Monday 18 December 2017

أدعية عظيمة - شرح دعاء ( اللهم ثبتني واجعلني هديا مهديا)

  


  



دعاء:
( اللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي وَاجْعَلْنِي هَادِياً مَهْدِيَّاً)( البخاري)

الشرح:

وأصل هذا الدعاء المبارك أن جرير بن عبد اللَّه البجلي رضى الله عنه  شكا إلى النبي أنه لا يثبت على الخيل، فضرب بيده الكريمة على صدره ثم دعا له فقال:
" اللَّهم ثبته، واجعله هادياً مهدياً " ( انظر: البخاري، كتاب الجهاد والسير - ومسلم كتاب فضائل الصحابة – فضائل جرير بن عبد الله البجلي)

قوله: (اللَّهم ثبته): تضمن هذا الدعاء المبارك التوفيق إلى الثبات في كل الأحوال، وبكل صوره وأنواعه، من الثبات الحسي والمعنوي، الدنيوي والأخروي،  وهذا الدعاء من جوامع الكلم ، ومما يعرف في الفقه برد الحكيم، الذي إذا سئل شيئا أجاب بأكثر مما يراد منه، فإن جرير سأل رسول الله أن يدعو له بالثبات على الخيل، فكان دعاء رسول الله له أشمل وأعم مما طلب، ومن بلاغته أن استخدم نفس الكلمة التي سأله بها جرير؛ فسأل لله له الثبات وحذف المفعول به ( على الخيل ) حتى يفيد سؤاله العموم،  ومن بلاغته أن استخدم نفس الكلمة التي سأله بها جرير؛ فسأل لله له الثبات عموما ، فشمل الثبات في الدنيا ، والدين والآخرة ، وشمل الثبات الحسي والمعنوي.
والثبات في الدنيا يكون في ثبات القلب أمام ما يخاف، من اظهار دينه أمم عدوه ، وقول الحق عند الطغاة والمنحرفين، وعند ملاقاة أعداء اللَّه تعالى ، الذي يستلزم ثبات الأقدام والجسد، وكذلك الثبات أمام الفتن، والضلالات والزيغ، وعند الشهوات، والشبهات، والثبات يكون بالتوفيق للاستقامة، والسداد، ثم الثبات عليها، فإن أعظم المطالب هو الثبات على الدين والطاعة، والاستقامة على الهدى، ولذلك كان أيضا من دعاء النبي : " اللَّهمَّ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلبي على دينِك "  قالت أم سلمة : فقلتُ يا رسولَ اللهِ : وإنَّ القلوبَ لتتقلَّبُ ؟ قال : نعم ، ما من خلقٍ للهِ من بني آدمَ إلَّا وقلبُه بين أصبعَيْن من أصابعِ الرَّحمنِ ، فإن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه " (رواه الترمذي عن أم سلمة، وصححه الألباني)، فقلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء ، لذلك كانت حاجة المؤمن لهذا الدعاء عظيمة.
وأحوج ما يكون العبد لهذه الاستقامة،عند الاحتضار ليتحصن بها من نزغات الشيطان وإغوائه، الذي يأتي  لإضلال العبد وهو على هذه الحال من الضعف، وكذلك في البرزخ عند سؤال منكر ونكير،  وكذلك في اليوم الآخر على الصراط ، وقد جمع اللَّه تبارك وتعالى كل هذه الأمور، في قوله: "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ"( إبراهيم 27)، فتضمّنت هذه الدعوة الجليلة الثبات في كل الأحوال، والأوقات، والأماكن.
كلُّ إنسان مِن بَني آدمَ قَلبُه بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ يتَصرَّفُ فيه كيفَما يشاء، فمن شاء اللهُ أقام قلبَه على الهدى، وثبَّتَه على الدِّينِ، ومَن شاء اللهُ صرَف قلبَه عن الهدى إلى الزَّيغِ والضَّلالِ، ولذلك علمنا ربنا سبحانه وتعالى أن نقول: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: 8]، أي: يا ربِّ ثَبِّت قُلوبَنا على طاعتِك، ولا تَصرِفْها عن طَريقِك بعدَ هِدايَتِك لنا.
قوله: (واجعلني هادياً مهدياً): وهذه أكمل الحالات، وأفضل الدرجات أن يجتمع في العبد الهداية القاصرة عليه، بن يكون بذاته مهديا إلى طريق الحق والصلاح، والمتعدية، بأن يكون بعد ذلك هادياً لغيره، وهذا من أجل النعم من الرب عز وجل أن يثبت العبد، ويهديه على الهدى، ثم يرزقه التوفيق إلى دعوة الناس من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وما يترتب على ذلك من الأجر العظيم له، وهذا يدل على أهمّية الأدعية النبوية، التي فيها أجلّ المقاصد، والمطالب الدنيوية والأخروية بأوجز الألفاظ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على الدُّعاءِ بالثَّباتِ على الدِّينِ والهدى، ذلك أنَّ جميعَ قُلوبِ بَني آدمَ بيَدِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ إنْ شاء هَداها، وإن شاء أزاغَها.


اللَّهمَّ يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّتْ قلوبنا على دينِك حَتى نَلْقاكَ وَأنْتَ راضٍ عَنَّا