Friday 22 August 2014

صحابيات حول رسول الله ﷺ - السيدة أم كلثوم بنت رسول الله الخيِّرة الفاضلة

    

  



أم كلثوم بنت رسول الله 

نسبها الشريف:
هي أم كلثوم بنت سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وأمها خديجة بنت خويلد، فأكرم به من نسب جمع الشرف والرفعة والكرم من طرفيه .
مولدها وإسلامها:
لم يؤرخ لميلادها في كتب السيرة ، ولكن كلها أكدت على أنها أصغر من أختها رقية، والتي أوردنا سابقا أنها ولدت وعمر أبيها رسول الله ثلاث وثلاثون عاما مباركا ، قد يكون بعام أو اثنين أو بين ذلك والله أعلم ، أسلمت مع أمها وأخواتها يوم بعث النبي المصطفي ﷺ،  وبايعت معهم حين بايعه النساء.
زواجها الأول من عتيبة بن أبي لهب :
تزوجها عتيبة بن أبي لهب قبل البعثة، فلما بعث رسول الله ، وأنزل الله: {  تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ }(المسد: 1) قال له أبوه أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته، ففارقها ولم يكن دخل بها، فلم تزل بمكة مع أبيها .
دعوة رسول الله على عتيبة:
 لما طلق عُتَيْبة أمّ كلثوم رضي الله عنها، جاء إلى النبي فقال له: كفرت بدينك، وفارقت ابنتك، ثم تسلّط على رسول الله فشقّ قميصه، فقال رسول الله : (أَمَا إنِّي أسأَلُ اللهَ أنْ يُسلِّطَ عليكَ كَلْبَهُ).
فخرج عتيبة في تجار من قريش حتى نزلوا بمكان في الشّام، يقال له الزرقاء، ليلاً، فأطاف بهم الأسد تلك الليلة، فجعل عتيبة يقول: يا ويل أُمّي هو والله آكلي كما دعا محمّد عليّ، قتلني ابن أبي كَبْشَة وهو بمكّة، وأنا بالشام، فعدى عليه الأسد من بين القوم فضَغَمَه - عضَّه - ضَغْمَة فقتله.
هجرتها إلى المدينة: 
وهاجرت إلى المدينة، فلم تزل بها، ولما توفيت رقية بنت رسول الله ، زوجها الرسول عثمان بن عفان، وكان ذلك شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة، وأدخلت عليه في هذه السنة في جمادى الآخرة، فلم تزل عنده إلى أن ماتت ولم تلد له شيئاً. فرضي الله عنها وأرضاها .
وبهذا يتبين فضلها ومنزلتها إذ أبدلها الله عز وجل بعد مفارقة ابن أبي لهب برجل حيي كريم تستحي منه الملائكة من أفضل صحابة رسول الله ، فكان نعم الزوج لها ونعمة الزوجة له.
قصة تزويجها بالصحابي الكريم عثمان بن عفان :
ذكره ابن عبد البر من قوله: (وكان عثمان رضي الله عنه إذ توفيت رقية قد عرض عليه عمر بن الخطاب حفصة ابنته ليتزوجها فسكت عثمان عنه لأنه قد سمع رسول الله يذكرها فلما بلغ ذلك رسول الله قال: ( ألا أدل عثمان على من هو خير له منها وأدلها على من هو خير لها من عثمان)  فتزوج رسول الله حفصة وزوج عثمان أم كلثوم)
قد ذكرت كتب الصحيح والسنن وغيرها من المصادر الوثيقة خبر زواج عثمان بن عفان من أم كلثوم الخيرة الفاضلة، وأوردوا ثناء رسول الله عليها بما فيها من صفات الفضل التي تفوّقت بها على حفصة بنت عمر التي غدت أم المؤمنين.
ذكروا أن خنيس بن حذافة زوج حفصة بنت عمر قد مات عنها عقب غزوة بدر، وكانت رقية ابنة رسول الله قد ماتت، ولما يقدم رسول الله من بدر، وحزن عثمان بن عفان لوفاة زوجه حزناً شديداً، وأما عمر بن الخطاب، فقد أحب أن يخفف بعض حزن عثمان، فذهب إليه وحيّاه بتحية الإسلام، من ثم عرض عليه حفصة وقال: إن شئت أنكحتك حفصة؟
ولكن جرح عثمان ما زال طرياً، ورقية لم تغب عن باله، رغم أن ثرى البقيع قد احتوى جثمانها الطاهر، لم يشأ أن يتكلم برأي أو يصدّ رغبة عمر، وإنما قال له بلهجة ممسوحة بالحزن، سأنظر في أمري يا عمر.
ومكث عمر بضعة أيام، فإذا بعثمان لا يبدي رغبة في الزواج من حفصة، بل لقي عمر، وأخبره أنه معرض عن الزواج في هذه الأيام.
وتركه عمر وشأنه، ولكنه وجد في نفسه بعض الحزن لإعراض عثمان عنه، وذهب عمر إلى أبي بكر الصديق رضوان الله عليه، وبثّ إليه ما يخبو في خفايا نفسه من زواج حفصة، وقال له: يا أبا بكر: إن شئت زوجتك حفصة.
ولكن أبا بكر الصديق لم ينطق بحرف واحد، ولزم الصمت أمام عمر الذي مضى والتأثر بادٍ على محياه من موقف أبي بكر وعثمان، ولم يدر لماذا وقف كل واحد منهما هذا الموقف!.
وانطلق عمر إلى الحبيب الأعظم نبي الله يعرض عليه ما حدث ويشكو حاله، وكانت أم كلثوم رضي الله عنها تسمع شكوى وشكاية عمر، وإذ ذاك قال رسول الله لعمر: " يتزوج حفصة من خير من عثمان، ويتزوج عثمان من هي خير من حفصة "
ومن خير من حفصة سوى ابنة النبي ، أم كلثوم الخيِّرة ، وهذا ما كان فعلاً، فقد تزوج عثمان بأم كلثوم في سنة ثلاث من الهجرة، وتزوج رسول الله حفصة ابنة عمر.
أما كيف تزوج عثمان من أم كلثوم، فيروي أبو هريرة رضي الله عنه يذكر لنا ذلك فقول:" أن عثمان لما ماتت رقية امرأته بنت رسول الله بكى، فقال رسول الله: ما يبكيك؟ قال: أبكي على انقطاع صهري منك، قال: فهذا جبريل عليه السلام يأمرني بأمر الله عز وجل أن يزوجك أختها" ، وفي حديث آخر بمعناه: " أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها "
وتروي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما خبر زواج أم كلثوم من عثمان رضي الله عنهما فتقول: " لما زوج النبي بنته أم كلثوم قال لأم أيمن: " هيئي ابنتي أم كلثوم وزفيها إلى عثمان، وخفّقي بين يديها بالدف"، ففعلت ذلك، فجاءها النبي بعد الثالثة، فدخل عليها فقال: يا بنية كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير بعل ، فقال النبي ﷺ:" أما إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم، وأبيك محمد ".
وعن أم عياش ـ وكانت أمَة لرقية بنت رسول الله ـ قالت: سمعت النبي يقول: " ما زوجت عثمان أم كلثوم إلا بوحي من السماء ".
فضل ذو النورين عثمان رضي الله عنه:
وتزويج النبي لعثمان مرة بابنته أم كلثوم  بعد وفاة أختها رقيه رضي الله عنهما يشير إلى مكانة عثمان رضي الله عنه، وإلى مقامه بين الصحابة الكرام في عهد النبوة، ولعل عثمان قد احتلّ مساحة كبيرة من محبة رسول الله ومن عطفه واحترامه لجليل صفاته، وكريم عطائه.
ويروى عن أم كلثوم رضي الله عنها: " أنها جاءت إلى النبي فقالت: يا رسول الله زوج فاطمة خير من زوجي؟
قال: فأسكت النبي ملياً، ثم قال: زوجتك من يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله، فولت، فقال: هلمي، ماذا قلتُ؟
قالت: زوجتني من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
قال: " نعم وأزيدك: لو قد دخلت الجنة فرأيت منزله لم تري أحداً من أصحابي يعلوه في منزله"
فهذه منزلة عثمان رضي الله عند رسول الله ، ولهذا سمي بذي النورين، قال الحسن رحمه الله: إنما سمي عثمان ذا النورين لأنه لا نعلم أحداً أغلق بابه على ابنتي نبي غيره.
وكان عثمان رضوان الله عليه من القانتين بآيات الله، آناء الليل ساجداً حذراً لأخرته، ورجاءً لرحمة ربه، يحيي القرآن جلّ لياليه في ركعة حياةَ رسول الله وخليفتيه، فلما وُلِّيَ كان خير الخيرة، وإمام البررة.
قال ابن قتيبة ـ رحمه الله ـ: وكان عثمان رضي الله عنه محبباً في قريش
وفاتها رضي الله عنها:
وفي شهر شعبان من سنة تسع من الهجرة النبوية المباركة، أصاب أم كلثوم المرض، فأضحت طريحة الفراش، وفي صبح أحد تلك الأيام، بعد أن خرج عثمان إلى المسجد النبوي الشريف ليصلي الفجر خلف رسول الله .
وأم كلثوم رضي الله عنها ذابلة الجسد، قد نال منها الوهن، تغالب المرض، دخلت عليها أم عياش، فألفتها في النزع الأخير، فأرسلت إلى الرجال في المسجد النبوي الشريف، فأسرع عثمان زوجها إلى داره فإذا بأم كلثوم تعالج سكرات الموت، وهو مشفق عليها، وعلى نفسه، كان يفزعه أن ينقطع بموتها نسبه برسول الله ، وجاء الحبيب المصطفى ، وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعلي رضي الله عنهم وبعض الأنصار، ودخل النبي الكريم على ابنته وهي تجود بآخر أنفاسها فدمعت عيناه الشريفتان، وإن قلبه الشريف ليقطر أسى ولسانه يتحرك  بما يرضي الرب جل وعلا.
وصعدت روح أم كلثوم إلى ربها راضية مرضية ،  وغسلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطلب وأم عطية الأنصارية رضي الله عنهن.
وعن أم عطية قالت: دخل علينا رسول الله ونحن نغسل ابنته أم كلثوم. فقال: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر, واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور, فإذا فرغتن فآذنني" ، فلما آذناه، فألقى إلينا حقوه, وقال: "أشعرنها إياه" .
جنازتها ودفنها رضي الله عنها:
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه قال: شهدنا بنتاً لرسول الله ورسول الله جالس على القبر، قال: فرأيت عينيه تدمعان، قال فقال: (هل منكم رجل لم يقارف الليلة؟ )، فقال أبو طلحة: أنا، قال: فانزل، قال: فنزل في قبرها)، قالوا  : إنه نزل في القبر يسويه لها قبل أن تنزل فيه، وليس أنه نزل بها فيه ، ولا أنه أنزلها فيه ، فلا يجوز إلا لمحرم أن ينزلها.
قال الحافظ ابن حجر عند شرحه الحديث: (قوله: شهدنا بنتاً للنبي هي أم كلثوم زوج عثمان ، رواه الواقدي عن فليح بن سليمان بهذا الإسناد، وأخرجه ابن سعد في (الطبقات) في ترجمة أم كلثوم ، وأخرجه البخاري في (التاريخ الأوسط) والحاكم في (المستدرك) .
وقد صلى النبي على جنازتها رضي الله عنها فقد روى ابن سعد في ترجمتها بإسناده: (أن النبي صلى عليها وجلس على حفرتها، ونزل في حفرتها علي بن أبي طالب والفضل بن عباس وأسامة بن زيد) .
وهذا من فضلها ومناقبها أنها حظيت رضي الله عنها بأن يكون المصطفى إمام المصلين على جنازتها وكفى بذلك منقبة وفضيلة لما في دعائه لها من البركة والرحمة والمغفرة.
وعن أبي أمامة قال:" لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله في القبر، قال رسول الله :{ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } ( طه 55 ) ، ثم قال:" بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله"  فطفق يطرح إليهم الجُبُوب –التراب- ويقول: " سدوا خلال القبر"، ثم قال: "إلا أن هذا ليس بشيء ولكن يطيب نفس الحي".
وقد كانت وفاتها سنة تسع من الهجرة ، رضي الله عنها وأرضاها.
لو عندنا ثالثة لزوجناكها يا عثمان:
وبعد دفن أم كلثوم وبينما عثمان غارقٌ في حزنه، تنفر الدموع من عينيه على إحدى فرائد البيت النبوي ، رآه رسول الله وهو يسير مطرقاً، وفي وجهه حزن لما أصابه فدنا منه، وقال:" لو كانت عندنا ثالثة لزوجناكها يا عثمان".
وأورد ابن سعد رحمه الله في الطبقات: أن النبي قال: " لو كن عشراً لزوجتهن عثمان "
رضي الله عنها الخيِّرة بنت خير البرية