Thursday 5 December 2019

أنبياء الله - تعرف عليهم - ج 11- نبي الله يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام

 


 




الترتيب الزمنى لأنبياء الله وأعمارهم ج ١١ – نبي الله يعقوب بن إسحق بن إبراهيم عليهم السلام


هو يعقوب بن اسحق بن ابراهيم عليهم السلام، ولد في كنعان أرض فلسطين، تزوج بأربع زوجات، ولدن له اثنا عشر ولدا، كل ولد منهم صار سبطا (السبط بالعبرية تقابل القبيلة بالعربية) من بينهم سيّدنا يوسف عليه السلام من زوجته راحيل، وأخوه بنيامين، وكان يوسف وأخوه بنيامين هما أحب أولاده إليه مما تسبب لهم بكيدٍ من إخوتهم.

وقال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} (مريم ٤٩-٥٠)

نسبه عليه الصلاة والسلام

هو يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن نبي الله إبراهيم، وأمه “رفقة” بنت بتوئيل بن ناصور بن ءازر أي بنت ابن عمه، أو قيل خاله، ويُسمى يعقوب بـ “إسرائيل” وإليه بهذا الاسم ينتسب بنو إسرائيل، قال الله تبارك وتعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلًّا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (ءال عمران ٩٣)، فهاهنا ربط الله تعالى بين اسمه، وبين من انتسبوا إليه وهم من نسله بني إسرائيل، فقد دعاه الله تعالى في هذه الآية فقط باسمه ( إسرائيل)، ولم يدعه يهذا الاسم بغير هذا الموضع، ربما يكون ذلك لبيان سبب تسمية القوم بـ (بني إسرائيل) فإنهم في ذلك الوقت كان نسبهم يرجع إلى الاثني عشر ولد من أولاد يعقوب ( إسرائيل) عليه السلام.
قال الشوكاني في فتح القدير: اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ومعناه عبد الله، لأن "إسر" في لغتهم هو العبد، و"إيل" هو الله، قيل: إن له اسمين، وقيل: إسرائيل لقب له. والله أعلم.

ثناء الله عليه:

وقد مدحه الله في القرءان الكريم قال الله تبارك وتعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ} (الأنعام ٨٤)
ومدحه الرسول فقال: إنَّ الكريمَ ابنَ الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بنُ يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم” رواه البخاري. فهؤلاء الأنبياء الأربعة متناسلون عليهم الصلاة والسلام وهم: يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم.
نشأ نبي الله يعقوب عليه السلام في بيت علم وحكمة، تلقى فيه قبسات النبوة، فهو النبي ابن النبي ابن النبي، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن عليهم السلام أجمعين، وقد أثنى الله تعالى عليهم في القرآن الكريم، فقال عز وجل:(واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار* إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار* وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). كما مدح الله تعالى يعقوب عليه السلام؛ بالعلم الذي آتاه الله إياه، فقال سبحانه:( وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّـهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف ٦٨)

حياته:

قال أهل التأريخ: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام ولد في “فلسطين” أرض الكنعانيين وشبّ في كنف أبيه إسحاق، وقد أمرته أمه “رفقة” أن يسافر إلى خاله “لابان” الذي بأرض حران ليقيم عنده لأنها خافت عليه من أخيه العيص الذي توعده وهدده، فسافر يعقوب عليه السلام إلى خاله ووجد عنده ابنتين: الكبرى اسمها “ليّا” والصغرى “راحيل” وكانت أجملهما، فتزوج إحداهما وبعد وفاتها تزوج الأخرى وهذا الصحيح الثابت أنه لم يجمع بين الأختين، مع أنه كان ذلك جائزًا في شريعتهم ثم نسخ في شريعة التوراة.

ولدت له راحيل ولدين وهما: نبي الله يوسف عليه السلام وشقيقه بنيامين، والله أعلم بصحة ذلك.
دعوته لقومه وابتلائه:
دعا نبي الله يعقوب عليه السلام إلى دين الإسلام وإلى عبادة الله وحده وترك عبادة غير الله، وقد ابتلى الله نبيه يعقوب بالبلايا الكثيرة فصبر ونال الدرجات العالية، ومن جملة البلاء الذي ابتلي به عليه السلام أنه: - فقده لولده يوسف عليهما السلام في صغره، بعد أن كاد له إخوته حسدنا منهم له لشدة حب أبيه له- سنعود لتفاصيل القصة في سيرة يوسف عليه السلام- ثم ابتلي مرة أخرى بفقد ولده الآخر بنيامين، وفي كل حالاته ما كان منه إلا أن: { قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّـهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }(يوسف ٨٦)
-فقد عليه السلام بصره حزنًا على فقد ولده يوسف الذي مكر به إخوته العشرة وهم من سوى بنيامين، وتم في هذا البلاء زمنا حتى أمر ربه بصره له بعد أن جاء البشير بقميص يوسف ووضعه على وجهه فعاد بصيرًا بعد طول غياب وشدة حزن وألم على فقد ابنه وحبيبه يوسف عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {فلمَّا أن جاءَ البشيرُ ألقاهُ على وجههِ فارتَدَّ بصيرًا} (يوسف ٩٦)، وقد اجتمع يعقوب بابنه يوسف عليهما السلام في مصر بعد طول غياب حيث مكث يوسف بعيدًا عن أبيه يعقوب ما يقارب الأربعين سنة.

وصايا يعقوب لأولاده

-جاء في القرءان الكريم أن سيدنا يعقوب عليه السلام أوصى أولاده وبنيه بما وصى به إبراهيم عليه السلام من اتباع دين الإسلام والثبات عليه حتى الممات قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (البقرة ١٣٢) ، وقال تعالى: { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } (البقرة١٣٣)
-وكان قد أوصى ابنه يوسف عليه السلام ألا يقص الرؤيا التي أراه الله إياها على إخوته، وذلك خوفا عليه أن يمكر به إخوته حسدا له، ويُستأنس لهذا الفعل بحديث ولو أن في سنده مقال: "استعِينوا على إنجاحِ حوائجِكم بالكِتمانِ، فإنَّ كلَّ ذي نعمةٍ محسودٌ" (أخرجه الطبراني في (المعجم الصغير)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) عن معاذ بن جبل، وقال عنه: غريب من حديث ثور)، ويُستأنس له أيضا بفعل رسول الله وكان قلما يخرج في غزوة إلا كنى عنها، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له.
-وعزز عليه السلام في قلوبهم صدق التوكل على الله تعالى، لما أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة، خوفا عليهم من الحسد قال لهم: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} (يوسف٦٧). أي: به وثقت أن يحفظكم، ويحميكم ويرعاكم، فمن توكل على الله كفاه كل ما أهمه وقد قال الله تعالى:( وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ) (الطلاق ٣)، ولكني مع ذلك آخذ بالأسباب.
- كما أن يعقوب عليه السلام حرص على أن يغرس في نفوس أبنائه الثقة بالله تعالى، والتمسك بالأمل والتفاؤل بأن يلقوا أخاهم يوسف، ولذلك وبالرغم من طول فترة فقده له عليه السلام إلا أنه لم ييأس، وأراد أن يغرس في قلوبهم الأمل فقال لبنيه:( وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف٨٧)، فأمرهم ألا يقطعوا رجاءهم وأملهم من الله، فما أعظم الأمل تنال به المطالب، ويثمر كل خير.

معالجة يعقوب عليه السلام لأخطاء أبنائه:

يعلمنا يعقوب عليه السلام: أن معالجة أخطاء الأبناء تحتاج إلى صبر وحكمة، فعندما نزغ الشيطان بين يوسف عليه السلام وإخوته، كان يعقوب عليه السلام حليما مع أبنائه، حكيما في تعامله معهم، صبورا على تربيتهم، فلم يزجرهم ولم يعنفهم، مع علمه بسوء صنيعهم، وإنما لوح لهم بعلمه أنهم فعلوا بأخيهم يوسف سوءً، وأنه سيصبر عليهم- أملًا أن يعودوا لرشدهم، فهو موقن من وعد الله له وليوسف بأن يوسف حي يرزق، وأنه لا بد واجده، وأن يجتمع الشمل، وما عليه إلا أن يصبر ويحسن صحبة أبنائه لعلهم إلى رشدهم يعودون. فكان قوله لهم فيه من التعنيف والإمهال لهم: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} (يوسف١٨).
-واشتد البلاء بفقده لولده الآخر بنيامين، ومع ذلك ظل يعقوب عليه السلام ثابتا على صبره، راضيا بقضاء الله وقدره، لم تتزعزع في الله ثقته بأن ينجز له وعده، ولم ينقطع فيه أمله، فقال لأبنائه تعريضا أنه على علم أنهم غير صادقين بل إن أنفسهم الأمارة بالسوء زينت لهم أمرا: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ} (يوسف٨٣)، غرس بذلك في نفوسهم قيمة الصبر والتحمل. فما أجمل الصبر يستعان به على الشدائد، قال رسول الله : «وَمَن يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَما أُعْطِيَ أَحَدٌ مِن عَطَاءٍ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنَ الصَّبْرِ». (رواه مسلم)، ولقد صبر يعقوب عليه السلام على أبنائه مدة طويلة حتى فاز بمقصوده، وأعادهم إليه نادمين طالبين العفو والمغفرة، وأسعد الله قلبه باجتماعهم جميعا عنده، فإن الصبر مفتاح الفرج.
-ولقد كان يعقوب عليه السلام حريصا على سلامة أبنائه؛ يبعدهم عن كل ما يضرهم، فحين أرادوا السفر ودعهم بوصية غالية، ونصيحة ثمينة:( وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ ۖ) ( يوسف٦٧)، فإنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة وخشي أن تصيبهم العين، وهذا من علمه وحكمته عليه السلام، وهو أمر يجب على الآباء الإقتداء به فيه؛ الحرص عليه سلامة أبنائهم، وأن يحصنوهم من الحسد، ويعوذوهم بالله تعالى من العين، فقد قال رسول الله :« استعيذوا باللَّهِ فإنَّ العينَ حقٌّ » (صححه الألباني في صحيح ابن ماجة)

وفاته

عاش نبي الله يعقوب ما يقارب 147سنة، توفي بأرض مصر بعد أن دخلها بطلب من ابنه يوسف عليه السلام، عزيز مصر في ذلك الوقت، وكان ذلك بعد سبع عشرة سنة من اجتماعه بيوسف، وقد أوصى نبيُّ الله يعقوب ابنه يوسف عليه السلام أن يدفنه مع أبيه إسحاق وجده إبراهيم عليهم الصلاة والسلام ففعل ذلك، وسار به إلى فلسطين ودفنه في المغارة بحبرون وهي مدينة الخليل في فلسطين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.
وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم