Friday 31 January 2014

صحابيات - أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهما



هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، أمها فاطمة بنت رسول الله ، شقيقة الحسن والحسين، ولدت في حدود سنة ستٍ من الهجرة، رأت النبي وسلم جدها، وهو الذي سماها أم كلثوم ، ولم ترو عنه شيئاً، تزوَّجها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك سنة سبع عشرة للهجرة .
وكانت أفصح نساء قريش وأبينهن كلاماً وأخطبهن إذا ما ألمّ حدث أو نزلت نازلة، وكانت تفحم خصومها بالحجة والبرهان، ومثال ذلك خطبتها الشهيرة في أهل الكوفة لما قتل أخوها الحسين بن علي رضي الله عنهما.
  
قصة زواجها من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
  
 كانت رغبة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في الزواج من أم كلثوم بنت عليّ حتى  يجمع إلى رابطة النسب بينه وبين النبي - - فالنبي تزوج من ابنة عمر رضي الله عنه حفصة -  رابطة أخرى أن يصير صهره ، إذا تزوج من بنت ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها ، ولأن فارق السن بينهما كبير،فقد ألح عمر رضي الله عنه إلى عليّ أن يتزوَّج هذه الفتاة التي هي من نسل رسول الله ﷺ.


قال أبو عمر بن عبد البر : قال عمر لعلي : زوجنيها أبا حسن ، فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد ، قال عليّ : فأنا أبعثها إليك ، فإن رضيتها ، فقد زوجتكها - يعتل بصغرها ، وقيل كان يريد أن يزوجها بأحد أبناء عمها جعفر بن أبي طالب - قال : فبعثها إليه ببرد ، وقال لها : قولي له : هذا البرد الذي قلت لك ; فقالت له ذلك . فقال : قولى له : قد رضيت رضي الله عنك ، ووضع عمر يده على ساقها ، فكشفها ، فقالت : أتفعل هذا ؟ لولا أنك أمير المؤمنين ، لكسرت أنفك ، ثم مضت إلى أبيها ، فأخبرته وقالت : بعثتني إلى شيخ سوء ! قال : يا بنية إنه زوجك .
وروى عبد الله بن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن جده ; أن عمر تزوجها فأصدقها أربعين ألفا .

 ثم إن عمر رضي الله عنه جلس إلى المهاجرين في الروضة، وكان يجلس المهاجرون الأولون في روضة مسجد رسول الله فقال: رفؤني، - والعرب كانت تقول للمتزوج: بالرفاء والبنين، والرفاء الوفاق، بالوفاق الزوجي والبنين - فقال: رفؤني، فقالوا: بماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: تزوجت أم كلثوم بنت علي، لأني سمعت رسول الله يقول:
( كل سببٍ ونسبٍ وصهرٍ ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري )صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
 وكان لي به عليه الصلاة والسلام النسب والسبب، فأردت أن أجمع إليه الصهر، فرفؤني  -فقد عد هذا مغنماً كبيراً، أنه اتصل نسبه برسول الله ، أو تزوج بنتَ بنتِ رسول الله ، فهو فأصبح صهره.
 وولدت أم كلثوم  لعمر رضي الله عنه زيد بن عمر الأكبر وعاش حتى صار شابا ، ورقية وماتت طفلة.

حياتها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما:

حظيت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب منزلةً عاليةً مرموقة،  ، فكان ينظر إليها بعين الإجلال والإكرام، فعاشت عنده حياةً طيبةً مباركة، فقد كان يسعى لإسعادها بما يحقق طموح فتوَّتها، وتفتُّح شبابها، وهو البصير بقضايا النساء، فكان رضي الله عنه يرقب نفسه وما يراه واجباً للمرأة على زوجها 
 .
 ومما يروى عنهما:

قال أنس بن مالك:  ( بينما عمر يعسُّ المدينة، -أي يتحسس أخبار الرعية- إذ مر برحبةٍ من رحابها، فإذا هو بيتٌ من شعرٍ لم يكن بالأمس، فدنا منه, فسمع أنين امرأة، ورأى رجلاً قاعداً ، فدنا منه, فسلم عليه، ثم قال: من الرجل؟  فقال: رجلٌ من أهل البادية، جئت إلى أمير المؤمنين أُصيب من فضله، فقال: ما هذا الصوت الذي أسمعه في البيت؟ قال: انطلق يرحمك الله لحاجتك، فقال: عليَّ ذلك، ما هو؟ قال الرجل: امرأةٌ تمخِّض, -أي في طور الطلق- قال عمر: هل عندها أحد ؟ قال: لا .
 
قال أنس: فانطلق عمر, حتى أتى منزله, فقال لأم كلثوم بنت علي رضي الله عنها: هل لكِ من أجرٍ ساقه الله إليكِ؟ قالت:  وما هو؟ قال: امرأةٌ عربية تمخِّض,،  ليس عندها أحد، قالت أم كلثوم: نعم إن شئت، قال: فخذي معكِ ما يصلح المرأة لولادتها، وجيئيني ببرمةٍ، وشحمٍ، وحبوب، قال: فجاءت به, فقال لها: انطلقي، وحمل البرمة، وهي القدر الذي يطبخ فيها، ومشت خلفه حتى انتهى إلى البيت، فقال لها: ادخلي إلى المرأة، وجاء حتى قعد إلى الرجل, فقال له: أوقد لي ناراً، ففعل، فأوقد تحت البرمة حتى أنضجها، وولدت المرأة, فقالت امرأته: يا أمير المؤمنين, بشِّر صاحبك بغلام .
 فلما سمع الرجل يا أمير المؤمنين, كأنه هابه، فجعل يتنحَّى عنه, فقال له: مكانك كما أنت ، فحمل البرمة, فوضعها على الباب، ثم قال لأم كلثوم: أشبعيها، ففعلت، ثم أخرجت البرمة، ووضعتها على الباب، فقام عمر، وأخذها، ووضعها بين يدي الرجل، فقال: كل فإنك قد سهرت من الليل، ففعل، فقال عمر لامرأته: اخرجي, وقال للرجل: إذا كان غداً،  فأتنا نأمر لك بما يصلحك، ففعل الرجل ذلك، فأجازه وأعطاه )

 وفاة عمر رضي الله عنه عنها:

( طُعِن عمرُ يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجة، ودُفن يوم الأحد, وكان خلافتُه عشرَ سنين، ودُفن مع النبي )
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:( وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ, فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ, يَدْعُونَ, وَيُثْنُونَ, وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ, وَأَنَا فِيهِمْ, قَالَ: فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ, قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي, فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ, فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ, فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ, وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ, وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ, وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ , يَقُولُ: جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ, فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَوْ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا) مسلم
بقيت أمُّ كلثوم بعد وفاة زوجها عمر حزينة عليه حزنا شديدا, لا يغيب عن فكرها، تذكره بفضائله، وبإحسانه، وهيبته، وبشدَّته، وليونته، وبعدله، وإنصافه، وكان ابنها زيد يجلس إليها, يهدِّئ من روعها، وأحيانا يبكي معها، لوعةً على فراق أبيه، عطفا على أمه.


زواجها بعد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: 

وما أن انقضت أيامُ عدَّتها من زوجها عمر، حتى يفاتحها أبوها عليُّ بن أبي طالب بالزواج، فيسرع أخواها الحسن والحسين،  يحذِرانها من أن تجعل أمرها بيد أبيها،  لئلا يزوِّجها من أقاربه الأيامى، خشية عليها أن تكون زوجة لرجل دون عمر، فإنها واللهِ لن تجد في الرجال أمثالَ عمر .
وقد ذكر ابن الأثير عن الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب قال: (لما تأيَّمتْ أمُّ كلثوم من عمر بن الخطاب رضي الله عنهم, دخل عليها الحسن والحسين, إنكِ ممن عرفتِ سيدةُ نساء المسلمين، وبنت سيدتهن، وإنكِ واللهِ إن أمكنتِ عليًّا من تزويجك, ليُنكِحنَّكِ بعضَ أيتامه – فقد كان عليا يلي أبناء أخيه جعفر بن ابي طالب بعد وفاة اباهم -  ولئن أردتِ أن تصيبي بنفسك مالا عظيما لتصيبنَّه، فو اللهِ ما قاما، حتى طلع عليُّ بن أبي طالب, يتَّكل على عصاه, فجلس فحمد اللهَ، وأثنى عليه، وذكر منزلتهم من رسول الله -أي الحسن و الحسين- وقال: قد عرفتم منزلتكم عندي يا بني فاطمة، وأثرتكم على سائر ولدي، لمكانكم من رسول الله ، وقرابتكم منه، فقالوا: صدقتَ رحمك الله، وجزاك الله عنا خيرا, قال: أيْ بنيَّة, إن الله عزوجل قد جعل أمركِ بيدكِ، فأنا أحبُّ أن تجعليه بيدي، فقالت: أيْ أبتِ! إني امرأةٌ أرغب فيما يرغب فيه النساءُ، وأحب أن أصيب مما تصيب النساءُ منه، وأنا أريد أن أنظر في أمر نفسي، -أي دعني أنا أختار - فقال: لا و اللهِ يا بنيَّتي، ما هذا من رأيك، واللهِ يا بنيتي ما هو إلا رأيُ هذين, الحسن والحسين, هذه ليست منكِ .
 
ثم قام فقال: و اللهِ لا أكلِّم رجلا منهما أو تفعلين، إن لم تسلِّمي أمركِ إليَّ, لا أكلِّم واحدا من هؤلاء -الحسن و الحسين- فأخذا بثيابه, فقالا: اجلِس يا أبي، فو اللهِ ما على هجرانك من صبر، -لا نتحمَّل إن قاطعتنا - اجعلي أمركِ بيده، فقالت: قد فعلتُ كما تشاء، قال: فإني قد زوَّجتكِ من عون بن جعفر بن أبي طالب ، وإنه لغلام، وبعث لها بأربعة آلاف درهم، وأدخلها عليه .
 وجعفر بن أبي طالب أخو علي رضي الله عنهما الشقيق ، وهو الذي حمل الراية في غزوة مؤتة ، وكان القائدَ الثاني، حمل الراية بيمينه فقُطعت يمينُه، فحملها بشماله فقُطِعت شمالُه، فحملها بعضديه، حتى قتل، ووُجِد في جسمه أكثر من تسعين طعنة، وبكى النبيُّ حينما بلغه نباُ استشهاده، وسمَّاه جعفر ذا الجناحين.
 لقد كانت أمنيةُ علي بن أبي طالب أن يزوِّج بناته من أولاد أخيه جعفر بن أبي طالب، من قبل أن يزوِّج أمَّ كلثوم لعمر بن الخطَّاب، وهذا ما قاله حين خطبها عمرُ: (إني حبستُ بناتي على بني جعفر) إكراما لوالدهم الشهيد.


فزوَّجها أبوها بعون بن جعفر فأحبَّته،  وعونُ هذا ابن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطَّلب القرشي الهاشمي، والدُه جعفر ذو الجناحين، وُلد على عهد رسول الله ، أمُّه وأم أخويه عبد الله ومحمد، هي أسماء بنت عُميس الخطمية، أسلمت قديما، وهاجرت الهجرتين، و كانت مصاحبةً لفاطمة رضي الله عنها  حتى وفاتها، ولما جاء نعيُ جعفر إلى رسول الله, جاء إلى بيت جعفر، وقال: (أخرجوا إليَّ أولادَ أخي، فأخرج إليه عبد الله, و محمد, وعون، وضعهم النبيُّ على فخذه, ودعا لهم, وقال: أنا وليُّهم في الدنيا والآخرة، و قال صلى الله عليه وسلم: أما محمد فيشبه عمَّنا أبا طالب)
 استشهد عونُ بن جعفر بتُستُر، ولا عقِب له- ليس له ولد -  بخراسان، مدينة في بلاد فارس، كان في جهاد، فاستُشهد هناك .

 لما انقضت عدَّتُها, أبقت أمرها بيد أبيها، فزوَّجها أبوها رضي الله عنه بمحمد بن جعفر بن أبي طالب ، الثاني، فمات عنها ولم تلد له .
فلما انقضت عدَّتها من محمد بن جعفر، أبقت أمرها بيد أبيها، ثم زوَّجها أبوها من عبد الله بن جعفر الثالث، فماتت عنده،
 
كان عبدُ الله كريما, جوادا - وكان يقال له : قطب السخاء – حليما، ولد في الحبشة ، وقدم إلى المدينة وعمره عشر سنوات ،  روى عن النبي أحاديث كثيرة.
توفيت أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنه  ولم تكن قد ولدت من أزواجها الثلاثة أولاد عمها جعفر أيَّ ولد، أولادها فقط من سيدنا عمر، وقد صادف يومُ وفاتها يومَ وفاة ابنها زيد بن عمر بن الخطاب، الذي توُفي شابا، ولم يعقب، وصلى عليه وعلى أمه عبدُ الله بن عمر، ودفنهما في المدينة ، وذلك في أوائل دولة معاوية، وذلك في حدود سنة خمسين للهجرة .