Thursday 31 December 2020

تفسير للآيات وبيان المتشابهات- سورة عبس ج 1 مرحبا بمن عاتبني فيه ربي

 


 

تفسير سورة عبس ج 1 – قصة الأعمى وعليَة القوم

 

 

تفسير وربط للآيات وبيان للمتشابهات- سورة عبس ج 1 – قصة الأعمى وعليه القوم

 

سبب التسمية :

سميت ب (عبس ) لأنها تبدأ بها، ولأنها تحكي قصة مدارها على العبوس، وتسمى ‏أَيْضَاً ‏‏ ‏الصَّاخَّةُ‏‏، ‏وَالسَّفَرَةُ‎ ‎. لأهمية ما تعني هاتان الكلمتان.

 

التعريف بالسورة:

- السورة مكية  - ومن المفصل – عدد آياتها 42 آية  - وترتيبها بالمصحف الثمانون -

- نزلت بعد سورة النجم – تبدأ بجملة خبرية ، وقد بدأت بفعل ماضي ( عبسَ ) – لم يذكر في السورة لفظ الجلالة – في السورة قصة عبد الله بن مكتوم مؤذن رسول الله  .

7) الجزء (30) ـ الحزب ( 59) قبل الأخير

 

سبب نزول السورة :

 

أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت : أُنزل ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم الأعمى ، أتى رسول الله فجعل يقول : يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله يعرض عنه ويقبل على الأخر، يقول له: أترى بما أقول بأساً ؟ فيقول: لا، فنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾  

وقال ابن جرير:  قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جاءَهُ الَأعمى) وهو ابن أم مكتوم وذلك أنه أتى النبي وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبياً وأمية ابني خلف ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم فقام ابن أم مكتوم وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله، وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله لقطعه كلامه، قال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد، إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد فعبس رسول الله وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآيات فكان رسول الله بعد ذلك يكرمه وإذا رآه يقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

 

محور مواضيع السورة :

 

يَدُورُ مِحْوَرُ السُّورَةِ حَوْلَ شُئُونٍ تَتَعَلَّقُ بالعَقِيدَةِ وَأَمْرِ الرَّسَالَةِ ، كَمَا إِنَّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ دَلاَئِلِ القُدْرَةِ ، وَالوَحْدَانِيـَّةِ في خَلْقِ الإِنْسَانِ ، وَالنَّبَاتِ ، وَالطَّعَامِ وَفِيهَا الحَدِيثُ عَنِ القِيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا ، وَشِدَّةِ ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ.

تفسير السورة:

قوله تعالى:{ عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾

ذكرنا في أسباب النزول القصة، و أخرج الترمذي والحاكم عن عائشة قالت : أُنزل ( عبس وتولى ) في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول اللهﷺ فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله رجل من عظماء المشركين( قيل الوليد بن المغيرة)، فجعل رسول الله ﷺيعرض عنه ويقبل على الأخر، يقول له: أترى بما أقول بأساً ؟ فيقول: لا، فنزلت ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ ﴿١﴾ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ ﴿٢﴾   

وفيه مسائل:

منها: معنى: { عبس} أي كلح بوجهه،  والعبس :مخففا مصدر عبس يعبس عبسا وعبوسا : إذا قطب بين حاجبيه.

 والعبس في اللغة: ما يتعلق بأذناب الإبل من أبعارها وأبوالها، وهو تشبيه قبيح لتقطيب الشخص بين حاجبيه،  بما يتعلق بأذناب الإبل من أبعارها، وفيه تنفير عن العبوس.

ويقال : عبس وبسر. قيل : إن ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة. وقال قوم { بسر} وقف لا يتقدم ولا يتأخر.

{وَتَوَلَّىٰ} أي أعرض بوجهه { أَن جَاءَهُ} {أن} في موضع نصب لأنه مفعول له، المعنى عبس ....  لأن جاءه {الْأَعْمَىٰ}، أي الذي لا يبصر بعينيه.

مسائل في إعراض النبي عن ابن أم مكتوم:

1- قال القرطبي: قال علماؤنا : ما فعله ابن أم مكتوم كان من سوء الأدب لو كان عالما بأن النبي مشغول بغيره، وأنه يرجو إسلامهم، ولكن الله تبارك وتعالى عاتبه حتى لا تنكسر قلوب أهل الصفة الفقراء.

2- أو عاتبه ربه ليتيقن رسول اللهأن المؤمن الفقير خير من الغني، وكان النظر إلى المؤمن أولى وإن كان فقيرا أصلح وأولى من الأمر الآخر، وهو الإقبال على الأغنياء طمعا في إيمانهم، وإن كان ذلك أيضا نوعا من المصلحة، وعلى هذا يخرج قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ۚ} (الأنفال ٦٧] الآية على ما تقدم.

3-وقيل: إنما قصد النبي تأليف الرجل ثقة بما كان في قلب ابن مكتوم من الإيمان؛ كما قال : (ياسعدُ ! إني لَأُعْطِي الرجلَ وغيرُه أَحَبُّ إلَيَّ منه، خشيةَ أن يَكُبَّهُ اللهُ في النارِ على وجهِه) ( البخاري)  [ الحديث كما رواه سعد بن أبي وقاص: "أنَّ رَسولَ اللَّهِ أعْطَى رَهْطًا وسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسولُ اللَّهِ رَجُلًا هو أعْجَبُهُمْ إلَيَّ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ ما لكَ عن فُلَانٍ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: أوْ مُسْلِمًا فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه، فَعُدْتُ لِمَقالتِي، فَقُلتُ: ما لكَ عن فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقالَ: أوْ مُسْلِمًا. ثُمَّ غَلَبَنِي ما أعْلَمُ منه فَعُدْتُ لِمَقالتِي، وعَادَ رَسولُ اللَّهِ ، ثُمَّ قالَ: يا سَعْدُ إنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وغَيْرُهُ أحَبُّ إلَيَّ منه، خَشْيَةَ أنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ في النَّارِ" ( البخاري) ]

4- قال ابن زيد : إنما عبس النبي لابن أم مكتوم وأعرض عنه؛ لأنه أشار إلى الذي كان يقوده أن يكفه، فدفعه ابن أم مكتوم، وأبى إلا أن يكلم النبي حتى يعلمه، فكان في هذا نوع جفاء منه. ومع هذا أنزل الله في حقه على نبيه { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ} بلفظ الإخبار عن الغائب، تعظيما له ولم يقل : عبست وتوليت.

5- نظير هذه الآية في العتاب قوله تعالى في سورة الأنعام { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ} [الأنعام ٥٢] وكذلك قوله في سورة الكهف { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ } [الكهف ٢٨].

وبعد عتاب ربه اللطيف له، أقبل عليه ربه بمواجهة الخطاب تأنيسا له فقال { وَمَا يُدْرِيكَ} أي ما يعلمك { لَعَلَّهُ} الضمير في لعله عائد إلى ابن أم مكتوم، اي لعله { يَزَّكَّىٰ } بما استدعى منك تعليمه إياه من القرآن والدين، بأن يزداد طهارة في دينه، وزوال ظلمة الجهل عنه. وقيل: الضمير في { لَعَلَّهُ} للكافر يعني إنك إذا طمعت في أن يتزكى بالإسلام أو يذكر، فتقربه الذكرى إلى قبول الحق وما يدريك أن ما طمعت فيه كائن. { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ} أي يحصل له زكاة وطهارة في نفسه

 {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ} أي يحصل له اتعاظ وازدجار عن المحارم، والأظهر أن كل ما سبق في حق ابن أم مكتوم، لأن ما جاء بعده في كفار قريش الذين كان يحاورهم رسول الله ﷺ أملا في إسلامهم.

الفرق بين (ما أدراك) و(ما يدريك) في القرآن:

الفرق هو أن كل ما جاء فيه فعل "ما أدراك" فقد أعلمه الله به وبينه له عقب كلمة "ما أدراك" نحو : ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴿١٠﴾ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴿١١﴾( القارعة ).

وكل ما جاء فيه "وما يدريك" لم يُعلمه به بما يبين إبهامه،  نحو: {اللَّـهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} (الشورى ١٧)، وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّـهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (الأحزاب ٦٣) فلم يذكر بعدها بيانا لها.

وهذا الجواب مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما..

نبذة عن عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه:

هو عبد الله، ويقال عمرو، وهو ابن قيس بن زائدة بن الأصم. ولم يذكر في الكتب لم نسب لأمه، ويظهر أنه نسب تقدير لرعايتها له وهو أعمى.

ويقال: كان اسمه الحصين فسماه النبي عبد الله، حكاه ابن حبان، وقال ابن سعد: أهل المدينة يقولون: اسمه عبد الله، وأهل العراق يقولون: اسمه عمرو.

واسم أمه أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة ابن عائذ بن مخزوم.

وابن أم مكتوب هو ابن خال السيدة خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، فإن أم خديجة أخت قيس بن زائدة، واسمها فاطمة.

 

أتى جبريل عليه السلام رسول الله وعنده ابن أم مكتوم فقال: "متى ذهب بصرُك؟" قال: وأنا غلام، فقال: "قال الله تبارك وتعالى: إذا ما أخذتُ كريمة عبدي لم أجِدْ له بها جزاءً إلا الجنة" ( قال عنه شعيب الأرناؤوط راويه هلال بن أبي هلال، ضعيف)

 وعندما نزل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

قال عبد الله بن أم مكتوم: "أيْ ربِّ أَنْزِل عُذري"، فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (النساء٩٥)

فجُعِلَتْ بينهما وكان بعد ذلك يغزو فيقول: "ادفعوا إليّ اللواء، فإنّي أعمى لا أستطيع أن أفرّ، وأقيموني بين الصّفَّين".

قصة إسلام عبد الله بن أم مكتوم وهجرته:

أسلم قديما بمكة، وكان من المهاجرين الأولين، قدم المدينة قبل أن يهاجر النبي

روي عن البراء قال: أول من أتانا مهاجرًا مصعب بن عمير ثم قدم ابن أم مكتوم.

 وكان النبي يستخلفه على المدينة في عامَّة غزواته، يصلي بالناس، وقال الزبير بن بكار: خرج إلى القادسية في عهد عمر بن الخطاب في السنة الرابعة عشر للهجرة، فشهد القتال، واستشهد هناك، وكان معه اللواء حينئذٍ.

أداؤه الأذان والإقامة في عهد النبي

كان عبد الله بن أم مكتوم رسول الله هو وبلال بن رباح، كان بلال يؤذن للصلاة مرة وهو يقيم لها والعكس. وقال رسول الله ﷺ: « إنَّ ابنَ أُمِّ مَكتومٍ يُنادي بلَيلٍ فَكُلوا واشرَبوا حتى يُناديَ بلَالٌ، أو إنَّ بِلَالًا يُنادي بلَيلٍ فَكُلوا واشرَبوا حتَّى يُناديَ ابنُ أُمِّ مَكتومٍ وكان يَصعَدُ هذا ويَنزِلُ هذا فنَتَعَلَّقُ بهِ فنَقول كما أنتَ حتى نَتَسَحَّرَ»( رواه الدارقطني وهو صحيح على شرط البخاري ومسلم)،  وقد أُطلق عليه لقب الصحبة مع أنه لم يرَ النبي لأنه كان أعمى.

استشهاد عبد الله بن أم مكتوم :

وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم على أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تفتح الطريق أمام جيوش المسلمين،  فدعا الناس للجهاد، وطفقت جموع المسلمين تلبي نداء أمير المؤمنين وتنهال على المدينة من كل حدبٍ وصوبٍ وكان في جملة هؤلاء المجاهدين عبد الله بن أم مكتوم، أمَّر الفاروق على الجيش سعد بن أبي وقاص وأوصاه وودعه..

ولما بلغ الجيش القادسية، برز عبد الله بن أم مكتوم من بين الصفوف لابسًا درعه مستكملاً عدته وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونها، والتقى الجمعان في أيام ثلاثة قاسية عابثة واحترب الفريقان حربًا لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين ،وهوت راية من رايات الوثنية وارتفعت ورفعت راية التوحيد، وسقط مئات من الشهداء وكان من بين هؤلاء الشهداء عبد الله بن أم مكتوم، فقد وجد صريعًا مدرجًا بدمائه قابضًا على راية المسلمين.

عودة للتفسير:

 { أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ ﴿٥﴾ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ ﴿٦﴾ } أي أما الغني فأنت تَعَّرض له لعله يهتدي، وتصغي لكلامه. والتصدي : الإصغاء؛ وأصله تتصدد من الصد، وهو ما استقبلك، وصار قبالتك؛ يقال : داري صدد داره أي قبالتها.

 { وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ} أي ما أنت بمطالب به إذا لم يزك نفسه، ما عليك أن لا يهتدي هذا الكافر ولا يؤمن، إنما أنت رسول وما عليك إلا البلاغ. { وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ} أي يقصدك ويطلب العلم لله ، ويؤمك ليهتدي بما تقول له { وَهُوَ يَخْشَىٰ} أي يخاف الله. {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ} أي تعرض عنه بوجهك وتشغل بغيره.

وأصله تتلهى؛ يقال : لهيت عن الشيء ألهى : أي تشاغلت عنه. والتلهي : التغافل. ولهيتُ عنه وتليتُ : بمعنى.  {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ} أي تتشاغل. ومن ههنا أمر اللّه تعالى رسول اللّه ألا يخص بالإنذار أحداً، بل يساوي فيه بين الشريف والضعيف، والفقير والغني، والسادة والعبيد، والرجال والنساء، والصغار والكبار، ثم اللّه تعالى يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.