Thursday 30 July 2015

تدبر آيات من القرآن العظيم – الحزب 30 - سورة الكهف والعصمة من الفتن



  


 تدبر آيات من سورة الكهف- العصمة من الفتن - الحزب 30 من القرآن العظيم


الحزب هذا في نهاية سورة الكهف، وسورة مريم ، وقد أوردت لكم في سورة الكهف تفصيل للقصص التي جاءت فيها ، وهنا أؤكد  على فضل السورة ، ونهايتها ..
في فضل سورة الكهف كثير من الأحاديث، منها ما لا يصح عنه ﷺ، وللذكرى والتأكيد  أورد لكم ما صححه العلماء منها :ـ

عن أبي الدرداء أن النبيﷺ قال : " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال وفي رواية" من آخر سورة الكهف" [ رواه مسلم ]  

وقال رسول الله ﷺ: " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من " فتنة  الدَّجال " ( صححه الألباني )  

وقال : " من قرأ سورة الكهف " [ كما أنزلت ]  كانت له نورا يوم القيامة، من مقامه إلى مكة، و من قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره، و من توضأ فقال: سبحانك اللهم و بحمدك  أشهد أن [ لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك ، كتب في رق ، ثم جعل في طابع ، فلم يكسر إلى يوم القيامة]"
( صححه الألباني )

وقال : " من قرأ سورة ( الكهف ) ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق " ( صححه الألباني)ـ   

وقال : " من قرأ سورة ( الكهف ) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين" ( صححه الألباني)   
والحديثين الأخيرين يحثان المسلم على أن يجتهد ويحرص على قراءتها يوم الجمعة، ولا يغفل، أو يتشاغل عنها، حتى لا يفوته هذا الفضل .


اليوم أسوق لكم توضيح عن قصص سورة الكهف الأربعة ، وما يربطها ببعضها  وتعليق عليها ( منقول بتصرف وإضافة ):
قصص سورة الكهف الأربعة يربطها محور واحد وهو أنها تجمع الفتن الأربعة في الحياة  فتنة الدين (قصة أهل الكهف)، فتنة المال (صاحب الجنتين)، فتنة العلم (موسى عليه السلام والخضر) وفتنة السلطة ( ذو القرنين) وهذه الفتن شديدة على الناس والمحرك الرئيسي لها هو الشيطان الذي يزيّن هذه الفتن ولذا جاءت الآية:
  {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} آية 50
يحكى لنا ربنا سبحانه وتعالى حكاية إبليس وهلاكه باستكباره عن السجود لعظيم صنيع الله آدم بيديه سبحانه، بدعواه أنه خير منه، من أجل أنه خلق من نار، وخلق آدم من طين، فالنار كما يرى تأكل الطين وتحرقه. فسق أبليس عن أمر ربه ،حتى صار باستكباره شيطانا رجيما، وحقت عليه من الله لعنته، وقد حذر الله عباده منه، ومن فعله، لئلا يستحقوا من الله اللعن والسخط ما استحقه إبليس بتكبره عن السجود لآدم .
وقد جاءت آية التحذير منه في وسط  هذه السورة، بعد القصتين الأوليتين، ثم حكى بعدها الحكايتين الأخريين، منبةً للغافل عن فعل إبليس، ولهذا قال الرسول  أنه من قرأها عصمه الله تعالى من فتنة المسيح الدجّال لأنه سيأتي بهذه الفتن الأربعة ليفتن الناس بها، وقد جاء في الحديث الشريف: "من خلق آدم حتى قيام ما فتنة أشدّ من فتنة المسيح الدجال" وكان يستعيذ في نهاية صلاته من أربع ،منها فتنة المسيح الدجال. وقصص سورة الكهف كل تتحدث عن إحدى هذه الفتن ثم يأتي بعده تعقيب بالعصمة من الفتن :ـ

1
ـ فتنة الدين:
 قصة الفتية الذين هربوا بدينهم من الملك الظالم فآووا إلى الكهف حيث حدثت لهم معجزة إبقائهم فيه ثلاثمئة سنة وازدادوا تسعاً وكانت القرية قد أصبحت كلها على التوحيد. ثم تأتي آيات تشير إلى كيفية العصمة من هذه الفتنة
 (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا) آية 28 – 29 
 فالعصمة من فتنة الدين تكون بالصحبة الصالحة وتذكر الآخرة.
لأن صحبة الفاسدين وأهل المعاصي تضعف الهمة إلى الله ، وتهون على المرء المعاصى، تأمل كيف أن الله تعالى بعد أن أمر بالاستقامة حذر من الركون إلى أهل المعاصي لأن هذا يؤثر على الإستقامة فقال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلا تَرْكَنُوا إلَى الَذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} ( هود 112 - 113 )
قال أهل العلم : أي لا تميلوا إلى العصاة
فالصحبة الصالحة تدل على الخير، وتحث عليه وتنشط إليه، ونخن نعرف ونجد من ضرورات نفوسنا أن الإنسان قد ينشط للعبادة إذا كان في ملأ أكثر مما ينشط لها إذا كان بمفرده، ولذلك تجد من الإقبال على القيام في رمضان، في صلاة التراويح والقيام ما لا تجده في غيره، وتجد أن الله عز وجل شرع الجماعة في كثير من العبادات، في صلاة الجماعة، والعيدين، والكسوف، وغيرها، وكالحج، وتجد أن المسلمين يقومون بالعبادات في وقت واحد، فيصومون في وقت واحد، ويقفون بـعرفة في وقت واحد، وهذا مدعاة لقوة فعل الإنسان للطاعة، وإقباله عليها.
فالاجتماع على الخير من أسباب الإقبال على العبادة، والنشاط فيها، ومن ثم زيادة الإيمان، ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم يقول بعضهم لبعض:" تعال بنا نؤمن ساعة " مع أنهم مؤمنون أصلاً، لكن المعنى أن نقوي إيماننا.
فعلى الإنسان أن يحرص أن يجد في المؤمنين من يحبه في الله عز وجل، ثم يحاول أن يحقق ثمرات هذه المحبة بالاجتماع على الخير، والتزاور، والتباذل والتناصح في ذات الله تعالى، وهذه الأشياء من أهم الوسائل في تثبيت قلب الإنسان.
2
ـ فتنة المال:
قصة صاحب الجنتين الذي آتاه الله كل شيء فكفر بأنعم الله وأنكر البعث فأهلك الله تعالى الجنتين. ثم تأتي العصمة من هذه الفتنة
 { وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا } آية 45 و46.
والعصمة من فتنة المال تكون في فهم حقيقة الدنيا وتذكر الآخرة.
فالله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، فبعض الناس يبتلى بالسراء فينكث على عقبيه، وينقلب على عقبيه وتتبدل حاله من حالة حسنة أيام الفقر والضعف والقلة، إلى حال سيئة في أيام السراء والعكس، يقول تعالى:{ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} ( الأنبياء 35).
وإن من أعظم ما يبتلى به الناس اليوم نعمة السراء المال والمال فتنة، المال يميل بقلوب الرجال وقد أخبر بذلك النبي ﷺ فيما صح عنه: " إن لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال" (ابن حبان-كتاب الزكاة)، وقال ﷺ:  "فابشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم" (البخاري)، فالمال يميل بالرجال إلا من عصم الله وثبته، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} ( الكهف46)، {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (التغابن 15)
فالله سبحانه وتعالى يبتلى عباده، وكم تنظر فترى فتنة الناس بالمال لا تعد ولا تحصى، وقد تؤدي الفتنة بالمال إلى الكفر بالله تبارك وتعالى والاستمرار عليه والعنجهية في ذلك، كما حصل لفرعون، كما حصل لهامان وقارون فأنكروا ما أخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه وعلى لسان رسوله إليهم موسى عليه السلام  فقال فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص 3)، فكان من مبلغ كبره وغتراره بماله أن قال يقارن نفسه بموسى عليه السلام {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} (52 الزخرف).
وانظر ما الذي يرفع شأن موسى ويجعله مستحقا للنبوة من وجهة نظر فرعون ؟: { فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } (الزخرف 54-55) صدقوه فتبعوه وكذبوا موسى عليه السلام، فالمال فتنة عظيمة وخصوصا إذا اجتمع معها السلطان، قصة قارون ليست ببعيدة.
فلهذا خشي النبي ﷺ على هذه الأمة المرحومة خشي عليهم فتنة الدنيا، خشي عليهم فتنة المال وأخبر أنها فتنة عظيمة، وصدق رسول الله ﷺ فيما أخبر وهو الصادق المصدوق، وهذا ما هو حادث لفئة كبيرة من أمة محمد ﷺ .
3 - فتنة العلم:
قصة موسى عليه السلام مع الخضر وكان موسى ظنّ أنه أعلم أهل الأرض فأوحى له الله تعالى بأن هناك من هو أعلم منه فذهب للقائه والتعلم منه فلم يصبر على ما فعله الخضر لأنه لم يفهم الحكمة في أفعاله وإنما أخذ بظاهرها فقط. وتأتي آية العصمة من هذه الفتنة
(قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) آية 69.
والعصمة من فتنة العلم هي التواضع وعدم الغرور بالعلم.
قال الحافظ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: إذا تم علم الإنسان، لم ير لنفسه عملًا؛ وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملًا، أو يعجب به، وذلك بأشياء:- منها: أنه وفق لذلك العمل: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7]. - ومنها: أنه إذا قيس بالنعم، لم يف بمعشار عشرها، ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل وتعبد، هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة.
فأما والغفلات تحيط به؛ فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك: فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، قالوا: «ما عبدناك حق عبادتك» (السلسلة الصحيحة)، والخليل عليه السلام يقول:{ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} (الشعراء:82)، وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح.
ورسول الله ﷺ يقول: "ما منكم من ينجيه عمله"، قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته"( البخاري)
فإن التواضعَ مزية تدلُّ على النبل والكرم ونقاء السَّريرة وصفاء الطويَّة؛ لأنها لمسةٌ من لمسات الخالق أودَعَها في نُفوس عباده، فتمثَّلها الأنبياء والرسُل والصالحون، الذين عَرَفوا قُدرة الخالق، وضَعف المخلوق.
الكبر خطيئة إبليسية:
وهل كفرَ إبليسُ بربه وأُخرِج من الجنة وطُرِد عن الرحمة وحَقّت عليه اللعنة إلا بتكبّره وعناده وإعجابه بنفسه؟! قال سبحانه: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ (الأعراف:١١-١٢).
وهل كَفَر من كَفَر وطَغَى من طَغَى إلا بتتبعهم لخطى إبليس في تكبّرهم على الله سبحانه وتعالى وإعجابهم بما هم عليه من نعمة وصحة؟!
عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله : «لا يزال الرجل يذهب بنفسه – أي: يرتفع ويتكبر – حتى يُكتب في الجبّارين، فيصيبه ما أصابهم». يذهب بنفسه: أي يرتفع ويتكبر.
أسباب التكبرعند أهل العلم:
ولما كان التكبر شدة الإعجاب بالنفس المؤدية إلى احتقار الناس والترفع عليهم، فإن أسبابه التي تؤدي إليه وبواعثه التي ينشأ منها:
- الإطراء والمدح في الوجه :
وقد يكون السبب في الإعجاب بالنفس إنما هو الإطراء والمدح في الوجه، ذلك أن هناك فريقًا من الناس إذا أطرى أو مدح في وجهه ، اعتراه أو ساوره لجهله بمكائد الشيطان خاطرُ أنه ما مدح وما أطرى إلا لأنه يملك من المواهب ما ليس لغيره، وما يزال هذا الخاطر يلاحقه ويلح عليه حتى يصاب  والعياذ بالله  بالإعجاب بالنفس، ولعل ذلك هو السر في ذمه للثناء والمدح في الوجه.
- الوقوف عند النعمة ونسيان المنعم:
كذلك إن هناك صنفاً في العاملين إذا حباه الله نعمة من المال أو علم أو قوة أو جاه أو نحوه وقف عند النعمة ونسي المنعم، وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من علم وقوة، ولا يزال هذا الحديث على حد قول قارون: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ (القصص:٧٨)، ولا يزال هذا الحديث يلح عليه حتى يرى أنه بلغ الغاية أو المنتهي، ويسر ويفرح بنفسه وبما يصدر عنها ولو كان باطلا، وذلك هو الإعجاب بالنفس.

ـ فتنة السلطة:
 قصة ذو القرنين الذي كان ملكاً عادلاً يمتلك العلم وينتقل من مشرق الأرض إلى مغربها عين الناس ويدعو إلى الله وينشر الخير حتى وصل لقوم خائفين من هجوم يأجوج ومأجوج فأعانهم على بناء سد لمنعهم عنهم وما زال السدّ قائماً إلى يومنا هذا. وتأتي آية العصمة
 ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (آية 103 -104)
فالعصمة من فتنة السلطة هي الإخلاص لله في الإعمال وتذكر الآخرة.
فالسلطان؛ يطمع فيه الجميع، وكل شخص يسعى لينال هذا الشرف الكبير.
فجميع الناس خاضعون للسلطان، والكل تحت إمرته، ويسعى لمرضاته, وعندما يصل الحاكم إلى هذه المنزلة، فإنه يسعى جاهدًا لأن يثبت على هذه الحالة، متَّخذًا جميع الوسائل المتاحة، لئلا ينافسه أحد على هذا الشرف الذي لا يصلح أن يشاركه فيه أحد.

وحيث أن المغريات كثيرة، والشهوات أكثر، والظلم أوقع، كانت هذه السلطة فتنة يخاف منها، وشبهة يبتعد عنها، وأمانة قل من يحفظها، لذلك زهد فيها السلف وابتعدوا عنها.
إن الملك والسلطان هبة  وعطاء من الرحمن، قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ...} (آل عمران 26)، ويلاحظ قول الله تعالى { وتنزع الملك} فمن وهبه الله الملك ، لا يبتغي عنه حولا ، إلا أن ينتزع منه انتزاعاً.
لكن الله-عز وجل-لا يعين صاحب الملك والسلطان إلا بشروط حددها الشرع الحكيم، منها:
-ألا يطلبها، ولا يكن ذلك همه وهدفه في دعوته وإصلاحه، لأن من يسعى إليها، فإنه لا بد أن يسلك الطرق المعوجة والغير مرضية من القتل والإفساد وإراقة الدماء، وإخلال الأمن وانتشار الفوضى, والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.
وهكذا فتنة الملك والسلطان مستمرة, لكن السلف رضوان الله عليهم منضبطون بقواعد الشرع لا بقواعد العواطف والشهوات، ليس همهم السلطة بل همهم نشر التوحيد والسنة بين الناس, اقتداء بالرسل والأنبياء.
-والكبرياء: هو قرين الملك والسلطان في الأرض.  في غالب أحواله.
ولذلك فقد حذر النبي ﷺ من فتنة الملك والسلطان, فنهى الصحابة عن التطلع إلى السلطة أو طلبها. قال رسول الله ﷺ : "يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لَا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا..."  ( البخاري)
وقال ﷺ : " إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ" ( البخاري)
وقال أيضًا لما جاءه بعضهم فقالوا: أمِّرنا على بعض ما ولاك الله، فقال: "إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّي عَلَى هَذَا الْعَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ، وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ " ( متفق عليه)
فانظر إلى الصحابة لم يطلب أحد منهم الملك والسلطان, ومن تولى منهم شيء من إمرة المسلمين, كان فيه التوفيق والإعانة من الله.

5
ـ ختام السورة: العصمة من الفتن: آخر آية من سورة الكهف تركّز على العصمة الكاملة من الفتن بالتثبت بالإخلاص ، ولبدوام على متابعة النبي ﷺ. قال تعالى:  { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا })  الكهف 110 )
فمن أراد العصمة من الفتن أن يتمسك بإخلاص العبادة لربه، ثم أن يعمل من العمل ما كان صالحاً صحيحاً ومخلصاً لله حتى يَقبل، والنجاة من الفتن إنتظار لقاء الله تعالى.
والعمل الصالح له شروط بينتها هذه الآية ، أولها- إخلاص العمل لله تعالى، لا يشرك معه أحد 
وقد نبه رسول الله أهمية إخلاص العمل لله تعالى لا يشرك معه أحدا ابدا، رويَ أنه جاء رجل إلى عبادة بن الصامت، فقال أنبئني عما أسألك عنه، أرأيت رجلاً يصلي يبتغي وجه اللّه ويحبُ أن يحمدَ، ويصوم يبتغي وجه اللّه ويحبُ أن يحمدَ، ويتصدق يبتغي وجه اللّه ويحبُ أن يحمدَ، ويحج يبتغي وجه اللّه ويحبُ أن يحمدَ، فقال عبادة: ليس له شيء، إن اللّه تعالى يقول- في الحديث القدسي كما روى عنه رسول الله ﷺ: " أنا خير شريك، فمن كان له معي شريك فهو له كله ولا حاجة لي فيه" ( البخاري)، وروى الإمام أحمد عن شداد بن أوس رضي اللّه عنه أنه بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال شيء سمعته من رسول اللّه ﷺ فأبكاني. سمعت رسول اللّه ﷺ يقول: " أتخوف على أمتي الشرك والشهوة الخفية "، قلت: يا رسول اللّه! أتشرك أمتك من بعدك؟ قال: " نعم أما إنهم لا يعبدون شمساً ولا قمراً ولا حجراً ولا وثناً، ولكن يراؤون بأعمالهم، والشهوة الخفية أن يصبح أحدهم صائماً فتعرض له شهوة من شهواته فيترك صومه"  ""أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه"". ، وروى الإمام أحمد أيضا، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ فيما يرويه عن اللّه عزَّ وجلَّ أنه قال: " أنا خير الشركاء، فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري فأنا بريء منه وهو للذي
أشرك" . وروى الإمام أحمد، عن أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري، وكان من الصحابة أنه قال: سمعت رسول اللّه يقول: " إذا جمع اللّه الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى منادٍ: من كان أشرك في عمل عمله للّه أحداً فليطلب ثوابه من عند غير اللّه، فإن اللّه أغنى الشركاء عن الشرك" ( رواه أحمد والترمذي وابن ماجه ).
وثاني شروط قبول العمل: المتابعة ،بأن يكون العمل في ظاهره موافقاً لكتاب الله ولسنة رسول الله
ويعبر العلماء عن هذين الشرطين بقولهم: الإخلاص والمتابعة. قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله تعالى: { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً} (الملك:2) قال: أخلصه لله وأصوبه- متابعة لرسول الله -، وقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصاً صوابا، قال: والخالص إذا كان لله عز وجل، والصواب إذا كان على السنة.

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين والحقنا بالصالحين
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن