Wednesday 13 March 2019

أدعية عظيمة- دعاء اشتمل على اثنين وعشرين طلباً – اللهم أعنّي ولا تعن عليّ




 



أدعية عظيمة- دعاء اشتمل على اثنين وعشرين طلباً – اللهم أعنّي ولا تعن عليّ

من أدعية رسول الله

( رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرِ الهُدَى إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ،  رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا، لَكَ ذَكَّارًا، لَكَ رَهَّابًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُخْبِتًا أَوَّاهاً مُنِيبًا، رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي، وَأَجِبْ دَعْوَتِي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدِّدْ لِسَانِي، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ قَلْبِي)( البخاري في الأدب المفرد ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي وأبي داوود)
الشرح:
هذا الدعاء العظيم اشتمل على اثنين وعشرين سؤالاً، ومطلباً هي من أهم مطالب العبد، وأسباب صلاحه، وسعادته في الدنيا والآخرة
1  قوله: (رب أعني): أي أطلب منك العون، والتوفيق لطاعتك، وعبادتك على الوجه الأكمل الذي  يُرضيك عنِّي، وأطلب منك العون على جميع الأمور الدينية والدُّنيوية، والأخروية، وفي مقابلة الأعداء أمدّني بمعونتك وتوفيقك .
2قوله: (ولا تُعن عليَّ): ولا تمدّ العون لمن يمنعني عن طاعتك: من النفس الأمّارة بالسوء، ومن شياطين الإنس والجن .
3قوله: (وانصرني)، وهو طلب النصرة، وهي الغلبة، أي في كل أحوالي، [وانصرني] على الكفار أعدائي، وأعداء دينك، وقيل انصرني على نفسي الأمّارة بالسوء؛ فإنها أعدى أعدائي (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ) (يوسف 53)، ولا مانع من إرادة الجميع؛ لأنه لم يُخصِّص نوعاً معيناً، والأصل إبقاء العموم على عمومه .
فتضمّن هذا الدعاء سؤال اللَّه تعالى النصر والظفر على كل الأعداء، سواء كان العدوُّ خارجيَّاً، أو داخليَّاً.
4قوله: (ولا تنصر عليَّ): ولا تجعلني مغلوباً، فتسلّط عليَّ أحداً من خلقك، ولا تنصر النفس الأمارة بالسوء عليَّ، فأتّبع الهوى وأترك الهدى .
5قوله: (وامكُر لي): المكر هو الخداع، وهو من اللَّه إيقاع بلائه بأعدائه من حيث لا يشعرون، أي أنزل مكرك بمن أراد بي شرّاً وسوءاً، وارزقني الحيلة السليمة، والطريقة المثلى في دفع كيد عدوي، فأسلم من كيدهم وشرّهم .
6قوله: (ولا تمكر عليَّ): أي و لا تهدِ عدويّ إلى طريق دفعه إياي عن نفسه, ولا تعاملني بسوء نيتي، فأغترّ وأتجاوز الحد من حيث لا أشعر فأهلك.
7قوله: (واهدني): الهداية نوعان:
أ – هداية دلالة وإرشاد .
ب – وهداية توفيق وتثبيت، والعبد حينما يسأل اللَّه تعالى الهداية ينبغي أن يستحضر هذه المعاني، فيقول: دلّني، ووفّقني لطرق الهداية والمعرفة، ووفّقني لها، ولا أزيغ عنها حتى ألقاك، فتضمّن هذا السؤال التوفيق إلى فعل الخيرات من الأعمال الصالحات، والعلم النافع، واجتناب المحرّمات .
8قوله: (ويسّر الهُدى إليَّ): أي سهّل لي اتِّباع الهداية، وسلوك طريقها، وهيّئ لي أسباب الخير، حتى لا أستثقل الطاعة، ولا أنشغل عن العبادة.
9 - قوله: (وانصرني على من بغى عليّ): وانصرني على من ظلمني وتعدّى عليَّ, وهذا تخصيص بعد العموم في قوله أولاً:  (وانصرني ولا تنصر عليَّ)، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه: (دعاء عادل، لا دعاء معتدٍ، يقول: انصرني على عدوّي مطلقاً) وهو يدلّ على أهمية النصرة، والظفر على من اعتدى وبغى بغير حقّ؛ لما في ذلك من سرور القلب، وطمأنينة النفس، وراحة البال من وقاية الأعداء، والثقة بقدرة اللَّه تعالى ونصره .
10قوله: (اللَّهُمَّ اجعلني لكَ شكَّاراً) بعد: أن توسَّل إليه تعالى فيما ينفعه في تعامله وسيره مع خلقه، شرع في التوسل إلى اللَّه تعالى فيما ينفعه ويقرّبه، ويصلح أحواله مع عبادته لربه تعالى، وأن هذه المطالب هي الأعظم والأهمّ عنده، كما دلّ على ذلك صيغ المبالغة، وتقديم الجار والمجرور، فقال: (اللَّهم اجعلني لك شكَّاراً): أي كثير الشكر، كما تفيده صيغة المبالغة في قوله: (شكَّاراً) ، أي اجعلني كثير الشكر في السرّاء والضرّاء في القول، والعمل، وفي السرّ، وفي العلن على النعماء والآلاء، وفي تقديم الجار والمجرور (لك) للدلالة على الاختصاص، أي أخصّك بالشكر؛ لأنك خالق النعم، ومعطيها، سأل اللَّه التوفيق إلى الشكر؛ لأن به تدوم النعم.
11قوله: (لك ذكَّاراً): أي كثير الذكر لك في كل الأوقات، والأحوال قائماً، وقاعداً، وعلى جنب في الصباح، والمساء، وفي السر والعلن، وفي سؤاله تعالى التوفيق إلى الذكر؛ لأنه هو أفضل الأعمال.
12قوله: (لك رهّاباً): أي خائفاً منك في كل أحوالي: في ليلي ونهاري، في سفري وفي حضري، وفي الغيب والشهادة .
13قوله: (لك مطواعاً): أي كثير الطوع، وهو الانقياد والامتثال والطاعة لأوامرك، والبعد عن نواهيك .
14قوله: (لك مخبتاً): أي كثير الإخبات، وعلامته: أن يذلّ القلب بين يدي اللَّه تعالى إجلالاً وتذلّلاً، أي لك خاشعاً متواضعاً خاضعاً.
15قوله: (إليك أواهاً منيباً): والأوَّاه: هو: كثير التضرّع والدعاء والبكاء للَّه عز وجل كثير الرجوع إليك من الذنوب والخطايا. وتقديم الجار والمجرور في هذا، والذي قبله للاهتمام والاختصاص، وتحقيق الإخلاص، أي أخصّك وأخلص لك وحدك.
    سأل اللَّه تعالى التوفيق إلى روح العبادات، وأزكاها، وأسماها، وأهمّها، للقيام بها على الوجه الأكمل، والأمثل، والأتمّ، وكما دلّت الصيغ ( شكاراً، ذكاراً، رهاباً، مطواعاً ...) على كمال الذُّل والعبودية لله تعالى، وأنه ينبغي للعبد أن يتوسّل إليه تعالى [بأسمائه الحسنى، وصفاه العلا، ويسأله] التوفيق إلى أفضل الأعمال من العبادات الخالصة له تعالى، فإن ذلك يرجع إليه بعظيم الثواب، ورفع الدرجات .
16قوله: (ربّ تقبّل توبتي): أي اجعلها صحيحة بشرائطها، واستجماع آدابها، وتقبّلها مني .
17قوله: (واغسل حَوْبتي): أي امسح ذنبي وإثمي، وذكر الغسل ليفيد إزالته بالكلية ، قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود: معنى واغسل حوبتي: أي امح إثمي، والحوب الإثم.
18قوله: (وأجب دعوتي): أي أجب كل دعواتي، واجعلها مقبولة عندك مستجابة [نافعة لي].

19قوله: (وثبّت حجّتي): كسابقه يفيد العموم، أي ثبت حُججي، في الدنيا على أعدائك بالحجة الدامغة، والدعوة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر بالأدلة البينات الساطعة، وثبّت قولي في الآخرة عند سؤال الملكين في القبر، والحجج هي البيِّنات والدلائل.
20قوله: (واهدِ قلبي): إلى معرفتك، ومعرفة الحق والهدى والصراط المستقيم، وإلى كل خير ترضاه، فبهدايته تهتدي كل الجوارح، والأركان في البدن.
21قوله: (وسدّد لساني): أي صوّب لساني حتى لا ينطق إلا بالحق، ولا يقول إلا الصدق .
22 – (واسلُلْ سخيمة قلبي): أي أخرج من قلبي: الحقد، والغلّ، والحسد، والغشّ، [والبغضاء للمؤمنين]، وغير ذلك من ظلمات القلب. قال في عون المعبود: ومعنى واسلل سخيمة قلبي: أي غشه وغله وحقده وحسده ونحوها بما ينشأ من الصدر ويسكن في القلب من مساوئ الأخلاق. قاله علي القاري.

زمن الأدعية أيضا بسلامة القلب:
اللهم إني أسألك قلبا سليما
ففي حديث عظيم قال رسول الله : ( يا شدَّادُ بنُ أوسٍ ! إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ : اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ ، والعزيمةَ على الرُّشدِ ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مغفرتِك ، وأسألُك شُكرَ نعمتِك ، وحُسنَ عبادتِك ، وأسألُك قلبًا سليمًا ، ولسانًا صادقًا ، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ ، وأستغفرُك لما تعلَمُ ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ) ( صححه الألباني في السلسلة الصحيحة)، ولا يخفى ما لسلامة القلب من أهمية للنجاة يوم القيامة قال تعالى : { وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ( الشعراء 87-89)
  والقلب السليم، وهو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شركٌ بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبّةً وتوكُّلاً وإنابةً وإخباتًا وخشيةً ورجاءً.
وخلُص عملُه لله، فإن أحبَّ أحبَّ في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى، أعطى لله، وإن منع، منع لله، ويكون الحاكم عليه في أموره كلّها هو ما جاء به رسول الله فلا يتقدّم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل وسلم من الشبهات ومن التعلق الشهوات ومن الأمراض المهلكة كالرياء والنفاق والغل والحسد وغيرها من أمراض القلوب.

رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ