Wednesday 23 October 2019

أنبياء الله - تعرَّف عليهم -ج 8 - نبي الله لوط ابن أخ إبراهيم عليهما السلام

 



 
الترتيب الزمنى لأنبياء الله وأعمارهم ج8 – نبي الله لوط عليه السلام، إنهم أناس يتطهرون

نسبه؛ كفالة عمه له:
ولوط هو ابن هاران بن تارخ ابن أخي إبراهيم عليه‌ السلام، ولد في بابل، توفي والد لوط علية السلام وهو صغير السن، فكفله عمه إبراهيم أبو الأنبياء عليهما السلام، وكان النبي إبراهيم عليه‌ السلام يحبه حبا شديدا،  « وإنما سمي لوط لأن حبه لاط بقلب إبراهيم عليه‌السلام » اي تعلق به ولصق،   وكذلك  إذا لزق الحب بالقلب يقال : لاط حبه بقلبي، أي لصق حبه بقلبي.  
ارتحاله مع عمه إبراهيم، واستقراره في المؤتفكة (سدوم):

ولوط خرج من أرض بابل مع عمه إبراهيم الخليل إلى حاران ثم إلى كنعان ثم ارتحل معه إلى مصر ثم عاد إلى بلاد كنعان، ثم يذكر أنه قد حدث نزاع بين رعاة غنم إبراهيم، وبين رعاة غمنم لوط عليهما السلام، وحل النزع وقتها، وخوفا من أن يحدث هذا فتنة بينهما إذا تكرر، اقترح خليل الله إبراهيم على لوط ان يتوسعا في الأرض لكي لايحدث نزاع بين رعاتهما أو بينهما،  وطلب منه أن يهاجر إلى قرية كنت كافرة ليس فيها مؤمن واحد، تدعى قرية المؤتفكة، أو «سدوم» و"عمورة" يسكنها الأدوميون، وهم سكان أرض سدوم وما حولها من القرى في غور الأردن، وهي منطقة البحر الميت في الأردن الآن، وفيها بحيرة تدعى الآن بحيرة لوط،  ليدعوهم إلى الإسلام، ويعرفهم بالله تعالى.
ولما وصل لوط عليه السلام تلك القرية، تعجب من شدة سوء أهلها، فقد كانوا أفجر الناس وأكفرهم، يقطعون الطرق، ويكثرون من فعل السيئات، ولا ينهى بعضهم بعضا عن المعاصي والآثام، ويفعلون المنكرات في نواديهم، كان منها إخراج الريح والأصوات من الدبر والتضاحك من هذا الفعل القبيح، إلى جانب أنهم غرقوا في فعل فاحشة لم تسبق أن فعلتها أمة من قبلهم، وهي أنهم كان الرجال منهم يأتون الرجال شهوة من دون النساء، ويفعلون هذه الفاحشة جهاراً أمام بعضهم بعضاً لا ينكرون على بعضهم ، ولا يستحييون.

بداية قومه مع الفاحشة التي لم يسبقهم بها أحد:

يذكر  أهل التاريخ أن بلاد قوم لوط كانت خصبة وفيها خير كثير، وكان الناس يأتون إلى ناحيتهم لينالوا شيئا من تلك الثمار وذلك الخير الذي عندهم، فارادأهل القرية أن يمنعوا الناس من الحضور لقريتهم ويأخذوا من ثمارهم، فصاروا يقطعون على المار من جانب قريتهم الطريق، بل ويؤذون كل من يمر باتجاه قريتهم، أُعجب إبليس بفعلتهم، فتمثل لهم بهيئة شاب، ومر من ناحية ديارهم، فأرادوا أن يؤذوه، فأعطاهم فكرة فعل هذه الفاحشة فيمن يمر بديارهم  لينفروا الناس منهم، ويمنعوهم من الذهاب ناحية قريتهم، حتى كثر فعلهم للفاحشة فألفوها، وصارت منتشرةً بينهم.

نبي الله لوط يدعوهم لترك المنكرات:

 أرسل الله سبحانه وتعالى لوطًا إليهم ليهديهم ويدعوهم لترك المنكرات، ولكنهم كفروا به، فلما ألح عليهم، أرادوا أن يخرجوه هو وأهله من قريتهم لأنهم يترفعون عن فعل الفاحشة، فما كان منهم إلا أن قالوا: { قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }( النمل 56)، ذلك أن فطرتهم الشاذة كانت قلبت موازين الحق والباطل، فصار عندهم العفاف والطهارة فعل مشين يستحق الطرد من القرية التي يسكنونها.
ولم يؤمن بسيدنا لوط عليه السلام أحد من القرية  إلا أهل بيته- قيل كان له أربع بنات فقط هم من آمن به-  حتى امراته لم تؤمن به، قال تعالى فيها وفي زوجة نبي الله نوح عليه السلام: { ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا} ( التحريم ١٠)، وكما بينّا في قصة نبي الله نوح أن خيانتهما ليست خيانة زوجية، ولكنها مخالفة عن طريق الحق، ورفض الهداية.
ولم يفلحوا في رد حججه عليهم، قالوا له {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}  

زيارة الملائكة لنبي الله إبراهيم عليه السلام:

قص لنا تعالى في القرآن قصة زيارة الملائكة متمثلين في صورة رجال حسان لنبي الله إبراهيم عم لوط عليه السلام ، حاملين له البشارة بولد يولد له من زوجته سارة عليها السلام، ثم  وبعد أن استبشر وقرة عينيه بالبشارة، جاءوه بالنذارة بإهلاك قوم لوط عليه السلام بسبب فعلهم الشنيع، وفي هذا أدب جم ، إذ أخبروه بما سيحدث لقوم ابن أخيه قبل أن تحدث حتى لا يجزع بعد أن يسمع بإهلاكهم أهل القرى القريبة.
فخاف إبراهيم عليه السلام على ابن أخيه، فقال لهم حينها إن فيهم لوطاً، فطمأنته الملائكة بأنهم يعلمون من فيها، وأنهم سينجونه وأهله، من العذاب إلا امرأته.

بعد هذه الزيارة توجهت الملائكة إلى ديار قوم لوط على صورة شبان حسان، وكان عليه السلام على اطراف المدينة، وقيل إن ابنته كانت تسقي، فرأتهم، وأخبرت أباها، وسألهم عن مرادهم، فذكروا أنهم عابرو سبيل، وطلبوا إليه أن يستضيفهم عنده، فتحرج عليه السلام أن يرد طلب الضيافة، إلا أنه حاول أن يثنيهم عن الدخول إلى قرى سدوم، وحينما أصرت الملائكة على الدخول إلى القرية، استجاب عليه السلام إلى طلبهم، ودعاهم إلى بيته خلسةً، مخافة أن يراهم القوم، فيظفرون بهم، وقال في نفسه {هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} ( سورة هود 77)، لشدة ما سيجده إن علم أهل القرية بهؤلاء الضيوف.

الملائكة في ضيافة لوط

وصل لوط عليه السلام بصحبة الضيوف إلى البيت، وخبأهم كي لا يحس بهم أحد من أهل القرية، إلا أن امرأته كانت خبيثة، فذهبت إلى قومها وأخبرتهم أن لوطا عليه السلام استضاف شباناً حساناً في بيته لم تر مثل حسنهم قط، فأسرع قومه له مستبشرين فرحين بما سيكون من أمرهم من الفواحش مع هؤلاء الضيوف.
لما وصل قومه إلى بيته، وقرعوا الباب، رفض عليه السلام إدخالهم على ضيوفه، فغضبوا لذلك، واستغل هذا الحال العصيب بالنصح والدعوة، وذكِّرهم بالطريق الصحيح، والفطرة السليمة في قضاء الشهوة ونيل الوطر، وقال لهم { أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } ( الشعراء 165-166) أوعبر عن ذلك بتسمية نسائهم بناتي: { قَالَ هَـٰؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} (الحجر: ٧١)، والمراد بهن بنات القوم؛ لأنه يرى أن كل أنثى من القوم هي بمثابة الابنة له على اعتبار أن النبي كالأب في قومه، ونصحهم بالإلتجاء إلى زوجاتهم، فهن الفطرة السليمة في العفاف والإحصان، بمعنى (تزوجوا النساء)، ولم يدعهم إلى الزنا بهن، فحاشاه من ذلك، فهو نبي معصوم لا يدعو إلى الفاحشة.

إصرار القوم وتدخل جبريل

رغم هذا النصح والإرشاد، إلا ان قوم لوط فضلوا مخالفة الفطرة، وسوء الأخلاق على ما فطر الله تعالى الناس عليه، فدخل لوط عليه السلام إلى ضيوفه وهو في حيرة مما سيصنع معهم، وهناك جاءه جبريل عليه السلام يطمئنه ( يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) ثم خرج جبريل عليه السلام وضرب أعينهم بجناحه، فرجعوا إلى بيوتهم عمياناً لا يعرفون الطريق وهم يتوعدون بالانتقام مما جرى لهم. قال تعالى: { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} ( القمر ٣٧)
 ثم  أمرت الملائكة لوط بالخروج من القرية، هو وكل من آمن بالله تعالى وهما ابنتاه فقط، أو قيل أربع بنات، والله أعلم. ولا يلتفت منهم أحد إلى ما سيصيب سدوم من العذاب، وأخبروه أن الله سيكتب لهم النجاة، إلا امرأته التي كانت تعين قومها على الفواحش، كما طلبت إليه الخروج في ليلة اليوم نفسها، لأن العذاب سيصبحهم، وقالوا: { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ * أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} (هود: ٨١)

يدعي أهل المنطقة أن فوق هذه الصخور الكبريتية زوجة لوط التي تحجرت بعد التفاتها                


عذاب قوم لوط:

نظراً لشناعة فعلهم ، وانهم كانوا هم البادئون بهذا الفعل من بني آدم ، فقد وقع عليهم وزرهم ووزر من جاء بعدهم وفعل فعلهم، فحق عليهم من الله ألوانا من العذاب،  لم ينزلها الله تعالى على أمم قبلهم، كان منه :
1-    حجارة عندما خرج لوط عليه السلام مع ابنتيه من سدوم، كانت معهم امرأته، فلما سمعت بالعذاب من خلفها، التفتت وقالت: «وا قوماه» فأتتها حجارة من السماء وأهلكتها
2-     ثم رفع جبريل عليه السلام تلك القرى عن الأرض بطرف جناحه، حتى قيل انه ظهر ماء الأرض الأسود، وذُكر أن أهل السماء سمعوا نباح كلابهم وصياح ديوكهم.
3-     فأمطر الله عليهم حجارة من الطين، كان كل واحد منها مُقدَّرا ومرسلاً باسم صاحبه، الذي ستسقط عليه
4-     ثم عاجلهم جبريل بصيحة أهلكتهم ودمرت منازلهم، وقلبت تلك القرى رأساً على عقب، وجعل عاليها سافلَها، ثم أُمطرت بحجارة من سجين، ولم يبق أثرٌ بعدها لأي منها.
5-    قال تعالى:{ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ). (الحجر: 67-77)
لوط عليه السلام بعد هلاك قومه:
وبعد أنجاه الله من العذاب، وأهلك قومه، ارتحل إ إلى مدينة اسمها صوغر ، أو ( صوعر) – قريب من البتراء جنوب البحر الميت بأمر الملك جبريل عليه السلام ، وقيل أن قبره فيها، وقيل بل ارتحل ثانية منها إلى الجبال، ويذكر بحث لدكتور إدريس جرادات أن مقام الذي أقيم على قبر نبي الله لوط-عليه السلام-في وسط بلدة  بني نعيم التي تقع إلى الشرق من مدينة الخليل - خليل الرحمن إبراهيم-  على بعد ثمانية كيلومترات على رأس تلة تشرف على غور البحر الميت.
لم تذكر كتب التاريخ الفترة التي عاشها لوط عليه السلام.