Tuesday 28 November 2023

السيرة النبوية الشريفة حجة الوداع ح1


A gold frame with swirls

Description automatically generated

حجة الـوداع

 

 

بعد أن أتم إبلاغ رسول الله ﷺ الدعوة في أنحاء الجزيرة العربية، وأوجد الله طائفة من المؤمنين تكفل بحفظها وبإبلاغها إلى أقصى أرض الله، قدر الله أن يري رسول الله ﷺ ثمار جهده المتواصل قبل أن ينتقل إلى الله، فأكرمه الله بحج بيته المشرف في ذي الحجة سنة ١٠هـ .

ولما أراد ﷺ الحج أذَّن به في الناس، فاجتمع بالمدينة بشر كثير، فلما كان يوم السبت لخمس بقين من ذي القعدة وهو اليوم السادس والعشرون منه (٢٦ من ذي القعدة)، ترجل وادهن، ولبس إزاره ورداءه وانطلق من المدينة بعد صلاة الظهر، حتى بلغ ذو الحليفة قبل أن يصلي العصر، فصلاها بها ركعتين، ثم بات بها، فلما أصبح قال: "أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِن رَبِّي، فَقالَ: صَلِّ في هذا الوَادِي المُبَارَكِ، وقُلْ: عُمْرَةً في حَجَّةٍ." (البخاري) وكان هذا إباحة للعمرة في أيام الحج ، وكان أهل الجاهلية يرونها من أفجر الفجور .

"ذو الحليفة" ميقات أهل المدينة المنورة: يعد ميقات ذو الحليفة أبعد المواقيت المكانية من مكة المكرمة؛ إذ إنه يقع بالقرب من المدينة المنورة على أول طريقها إلى مكة المكرمة من ناحية الجنوب، ويبعد عن مكة المكرمة ما يقارب مائتا ميل؛ أي 420 كيلو متر تقريباً، حيث يحتاج للوصول منه إلى مكة المكرمة سفر عشرة أيام.

فلما وصلها اغتسل رسول اللهﷺ قبل الظهر، وتطيب في رأسه وبدنه بطيب فيه مسك. ثم لبس إزاره ورداءه، ثم صلى الظهر ركعتي، وأهل بالحج والعمرة في مصلاه، وقرن بينهما، فقال: " اللهم لبيك عمرة وحجاً، ثم لبى: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الحَمْدَ والنِّعْمَةَ لكَ والمُلْكَ، لا شَرِيكَ لَكَ.". وكان أحياناً يقول :" لبيك إله الحق " .

ثم خرج من المصلى فركب القصواء، وأهل مرة أخرى ، فلما استوت به بالبيداء أهل أيضاً ، وأشعر هديه- أي انه وضع علامة على الإبل والغنم التي ساقها للهدي، وكانت العلامة جرس في رقبة الهدي- بعد الصلاة وقلدها بذي الحليفة .

المواقيت:

وَقَّتَ رَسولُ اللَّهِ لأهْلِ المَدِينَةِ ذا الحُلَيْفَةِ، ولِأَهْلِ الشَّأْمِ الجُحْفَةَ، ولِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنازِلِ، ولِأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لهنَّ، ولِمَن أتَى عليهنَّ مِن غيرِ أهْلِهِنَّ لِمَن كانَ يُرِيدُ الحَجَّ والعُمْرَةَ، فمَن كانَ دُونَهُنَّ، فَمُهَلُّهُ مِن أهْلِهِ، وكَذاكَ حتَّى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْها).

وميقات ذو الحليفة هو عبارة عن قرية صغيرة، وهو موضع ماء لمياه بني جشم، وقد سمّي بذلك بسبب كثرة الشجر فيه، وهو شجر معروف اسمه شجر الحُلفاء، وكلمة الحُليفة هو تصغير لكلمة الحُلفاء.

A group of people walking in a courtyard

Description automatically generatedوالآن في الوقت الحاضر تسمى باسم آبار علي؛ لبئرٍ موجود فيه اسمه بئر عليّ؛ منسوب للصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويُعرف أيضاً عند البعض باسم الحسا. 

 

ثم واصل ﷺ سيره حتى دنا من مكة، فبات بذي طوى، وصلى به الفجر ، ثم اغتسل ومضى حتى وصل لذي طوى...

ذي طوى هو وادي شمال المسجد الحرام بمكة المكرمة، يُعرف الآن معظمه بالزاهر وهو موضع مبيت النبي قبل الدخول إلى مكة، حيث ثبت أن النبي عند ذهابه إلى مكة يبيت في وادي ذي طوى حتى إذا أصبح اغتسل من بئرها ودخل مكة، ويستحب للحاج الذي سيدخل مكة من جهته أن يغتسل في بئر وادي طوى.

بُني مسجدا في الموضع الذي نزل فيه الرسول عندما كان متوجهاً لأداء الحج والعمرة يسمى اليوم بمسجد ذي طوى.

https://www.google.com/search?client=firefox-b-d&q=%D9%85%D9%88%D9%82%D8%B9+%D8%B0%D9%8A+%D8%B7%D9%88%D9%89+%D9%85%D9%86+%D9%85%D9%83%D8%A9#

 حتى دخل المسجد الحرام، وذلك صباح يوم الأحد لأربع مضين من ذي الحجة، فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، ثم أقام بأعلى مكة عند الحجون، ولم يعد إلى الطواف، وبقى في إحرامه، لأنه كان قارناً جمع بين إحرامي الحج والعمرة، لكونه قد ساق الهدي، وأمر كل من ساق معه الهدي أن يبقى في إحرامه، وأما من لم يسق معه الهدي فأمره أن يقصر رأسه بعد الطواف والسعي، ويحل حلالاً تاماً، ويجعل عمله هذا عمرة، سواء كان قد أحرم بنية الحج أو العمرة أو كليهما. وقال: "لو أنِّي استقبَلْتُ مِنْ أمرِي ما استدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهدْيَ، ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً، فمنْ كانَ منكم ليس معَهُ هَدْيٌ فلْيَحِلَّ، ولْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً" (صحيح الجامع – للألباني)،  فحل من لم يكن معه هدي.

أنواع الحج الثلاثة وكيفية أدائها :

المفرد: هو الذي يذهب لأداء الحج فقط، ولا هدي عليه.

القارن: هو الذي يجمع بين العمرة والحج ولا يتحلل بينهما، وهذا يسوق الهدي معه إلى مكة.

أما التمتع: فهو أن يعتمر ثم يتحلل ويلبس ملابسه المعتادة ثم في اليوم الثامن وهو يوم التروية يحرم بالحج وهو في منى. ويقرب الهدي من مكة.

الذي فعله النبي من هذه الأنواع في حجة الوداع وهي الحجة الوحيدة التي حجها النبي وقال: (خُذوا عنِّي، خُذوا عنِّي، مناسككم)، هي: (القِران) فإنه كان قارنا أي ساق الهدي، ولكنه قال: (لو أنِّي استقبَلْتُ مِنْ أمرِي ما استدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الهدْيَ ، ولَجَعَلْتُها عُمْرَةً ) أي جعله متعة، عمرة وحجة بينهما إحلال، ففهم من ذلك انه يفضل التمتع على القِران وكلها مناسك جائزة ،إلاّ أن القِران أشد لأن الفترة تطول في الإحرام من يوم أن يعتمر الى أن ينتهي من الحج وهو على إحرامه بخلاف التمتع فإنه بعد أن يعتمر يحل له ما يحل لغير المحرم. قال الشيخ بن باز رحمه الله:

من نوى الحج متمتعا، فإذا تحلل من العمرة جاز له كل ما كان محرما عليه، حتى الجماع؛ لأنه حل كامل طاف وسعى وقصر وتحلل جاز له أن يجامع زوجته؛ لأن هذا حل كامل كما يجوز له الطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس لأنه حل كامل.

 
يتبع حجة الوداع