Saturday 20 March 2021

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات سورة الطارق انظر أيها الإنسان مم خلقت، لتعلم أن الله قادر على إعادتك

    


 سورة الطارق- انظر ابن آدم مم خلقت لتعلم أن الخالق قادر على إعادتك

 

التعريف بالسورة:

-  سورة مكية - ومن المفصل - ترتيبها في المصحف السادسة والثمانون - نزلت بعد سورة البلد - عدد آياتها ١٧- بدأت باسلوب قسم "وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ" - لم يذكر لفظ الجلالة في السورة .

هدف السورة :

 

هدف السورة هو اثبات البعث، وَقَدْ أقامت البرهان الساطع والدليل القاطع على قدرة الله جل وعلا على ذلك، فإن الذى خلق الإنسان من العدم قادر على إعادته بعد موته. ويدل على ذلك معجزاته سبحانه فيما نرى وما لا نرى في الأرض والسماء.

تسلسل مواضيع السورة:

-تبدا السورة بالقسم، بالسماء والنجم الطارق الثاقب، على أن الله جعل على كل إنسان حافظ يحفظه؛ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴿١﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴿٢﴾ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴿٣﴾ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴿٤﴾

- ثم يثني تعالى بآيات فيها من الإعجاز  العلمي التي أشار لها العلماء في  خلق الإنسان من ماء الرجل وماء الأنثى، فقوله تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴿٥﴾ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ ﴿٦﴾ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ﴿٧﴾، وهذا إعجاز في خلق الإنسان ذكره الله قبل ١٤ قرنًا، من معرفة العلماء به.

- وبين لنا أن من خلق الإنسان من هذا الماء الذي هو مهين قادر على إعادته، ومحاسبته؛  {إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴿٨﴾ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴿٩﴾ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴿١٠﴾

- ثم بيان لهدف السورة  وهو إثبات البعث، وأنَّ هذا حقا واقع ليس فيه هزل، ويقسم على ذلك بإعجاز آخر  كوني ، فقوله تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴿١١﴾ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴿١٢﴾ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴿١٤﴾}، ومعنى الرجع هي التي ترجعُ الاهتزازات الصوتية والأمطار والحرارة وغير ذلك.

- وبنهايتها يقول إنَّ المكذبين يمكرون ويكيدون به، وأن الله مطلع على مكرهم وأنه لهم بالمرصاد، ثم تختم السورة بتهديد الكافرين وتوعدهم بالعذاب الأليم وبالخسران المبين. { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴿١٥﴾ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴿١٧﴾

ما جاء من الحديث في السورة:
عن جابر بن سمرةن: أنَّ رسول الله ﷺ كان يقرأُ في الظُّهرِ والعصرِ ب
{ السَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ } وب {السَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} ونحوِهما من السوَرِ. ( رواه الترمذي، وصححه الألباني قال على شرط مسلم)

تفسير السورة:


قوله تعالى {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} قَسَمان {وَالسَّمَاءِ} قسم، و {وَالطَّارِقِ} قسم. والطارق: النجم. وقد بينه اللّه تعالى بقوله {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} . يقسم تبارك وتعالى بالسماء، وما جعل فيها من الكواكب النيرة، و قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم طارقاً لأنه يرى بالليل ويختفي بالنهار، ويؤيده ما جاء في الحديث: "أَعوذُ بكلماتِ اللهِ التاماتِ التي لا يُجاوزُهنَّ برٌّ ولا فاجرٌ من شرِّ ما خلق وذرأَ وبرأَ ، ومن شرِّ ما ينزلُ من السماءِ،  ومن شرِّ ما يعرجُ فيها ، ومن شرِّ ما ذرأ في الأرضِ ومن شرِّ ما يخرجُ منها، ومن شرِّ فتَنِ الليلِ والنهارِ، ومن شرِّ كلِّ طارقٍ إلا طارقًا يطرقُ بخيرٍ يا رحمنُ" ( رواه الإمام أحمد وصحح إسنادة ابن تيمية، وقيل عنه مشهور)، وقوله تعالى: { الثاقب} ، ومنه قول رسول الله : "ِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا، فلا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا، حتَّى تَسْتَحِدَّ المُغِيبَةُ، وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ"( مسلم)،

والطُّروقُ بالضَّمِّ: المجيءُ باللَّيلِ مِن سَفَرٍ أو غيرِه على غفْلةٍ، ويُقالُ لكلِّ آتٍ باللَّيلِ: طارقٌ.

يقال: طرق فلان إذا جاء بليل.  ويكثر هذا الاسم على الضيف الذي ينزل على صاحب البيت ليلا فطرقة الباب بالليل مخيفة، فكان يطرق حجرا، أو يضرب على شيء، يعلم أهل البيت أن واحدا بالخارج، دون أن يطرق باب البيت، تأمينا لهم، فالشرور تكثر بالليل والحشرات الضارة تعبث وتزحف بالليل، وأهل السرقة والظلم والاعتداء يكثرون بالليل.

والطارق هو النجم المضيء المشِع الذي يطرق سواد الليل ويثقبه فيُرى إلى الأرض، وهو كل نجمٍ يطرقُ السماء ليلًا ويختفي خلال النهار.

ومنه قول هند : نحن بنات طارق ** نمشي على النمارق ،  أي إن أبانا في الشرف كالنجم المضيء.

قال الماوردي : وأصل الطرق : الدق، ومنه سميت المطرقة، فسمي قاصد الليل طارقا، لاحتياجه في الوصول إلى الدق. وقال قوم : إنه قد يكون نهارا. والعرب تقول؛ أتيتك اليوم طرقتين : أي مرتين.

والثاقب : المضيء. ومنه { إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} ( الصافات١٠).

قال ابن عباس: المضيء، وقال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها، وقال عكرمة: هو مضيء ومحرق للشيطان.

في اللغة:

 

يقال : ثقب يثقب ثقوبا وثقابة : إذا أضاء. وثقوبه : ضوئه. والعرب تقول : أثقب نارك؛ أي أضئها.

أَثْقَبَ: (الفعل منها)، يقال أَثْقَبَ النارَ: أوقدها،  وأَثْقَبَ الزَّنْدَ ونحوَهُ: قدَحَه فأَظهر شرره.

وقوله تعالى: {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} أي كل نفس عليها من اللّه حافظ يحرسها من الآفات، كما قال تعالى: { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ۗ}  (الرعد ١١)، حتى يسلمها إلى القدر، قال الفراء : الحافظ من اللّه، يحفظها حتى يسلمها إلى المقادير.

قال قتادة : حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك. وعنه أيضا قال: قرينه، أو الملائكة الكتبة؛ يحفظ عليه عمله: من خير أو شر.

وقيل : هذا هو جواب القسم. وقيل : الجواب {إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}

في قول الترمذي : محمد بن علي. و {إِن}: مخففة من الثقيلة، و {مَّا} : مؤكدة، أي إن كل نفس لعليها حافظ. وقيل: المعنى إن كل نفس إلا عليها حافظ.

وقراءة ابن عامر وعاصم وحمزة {لَّمَّا} بتشديد الميم، أي ما كل نفس إلا عليها حافظ، وهي لغة هذيل : يقول قائلهم : نشدتك لمَّا قمت. الباقون بالتخفيف، على أنها زائدة مؤكدة.

 والحافظ هو الله، قال اللّه عز وجل { فَاللَّـهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ}( يوسف٦٤)، وقال: { قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـٰنِ ۗ }( الأنبياء٤٢). وهو سبحانه يسبب الأسباب.

قوله تعالى { فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ}  لبينظر نظر متدبر، أي ابن آدم {مِمَّ خُلِقَ}، وجه الاتصال بما قبله توصية الإنسان بالنظر في أول أمره، وسنته الأولى، حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه؛ فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملي على حافظه إلا ما يسره في عاقبة أمره. وهو كما قال تعالى: { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ} ( الروم ٢٧)

و{مِمَّ خُلِقَ} ؟ استفهام؛ أي من أي شيء خلق؟ ثم قال {خُلِقَ } وهو جواب الاستفهام {مِن مَّاءٍ دَافِقٍ} أي من المني. يعني المني يخرج دفقاً من الرجل ومن المرأة، فيتولد منهما الولد بإذن اللّه عزَّ وجلَّ.

الدفق في اللغة:
صب الماء، دفقت الماء أدفقه دفقا : صببته، فهو ماء دافق، أي مدفوق، قال الفراء والأخفش {مِن مَّاءٍ دَافِقٍ}  أي مصبوب في الرحم.

وقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}، يعني صلب الرجل وترائب المرأة وهو صدرها

وعن مجاهد: الترائب ما بين المنكبين إلى الصدر، وعنه أيضاً: الترائب أسفل من التراقي، وقال الثوري: فوق الثديين، وقال قتادة: {يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} من بين صلبه ونحره.

{إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ}  أي إن اللّه جل ثناؤه { عَلَىٰ رَجْعِهِ} أي على رد الماء في الإحليل، {لَقَادِرٌ} كذا قال مجاهد والضحاك.

وعنهما أيضا أن المعنى : إنه على رد الماء في الصلب؛

وقال عكرمة. المعنى : إنه على رد الإنسان ماء كما كان لقادر. وأيضا: إنه على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الكبر، لقادر.

وقال ابن زيد : إنه على حبس ذلك الماء حتى لا يخرج، لقادر. وقال ابن عباس وقتادة والحسن وعكرمة أيضا : إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر. وهو اختيار الطبري. الثعلبي : وهو الأقوى؛ لقوله تعالى { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }

 قال الماوردي : ويحتمل أنه على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة؛ لأن الكفار يسألون اللّه تعالى فيها الرجعة.

{ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ }: أي تمتحن وتختبر ، أي يوم القيامة تبلى فيه السرائر أي تظهر وتبدو،ويبقى السر علانية والمكنون مشهوراً،  وقيل هي ابتلاءات الدنيا ، تظهر ما في السرائر.

فائدة:
قوله تعالى
{ يوم تبلى السرائر}: في حديث مرسل عن الحسن البصري:  أنَّ النَّبيَّ ﷺ يروي ذلك ، عن ربِّه تبارك وتعالَى أنَّه قال : ثلاثةٌ من حافظ عليهنَّ فهو عبدي حقًّا - زاد ابنُ عوفٍ ، ووليِّي حقًّا، ومن ضيَّعهنَّ فهو عدوِّي حقًّا الصَّلاةُ والصَّومُ والجنابةُ - يعني غُسلَ الجنابةِ." مرسل ، وقيل ضعيف مرفوعا لرسول الله ﷺ)

 

قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ}، وهذا قسم، يقسم بالسماء التي من سمتها (الرَّجْعِ)، هو المطر، وعنه: هو السحاب فيه المطر، وقال قتادة: ترجع رزق العباد كل عام، ولولا ذلك لهلكوا وهلكت مواشيهم.

قيل: ذات الملائكة؛ ينزلون يتفقدون أحوال الناس ويوزعون الأرزاق والمحن، ويعودون لربهم، فقيل الملائكة لرجوعهم إلى السماء بأعمال العباد.

وعلميًا: وجد أنها ترجع ما ارتفع إليها من ماء البحار تبخره الشمس فيرتفع إليها البخار، فترجعه ماء، وهذه دورة الماء التي عرفها العلماء حديثًا.

 وقيل : ذات الملائكة؛ لرجوعهم إليها بأعمال العباد.

{ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ } قسم آخر؛ أي تتصدع عن النبات والشجر والثمار والأنهار؛ نظيره {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا} (عبس ٢٦)، والصدع : بمعنى الشق؛  لأنه يصدع الأرض، فتنصدع به. وكأنه قال : والأرض ذات النبات؛ لأن النبات صادع للأرض. وقال مجاهد : والأرض ذات الطرق التي تصدعها المشاة. وقيل : ذات الحرث، لأنه يصدعها. وقيل : ذات الأموات : لانصداعها عنهم للنشور.

{ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} على هذا وقع القسم. أي إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.

روى الحارث عن علي رضي اللّه عنه قال : سمعت رسول اللّه ﷺ يقول : " إنَّها ستكونُ فِتنةٌ ، قِيلَ : فما المخْرَجُ مِنْها ؟ قال : كِتابُ اللهِ ، فيه نَبأُ مَنْ قبلَكُمْ ، وخبَرُ مَنْ بعدَكمْ ، وحُكمُ ما بينَكمْ ، هو الفصْلُ ، ليْسَ بالهزْلِ ، مَنْ ترَكَهُ من جبَّارٍ قصَمَهُ اللهُ ، ومَنِ ابْتغَى الهُدَى في غيرِهِ أضلَّهُ اللهُ ، وهُوَ حبْلُ اللهِ المتينُ ، وهُوَ الذِّكْرُ الحكيمُ ، وهُوَ الصِّراطُ المستقيمُ ، هو الذي لا تَزيغُ بهِ الأهْواءُ ، ولا تَشْبَعُ مِنهُ العُلماءُ ، ولا تلْتَبِسُ بهِ الألْسُنُ ، ولا يَخْلَقُ عنِ الردِّ ، ولا تَنْقضِي عجائِبُهُ ، هوَ الَّذي لمْ تَفُتْهُ الجِنُّ إذْ سمِعَتْهُ عن أنْ قالُوا : ( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إلى الرُّشْدِ ) مَنْ قال بهِ صدَقَ، ومَنْ حكَمَ بهِ عدَلَ، ومَنْ عمِلَ بهِ أُجِرَ ، ومَنْ دَعا إليه هُدًي إلى صِراطٍ مُستقيمٍ."( رواه الترمذي- وضعفه الألباني، وبعضه مشهور)

قيل : المراد بالقول الفصل: ما تقدم من الوعيد في هذه السورة، من قوله تعالى { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ* يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} .

وقوله: { وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} أي ليس القرآن بالباطل واللعب. والهزل : ضد الجد، وقد هزل يهزل. قال الكميت : يُجَد بنا في كل يوم ونهزِل

{ إِنَّهُمْ} أي إن أعداء اللّه { يَكِيدُونَ كَيْدًا} أي يمكرون بمحمد ﷺ وأصحابه مكرا. ويمكرون بالناس، في دعوتهم إلى خلاف القرآن، وفي هذا إخبار أن الكافرين يكذبون بالقرآن، ويصدون عن سبيله بمكرهم ، والله تعالى يقول: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} أي أجازيهم جزاء كيدهم من حيث لا يشعرون، وقيل : هو ما أوقع اللّه بهم يوم بدر من القتل والأسر. وقيل : كيد اللّه: استدراجهم من حيث لا يعلمون.

{ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} أي أنظرهم ولا تستعجل لهم، { أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} أي قليلاً وسترى ماذا أحل بهم، من العذاب والنكال، والعقوبة والهلاك كما قال تعالى: { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ} (لقمان ٢٤) .

ومن السنن الإلهية أن الله تعالى لا بد أن يأخذ الظالم ولو بعد حين، فقد جرت عادة الله في خلقه أن الله يمهل ولا يهمل، وأن نهاية الظالمين أليمة.

 يقول تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} ( آل عمران ١٧٨)

ولكنه سبحانه لا يهمل، ولا ينسى ولا يدع، يترك الإنسان في غيه سادراً لا يعي ولا يتدبر، يصبر عليه ويتركه، ويحلم في التعامل معه ولا يعاجله، ولكنه إذا جاء الوعد وحان الحين، فإن أخذه أليمٌ شديدٌ، فهل من متعظٍ أو مذَّكر.

تم بحمد الله

 

مناسبة السورة مع ما قبلها؛ سورة البروج:
-أن السورتين ابتدأهما الله تعالى بالقسم بالسماء ونجومها؛ كما في قوله تعالى: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ} (البروج١)، وقال العلماء: بروج السماء نجومها، وهنا: {وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} (الطارق ١-٣)، فهو افتتاح واحد للسورتين.

-في السورتين تأكيد على أمر البعث يوم القيامة، ورجعة الإنسان إلى ربه، سبق في سورة البروج قول الله -تعالى-: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} (البروج ١٣)، يبدئ الخلق ثم يعيده مرة أخرى في الآخرة، وجاء في سورة الطارق قول الله -تعالى-: {ِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} (الطارق ٨).

-كما أن في السورتين تعظيما لشأن القرآن لتعلموا قيمة القرآن -يا أمة القرآن-، في السورة السابقة البروج قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} (البروج ٢١- ٢٢)، وفي سورة الطارق يقول الله -سبحانه-: {وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} (الطارق ١١- ١٤)، إنه القرآن بما فيه من أخبار، بما فيه من وعد ووعيد، بما فيه من تشريعات: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} قاطع: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}.

 

الحمد لله