Tuesday 18 August 2020

أحاديث نبوية شريفة- حديث قدسي- إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها حتى يعملها

  

  


 

حديث قدسي: يقول الله تعالى: إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فلا تَكْتُبُوها عليه حتَّى يَعْمَلَها...  

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ :" يقولُ اللَّهُ( اي لملائكته): إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فلا تَكْتُبُوها عليه حتَّى يَعْمَلَها، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها مِن أجْلِي فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، وإذا أرادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ" (رواه البخاري)

وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله: قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: إذا تَحَدَّثَ عَبْدِي بأَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً، فأنا أكْتُبُها له حَسَنَةً ما لَمْ يَعْمَلْ، فإذا عَمِلَها، فأنا أكْتُبُها بعَشْرِ أمْثالِها، وإذا تَحَدَّثَ بأَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فأنا أغْفِرُها له ما لَمْ يَعْمَلْها، فإذا عَمِلَها، فأنا أكْتُبُها له بمِثْلِها.

وفي رواية أخرى: وَقالَ رَسولُ اللهِ : قالتِ الملائِكَةُ: رَبِّ، ذاكَ عَبْدُكَ يُرِيدُ أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، وهو أبْصَرُ به، فقالَ: ارْقُبُوهُ فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها له بمِثْلِها، وإنْ تَرَكَها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً، إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ. وَقالَ رسولُ اللهِ : إذا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ بعَشْرِ أمْثالِها إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُها تُكْتَبُ بمِثْلِها حتَّى يَلْقَى اللَّهَ." (مسلم)

 

شرح الحديث:

 

هذا الحديث أسند النبي هذا القول إلى الله تعالى بقوله: «يقول الله: إذا أراد عبدي» واصفاً له بذلك، وهذا القول من شرعه الذي فيه وعده لعباده، وتفضُّله عليهم، وهو غير القرآن، وليس مخلوقاً، فقوله تعالى هو من صفاته تعالى، غير خلقه لكل ما خلق فهو فعله تبارك وتعالى.

وفي الحديث الأول الخطاب من الله تعالى للملائكة الموكَّلين بحفظ عمل الإنسان وكتابته، وهو يدل على فضل الله على الإنسان، وتجاوزه عنه. قوله: « إذا أرادَ عَبْدِي أنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً، فلا تَكْتُبُوها عليه حتَّى يَعْمَلَها»

عمل ابن آدم: إما أن يكون عمل القلب فقط، أو عمل القلب والجوارح، وردت في الحديث :

وقبل أن نبدأ بالشرح نقول: العمل قد يراد به عمل القلب والجوارح، أو أحدهما،  وقد جاءفي الصحيح من الحديث ما يدل على أن عمل القلب يؤاخذ به، ويجزي عليه، قال الله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، أي في الحرم المكي، فهذا الذي نوي بقلبه الإلحاء في الحرم، عوقب عليه وإن لم يفعل ما نوى، فحوسب على عمل القلب فقط. ومثله ما جاء في صحيح البخاري عن أبي بكرة نفيع بن الحارث قال: سمعت رسول الله يقول: « إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا القَاتِلُ، فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»، فهذا المقتول حوسب على عمل قلبه في عزمه على قتل صاحبه، وإن لم يظفر به، بل وقتل هو.

أما الحديث الذي معنا هنا، فإن عظيم فضل الله على عباده المؤمنين لا حد له،  فقوله: «إذا أراد أن يعمل سيئة فلا تكتبوها حتى يعملها» فعد عزم القلب وتصميمه عمل لابن آدم، ولكن من كرم الله لم يحاسب عبده على عمل القلب وإرادته عمل السيئة، إلا إذا صاحبها عمل الجوارح فعملها، فيتلطف به ربه ويكتبها عليه سيئة واحدة، وذلك قوله: «فإنْ عَمِلَها فاكْتُبُوها بمِثْلِها»، يعني: سيئة واحدة، قال الله تعالى: {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (الأنعام ١٦٠)، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}( غافر ٤٠)

 وفي قوله: « وإنْ تَرَكَها مِن أجْلِي فاكْتُبُوها له حَسَنَةً» وهي كقوله في الحديث الآخر  «إنَّما تَرَكَها مِن جَرَّايَ»، .قيَّد تركها بأنه من أجل الله تعالى، أي: خوفاً من ربه وحياءً منه، أما إذا تركها عاجزاً، أو خوفاً من الخلق، أو لعارض آخر، فإنها لا تُكتب له حسنة، بل ربما كُتبت عليه سيئة.

قوله: « وإذا أرادَ أنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْها فاكْتُبُوها له حَسَنَةً» وهذا أيضا إثابة من فضل الله وكرمه على عبده أن نوى وعزم على فعل حسنة، فأثابه عليها بمثلها وإن لم يعملها، وهذا تفضُّل من الله تعالى الكريم المنان على عباده، فله الحمد والمنة، فأي كرم أعظم من هذا، الهم بالحسنة يكتب الله به حسنة كاملة، وعمل الحسنة وهو عمل القلب والجوارح ،يكتب به عشر حسنات إلى سبعمائة حسنة.

ما يستفاد من الحديث:

1- الحديث دليل على إثبات كلام الله تعالى ومخاطبته للملائكة.

2- هذا الحديث يدل على فضل الله على الإنسان، وتجاوزه عنه.

3-الإيمان بالملائكة الموكَّلين بحفظ عمل الإنسان وكتابته، وأنهم ينظرون من هم بالسيئة أو الحسنة، فلا يكتبوها حتى يعمل، أو يدع.

4-من ترك سيئة من أجل الله تعالى أي: خوفاً منه، وحياءً، فإنها تكتب له حسنة، أما إذا تركها عاجزاً، أو خوفاً من الخلق، أو لعارض آخر، فإنها لا تكتب له حسنة، بل ربما كتبت عليه سيئة.