أم المؤمنين؛ ميمونة بنت الحارث الهلالية
هي أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث بن حَزْن الهلالية،. وأُمُّها: هند بنت عوف بن زهير بن الحارث بن حماطة بن حمير، آخر امرأة تزوجها النبيﷺ، أختها لبابة الكبرى زوجة العباس بن عبد المطلب، ولبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة ، فهي إذاً خالة عبدالله بن عباس، وخالد بن الوليد رضي الله عنهم .
وأخوات ميمونة لأمها أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب- ومن بعده تزوجب بأبي بكر، ثم علي بن أبي طالب- و سلمى بنت عميس الخثعمية زوجة حمزة بن عبد المطلب، وسلامة بنت عميس زوجة عبد الله بن كعب بن منبّه الخثعمي ، ولذلك كان النبي ﷺ يقول عنهن: ( أخوات مؤمنات: ميمونة بنت الحارث ، وأم الفضل بنت الحارث، وسلمى امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس ) رواه النسائي في سننه الكبرى
وقد كان يقال: أكرمُ أصهار عجوزٍ في الأرض هندُ بنت عوف بن زهير بن الحارث أمُّ ميمونة، وأمُّ أخواتها أصهارها العباس وحمزة ابنا عبد المطلب، الأول على لبابة الكبرى بنت الحارث منها، والثاني على سلمى بنت عميس منها، وجعفر وعلي ابنا أبي طالب كلاهما على أسماء بنت عميس، الأول قبل أبي بكر والثاني بعد أبي بكر، وشداد بن أسامة بن الهادي الليثي على سلمى بنت عميس منها بعد وفاة حمزة بن عبد المطلب، ورسول الله ﷺعلى بنتها زينب بنت خزيمة، ثم بعد وفاتها أختها لأُمِّها ميمونة بنت الحارث
كانت قد تزوجت رضي الله عنها من مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ففارقها وتزوجها أبو رهم بن عبدالعزى. فتوفي عنها وهي في ريعان الشباب. ثم ملأ نور الإيمان قلبها، وأضاء جوانب نفسها حتى شهد الله تعالى لها بالإيمان، فتزوجها رسول الله ﷺ بعد فراغه من عمرة القضاء في ذي القعدة من السنة السابعة للهجرة، وقد كان العباس بن عبد المطلب هو من عرض السيدة ميمونة على رسول اللهﷺ، أثناء عمرة القضاء، وذكرت روايات أخرى أن النبيﷺ أرسل للعباس ليزوجه إياها، بنى بها وهو حلالٌ بسرف بطريق مكة.
مكانة ميمونة بنت الحارث
كان للسيِّدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها مكانتها بين أُمَّهات المؤمنين؛ فهي أخت أُمِّ الفضل زوجة العباس، وخالة خالد بن الوليد، كما أنها خالة ابن عباس رضي الله عنهم.
ورُوي لها سبعة أحاديث في "الصحيحين"، وانفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثًا.
وقد وصفها الرسولﷺ وأخواتها بالمؤمنات؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "الأَخَوَاتُ مُؤْمِنَاتٌ: مَيْمُونَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ، وَأُمُّ الْفَضْلِ بنتُ الْحَارِثِ، وسَلْمَى امْرَأَةُ حَمْزَةَ، وَأَسْمَاءُ بنتُ عُمَيْسٍ هِيَ أُخْتُهُنَّ لأُمِّهِنَّ"، وفي هذا الحديث منقبة عظيمة وفضيلة ظاهرة لأم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها حيث شهد لها المصطفى ﷺبحقيقة الإيمان واستقراره في قلبها هي وأخواتها اللاتي ذكرن معها رضي الله عنهن وأرضاهن
زواج ميمونة بنت الحارث من رسول اللهﷺ
لما تأيَّمت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها عرضها العباس رضي الله عنه على النبي ﷺفي الجُحْفَة، فتزوَّجها رسول الله ﷺ، وبنى بها بسَرِف على عشرة أميال من مكة، وكانت آخر امرأة تزوَّجها رسول الله ﷺ، وذلك سنة سبع للهجرة (629م) في عمرة القضاء. وهي خالة خالد بن الوليد وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقد أصدقها العباس عن رسول الله ﷺ أربعمائة درهم، وكانت قَبْلَه عند أبي رُهْم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد وُدّ ؛ ويقال: إنها التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ﷺ؛ وذلك أن خطبة النبي ﷺ انتهت إليها وهي على بعيرها، فقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله. فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأحزاب ٥٠).
وقد قيل: إن اسمها كان بَرَّة، فسمَّاها رسول الله ﷺ ميمونة، وكانت -رضي الله عنها- قريبة من رسول الله ﷺ، فكانت تغتسل مع رسول الله ﷺ في إناء واحد.
الحكمة من زواج النبي من ميمونة بنت الحارث
لقد حقَّق النبي ﷺ بزواجه من السيدة ميمونة رضي الله عنها مصلحة عُلْيَا، وهي أنه ﷺ بهذه المصاهرة لبني هلال كَسَبَ تأييدهم، وتألَّف قلوبهم، وشجعهم على الدخول في الإسلام، وهذا ما حدث بالفعل، فقد وجد النبي ﷺ منهم العطف الكامل والتأييد المطلق، وأصبحوا يدخلون في الإسلام تباعًا، ويعتنقونه طواعيةً واختيارًا.
قال العلامة محمد رشيد رضا: ورد أن عمَّ النبي ﷺ العباس رغَّبه فيها، وهي أخت زوجه لبابة الكبرى أمِّ الفضل، وهو الذي عقد له عليها بإذنها، ولولا أن العباس رأى في ذلك مصلحةً عظيمةً، لما اعتنى به كل هذه العناية.
ميمونة بنت الحارث في بيت النبيﷺ
كانت رضي الله عنها آخر امرأة تزوَّجها رسول ﷺ. قال ابن هشام: وكانت جَعَلَتْ أمرها إلى أختها أمِّ الفضل، فجعلتْ أمُّ الفضل أمرها إلى زوجها العباس، فزوَّجها رسولَ الله ﷺ، وأصدقها عنه أربعمائة درهم. ويُقال: إنها هي التي وَهَبَتْ نفسها للنبي ﷺ، وأنزل الله تعالى فيها: ﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأحزاب٥٠). لما انتهت إليها خطبة رسول الله ﷺ لها وهي راكبة بعيرًا قالت: الجمل وما عليه لرسول الله ﷺ. واعتبار ميمونة بنت الحارث هي التي وهبت نفسها للنبي ليس بثابت، والأحاديث الأصح في ذلك تذكر غيرها، منه ما ورد في البخاري : (عن سهل بن سعد الساعدي ; أن رسول الله ﷺ جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، إني قد وهبت نفسي لك . فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة . فقال رسول الله ﷺ : " هل عندك من شيء تصدقها إياه " ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا . فقال رسول الله ﷺ : " إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك ، فالتمس شيئا " . فقال : لا أجد شيئا . فقال : " التمس ولو خاتما من حديد " فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له النبي ﷺ: " هل معك من القرآن شيء ؟ " قال : نعم؛ سورة كذا ، وسورة كذا - لسور يسميها - فقال له رسول الله ﷺ : " زوجتكها بما معك من القرآن "
ويقول ابن كثير ب: والغرض من هذا أن اللاتي وهبن أنفسهن من النبي ﷺ كثير ، ويؤيده ما قال البخاري ، قال : هشام بن عروة حدثنا عن أبيه ، عن عائشة قالت : " كنت أغار من اللاتي وهبن أنفسهن من النبي ﷺوأقول : أتهب امرأة نفسها ؟" والله أعلم
ميمونة بنت الحارث في بيت النبوة:
وبانضمام السيدة ميمونة رضي الله عنها إلى ركب آل البيت، وإلى أزواج رسول الله ﷺ كان لها -كما لأُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن- دور كبير في نقل حياة رسول الله ﷺ إلى الأُمَّة، كما قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ (الأحزاب ٣٤). لذلك كانت أُمَّهات المؤمنين تنقل الأحكام الشرعية بدقَّة بالغة، فنجد الأحاديث التي يُذكر فيها الغسل والوضوء وما كان يفعله النبي ﷺ في نومه واستيقاظه ودخوله وخروجه، وما كان أحد لينقل هذه الأمور كلها بهذه الدقَّة إلاَّ أُمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن؛ وذلك نظرًا لصحبتهن الدائمة للرسول ﷺ.
وفاة ميمونة بنت الحارث
توفيت بعد عودتها من الحج بسرف سنة 51 هـ في الموضع الذي زفت فيه إلى النبي ﷺ، ودفنت حيث أوصت في نفس الموضع عند قبتها التي زفت فيه إلى النبي ﷺ، ويقع على طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة قبل الوصول إلى مسجد التنعيم بعشرة كيلومترات.
وصلى عليها ابن أختها عبد الله بن العباس. قال يزيد بن الأصم: «دفنا ميمونة بسرف في الظلة التي بنى بها فيها رسول الله ﷺ، وقد كانت حلقت في الحج، نزلت في قبرها، أنا وابن عباس.»
روايتها للحديث:
وقد روت عدداً من الأحاديث عن رسول الله ﷺ، كان منها صفة غسله ﷺ.
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يبيت عندها أحياناً في بيت رسول الله ﷺ، فيكسب علماً، وأدباً ، وخلقاً ، ويبثّه بين المسلمين، من ذلك قوله رضي الله عنهما: ( بِتُّ في بَيْتِ خَالَتي مَيْمُونَةَ بنْتِ الحَارِثِ زَوْجِ النبيِّ ﷺ وكانَ النبيُّﷺعِنْدَهَا في لَيْلَتِهَا، فَصَلَّى النبيُّ ﷺ العِشَاءَ، ثُمَّ جَاءَ إلى مَنْزِلِهِ، فَصَلَّى أرْبَعَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ نَامَ، ثُمَّ قَامَ، ثُمَّ قَالَ: نَامَ الغُلَيِّمُ أوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا، ثُمَّ قَامَ، فَقُمْتُ عن يَسَارِهِ، فَجَعَلَنِي عن يَمِينِهِ، فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بشَحْمَةِ أُذُنِي، قالَ: فَصَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ احْتَبَى حتَّى إنِّي لأَسْمَعُ نَفَسَهُ رَاقِدًا، فَلَمَّا تَبَيَّنَ له الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ.) رواه البخاري ومسلم .
وكانت رضي الله عنها من سادات النساء، مثلاً عالياً للصلاح ورسوخ الإيمان، تشهد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ذهبت والله ميمونة.. أما إنها كانت من أتقانا الله وأوصلنا للرحم»