Wednesday 8 April 2020

أحاديث نبوية شريفة وشرحها- حديث قدسي: موسى وملك الموت عليهما السلام


 


أحاديث نبوية شريفة- وشرحها- حديث قدسي: موسى وملك الموت عليهما السلام
هل فقأ موسى عليه السلام عين ملك الموت؟

ملك الموت وموسى عليهما السلام

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " أُرْسِلَ مَلَكُ المَوْتِ إلى مُوسَى عليهما السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إلى رَبِّهِ، فَقَالَ: أرْسَلْتَنِي إلى عَبْدٍ لا يُرِيدُ المَوْتَ، فَرَدَّ اللَّهُ عليه عَيْنَهُ وقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْ له: يَضَعُ يَدَهُ علَى مَتْنِ ثَوْرٍ فَلَهُ بكُلِّ ما غَطَّتْ به يَدُهُ بكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ المَوْتُ، قَالَ: فَالْآنَ، فَسَأَلَ اللَّهَ أنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بحَجَرٍ، قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: فلوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ، إلى جَانِبِ الطَّرِيقِ، عِنْدَ الكَثِيبِ الأحْمَرِ." ( رواه البخاري)

شرح الحديث

كَتبَ اللهُ تعالى الموتَ على جميعِ الخلائقِ؛ فهو وحْدَه الحيُّ الَّذي لا يموتُ، وما يُعمَّرُ مخلوقٌ إلَّا ومصيرُه إلى الموتِ والفناءِ حتَّى ملكُ الموتِ نفسُه يُذيقُه اللهُ تعالى الموتَ

[ قصة موت ملك الموت:  بعد أن يقبض ملك الموت أروواح كل الملائكة.. فيقولُ يا ربِّ بقيتَ أنت الحيُّ الَّذي لا تموتُ وبَقِيتْ حمَلةُ العرشِ وبقي جبريلُ وميكائيلُ وبقيتُ أنا
فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ ليمُتْ جبريلُ وميكائيلُ فيُنطِقُ اللهُ العرشَ فيقولُ يا ربِّ يموتُ جبريلُ وميكائيلُ فيقولُ اسكُتْ فإنِّي كتبتُ الموتَ على كلِّ من كان تحت عرشي،  فيموتان ثمَّ يأتي ملَكُ الموْتِ إلى الجبَّارِ فيقولُ يا ربِّ قد مات جبريلُ وميكائيلُ فيقولُ اللهُ وهو أعلمُ بمن بقي،  فمن بقي؟  فيقولُ:  بَقيتَ أنت الحيُّ الَّذي لا تموتُ وبَقِيتْ حمَلةُ عرشِك وبقيتُ أنا،  فيقولُ اللهُ ليمُتْ حمَلةُ عرشي فيموتوا،  ويأمرُ اللهُ العرشَ فيقبِضُ الصُّورَ من إسرافيلَ:  ثمَّ يأتي ملَكُ الموتِ فيقولُ يا ربِّ قد مات حمَلةُ عرشِك فيقولُ اللهُ وهو أعلمُ بمن بقي... فمن بقي..؟ فيقولُ يا ربِّ بَقيتَ أنت الحيُّ الَّذي لا تموتُ وبقيتُ أنا فيقولُ اللهُ أنت خلقٌ من خلقي خلقتُك لما رأيتَ، فمُتْ فيموتُ ، فإذا لم يبْقَ إلَّا اللهُ الواحدُ القهَّارُ الأحدُ الَّذي لم يلِدْ ولم يُولَدْ كان آخرًا كما كان أوَّلًا طوَى السَّمواتِ والأرضَ طيَّ السِّجلِّ للكُتبِ ثمَّ دحاهما ثمَّ يلقفُهما ثلاثَ مرَّاتٍ ثمَّ يقولُ أنا الجبَّارُ أنا الجبَّارُ أنا الجبَّارُ ثلاثًا ثمَّ هتف بصوتِه لمن المُلكُ اليومَ ثلاثَ مرَّاتٍ فلا يُجيبُه أحدٌ ثمَّ يقولُ لنفسِه للهِ الواحدِ القهَّارِ ] ( رواه ابن كثير في تفسيره ، وقال عنه غريب جدا) 


وفي هذا الحديثِ يُخبر النبيُّ ﷺ أنَّ مَلكَ الموتِ جاءَ إلى مُوسى عليه السَّلامُ في صُورةِ رجلٍ، فلمَّا جاءَه وأخبرَه أنَّه جاءَ يقبِضُ رُوحَه، فصَكَّه موسى، يعني: ضرَبَه على وجهِهِ، فَفُقِئَتْ عينُه

وفُسر فعل موسى عليه السلام تفسيرات عديدة ، أنقل قول القرطبي فيها- حيث أنه جمعها كلها، قال :
اختلف العلماء في تأويل لطم موسى عَين الملك وفقئها على أقوال والترجيح بينها:

-أنها كانت عينا مُتخيلة لا حقيقة، وهذا باطل؛ لأنه يؤدي إلى أن ما يراه الأنبياء من صور الملائكة لا حقيقة له.
ومنها أنها كانت عينًا معنوية، أي ترمز إلى حجة ملك الموت، وإنما فقأها موسى عليه السلام بحجته التي كانت أقوى، وهذا مجاز لا حقيقة[ لا يفسر الحديث أو القرآن بالمجاز، إلا إذا كان التفسير بالحقيقة- أي أن تفسر العين بالعين الجارحة، وليس أنها ترمز للحجة-  متعذر، أو يؤدي على معنى قبيح.]
-ومنها أن الله تعالى لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختباراً، وأنه عليه السلام لم يعرف ملَك الموت، وإنما رأى رجلاً دخل منزله بغير إذنه يريد نفسه، فدافع عن نفسه فلطم عينه ففقأها، وتجب المُدافعة في هذا، وقد أباح الشرع فقأ عين الناظر في دار المسلم بغير إذن، وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم وإلى لوط في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء، ولو عرفهم إبراهيم لما قدم لهم المأكول، ولو عرفهم لوط لما خاف عليهم من قومه. وهذا القول ممكن، وهذا وجه حسن؛ لأنه حقيقة في العين والصك.

غير أنه اعترض عليه بما في الحديث، وهو أن ملك الموت لما رجع إلى الله تعالى قال: يارب أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فلو لم يعرفه موسى لما صدق القول من ملك الموت. وأيضًا قوله في الرواية الأخرى: أجب ربك. يدُل على تعريفه بنفسه. والله أعلم.
-ومنها قولهم أن موسى عليه الصلاة والسلام كان سريع الغضب، إذا غضب طلع الدخان من قلنسوته ورفع شعر بدنه جبته، وسرعة غضبه كان سببًا لصكه ملك الموت. قال ابن العربي: وهذا كما ترى لا يجوز بحق نبي مرسل، فإن الأنبياء معصومون من أن يقع منهم ابتداء مثل هذا في الرضا والغضب.

ومنها؛ وهو الصحيح من هذه الأقوال ـ أن موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ عرف ملك الموت، وأنه جاء ليقبض روحه، لكنه ملك الموت جاءه مجيء الجازم بأنه قد أُمر بقبض روحه من غير تخيير، وعند موسى ما قد نص عليه نبينا محمد ـ من قول عائشة رضي الله عنها:  “كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ يقولُ وَهو صَحِيحٌ: إنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حتَّى يُرَى مَقْعَدُهُ في الجَنَّةِ ثُمَّ يُخَيَّرُ، قالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا نَزَلَ برَسولِ اللهِ ﷺ وَرَأْسُهُ علَى فَخِذِي غُشِيَ عليه سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فأشْخَصَ بَصَرَهُ إلى السَّقْفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى. قالَتْ عَائِشَةُ: قُلتُ: إذًا لا يَخْتَارُنَا. قالَتْ عَائِشَةُ: وَعَرَفْتُ الحَدِيثَ الذي كانَ يُحَدِّثُنَا به وَهو صَحِيحٌ في قَوْلِهِ: إنَّه لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ. قالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تِلكَ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا رَسولُ اللهِ ﷺ قَوْلَهُ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأعْلَى.” ( مسلم)
فلما جاء ملك الموت موسى عليه السلام ، ولم يخيره، على غير هذا الوجه الذي أُعلم ، بادر بشهامته وقوة نفسه إلى أدبه، فلطمه ففقأ عينه امتحانًا لملك الموت، إذ لم يصرح له بالتخيير.
ومما يدل على صحة هذا أنه لما رجع إليه ملك الموت فخيَّره بين الحياة والموت اختار الموت واستسلم، وهذا أصح ما قيل في وفاة موسى عليه السلام والله بنبيه أحكم وأعلم
وذكر العارف الشعراني ـ بعد أن ذكر رواية للإمام الترمذي للحديث؛ قال إنما فقأ موسى عين ملك الموت بإذن من ربه عز وجل؛ لأنه معصوم، ولذلك لم يعاتبه الله على ذلك.

لما قبض ملك الموت روح موسى عليه السلام كان عمره مائة وعشرين سنة، وقيل مئة وأربع أعوام، والله أعلم.
ويروى أن يُوشع رآه بعد موته في المنام فقال له: كيف وجدت الموت؟ فقال: كشاة تسلخ وهي حية ، وهذا صحيح معنى. قال ﷺ ـ في الحديث الصحيح “إن للموت سكرات” انتهى ما قاله القرطبي.

ولم يأت ملك الموت بعدها لأحد من الناس عيانا ( أي يراه من سيقبض روح):
 أخرج أحمد والبزَّار وصححه عن أبي هريرة عن النبي ـ ـ قال: “كان ملَك الموت يأتي الناس عَيانًا، فأتى موسى ـ عليه السلام ـ فلطمه ففقأ عينه..” فكان بعد يأتي الناس خفية" ( السلسلة الصحيحة للألباني)

أين دفن موسى عليه السلام:

وفي بقية الحديث أن ملك الموت رجَعَ إلى اللهِ تعالى وقال له: "أرسلْتَني إلى رَجلٍ لا يُريدُ الموتَ"، فقال له المولى تَبارك وتعالى: ارجِعْ؛ فقُلْ له يَضعُ يدَه على متْنِ ثَورٍ، أي: ظهْرِ ثَورٍ، فله بِكلِّ ما غطَّتْ به يدُه بِكلِّ شَعْرةٍ سَنةٌ"، يعني: كلُّ ما لوقع تحت يدُه مِن شَعْرِ الثَّورِ بكل شعرة منها يَعيشُ بها سَنَةً، فلمَّا رجعَ إلى موسى وأخبرَه وعلِمَ أنَّه ملَكُ الموتِ، قال: أيْ رَبِّ ثُمَّ ماذا؟ قال: ثُمَّ الموتُ، قال: فالآنَ، يعني: طَالَمَا أنَّ كلَّ حياةٍ يَعقُبُها موتٌ وفَناءٌ، فالآنَ.
ثُمَّ سألَ ربَّه أنْ يُدنِيَه مِنَ الأرضِ المقدَّسَةِ رَمْيةَ حجَرٍ، يعني: أنْ يُقرِّبَه مِن بيتِ الْمَقْدِسِ مَسافةَ رَمْيِ حجَرٍ، بحيثُ لو رَمى رامٍ حجَرًا مِن ذلك الموضعِ الَّذي هو مُوضِعُ قبرِه لَوصلَ إلى بيتِ الْمَقدِسِ، فاستجابَ له ربُّه، وقال ﷺ: «فلو كنتُ ثَمَّ لَأريْتُكم قبرَه، إلى جانبِ الطَّريقِ عند الكَثيبِ الأحمرِ» يعني: لو كنتُ هناكَ لَأريْتُكم قبرَه عليه السَّلام عند الرَّملِ الأحمرِ الْمُجتَمِعُ.

أين دفن موسى عليه السلام؟

 

بحسب كتاب "مرآة الزمان فى تاريخ الأعيان وبذيله (ذيل مرآة الزمان) " لـ يوسف بن قز أوغلي/سبط ابن الجوزي:


 إن موضع قبر النبي موسى مختلف عليه على أقوال:

 أحدها قال إنه دفن بأرض التيه هو وأخيه هارون عليهما السلام، ولم يدخلا الأرض المقدسة إلا رمية حجر، رواه الضحاك عن ابن عباس، ويؤيده الحديث.
وقال وهب بن منبه، لا يعرف قبره، والرسول ﷺ أبهم ذلك بقوله جانب الطريق عند الكثيب الأحمر، ولو أراد بيانه لبينه صريحا.
 أما القول الثانى أنه بباب لد ببيت المقدس، وقيل لما انتهت الأربعون سنة التى تاهوا فيها خرج موسى ببنى إسرائيل من التيه وفتح أريحا، وأتى البيت المقدس، قال لهم "ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة"، وقد ذكر الطبرى فى تاريخه: قال ابن عباس ووهب وعامة العلماء إنه عليه السلام مات بأرض التيه، وذكر أن النبي ﷺ قال أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر.، يعني أنه لم يدخلها.
 وقال بن عباس ووهب ما فتح موسى عليه السلام أريحا وأنما فتحها يوشع بن نون .
والقول الثالث: أنه عند جبل نبّو في الأردن حيث فيها المقام- وهو مقام نصراني يعتقدون أنه حيث دفن سيدنا موسى عليه السلام- وهذا وإن كانت منطقة قريبة من بيت المقدس، فليس رمية حجر، ولم يذكر في الحديث أنه فوق جبل، ولكنه قال عند كثيب أحمر، والله أولى وأعلم.