Monday 1 October 2018

الدعاء من القرآن المجيد ج 7–الدعاء الثالث - سورة البقرة- اصبر ففي الصبر خير لو علمت به...

  

 




الدعاء من القرآن المجيد –سورة البقرة- اصبر ففي الصبر خير لو علمت به...

في الجزء الثاني من القرآن العظيم وهو من سورة البقرة ،  أدعية ثلاث نافعة شاملة لخيري الدنيا والآخرة، تعالوا معي لنتفكر في عظيم معاني الدعاء الأول منها،  ونتدبر  فيه، ونتذاكر فضله وثواب من دعى به، فلا يهون علينا التفريط فيه، ولا نبخل على أنفسنا في ترديده عند أهون المصائب لننال الخير كله.

قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴿١٥٥﴾ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿١٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴿١٥٧﴾ }
 أخبرنا تعالى أنه يبتلي عباده أي يختبرهم ويمتحنهم، فتارةً بالسرّاء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، أو نقص من الأموال والأرزاق وذهاب بعضها ، { وَالْأَنفُسِ } كموت الأصحاب والأقارب والأحباب، { وَالثَّمَرَاتِ } أي لا تغل الحدائق والمزارع كعادتها، قال بعض السلف فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحة، وكل هذا وأمثاله مما يختبر اللّه به عباده، فمن صبر أثابه ومن قنط أحل به عقابه.
 فالحياة الدنيا هي دار ابتلاء ، لا دار نعيم باقٍي، فإذا وقعت المصائب انقسم الناس قسمين: جازعين ، وصابرين
 فأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب، فلهذا قال تعالى: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب.
الصبر دليل على الإيمان ومقياس له:

الصبر شعبة من شعب الإيمان , بل كما قيل : الإيمان نصفان ؛ نصف صبر ونصف شكر ، وعلى قدر قوّة وصدق الإيمان، يكون الصبر،  قال النبي الكريم : "عَجَبًا لِأَمْرِ المؤمنِ؛ إنَّ أمرَهُ كلّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحَدٍ إلَّا للمؤمنِ؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له"(رواه مسلم) ، ذلك لأن المؤمن إن صبر على قضاء الله وقدره، وعلمَ يقيناً أنّ ذلك إنّما أصابه بأمر الله ومَشيئته، فسيكون ذلك الصبر دليل صدقِ إيمانه وقوّة عقيدته، وإن أصابَه خيرٌ فإنّه سيَعلم أنّ الله عزّ وجل هو من هَيّأ له ذلك الخير، ولذلك فإنّه سيشكُر الله على ما أنعمَ به عليه من نعم،ويكون دليل على إيمانه.
الصبر في اللغة:

 الصبر في اللغة بمَعنى الحبس النفس.
أمّا تَعريف الصبر في الاصطلاح فهو: حبس النفس عن الجَزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن كل فعل محرم كلطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور. فهو الثبات على أحكامِ الكتاب والسنة.
وقد جعل العلماء للصبر ثلاثة أقسام هي: الصبر على الطاعات، والصبر عن المُحرّمات، والصّبر على الابتلاءات. وقالوا : إن الصبر عن المحرمات هو أقسى أنواع الصبر.
وقد جاء في القرآن الكريم قول الله تعالى: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ، قال ابن تيمية - رحمه الله - المقصود بالصبر الجميل الوارد في قوله تعالى سابق الذكر هو الّذي لا شكوى فيه ولا معه، وقال مجاهد: هو الذي لا جَزع معه.
فالصابرين، الذين فازوا بالبشارة العظيمة، وصفهم بقوله: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) ، والمصيبة هي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره.
هؤلاء (  قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ) أي: مملوكون لله،  فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء، فلله ما أعطانا ، ولله ما أخذ منا ، وله الحمد على ملكه وتصريفه ، ولا اعتراض عليه، بل إن المصيبة توجب  الرضا عن الله، والشكر له على تدبيره، ففيها رحمة ،وتوفيق لما هو خير لعبده، وإن لم يشعر بذلك ،فإنا إليه راجعون يوم المعاد. فمجاز كل عامل بعمله، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده، وإن جزعنا وسخطنا، لم يكن حظنا إلا السخط وفوات الأجر، فكون العبد لله وراجع إليه من أقوى الأسباب المعينة على الصبر.
ثواب الصابرين:

وحتى نزاد نقوي عزائمنا لترويض أنفسنا على الصبر، وليهون علينا التحلي والتخلق بالصبر مهما عظمت المصيبة، أو ثقلت علينا الطاعة، أو وجدنا في النفس هوًى لشيء من المعاصي، واستعصى التخلص منها، تعالوا معي نستذكر ثواب الصابرين لشحذ هممنا للوصول لهذه الدرجات.
ورد في السنة النبوية الشريفة الكثير من الأحاديث التي تُشير إلى جزاء الصابرين وفضل الصبر، ويُمكن إجمال ما ورد في التالي:
- الصبر بابٌ لتكفير الذنوب والسيّئات والآثام: إنّ الصبر يُعدّ من أوسع أبواب تكفير الخطايا والذنوب، وقد رُوي أنّ  النبي قال: " ما يصيبُ المؤمنَ من وصبٍ ، ولا نصبٍ ، ولا سقمٍ ، ولا حَزنٍ ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه ، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه " ( صحيح مسلم)،  كل هذه الأوجاع ستكون سببًا في غُفرانِ الذُنوبِه ومحْوِها، وهذا مِن تَطْهيرِ الله تَعالى للمؤمنِ بما يَبْتليهِ بهِ مِن أُمورِ الدُّنيا من الهفوات، والزلات حتى يُنقِّيهِ من ذُنوبِه فيَلْقى اللهَ خاليًا مِنها، فينعم عليه من فَضلهِ، فيكونُ أمرُ المؤمِنِ كلُّه خيرًا؛ إ
وروى البخاري بسندٍ صحيح أن النبي قال: "مما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ ، حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها" ( صحيح البخاري)، فكلّ ما يُصيب المؤمن من البلاء ويَصبر عليه يُكفِّر عنه ذنوبه، وطالما هو صابرٌ لما أصابه ازداد أجر صبره.
-والبلاء للصابر دليلٌ على أن الله راضٍ عنه: إنّ مَن يبتليه الله بالمَصائب والهموم والأوجاع والأسقام فإنّما ساق له الأجر والمغفرة إن كان من أهل الصبر والإيمان؛ حيث إنّ المَصائب من أكبر وأهمّ أبواب تكفير الذنوب، وكلّما ازداد البلاء وازداد معه صبر العبد أصبح أكثر قرباً من الله  عزَّ وجل ،  وقد رُوي أنّ النبي قال: "من يُرِدِ اللَّهُ بِه خيرًا يُصِبْ مِنهُ" ( صحيح البخاري) ، كما قال رسول الله أيضاً في روايةٍ أخرى: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِي فله الرِّضا ومن سخِط فله السُّخطُ" ( صحيح الجامع للألباني – وقال عنه :حسن)  وقد روي أنَّ النبي قال: " ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ" ( اخرجه الترمذي وقال : حسن صحيح، وهو في صحيح الترغيب والترهيب)
-بالصبر يَزداد المُسلم قرباً من الله تعالى: إذا اختار الله لأحد عباده المتّقين مَنزلةً رفيعةً ثم لم يبلغها بالعمل الصالح فإن الله حتى يجعله يُدرك تلك المنزلة سيَبتليه بمرضٍ يُصيبه أو يُصيب حبيباً له فيصبر على ذلك فيؤجر ويَزداد قرباً من الله حتى يبلغ تلك المنزلة، وقد رُوي في الصحيح عن رسول الله أنه قال: "إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله ابتلاه اللهُ في جسدِه أو في مالِه أو في ولدِه ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى" ( صحيح ابي داود – للألباني ) ، وروي كذلك عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال: "قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً قالَ الأَنبياءُ ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ".( أخرجه الترمذي، وقال عنه : حسن صحيح)
فهؤلاء الصابرون الذين تمثلوا هذا القول: { إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ}، بمجرد وقوع المصيبة عليهم يستحقون من الله الجزاءات عظيمة  التي جاءت على لسان الصادق المصدوق، وأيضا ما جاء في قوله تعالى: (أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } ( 157)، قال ابن كثير في تفسيره: { عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ }، أ ي ثناء من اللّه عليهم { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العِدْلان ونعمت العِلاوة :{أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّ‌بِّهِمْ وَرَ‌حْمَةٌ }،  هذان العدلان { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }  فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً.
من لا يصبر كان من الخاسرين :
ومعنى ذلك أنه من لم يصبر عند المصائب ، ولقضاء الله فله ضد ما للصابرين،  فحصل له الذم من الله،  والعقوبة والضلال والخسار، فما أعظم الفرق بين الفريقين ، فعليك أيها المؤمن بربك المتوكل عليه دوما ، الموكل أمرك له ، أن توطن نفسك على الرضا دائما ، وتعود لسانك على ما حثك ربك عليه، ومدح قائله، إن عظمت المصيبة أو صغرت –حتى لو كانت شوكة تشاكها - فقل { إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَ‌اجِعُونَ} ، يكبر في قلبك الرضى عن ربك والتسليم لقضائه، فأنت راجع إليه سبحانه، وإليه مآلك، وهو لا يخلف وعده، وستقولها أيضًا لأنك تعلم أن قضاءه سبحانه لك هو خير محض لك،  وعوِّد لسانك على الإسترجاع لخالقك، وقلها من القلب قبل اللسان، فلا تغفل عنها مهما عظمت المصائب التي تقع عليك أو هانت، فهي سنة الله في خلقه،  فلا تكتب من الجازعين . والمصيبة قد وقعت ولا راد لقضاء الله .
دخل سلمان الفارسي على صديق له يعوده من مرض، فقال: " إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه، فيكون كفارة لما مضى، فيستعتب فيما بقي، وإن الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه، فيكون كالبعير عَقَلَه أهله ثم أطلقوه، فلا يدري فيم عَقَلُوه حين عَقَلُوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه". حلية الأولياء

اصبر ففي الصبر خير لو علمت به * * * لطبت نفساً ولم تجزع من الألــم
واعلم بأنك لو لم تصطبر كرمـــــاً * * * صبرت رغماً على ما خط بالقلم