Wednesday 25 April 2018

الأمثال في القرآن – المثل الرابع والعشرون- سورة الإسراء – مثلوا لسيد الخلق ﷺ كل أمثال السوء ليصدوا الناس عنه فضلوا ، ولن يفلحوا أبدًا



 




الأمثال في القرآن – سورة الإسراء – مثلوا لسيد الخلق كل أمثال السوء ليصدوا  الناس عنه فضلوا ، ولن يفلحوا أبدًا


وردت كلمتي ( مثل ، أمثال ) في سورة الإسراء في آيتين،  أولهما ما بين ايدينا في هذه الآية الكريمة، التي ذكر فيها المثل ويقصد به الصفة والنعت، وليست من قبيل ما قصدناه في هذه السلسلة من التعرف على الأمثال التي ضربها الله لعبادة في هذا الكتاب العزيز للعبرة والعظة،  أو تقريب معنى محسوس ، بشيء ملموس، ولكنه حكاية عن تخبط  الكفار في وصفهم لسيد الخلق أوصافًا يريدون صد الناس عنه، فهل نجحوا؟ لنسمع قول ربنا:
( انظُرْ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) ﴿٤٨الإسراء﴾
تفسير الآية :
قوله تعالى (انظُرْ‌ كَيْفَ ضَرَ‌بُوا لَكَ الْأَمْثَالَ) عجّبَهُ ربه من صنعهم، ومن وصفهم له كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وتارة شاعر، ( فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا )  أي لا يجدون حيلة في صد الناس عنك،  وقيل: ضلوا عن الحق فلا يجدون سبيلا، أي إلى الهدى. وقيل : مخرجًا؛  لتناقض كلامهم في قولهم: مجنون أو ساحر أو شاعر.
فقوله تعالى: ( ضَرَ‌بُوا لَكَ الْأَمْثَالَ) المثل هنا الصفة والنعت ، فقد وصفوه بصفات ونعوت عدة ، لا يستطيعون الإسقرار على واحد منها ، وهذه المحاولات التي لهثوا وراءها صدتهم عن تبين طريق الحق ، والإهتداء به .
وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قصة تبين حال كفار قريش ، وتفسر سر ردهم لدعوة من عرفوا منه الصدق والأمانة  ، اوردها للعبرة ، قال :ـ
قال محمد بن إسحاق في السيرة: إن أبا سفيان بن حرب، وأبا جهل بن هشام، والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللّه وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل واحد منهم مجلساً يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، حتى إذا جمعتهم الطريق تلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئاً، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا وجمعتهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثل ما قال أول مرة، ثم انصرفوا حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد لا نعود. فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا. فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد، قال: يا أبا ثعلبة، واللّه لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها ولا ما يراد بها، قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ واللّه لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
وهذا حال المستكبر المعاند ، لا يرى الحق ولا يهتدي إليه مما غلف قلبه من الحقد والحسد للناس الذي يجره إلى احتقار كل من خالفه فلا يقبل منه قولا ، لا أمرا ولا نهيا ، وهو بهذا الفعل يحرم نفسه من الإنتفاع بالوعظ والإرشاد .
فائدة :
حكى الله تعالى تخبط كفار قريش في وصف رسول الله بأوصاف تنفر الناس منه، يريد صدهم عنه ، وما يدعو إليه من الهدى ودين الحق، ويتبعها ربنا في نفس الآية قوله: ( فَضَلُّوا)، ليعلمنا أنهم مهما حاولوا عبر العصور هذه المحاولات فسيضلوا ، مثل أسلافهم، وهذا يتجلى لنا عبر القرون ، فما حارب رسول الله إلا كان احد رجلين: خاب وانحسر وضاع في التاريخ، أو أن يهديه الله فيرجع .
 وهذا ما حدث لـ (  أرنود فان دورن ) الهولندي ، الذي أنتج الفلم المسيء لرسول الله ، فهداه الله وأسلم ، وهذه نبذة قصيرة عنه:
(  أرنود فان دورن )من مواليد 1967 ، نشأ في عائلة مسيحية، يتيم الأب عاش في كنف والدته ، وحصل على دراسات عليا. أنضم إلى حزب من أجل الحرية "PVV" اليميني المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين. ولمعرفته بالسياسة المحلية،  وتجربته في ملف رعاية الشباب، عين نائبا لرئيس الحزب، وهذا الحزب هو الذي انتج الفيلم المسيء للنبي ، وساهم فان دورن على إنتاجه عندما كان نشيطاً في الحزب، كان يتخذ من العداء للإسلام فكرة رئيسية لكل دعاية انتخابية، سواء كان في اتنخاب البرلماني الهولندي، او انتخابات مجالس البلديات او المقاطعات الأوروبية.
قال في مقابلة له بعد دخوله الإسلام تحدث فيها عن تجربة الحزب ونظرته حول الإسلام:
قال: " كانت نظرتي للإسلام سيئة. لقد انجرفت مع كل التصريحات السلبية عن الإسلام. وهذا سبب ما يتلقاه المرء من طرف السياسة، وفي الشارع ووسائل الإعلام. لذلك انجرفت مع الكراهية ضد الإسلام. كنت أعتبر الإسلام في ذلك الوقت أنه شئ غير جيد. وإن هذه الاحكام المسبقة التي عند كثير من الناس عن العرب وعن الإسلام. مثل قمع النساء، والعدوانية والسيطرة على العالم بالعنف، ودين غير متسامح. هذه كانت نظرتي قبل عدة سنوات للأسف."
بعد إسلامه بدأ  ينمو فيه الرغبة بترك الحزب، بعد شعوره بأن بقائه مع الحزب لا يبشر بالخير. وان ذكائه وتطوره لا يسمحان له بالبقاء معهم. تبرأ من الحزب وهو الآن بعيد كل البعد ولا يشاركهم وجهات نظرهم حول الإسلام. يرى أن أكبر سوء فهم من حزب الـ PVV واعضائها عن الإسلام هو :" أن الإسلام هو دين السلبية، والشمولية في الحكم والعدوانية". وهو يرى ان الإسلام هو دين ايجابي، كل ما فيه جميل، نقي، وأصيل،  عكس ما كان يقوله حزب من أجل الحرية PVV عندما كان يفسر لهم بعض السور بطريقة سلبية للغاية وكان ذلك لا يتفق مع الواقع وغير صحيح.
بدأ بقراءة القرآن الكريم، السنة النبوية، والحديث نحو سنة ،وجد كثير من المعلومات ولكنه يحتاج أن يفسرها؟ فبدأ التعمق في دراسة السنة والحديث. واعتمد كثيراً على التعليم الذاتي والمحادثة مع الناس حتى وصل إلى مرحلة لم يجد فيها مخرج من اسئلته. قرر الدخول في الإسلام. فتوجه إلى مسجد السنة في لاهاي، بناء على نصيحة من عضو المجلس البلدي عبد الرزاق الخولاني. يقول أرنود: " اضطررت إلى البحث عن المسجد في الخريطة، كنت أعرفه فقط من وسائل الإعلام، فهو من الخارج لا يظهر عليه بأنه مسجد ولا توجد عليه لوحة فيها أسم المسجد". ذهب مع أبنه المتبنى ذا التسعة أعوام، جمال، مغربي الأصل، للمسجد أهدي له مجموعة من كتب السيرة النبوية وبعض التفاسير، واخذ يقرأها ليدخل طواعية دين الإسلام بعد حوالي شهرين من زيارة المسجد. كان اسلامه في 27 فبراير 2013م.
وهكذا من سعى لللإساءة للنبي الكريم، أعزه الله بعدها وهداه لأن يسلم ويكون داعيا إلى الدين.

اللهم اجعلنا هداة مهتدين ولا تجعلنا ضالين ولا مضلين