Wednesday 21 March 2018

الأمثال في القرآن –المثل العشرون- سورة النحل– لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ



  



 
الأمثال في القرآن -  لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ

 والمثل من سورة النحل  هو مثل سوء ضربه الكفار لله تعالى، وما ينبغي لهم ذلك، فنزه نفسه تعالى عن قولهم ، فله المثل الأعلى.
المثل :
قوله تعالى :
(لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ مَثَلُ السَّوْءِ ۖ وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) 
﴿النحل60
تفسير المثل :ـ
لفهم هذا المثل لا بد من الرجوع إلى ما قبله من الآيات من سورة النحل توضح السياق الذي جاء به،  وهو قوله تعالى (وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ۙ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ *  وَإِذَا بُشِّرَ‌ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ *  يَتَوَارَ‌ىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ‌ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَ‌ابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )
 فيخبرنا الله تعالى أن الكفار قد نسبوا لله سبحانه وتعالى الولد ، وجعلوا له ما يكرهون من القسمة، وهم البنات فقال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّـهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ ) أي تقدس وتعالى عن قولهم وإفكهم، أما هم  ( وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ)  أي يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى اللّه، تعالى اللّه عن قولهم علواً كبيرا. فإنهم ( َإِذَا بُشِّرَ‌ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا)  أي كئيبا من الهم ،  ساكت يكتم غيظه من شدة ما هو فيه من الحزن يكظمه ، ولا يظهره للناس، وهو ( يَتَوَارَ‌ىٰ مِنَ الْقَوْمِ)   أي يكره أن يراه الناس، لماذا ؟ ( مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ‌ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَ‌ابِ ) وهو بين حلَّين لمشكلته كما يراها ، إما أن يبقيها ،وإن أبقاها أبقاها على هون أي مهانة لا يورثها ولا يعتني بها، ويفضل أولاده الذكور عليها،أو  ( أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَ‌ابِ ) أي يئدها وهو أن يدفنها فيه حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية، أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه للّه؟ ( أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) أي بئس ما قالوا، وبئس ما قسموا، وبئس ما نسبوه إليه.
ثم هنا يعيب عليهم ، ويقرعهم أشد التقريع بما نسبوا لله تعالى ،
و كيف ضربوا لله مثل السوء وما ينبغي له سبحانه عن ذلك ، فقال هنا في الآية:ـ ( لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَ‌ةِ مَثَلُ السَّوْءِ )   أي النقص والعيب أو الصفة السوأى بمعنى القبيحة وهي وأدهم البنات مع احتياجهم إليهن للنكاح إنما تنسب إليهم ،وليس له سبحانه عن ذلك.
 ( وَلِلَّـهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ )  بل له سبحانه الكمال المطلق من كل وجه وهو ما ينبغي له ، ومنسوب إليه ، وَلِلَّهِ الْمَثَل الْأَعْلَى ،  وَهُوَ الْأَفْضَل وَالْأَطْيَب ، وَالْأَحْسَن ، وَالْأَجْمَل ، وَذَلِكَ التَّوْحِيد وَالْإِذْعَان لَهُ بِأَنَّهُ لَا إِلَه غَيْره ، فكل صفاته وأفعاله تعالى حسنى عليا ، لا يقاربه ولا يدانيه أحد من خلقه ، عال عن الجميع ، فلتخرس ألسنة الذين لا يؤمنون بالآخرة حيث إليه المعاد يحاسب كل نفس على ما كسبت .
وقد ورد هذا اللفظ بحق المولى سبحانه  مرة أخرى في سورة الروم وهي قوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَىٰ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( الروم 27 )
وكونه تعالى له المثل الأعلى يقتضي أنه ( ليس كمثله شيء) ، قال ابن القيم – في كتابه الصواعق المرسلة-: (يستحيل أن يشترك في المثل الأعلى اثنان لأنهما إن تكافآ لم يكن أحدهما أعلى من الآخر، وإن لم يتكافآ فالموصوف بالمثل الأعلى أحدهما وحدَه، يستحيل أن يكون لمن له المثل الأعلى مثل أو نظير).
    وقد استدل بهذه الآية على تفرد الله تعالى بصفات الكمال.

 (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) وَاَللَّه ذُو الْعِزَّة ، فلا يمنعه أحد أو شيء مهما كان من عُقُوبَة هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتهمْ فِي هَذِهِ الْآيَات , وَلَا عُقُوبَة مَنْ أَرَادَ عُقُوبَته عَلَى مَعْصِيَته إِيَّاهُ , وَلَا يَتَعَذَّر عَلَيْهِ شَيْء أَرَادَهُ وَشَاءَهُ ؛ لِأَنَّ الْخَلْق خَلْقه وَالْأَمْر أَمْره ، فهو الْحَكِيم فِي تَدْبِيره ، فَلَا يَدْخُل تَدْبِيره خَلَل وَلَا خَط .

فاعتبر أيها المسلم :

لا تضرب لله مثلا لا تعلم حاله ، ولا تسمي الله باسم لم يرد ذكره في القرآن ، أو  في حديث صحيح ، ولا تقول على الله ما لا تفقه ، فهذا من القول على الله بغير علم ، والله تعالى  هو العلي العظيم  ،الكبير المتعال عن خلقه ، ليس كمثله شيء ، وقد حذرك ربك من هذا فقال : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ‌ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) (الإسراء 36)

اللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك ما نعلم، ونستغفرك ربي مما لا نعلم