، وعِكْرِمة، ومجاهد، وعطاء، وعطية العوفي، والزهري، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.

وقال الحسن البصري: إن صلى راءى، وإن فاتته لم يأس عليها، ويمنع زكاة ماله وفي لفظ: صدقة ماله.

وقال زيد بن أسلم: هم المنافقون ظهرت الصلاة فصلوها، وضَمنَت الزكاة فمنعوها.

وقال المسعودي بسنده؛ عن أبا العبيدين سأل عبد الله بن مسعود عن الماعون، فقال: هو ما يتعاطاه الناس بينهم، من الفأس والقدر ، والدلو، وأشباه ذلك.

وقال ابن جرير: بسنده عن عبد الله بن مسعود قال:كنا أصحاب رسول اللهﷺ نتحدث أن الماعون الدلو، والفأس، والقدر، لا يستغنى عنهن.

وحدثنا خلاد بن أسلم، أخبرنا النضر بن شُمَيْل، أخبرنا شعبة، عن أبي إسحاق قال:سمعت سعد بن عياض يحدث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثله

وقال الأعمش، عن إبراهيم، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله أنه سئل عن الماعون، فقال:ما يتعاوره الناس بينهم:الفأس والدلو وشبهه.

وقال ابن جرير:حدثنا عمرو بن علي الفلاس، حدثنا أبو داود –هو الطيالسي- حدثنا أبو عَوانَة، عن عاصم بن بَهْدَلة، عن أبي وائل، عن عبد الله قال:كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم ونحن نقول:الماعون:منع الدلو وأشباه ذلك.

وقد رواه أبو داود والنسائي، عن قتيبة، عن أبي عوانة بإسناده، نحوه ولفظ النسائي عن عبد الله قال:كل معروف صدقة، وكنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريَّة الدلو والقدر.

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال:الماعون:العَواري:القدر، والميزان، والدلو.

وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) يعني:متاع البيت. وكذا قال مجاهد وإبراهيم النَّخعي، وسعيد بن جبير، وأبو مالك، وغير واحد:إنها العاريَّة للأمتعة.

وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن ابن عباس: ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال:لم يجئ أهلها بعد.

وقال العوفي عن ابن عباس: ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال:اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال:يمنعون الزكاة. ومنهم من قال:يمنعون الطاعة. ومنهم من قال:يمنعون العارية. رواه ابن جرير. ثم روي عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن عُلَيَة، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي:الماعون:منع الناس الفأس، والقدر، والدلو.

وقال عكرمة:رأس الماعون زكاة المال، وأدناه.

المنخل والدلو، والإبرة. رواه ابن أبى حاتم.

وهذا الذي قاله عكرمة حسن؛ فإنه يشمل الأقوال كلها، وترجع كلها إلى شيء واحد. وهو ترك المعاونة بمال أو منفعة. ولهذا قال محمد بن كعب: ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال:المعروف. ولهذا جاء في الحديث: « كل معروف صدقة » .

وقال ابن أبي حاتم:حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: ( وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ) قال: بلسان قريش:المال.

وروى هاهنا حديثا غريبا عجيبا في إسناده ومتنه فقال:

حدثنا أبي، وأبو زُرْعَة قالا حدثنا قيس ابن حفص الدارمي، حدثنا دلهم بن دهثم العجلي، حدثنا عائذ بن ربيعة النَميري، حدثني قرة بن دعموص النميري:أنهم وفدوا على رسول الله ﷺ فقالوا:يا رسول الله، ما تعهد إلينا؟ قال: « لا تمنعون الماعون » . قالوا:يا رسول الله، وما الماعون؟ قال: « في الحَجَر، وفي الحديدة، وفي الماء » . قالوا:فأي حديدة؟ قال: « قدوركم النحاس، وحديد الفأس الذي تمتهنون به » . قالوا:وما الحجر؟ قال: « قدوركم الحجارة » .

غريب جدا، ورفعه منكر، وفي إسناده من لا يعرف، والله أعلم.

وقد ذكر ابنُ الأثير في الصحابة ترجمة « علي النميري » ، فقال:روى ابن قانع بسنده إلى عائذ ابن ربيعة بن قيس النميري، عن علي بن فلان النميري:سمعت رسول الله ﷺيقول: « المسلم أخو المسلم. إذا لقيه حَيَّاه بالسلام، ويرد عليه ما هو خير منه، لا يمنع الماعون » . قلت:يا رسول الله، ما الماعون؟ قال: « الحَجَر، والحديد، وأشباه ذلك » .

 

آخر تفسير سورة " الماعون" .

 

No comments:

Post a Comment