Thursday 13 July 2017

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات – سورة الجمعة ج 5 – تابع أحكام صلاة الجمعة

 


 


 





تفسير سورة الجمعة ج 5 – تابع  أحكام صلاة الجمعة

قوله تعالى: ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) هذا أمر إباحة؛ كقوله تعالى: ( وإذا حللتم فاصطادوا ) [ المائدة 2 ]، يقول: إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم. ( وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) أي من رزقه. وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين. وقال جعفر بن محمد في قوله تعالى: ( وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) إنه العمل لطلب الرزق، وعن الحسن بن سعيد بن المسيب: طلب العمل. وقيل: التطوع. وعن ابن عباس: لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا؛ إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة الأخ في الله تعالى. ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) أي بالطاعة واللسان، وبالشكر على ما به أنعم عليكم من التوفيق لأداء الفرائض. ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) كي تفلحوا. قال سعيد بن جبير: الذكر طاعة الله تعالى، فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن كان كثير التسبيح.

قوله تعالى:( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
سبب نزول الآية: 
ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبدالله أن النبي كان يخطب قائما يوم الجمعة، فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا - في رواية أنا فيهم - فانزلت هذه الآية التي في الجمعة: ( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) . في رواية: فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وقد ذكر الكلبي وغيره: أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من الشام عند مجاعة وغلاء سعر، وكان معه جميع ما يحتاج الناس من بر ودقيق وغيره، فنزل عند أحجار الزيت، وضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه؛ فخرج الناس إلا اثني عشر رجلا. وقيل: أحد عشر رجلا. قال الكلبي: وكانوا في خطبة الجمعة فانفضوا إليها، وبقى مع رسول الله ثمانية رجال؛ حكاه الثعلبي عن ابن عباس،
وقد ذكر أبو داود في مراسيله السبب الذي ترخصوا لأنفسهم في ترك سماع الخطبة، وقد كانوا خليقا بفضلهم ألا يفعلوا؛ فقال: حدثنا محمود بن خالد قال حدثنا الوليد قال أخبرني أبو معاذ بكر بن معروف أنه سمع مقاتل بن حيان قال: كان رسول الله يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي يخطب، وقد صلى الجمعة، فدخل، رجل فقال: إن دحية بن خليفة الكلبي قدم بتجارة، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف؛ فخرج الناس فلم يظنوا إلا أنه ليس في ترك الخطبة شيء؛ فأنزل الله عز وجل: :( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا). فقدم النبي الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة.
وكان لا يخرج أحد لرعاف أو أحداث بعد النهي حتى يستأذن النبي ، يشير إليه بأصبعه التي تلي الإبهام؛ فيأذن له النبي ثم يشير إليه بيده.

قال المالكية: من شرط أدائها المسجد المسقف. قال ابن العربي: ولا اعلم وجهه. قلت: وجهه قوله تعالى: ( وطهر بيتي للطائفين ) [ الحج: 26 ] ، وقوله: ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) [ النور: 36 ]، وحقيقة البيت أن يكون ذا حيطان وسقف، هذا العرف، والله أعلم.
 وجوب وقوف الإمام للخطبة:

قوله تعالى: ( وَتَرَكُوكَ قَائِمًا). شرط في قيام الخطيب على المنبر إذا خطب. قال علقمة: سئل عبدالله أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائما أو قاعدا؟ فقال: أما تقرأ ( وَتَرَكُوكَ قَائِمًا).. وفي صحيح مسلم عن كعب بن عجرة أنه دخل المسجد وعبدالرحمن بن أم الحكم يخطب قاعدا فقال: انظروا إلى هذا الخبيث، يخطب قاعدا وقال الله تعالى: :( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا). وخرج عن جابر أن رسول الله كان يخطب قائما ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب؛ فمن نبأك أنه كان يخطب جالسا فقد كذب؛ فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة. وعلى هذا جمهور الفقهاء وأئمة العلماء.
حكم الخطبة لصلاة الجمعة:
والخطبة شرط وواجب في انعقاد الجمعة لا تصح إلا بها؛ وهو قول جمهور العلماء. قال سعيد بن جبير: هي بمنزلة الركعتين من صلاة الظهر؛ فإذا تركها وصلى الجمعة فقد ترك الركعتين من صلاة الظهر. والدليل على وجوبها قوله تعالى: ( وَتَرَكُوكَ قَائِمًا).. وهذا ذم، والواجب هو الذي يذم تاركه شرعا، ثم إن النبي لم يصلها إلا بخطبة.
ويسلم إذا صعد المنبر على الناس ، وقد روى ابن ماجة من حديث جابر بن عبدالله أن النبي كان إذا صعد المنبر سلم. 
وأقل ما يجزي في الخطبة:
 أن يحمد الله ويصلي على نبيه ، ويوصي بتقوى الله ويقرأ آية من القران. ويجب في الخطبة الثانية أربع شروط كالأولى؛ إلا أن الواجب بدلا من قراءة الآية في الأولى الدعاء؛ قاله أكثر الفقهاء، وقال أبو حنيفة: لو اقتصر على التحميد أو التسبيح أو التكبير أجزأه.
 ما كان يقرأ رسول الله في صلاة الجمعة:
في صحيح مسلم عن يعلى بن أمية أنه سمع النبي يقرأ على المنبر « ونادوا يا مالك » [ الزخرف: 77 ] . وفيه عن عمرة بنت عبدالرحمن عن أخت لعمرة قالت: ما أخذت « ق والقرآن المجيد » [ ق: 1 ] إلا من في رسول الله يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة، وورد غيرها، مثل قراءته لـ( الأعلى ) و( الغاشية ).
وفي مراسيل أبي داود عن الزهري قال: كان صدر خطبة النبي ( الحمد لله. نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله؛ وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. نسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله ) .
السكوت للخطبة:
السكوت للخطبة واجب على من سمعها وجوب سنة. والسنة أن يسكت لها من يسمع ومن لم يسمع، وهما إن شاء الله في الأجر سواء. ومن تكلم حينئذ فقد لغا؛ ولا تفسد صلاته بذلك. وفي الصحيح عن أبي هريرة أن النبي قال: ( إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ) ، قال الزمخشري: وإذا قال المنصت لصاحبه صه؛ فقد لغا، أفلا يكون الخطيب الغالي في ذلك لاغيا؟ نعوذ بالله من غربة الإسلام ونكد الأيام.
 استقبال المصلين لوجه الإمام:
ويستقبل الناس الإمام إذا صعد المنبر؛ لما رواه أبو نعيم الحافظ عن عباد بن يعقوب قال حدثنا محمد بن الفضل الخراساني عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله قال: "كان النبي إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا" (وهو أيضا في سنن الترمذي، تفرد به محمد بن الفضل بن عطية عن منصور، وقيل عنه ضعيف)
من دخل المسجد والإمام يخطب:
وفي صحيح مسلم من حديث جابر عن النبي ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ) . وهذا نص في الركوع.
وعن ابن سيرين قال: كانوا يكرهون النوم والإمام يخطب ويقولون فيه قولا شديدا. قال ابن عون: ثم لقيني بعد ذلك فقال: تدري ما يقولون؟ قال: يقولون مثلهم كمثل سرية أخفقوا؛ ثم قال: هل تدري ما أخفقوا؟ لم تغنم شيئا. وعن سمرة بن جندب أن النبي قال: ( إذا نعس أحدكم فليتحول إلى مقعد صاحبه وليتحول صاحبه إلى مقعده ) ( صحيح الجامع للألباني)
وقوله تعالى: ( قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
فيه وجهان: أحدهما: ما عند الله من ثواب صلاتكم خير من لذة لهوكم وفائدة تجارتكم. الثاني: ما عند الله من رزقكم الذي قسمه لكم خير مما أصبتموه من لهوكم وتجارتكم. وقرأ أبو رجاء العطاردي: « قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة للذين آمنوا » ،  ( وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) فمنه فاطلبوا، واستعينوا بطاعته على نيل ما عنده من خيري الدنيا والآخرة.



اللهم إنا نسألك رزقا طبياً مباركا حلالاً زلالاً، علماً نافعا ، صحة وعافيةٍ، وارزقنا صحبة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم


تم تفسير سورة الجمعة ، فلله الحمد والمنة.