Monday 31 March 2014

تدبر آية من القرآن العظيم - الحزب الرابع عشر ج2 - أو يلبسكم شيعا


تدبر آية من القرآن العظيم – الحزب الرابع عشر ج 2 – أو يلبسكم شيعا 

أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالإجتماع على كلمة الإسلام ، والاعتصام به ، والاتفاق،  ونهى وحرم ضده من الفرقة والاختلاف مذكرا بنعمته التي أنعم بها علينا وهي التأليف بين قلوبنا وكوننا صرنا بنعمته أخوة متحابين متآلفين .
فقال سبحانه :( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّ‌قُوا ۚ وَاذْكُرُ‌وا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران 103  .
فالتنازع يسبب الفشل وهو الهزيمة وانتصار العدو على المسلمين سواء كان ذلك في ميدان المعركة أو في غيرها فليس هذا خاصا بميدان المعركة بل في كل مجال، لأن الاجتماع قوة والتفرق ضعف وإذا ضعف المسلمون ذهبت عزتهم وكرامتهم وطمع فيهم عدوهم واستولوا عليهم سواء استولوا استيلاء مباشرا أو غير مباشر ،والتاريخ والوقع من أعظم الشواهد . تعالوا نتدبر هذه الآية ....

قال تعالى :
 ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ‌ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْ‌جُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ‌ كَيْفَ نُصَرِّ‌فُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) الأنعام 65.

التفسير :ـ

قوله تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ‌ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا )  لما ذكر في الآية التي تسبقها أنه تعالى هو الذي ينجي من ظلمات البر والبحر بعد الكرب ، قال هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا،  أي أن القادر على إنجائكم من الكرب ، قادر على تعذيبكم . 

وقوله :(  مِّن فَوْقِكُمْ  ) أي الرجم بالحجارة والطوفان والصيحة والريح ; كما فعل بعاد وثمود وقوم شعيب وقوم لوط وقوم نوح
وقوله :  ( أَوْ مِن تَحْتِ أَرْ‌جُلِكُمْ )
 وهوالخسف والرجفة ; كما فعل بقارون وأصحاب مدين . 
وقيل : من فوقكم يعني الأمراء الظلمة ، ومن تحت أرجلكم  يعني السفلة وعبيد السوء


وقوله تعالى( أو يلْبِسَكُمْ شِيَعَاً )   من اللبس ، أي يجللكم بالعذاب ويعمكم به وهذا من اللبس،  أو أي يلبس عليكم أمركم ،وهذا اللبس بأن يخلط أمرهم فيجعلهم مختلفي الأهواء ; عن ابن عباس . وقيل : معناها أي يقوي عدوكم حتى يخالطكم وإذا خالطكم فقد لبسكم . شيعا معناه فرقا . وقيل يجعلكم فرقا يقاتل بعضكم بعضا ; وذلك بتخليط أمرهم وافتراق أمرائهم على طلب الدنيا . 
وقوله : (وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ  )
أي بالحرب والقتل في الفتنة ، والآية عامة في المسلمين والكفار . وقيل هي في الكفار خاصة . وقال الحسن :هي في أهل الصلاة . قلت : وهو الصحيح ; فإنه المشاهد في الوجود ، فقد لبسنا العدو في ديارنا واستولى على أنفسنا وأموالنا ، مع الفتنة المستولية علينا بقتل بعضنا بعضا واستباحة بعضنا أموال بعض . نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
 وعن الحسن أيضا أنه تأول ذلك فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم . روى مسلم عن ثوبان قال قال رسول الله : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم وإن ربي قال : يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وإني قد أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة وألا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - أو قال : من بين أقطارها - حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا)
وعن خباب بن الأرت ، وكان قد شهد بدرا مع رسول الله ، أنه راقب رسول الله الليلة كلها حتى كان مع الفجر ، فلما سلم رسول الله من صلاته جاءه خباب فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ! لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها ؟ قال رسول الله : ) أجل إنها صلاة رغب ورهب سألت الله عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة سألت ربي عز وجل ألا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطانيها وسألت ربي عز وجل ألا يظهر علينا عدوا من غيرنا فأعطانيها وسألت ربي عز وجل ألا يلبسنا شيعا فمنعنيها ( النسائي- صحيح

  وعن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية 
(قُلْ هُوَ الْقَادِرُ‌ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْ‌جُلِكُمْ ) قال رسول الله : ( أعوذ بوجه الله)  فلما نزلت: (  أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ )  قال : ( هاتان أهون ) رواه عمرو بن دينار .

الملجأ من الفتن

والمفر من هذا كله أن يعتصم المسلمون بالله أولا ، وأن يعلموا أن يد الله جل وعلا مع الجماعة، وأن النبي أمر بالصبر، وأمر بأمور عدة تقوى بها شوكة الإسلام.

والتفاف بعض الناس على بعض ، وتوحيد كلمتهم، وعودتهم إلى دين الله ، أغيظ للعدو، وأعظم لإقامة شرائع الله وحدوده، والكمال عزيز، والنقص موجود، لكن لا يسدد مثل ذلك إلا بالتناصح والتشاور .
وقد ورد في حديث رسول الله ما نبه به على أن هذه الفتنة إنما تظهر في أمه محمد عندما لا يحكِّم أئمتهم كتاب الله ، وما أنزل على رسوله من الحكمة ، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:  قال رسول  الله : (  يا معشر المهاجرين ! خصال خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم،  ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا،  ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل و يتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

والمقصود من هذا بيان أن الله جل وعلا في كتابه وعلى لسان رسوله بيّن كثيراً من الأمور التي يسترشد بها العاقل، ويستنير بها المؤمن، ويتقي بها البصير، ويعرف بها الجميع الطريق الموصل إلى الله، وهذه مزية أهل العلم على غيرهم .

وهي أنهم يعلمون من كتاب الله وكلام رسوله ما يثبت الله جل وعلا به أفئدتهم، ويهديهم به إلى صراط مستقيم. لذلك قال الله بعد هذا كله ( انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ  ) [ الأنعام 65]. ولا ريب في أن الله فصل الآيات، وأبان لعباده طرائق الحق والطريق المستقيم، وأوضح ما يقرب منه، وما يدل عليه، وما يرشد في أمر الدين وأمر الدنيا، ولكن الناس يتفاوتون في مقدار العلم، وأهل العلم يتفاوتون في مقدار الأخذ بالعلم، والسمع والطاعة لله، والعمل بما يعملون.
فهو سبحانه بينها ووضحها لعل الناس يفهمون ويتدبرون عن الله آياته وحججه وبراهينه، قال زيد بن أسلم: لما نزلت: ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ‌ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ) الآية، قال رسول الله : (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف) قالوا: ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ؟ قال: (نعم) فقال بعضهم: لا يكون هذا ابداً أن يقتل بعضنا بعضاً ونحن مسلمون، فنزلت ( انظُرْ‌ كَيْفَ نُصَرِّ‌فُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ * لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ‌ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)  ""رواه ابن أبي حاتم وابن جرير""
وفي سنن أبي داوود ،عن ابن عمر قال : لم يكن رسول الله يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح :
( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة . اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي . اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بك أن أغتال من تحتي ) صحيح

وقال النبي : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ! قل قلت : و ما أقول ؟ قال : قل أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر و لا فاجر من شر ما خلق و ذرأ و برأ و من شر ما ينزل من السماء و من شر ما يعرج فيها و من شر ما ذرأ في الأرض و برأ و من شر ما يخرج منها و من شر فتن الليل و النهار و من شر كل طارق يطرق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن ) صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.

اللهم إنّا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن