Friday 29 October 2021

تفسير للآيات وبيان المتشابهات- سورة العصر سورة موجزة بليغة

  
  

 

التعريف بالسورة :

- هي سورة مكية – ومن المفصل – من جزء عم (٣٠) الحزب (٦٠) الربع الأخير(٨)-عدد آياتها ثلاث آيات -ترتيبها بالمصحف الثالثة بعد المائة .- نزلت بعد سورة الشرح

-بدأت السورة بالقسم {وَالْعَصْرِ}-قال عنها السلف " لو تدبرها المسلمين لكفتهم "

محور مواضيع السورة :

يدور محور مواضيع السورة حول سعادة الإنسان الحقيقية الباقية، وليس المزيفة الفانية، وعن ونجاح سعيه في هذه الحياة الفانية، أو خسرانه لدار البقاء.

ما ورد فيها من الحديث:

ذكروا فيها قصة لعمرو بن العاص قبل إسلامه، قالوا: أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب [ لعنه الله ] وذلك بعد ما بعث رسول الله ﷺ وقبل أن يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنـزل على صاحبكم في هذه المدة؟ قال: لقد أنـزل عليه سورة وجيزة بليغة. فقال:وما هي؟ فقال: « وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ » ففكر مسيلمة هُنَيهة ثم قال:وقد أنـزل علي مثلها. فقال له عمرو:وما هو؟ فقال:يا وَبْر يا وَبْر، إنما أنت أذنان وصَدْر، وسائرك حفز نَقْز. ثم قال:كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب

والوبْر: دويبة تشبه الهر، أعظم شيء فيه أذناه، وصدره وباقيه دميم. فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان.

وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن حصن قال:كان الرجلان من أصحاب رسول اللهﷺ إذا التقيا، لم يتفرقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر « سورة العصر » إلى آخرها، ثم يسلم أحدهما على الآخر .

وقال الشافعي، رحمه الله: لو تدبر الناس هذه السورة، لوسعتهم.

التفسير:

قوله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَصْرِ ﴿١﴾‏ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿٢﴾‏ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿٣﴾‏

قال ابن كثير: َالْعَصْرِ: هو الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم، من خير وشر.

والمعنى يدل على واسع؛ هو الزمان ، وهو الدهر جزء من الزمان، وهو وقت العصر، أو بصلاة العصر. فكلها صحيحة ، والمعنى يشملها.

وقال مالك، عن زيد بن أسلم: هو العشي، والمشهور الأول.

فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر، أي: في خسارة وهلاك، ( إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، ( وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ) وهو أداء الطاعات، وترك المحرمات، ( وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) على المصائب والأقدار، وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.

 

قوله: {وَالْعَصْرِ ﴿١﴾‏ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ } أقسم الله تعالى بالعصر، وجواب القسم؛ إنَّ الإنسان لفي خسر، والمراد بالإنسان جنس الإنسان.

والخُسْر، وهو الخسران: ضد الربح، أي: إنَّ الإنسان جنس الإنسان من حيث هو لفي خسران ونقصان وهلاك ، نقصان في عمره، وفي صحته وكل ما يكتنز.

قال الزمخشر :  والخسر: الخسران، كما قيل: الكفر في الكفران، والمعنى: أن الناس في خسران من تجاراتهم إلا الصالحين وحدهم لأنهم اشتروا الآخرة بالدنيا ، فربحوا وسعدوا، ومن عداهم اتجروا خلاف تجارتهم فوقعوا في الخسارة والشقاوة.

وقال ابن القيم: إنَّ الإنسان من حيث هو إنسان خاسر، إلا من رحمه الله فهداه، ووفقه للإيمان والعمل الصالح في نفسه وأمر غيره به.

وقال أيضًا:  فأقسم بالعصر الذي هو زمان أفعال الإنسان ومحلها على عاقبة تلك الأفعال وجزائها، ونبه بالبداية وهو خلق الزمان والفاعلين – الناس-وأفعالهم، على المعاد، وأن قدرته كما لم تقصر عن المبدأ لم تقصر عن المعاد، وأن حكمته التي اقتضت خلق الزمان وخلق الفاعلين وأفعالهم.

وإقسامه عز وجل بالزمن بقوله: {وَالْعَصْرِ} وكذا في مواضع عدة من القرآن الكريم كقوله تعالى: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا}(الشمس ١-٤)

وقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} ( الليل ١-٢)

 وقوله تعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} (الضحى ١-٢)

 كل ذلك للدلالة على أهمية الوقت، لأنه عمر الإنسان، ووقت العمل الصالح الذي به النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}  (الفرقان ٦٢)

وهو الذي سيحاسب عنه العبد ويسأل عنه يوم القيامة، كما قال ﷺ: « لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ» ( صحيح الترمذي)

وهو مما أقام الله به الحجة على الخلق كما قال عز وجل: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}( فاطر ٣٧)،  وفي الحديث الصحيح عند البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: « أَعْذَرَ اللَّهُ إلى امْرِئٍ أخَّرَ أجَلَهُ، حتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً. »

أعذر؛ أي: قطَع عُذرَه في ارتكابِ المعاصي، "أخَّر أجَلَه"؛ أي: إذا أطال عُمُرَه "حتى بلَّغه ستِّين سَنةً" وهو على قيدِ الحياةِ. فمَن طال عمرُه حتى بلَغ ستِّين عامًا، لم يَبقَ له عُذرٌ في اقتراف الخطايا؛ لأنَّه يجبُ عليه أن يَستعدَّ للِقاءِ الله عزَّ وجلَّ.

والعصر ، أو الزمن هو عمر الإنسان الذي بذهابه ذهاب المرء كما قيل:

يسر المرء ما ذهب الليالي         وكان ذهابهن له ذهابا

وكما قيل:

المرء يفرح بالأيام يقطعها         وكل يوم يدنيه إلى الأجل

وإقسامه عز وجل بالعصر على أن الإنسان لفي خسر إلا من اتصف بالصفات المذكورة يعد إشارة إلى أن الخسارة الحقيقية هي الخسارة في الدين، فهي المصيبة العظمى والطامة الكبرى، والجرح الذي لا يندمل، والكسر الذي لا يجبر، كما قال عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } (الزمر ١٥).

فالمصيبة العظمى، والخسار الذي لا خسار بعده أن يصاب الإنسان في دينه، فيموت على الكفر أو على المعاصي، كما قال تعالى عن أبي لهب: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} أي: خسرت يداه وخسر فعلاً. نسأل الله السلامة – فليست المصيبة – أن يصاب الإنسان بالخسارة في ماله أو في نفسه أو في أهله أو ولده، أو قريبه أو صديقه سواء بمرض أو موت أو غير ذلك، وهذا – وإن كان كله يسمى مصيبة – لكن المصيبة العظمى هي المصيبة في الدين وكما قيل:

وكل كسر فإن الدين يجبره                 وما لكسر قناة الدين جبران

قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} استثنى عز وجل من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم.

والإيمان لغة:  التصديق، قال تعالى عن إخوة يوسف أنهم قالوا لأبيهم: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} (يوسف١٧) أي:  ما أنت بمصدق.

وشرعًا: قول باللسان واعتقاد بالجنان – وهو القلب، وعمل بالأركان – وهو الجوارح، وهو عند ابن تيمية : الإقرار، ولا يكفي التصديق فقط.

وقوله {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: الأعمال الصالحات، والعمل لا يكون صالحًا إلا إذا توافر فيه شرطان: الإخلاص لله تعالى، ومتابعة الرسول ﷺ .

يدل على هذين الشرطين أدلة كثيرة من الكتاب والسنة:

فمما يدل على وجوب الإخلاص لله تعالى من الكتاب قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} ( البينة ٥)

ومن السنة قوله تعالى في الحديث القدسي: « قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ» »([32])( رواه مسلم)

 ومما يدل على وجوب متابعة الرسول ﷺ من الكتاب، قوله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}( سورة الحشر٧) .

 ومن السنة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله ﷺ: « مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ. » (مسلم)

قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} قال ابن القيم : إرشاد إلى منصب الإمامة في قوة الدين. كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، . فبالصبر واليقين تنال الإمام في الدين». وقوله تواصوا: دليل على أن المؤمن يشد إزر أخيه ويعينه على نفسه بالتذكير والتوصية.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} أي: أوصى بعضهم بعضًا بلزوم الحق والتمسك به، قولاً وفعلاً واعتقادًا.

قال الزمخشري: أوصاه بالأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره وهو الخير كله – اعتقادا وعملا- من توحيد الله وطاعته، واتباع كتبه ورسله والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة .

وقال ابن كثير : التواصي بالحق: الحق وهو أداء الطاعات وترك المحرمات.

{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} أي: أوصى بعضهم بعضًا بالصبر.

الصبر في الغة: الحبس والمنع، وشرعًا: «حبس النفس عن الجزع،  واللسان عن التشكي،  والجوارح عما حرم الله»

والصبر أنواع:

صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة

قال ابن القيم: والصبر نوعان: نوع على المقدور كالمصائب، وهذا فمشترك بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ولا يثاب عليه لمجرده إن لم يقترن به إيمان واختيار، قال النبي ﷺ في حق ابنته: «مرها فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ» وقال لها: " إنَّ لِلَّهِ ما أخَذَ، وله ما أعْطَى، وكُلٌّ إلى أجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِبْ." (البخاري)،

نوع على المشروع، وهذا النوع أيضًا نوعان: صبر على لأوامر، وصبر عن النواهي، فذاك صبر على الإرادة والفعل، وهذا صبر عن الإرادة والفعل.

قصة بنت رسول الله زينب واحتضار ابنتها:

أرسَلتْ ابنتُ رسول الله ﷺ وهي زينبُ رَضيَ اللهُ عنها، تُخبِرُه أنَّ ابنتَها قد حُضِرَتْ، أي: حضَرتْها الوفاةُ،  وطلَبتْ منه أنْ يَحْضُرَ إليهم، فأرسَلَ إليها النَّبيُّ ﷺ يَدْعوها أنْ تَصْبِرَ وتَحْتَسِبَ، أي: تَطلُبَ الأجرَ من اللهِ، ولتجعَلَ الوَلَدَ في حسابِ اللهِ راضيةً بقِضائِه. وقال لها: إنَّ للهِ ما أخَذ وما أَعطى، فكلُّ مِنحةٍ يَتَحصَّلُ عليها العبدُ هي مِن اللهِ سُبحانه وتعالَى يُؤتيها مَن يَشاءُ، وكلُّ نِعمةٍ يَسْلُبُها اللهُ مِن العبدِ فهي أيضًا منه، يَنزِعُها ممَّن يَشاءُ، وكلُّ شَيءٍ راجعٌ إليه ومُقدَّرٌ عنْدَه سُبحانه وتعالَى.

 فلمَّا رأتْ زَيْنبُ ذلك أرسَلتْ إليه تُقسِمُ عليه أنْ يَحضُرَ، فأبَرَّ النَّبيُّﷺ قَسَمَها وذهَبَ إليها، فلمَّا حضَر رفَعوا له الطِّفلَ ووضَعُوه في حَجْرِه، ونفْسُه تَقَعْقَعُ، أي: تَضطرِبُ وتَتحرَّكُ ويُسمَعُ لها صَوتٌ، ففاضتْ عَينَا النَّبيِّ ﷺ بالدَّمعِ رَحمةً بالصَّغير، فلمَّا رَأى ذلك سَعدُ بنُ أبي وقَّاص رَضيَ اللهُ عنه قال للنَّبيِّ ﷺ: ما هذا يا رَسولَ اللهِ؟! يَسألُه عن بُكائِه، مُستغرِبًا صُدورَه من النبي ﷺ؛ لأنَّه خِلافُ ما يَعهَدُه منه مِن مُقاومةِ المُصيبةِ بالصَّبرِ، فأخْبَرَه النَّبيُّ ﷺ أنَّها رَحْمةٌ جَعَلها اللهُ في قُلوبِ الرُّحماءِ، وليس مِن بابِ الجَزَعِ وقِلَّةِ الصَّبر، وأنَّ رحمةَ اللهِ تختَصُّ بمن اتَّصف بالرَّحمةِ وتحقَّق بها، وبكاؤه ﷺ يدُلُّ على أنَّ المنهيَّ عنه من البكاءِ ما صَحِبَه النَّوحُ والجَزَعُ وعَدَمُ الصَّبرِ.

وقال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا }  ﴿آل عمران١٢٠)

‏فالصبر بدون الإيمان والتقوى بمنزلة قوة البدن الخالي عن الإيمان والتقوى، وعلى حسب اليقين بالمشروع يكون الصبر على المقدور.

 وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}( الروم ٦٠)، فمن قل يقينه قل صبره، ومن قل صبره خف واستخف، فالمؤمن الصابر رزين، لأنه ذو لب وعقل، ومن لا يقين له ولا صبر عنده خفيف طائش، تلعب به الأهواء والشهوات، كما تلعب الريح بالورق.

قال السعدي: "والخسارة مراتب متعددة متفاوتة:

- قد يكون خاسرًا مطلقًا، كحال من خسر الدنيا والآخرة، وفاته النعيم، واستحق الجحيم.

وقد يكون خاسرًا من بعض الوجوه دون بعض.

 ولهذا عمم الله الخسار لكل إنسان، إلا من اتصف بأربع صفات:

الإيمان بما أمر الله بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.

 والعمل الصالح، وهذا شامل لأفعال الخير كلها، الظاهرة والباطنة، المتعلقة بحقوق الله، وحقوق عباده، الواجبة والمستحبة.

والتواصي بالحق، الذي هو الإيمان والعمل الصالح، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه، ويرغبه فيه.

والتواصي بالصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقدار الله المؤلمة، فبالأمرين الأولين، يكمل العبد نفسه. وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره، وبتكميل الأمور الأربعة، يكون العبد قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم".

وقال أيضًا : " فإن العبد له حالتان: حالة كمال في نفسه، وحالة تكميل لغيره، وكماله وتكميله موقوف على أمرين: علم بالحق، وصبر عليه. فتضمنت السورة جميع مراتب الكمال الإنساني، من العلم النافع والعمل الصالح، والإحسان إلى نفسه وإلى أخيه به، وانقياده وقبوله لمن يأمره بذلك".

وقال ابن القيم : «وبيان ذلك أن المراتب أربع باستكمالها يحصل للشخص غاية كماله: إحداها: معرفة الحق، الثانية: عمله به، الثالثة: تعليمه من لا يحسنه، الرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.

والحمد لله الذي جعل كتابه كافيًا عن كل ما سواه، شافيًا من كل داء، هاديًا إلى كل خير.

 

تم بحمد الله