Saturday 31 December 2022

حديث الكفارات - قراءة وشرح

  
 

عن معاذٍ بن جبلٍ قال: احتُبِسَ عنَّا رسولُ اللَّهِ ﷺ ذاتَ غداةٍ من صلاةِ الصُّبحِ حتَّى كدنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ، فخرجَ سريعًا فثوِّبَ بالصَّلاةِ، فصلَّى رسولُ اللَّهِ ﷺوتجوَّزَ في صلاتِهِ، فلمَّا سلَّمَ دعا بصوتِهِ فقالَ لَنا: "علَى مصافِّكم كما أنتُمْ ثمَّ انفتلَ إلينا فقالَ: أما إنِّي سأحدِّثُكُم ما حبسَني عنكمُ الغداةَ: أنِّي قمتُ منَ اللَّيلِ فتوضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّرَ لي، فنعَستُ في صلاتي فاستثقلتُ، فإذا أَنا بربِّي تبارَكَ وتعالى في أحسَنِ صورةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ قلتُ: ربِّ لبَّيكَ، قالَ: فيمَ يختصِمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: لا أدري ربِّ، قالَها ثلاثًا قالَ: فرأيتُهُ وضعَ كفَّهُ بينَ كتفيَّ حتَّى وجدتُ بردَ أَناملِهِ بينَ ثدييَّ، فتجلَّى لي كلُّ شيءٍ وعرَفتُ، فقالَ: يا محمَّدُ، قلتُ: لبَّيكَ ربِّ، قالَ: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّاراتِ، قالَ: ما هنَّ؟ قلتُ: مَشيُ الأقدامِ إلى الجماعاتِ، والجلوسُ في المساجدِ بعدَ الصَّلاةِ، وإسباغُ الوضوءِ في المَكْروهاتِ، قالَ: ثمَّ فيمَ؟ قلتُ: إطعامُ الطَّعامِ، ولينُ الكلامِ، والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نيامٌ. قالَ: سَل. قُلت: اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ فعلَ الخيراتِ، وتركَ المنكراتِ، وحُبَّ المساكينِ، وأن تغفِرَ لي وترحمَني، وإذا أردتَ فتنةً في قومٍ فتوفَّني غيرَ مفتونٍ، وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ، قالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّها حقٌّ فادرُسوها ثمَّ تعلَّموها"

(صححه الألباني- في صحيح الترمذي واللفظ له- وهو في مسند الإمام أحمد)

 

شرح الحديث:

في هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ بعضًا ممَّا عَلَّمه ربُّه سبحانَه مِن الأعمالِ الصَّالحةِ الَّتي تَكونُ سبَبًا لغُفرانِ الذُّنوبِ، وفيه يَقولُ معاذُ بنُ جبلٍ رضِيَ اللهُ عَنه: "احتَبَس عنَّا رسولُ اللهِ ذاتَ غَداةٍ مِن صلاةِ الصُّبحِ"، أي: تأخَّر في خُروجِه إلى صلاةِ الفجرِ، "حتَّى كِدْنا نتَراءى عينَ الشَّمسِ"، أي: حتَّى اقترَب طُلوعُ الشَّمسِ، "فخرجَ سَريعًا، فثُوِّب بالصَّلاةِ"، أي: أُقيمَت الصَّلاةُ أوَّلَ ما خرَج إليهم؛ وذلك حتَّى يُدرِكوا وقتَها، "فصلَّى رسولُ اللهِ ، وتَجوَّز في صَلاتِه"، أي: خفَّف في الصَّلاةِ في طولِها على غيرِ المعتادِ منه ، "فلمَّا سلَّم"، أي: انتَهى مِن الصَّلاةِ، "دَعا بصَوتِه"، أي: نادَى في الصَّحابةِ، فقال لهم: "على مَصافِّكم كما أنتم"، أي: ابقُوا على هَيئتِكم وأنتم صُفوفٌ كُصفوفِ الصَّلاةِ ولا تقوموا ولا تَنصرِفوا، "ثمَّ انفَتَل إلينا"، أي: توَجَّه وتَحوَّلَ إليهم النَّبيُّ بوَجهِه، فقال: "أمَا إنِّي سأُحدِّثُكم ما حبَسَني عَنكُم الغداةَ"، أي: سأُخبِرُكم ما أخَّرني عنكم: "أنِّي قُمتُ مِن اللَّيلِ"، أي: بعضًا مِنه، فتوَضَّأتُ فصلَّيتُ ما قُدِّر لي"، أي: مِن الرَّكعاتِ، "فنَعَستُ في صَلاتي" والنُّعاسُ: مُقدِّماتُ النَّومِ، "فاستَثقَلتُ"، أي: حتَّى غلَبه النَّومُ، "فإذا أنا بربِّي تَبارَك وتعالَى في أحسَنِ صورةٍ"، أي: إنَّه في أثناءِ استِثْقالِه في النَّومِ رأَى ربَّه سبحانه وتعالَى، وقولُه (تبارَك وتعالَى): فيه تَّنزيهِ الله تعالى عما لا يَليقُ به تعالى؛ فإنَّه منزَّهٌ عن كلِّ نقصٍ، وليس كمِثلِه شيءٌ سُبحانَه.

فقال اللهُ: "يا محمَّدُ، قلتُ: ربِّ لبَّيك"، أي: مُجيبًا لنِداءِ ربِّه، "قال: فيمَ يَختَصِمُ الملأُ الأعلى؟"، أي: يَبحَثون، والملأُ الأعلى: الأشرافُ مِن الملائكةِ المقرَّبين، قال النَّبيُّ : "لا أدري ربِّ- قالها ثَلاثًا-"، أي: جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ يَسألُه هذا السُّؤالَ ثلاثَ مرَّاتٍ؛ وذلك لِبَيانِ أهَمِّيَّتِه، قال النَّبيُّ : "فرَأيتُه وضَع كَفَّه بينَ كَتِفيَّ حتَّى وجَدتُ برْدَ أنامِلِه بينَ ثَديَيَّ"، أي: شَعَرتُ ببَرْدِها على قَلْبي وصَدْري، كأنَّه أرادَ بذلك أن يَضَعَ الفَيْضَ في قلبِه بنُزولِ الرَّحمةِ، وانْصِبابِ العُلومِ عليه، وهذا مِن تَخْصيصِه إيَّاه بمَزيدِ الفضلِ عليه؛ لأنَّ مِن دَيْدَنِ الملوكِ إذا أرادوا أن يُدْنوا إلى أنفُسِهم بعْضَ خدَمِهم يضَعون أيدِيَهم عليهم تَلطُّفًا بهم، وتعظيمًا لشأنِهم، ووضْعُ اليدِ نُؤمِنُ به مِن غيرِ تكييفٍ ولا تمثيلٍ ولا تعطيلٍ، ولا نُفسِّرُه بما يُفسَّرُ به صِفاتُ الخَلْقِ، بل يُوكَلُ عِلمُ الكيفيَّةِ إلى اللهِ تعالى.

"فتَجلَّى لي"، أي: انكشَف وظهَر للنَّبيِّ ، " كلُّ شيءٍ، وعرَفتُ"، أي: فيما يَختصِمُ الملأُ الأعلى، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: "يا محمَّدُ"، قلتُ: "لبَّيك ربِّ"، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "فيمَ يَختَصِمُ الملأُ الأعلى؟"، أي: أعاد عليه ربُّه السُّؤالَ بعدَما انكشَف للنَّبيِّ شأنُ ما يَتَحدَّثون فيه، قلتُ: "في الكفَّاراتِ"، أي: يَبحَثون ويتَكلَّمون في الكفَّاراتِ، أي: العِباداتِ الَّتي يَغفِرُ ويَمحو بها اللهُ عزَّ وجلَّ الذُّنوبَ والسَّيِّئاتِ، فقال اللهُ عزَّ وجلَّ: "ما هُنَّ؟"، أي: ما هي تِلك الكفَّاراتُ؟ قال النَّبيُّ : "مشْيُ الأقدامِ إلى الجَماعاتِ"، والمرادُ بها: صَلاةُ الجَماعةِ بالمسجدِ؛ لأنَّ المشيَ لها كما ثبَتَ في تِلك الرِّوايةِ: "لَم يَخطُ خُطوةً إلَّا رفَعه اللهُ بها درَجةً، وحَطَّ عنه خَطيئةً، حتَّى يَدخُلَ المسجدَ"، "والجلوسُ في المساجدِ بعدَ الصَّلاةِ"، والمرادُ به: انتظارُ الصَّلاةِ بعدَ الصَّلاةِ، "وإسباغُ الوُضوءِ في المَكْروهاتِ"، أي: على المكارِهِ، والمرادُ: أنَّه يُبالِغُ في وُصولِ الماءِ إلى الأعضاء، وخاصةً في البَردِ الشَّديدِ، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "ثمَّ فيم؟"، أي: وأيُّ شيءٍ آخرَ يَكونُ منه الكفَّاراتُ؟ قال النَّبيُّ : "إطعامُ الطَّعامِ"، أي: للمُحتاجِ والفَقيرِ، ويَدخُلُ فيه إطعامُ الضَّيفِ والقِرَى، "ولِينُ الكلامِ"، أي: الرِّفقُ مع الآخَرين، وإذا كان الأمرُ في الكلامِ فمِن الأَولى يكونُ أيضًا بالأفعالِ، كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: " ألَا أُخبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على النارِ، وبمَن تَحرُمُ النارُ عليه: على كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قَريبٍ سَهلٍ." (صححه الألباني من الترغيب والترهيب) "والصَّلاةُ باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ"، أي: قيامُ اللَّيلِ.

قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "سَلْ؟"، أي: اطلُبْ حاجَتَك، "قُل"- وفي روايةٍ: قلتُ-، أي: قال النَّبيُّ : "اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُك فِعلَ الخيراتِ"، أي: أطلُبُ مِنك العونَ على إقامةِ أَوامِرِ الدِّينِ والأعمالِ الصَّالحةِ، "وتَرْكَ المنكَراتِ"، أي: الأعمالِ المنهيِّ عنها مِن أقوالٍ وأفعالٍ تُوجِبُ الذُّنوبَ على صاحبِها، "وحُبَّ المساكينِ"، وقيل: المرادُ بالمساكينِ هنا: مَن كان قَلبُه مُستَكينًا للهِ خاضِعًا له خاشعًا، ولأنَّ المساكينَ ليس عِندَهم مِن الدُّنيا ما يُوجِبُ مَحبَّتَهم لأَجلِه؛ فلا يُحِبُّون إلَّا للهِ عزَّ وجلَّ، والحبُّ في اللهِ مِن أوثَقِ عُرى الإيمانِ، والمُحِبُّ لأهلِ الإيمانِ وأهلِ طاعةِ اللهِ تعالى يَقرُبُ أن يَعمَلَ بعمَلِهم، "وأن تَغفِرَ لي"، أي: الذُّنوبَ والسَّيِّئاتِ، "وتَرحَمَني"، أي: تَشمَلَني برَحمتِك، "وإذا أرَدتَ فِتنةً في قومٍ"، أي: ضَلالةً أو عُقوبةً دُنيويَّةً، "فتوَفَّني غيرَ مفتونٍ"، أي: دونَ أن تَشمَلَني تلك الضَّلالةُ أو العُقوبةُ، "وأسألُك حُبَّك وحُبَّ مَن يُحِبُّك، وحُبَّ عمَلٍ يُقرِّبُ إلى حُبِّك"، أي: أنا طالبٌ لِمَحبَّةِ اللهِ، وحُبِّ العَملِ الَّذي يُؤدِّي فِعْلُه إلى التَّقرُّبِ مِن مَحبَّةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

ثمَّ قال رسولُ اللهِ لأصحابِه رضِيَ اللهُ عَنهم: "إنَّها حقٌّ"، أي: إنَّ تِلك الرُّؤيةَ حقٌّ، "فادْرُسوها"، أي: احْفَظوا تلك الرُّؤيةَ وما ورَد فيها مِن أوامِرَ ودُعاءٍ، "ثمَّ تَعلَّموها" قيل: أي: لِتَعْلَموها فتَكونَ سببًا لِمَعرفتِكم للأعمالِ الصَّالحةِ.

وفي الحديثِ: إثباتُ رؤيةِ النَّبيِّ للهِ عزَّ وجلَّ في رؤيا مِن مَنامِه.

وفيه: إثباتُ أنَّ للهِ تعالى كفًّا وأنامِلَ تَليقُ بذَاتِه وجَلالِه.

وفيه: أنَّ مِن عادتِه تَعْجيلَ الفجرِ.

 

من الأدعية النافعة:

إن الله يحب من عباده أن يضرعوا إليه، فينبغي لهم الإكثار من الدعاء وتحري الدعوات التي دعا بها النبي ﷺ، فإن الله جل وعلا جواد كريم يحب أن يسأل ويحب أن يعطي:

وعن أَنَسٍ  رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلِظُّوا بِياذا الجَلالِ وَالإِكرامِ".

واسألوا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب

رواه الترمذي وروَاهُ النَّسَائيُّ،قَالَ الحاكم: حديثٌ صحيحُ الإِسْنَادِ.

قال تعالى:(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال النبي: "إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصاها دَخَلَ الجَنَّةَ" ( البخاري)،  ومنها الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى، فأسماء الله جل وعلا لا يعلم عددها إلا هو، وكلها حسنى " انتهى من"فتاوى اللجنة الدائمة"

- ولفظ الجلالة " الله " هو الاسم الأعظم ، وهو الراجح، ويليه: " الحي القيوم "، كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله،" مجموع فتاوى ورسائل العثيمين ".

ثانيا: لا يعني ما تقدم أن مجرد معرفة اسم الله الأعظم والدعاء به يخرق العادة ، ويأتي بالمستحيلات ، ونحو ذلك ، وإنما المعنى: الحث على سؤال الله تعالى بأسمائه الحسنى ، والتأكيد على الاسم الجامع من أسمائه سبحانه، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :

" اسم " الله " دالٌّ على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث."

"والدلالات الثلاث هي: المطابقة والتضمن واللزوم. (مدارج السالكين-ج1)

فلما كان بهذه المثابة، كان الدعاء به أفضل، وكانت الإجابة أجدر، ويؤثر بالإجابة حال دعوة السائل وما يقارنها ويحيط بها؛من الإخلاص وحضور القلب، وعدم الاعتداء في الدعاء، والإلحاح فيه ، وغير ذلك من أسباب الإجابة ، وموانعها أيضا .

 

-وعن أَبي الدَّرداءِ  رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ: "كانَ مِن دُعاءِ دَاوُدَ : "اللَّهمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعمَل الَّذِي يُبَلِّغُني حُبَّكَ، اللَّهُمَّ اجْعل حُبَّكَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِن نَفسي، وأَهْلي، ومِن الماءِ البارِدِ"  (روَاهُ الترمذيُّ وَقَالَ: حديثٌ حسنٌ).

-وعن أَبي أُمامةَ رضي الله عنه قَالَ: دَعا رسُولُ اللَّهِ ﷺ بِدُعَاءٍ كَثيرٍ، لَمْ نَحْفَظْ مِنْهُ شَيْئًا، قُلْنا يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعَوْتَ بِدُعاءٍ كَثِيرٍ لَمْ نَحْفَظ منْهُ شَيْئًا، فقَالَ: "أَلا أَدُلُّكُم عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلكَ كُلَّهُ؟ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُك مِن خَيرِ مَا سأَلَكَ مِنْهُ نبيُّكَ مُحَمَّدٌ وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعاذَ مِنْهُ نَبيُّكَ مُحمَّدٌ ، وَأَنْتَ المُسْتَعَانُ، وعليْكَ البلاغُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ" رواهُ الترمذيُّ وقَالَ: حديثٌ حَسَنٌ.

-وَعَن ابْنِ مسْعُودٍ، رضِيَ اللَّه عنْهُ، قَالَ: كَانَ مِن دُعَاء رَسُولِ اللَّه ﷺ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِباتِ رحْمتِكَ، وَعزَائمَ مغفِرتِكَ، والسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، والغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةِ، وَالنَّجاةَ مِنَ النَّارِ."رواهُ الحاكِم أَبُو عبداللَّهِ، وقال: حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلِمٍ.

-من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: قال لي رَسولُ اللهِ: " يا شداد بن أوس، إذا كَنَزَ الناسُ الذهَبَ والفِضَّةَ، فاكْنِزوا هؤلاء الكَلِماتِ: اللَّهمَّ إنِّي أَسألُك الثباتَ في الأمرِ، والعزيمةَ على الرُّشدِ، وأَسألُك شُكْرَ نِعمتِك، وأَسألُك حُسنَ عِبادتِك، وأَسألُك قَلْبًا سليمًا، وأَسألُك لِسانًا صادقًا، وأَسألُك مِن خَيرِ ما تَعلَمُ، وأَعوذُ بك مِن شَرِّ ما تَعلَمُ، وأَستغفِركُ لِما تَعلَمُ؛ إنَّك أنت عَلَّامُ الغُيوبِ. " (الحديث صحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة)

فإذا كنز الناس الذهب والفضه فاكنزوا أنتم الحسنات وارفعوا بها الدرجات عند رب الأرض والسماوات .

القضية الأهم في هذه الحياة الدنيا هي في قوله: "إنِّي أَسألُك الثباتَ في الأمرِ" فالثبات على الدين مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الطريق المستقيم والفوز بجنات النعيم بعد رضا رب العالمين ، فكيف للإنسان أن يصل لمرحلة الثبات؟ ومعنى الثبات: هو التمسك بدين الله، والعيش على منهجه وشرعته، والتمسك بسنة نبيه إلى حين الوفاة، وبالتالي أي امتعاض أو ضيق من أحوال الدنيا المادية أو الاجتماعية العلمية، والنظر لما في أيدي الناس، وما تفقده أنت، إنما هو من أول الطرق للخروج عن الثبات، فالحذر على المسلم من الوقوع في هذا الطريق،

وقد حذرنا نبينا الكريم عن كل هذا فيما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله : « بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا.»

Tuesday 20 December 2022

السيرة النبوية الشريف فدك والفيء ومصالحة أهل القرى ومن غل من الغنائم

     

شاة مسمومة :

وبعدما عاد الهدوء، وذهب الخوف عاد اليهود إلى خبثهم، وتآمروا على قتل النبي ﷺ فأهدوا إلى رسول الله ﷺ شاة مسمومة بواسطة امرأة سلام بن مشكم: أحد كبرائهم، وقد علمت أن رسول الله ﷺ يعجبه الذراع ،فأكثرت السم فيه، وتناول منه رسول الله ﷺ ولاكها، ثم لفظها وقال: "إنها شاة مسمومة"، وسأل المرأة واليهود فاعترفوا بجريمتهم، قالوا: قلنا: إن كان ملكاً نستريح منه، وإن كان نبياً لا يضره، فعفا عنهم وعن المرأة، ثم إن أحد الصحابة وهو بشر بن البراء بن معرور كان قد أكل منها، فمات بهذا السم فأمر رسول الل ﷺ بقتل المرأة قصاصاً.

مصالحة أهل فدك: 

فدك قرية في شرق خيبر على بعد يومين، تعرف اليوم ب" حائط " وكان رسول اللهﷺ قد أرسل محيصة بن مسعود إلى يهود فدك بعد وصوله خيبر، ليدعوهم إلى الإسلام، فأبطأوا عليه، فلما سمعوا بفتح خيبر داخلهم الرعب، فأرسلوا للنبيﷺ على أنهم يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم،‏  فكانت أرض فدك خالصة لرسول الله ﷺ لأنه لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، ينفق منها على نفسه، ويعول صغير بني هاشم ويزوج أيمهم .

قال تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿٦﴾‏ مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴿سورة الحشر٧﴾‏ والفيء: ما أُخذ من أموال الكفار بحق من غير قتال.

  وادي القُرَي‏

 ولما فرغ رسول الله من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب‏.‏ ويروي أبو هريرة ما حدث فيها قال:  " خَرَجْنَا مع رَسولِ اللَّهِ يَومَ خَيْبَرَ، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا ولَا فِضَّةً، إلَّا الأمْوَالَ والثِّيَابَ والمَتَاعَ، فأهْدَى رَجُلٌ مِن بَنِي الضُّبَيْبِ، يُقَالُ له رِفَاعَةُ بنُ زَيْدٍ، لِرَسولِ اللَّهِ غُلَامًا، يُقَالُ له مِدْعَمٌ، فَوَجَّهَ رَسولُ اللَّهِ إلى وادِي القُرَى، حتَّى إذَا كانَ بوَادِي القُرَى، بيْنَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لِرَسولِ اللَّهِ ، إذَا سَهْمٌ عَائِرٌ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا له الجَنَّةُ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ:" كَلَّا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتي أخَذَهَا يَومَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عليه نَارًا " ، فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ النَّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بشِرَاكٍ - أوْ شِرَاكَيْنِ - إلى النبيِّ ، فَقَالَ: شِرَاكٌ مِن نَارٍ - أوْ: شِرَاكَانِ مِن نَارٍ –" (رواه البخاري).‏

ثم عَبَّأ رسول الله أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع اللواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عبَّاد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام‏.‏ وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا‏.‏ وأقام رسول الله بوادي القري أربعة أيام‏.‏ وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ كما عامل أهل خيبرـ‏.

مصالحة أهل تيماء ‏‏ :

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَي، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله ، وأقاموا بأموالهم‏.‏ أ هـ

فلما تم له فتح خيبر ووادي القرى، وأطاع له أهل فدك وتيماء، أخذ في عودته إلى المدينة . حتى إذا كان بسد الصبهاء حلت صفية فزفت إليه ﷺ، وأولم عليها بحيس من التمر والأقط والسمن، وأقام في المكان ثلاثة أيام.

ثم سار حتى قدم المدينة في أواخر شهر صفر أو في شهر ربيع الأول من سنة 7هـ .