Tuesday 24 February 2015

سلسلة الفقه الميسر – الدرس السادس والعشرون – شروط صحة الصلاة

 

 




 شروط صحة الصلاة

معنى الشرط: 

شرط الشيء كل ما يتوقف عليه وجود ذلك الشيء، وهو ليس جزءاً منه.
مثاله: النبات: لا بد لوجوده على وجه الأرض من ضوء الشمس، مع العلم بأن الشمس ليس جزءاً من النبات، فالشمس إذاً شرط لوجود النبات.
ما هي شروط صحة الصلاة ؟ 

1- الطهارة:
وهي تنقسم إلى أنواع؛  لابدَّ من توفر كل واحد منها لصحة الصلاة، وهي:
(أ) طهارة الجسم من الحدث: فالمُحدث لا تصح صلاته، سواءً كان الحدث أصغر – وهو فقد الوضوء- أو أكبر كالجنابة، لقول رسول الله في الحديث الصحيح: "لا تقبل صلاة بغير طهور" (رواه مسلم).
(ب) طهارة البدن من النجاسة: وقد عرفت معنى النجاسة وأنواعها في باب الطهارة أيضاً. ودليل ذلك قوله في اللذين يعذبان في قبرهما: "أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول" (رواه البخاري، ومسلم). وفي رواية لا يستتر، وأخرى: لا يستنزه، وكلها صحيحة ومعناها: لا يتجنبه ويتحرز منه.
ومثل البول كل النجاسات المختلفة الأخرى مثل الحيض، قال لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: "فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي" (رواه البخاري، ومسلم ).
(ج) طهارة الثياب من النجاسة : فلا يكفي أن يكون الجسم نقياً عن النجاسة، بل لا بد أن تكون الثياب التي يرتديها المصلي نقية أيضاً عن جميع النجاسات، دليل ذلك قول الله جل جلاله: ( وثيابك فطهر) [المدثر:4]
وروى أبو داود  عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن خولة بنت يسار أتت النبي فقالت: يا رسول الله، إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: "إذا طهرت فاغسليه ثم صلى عليه" فقالت  فإن لم يخرج الدم؟ قال: " يكفيك غسل الدم، ولا يضرك أثره".
(د) طهارة المكان عن النجاسة: ويقصد بالمكان الحيِّز الذي يشغله المصلي بصلاته فيدخل في المكان ما بين موطئ قدمه إلى مكان سجوده، ودليل هذا الشرط أمره بصب الماء على المكان الذي بال فيه الأعرابي في المسجد (رواه البخاري).
تجزئ الصلاة على سجادة تحتها حصير متنجس مع الكراهة عند الحنابلة والشافعية.
قال الإمام مالك: لا بأس أن يصلي المريض على فراش نجس إذا بسط عليه ثوبا طاهرا كثيفا، قال بعضهم: بل ذلك جائز للصحيح لأن بينه وبين النجاسة حائلا طاهرا كالحصير إذا كان بموضعه. انتهى
إن بسط على الأرض النجسة شيئاً طاهرا، صحت صلاته عليها مع الكراهة. وهذا المذهب، وهو ظاهر كلام الإمام أحمد.
العلم بدخول الوقت:

قال تعالى:﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ﴾(النساء: ١٠٣)
فللصلوات المكتوبة وقتاً معيناً، يجب أن تقع فيه غير أنه لا يكفي أن تقع الصلاة في الوقت، بل لا بد أن يعلم المصلي ذلك قبل المباشرة بالصلاة، فلا تصح صلاة من لم يعلم دخول وقتها، وإن تبيَّن له بعد ذلك أنها صادفت وقتها المشروع. 
* حكم صلاة من صلى خارج الوقت:
     إذا تبين للمصلي أن صلاته قد وقعت قبل دخول الوقت تعتبر باطلة وتجب إعادتها، سواء كان معتمداً على علم أو اجتهاد أو تقليد. فإن من صلى الظهر قبل دخول وقتها، أي: قبل زوال الشمس، فصلاته باطلة، وعليه الإعادة بكل حال، سواء كان مقيماً، أو مسافراً، عامداً، أو ناسياً، ولا خلاف بين أهل العلم على ذلك، كذلك من صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة، و هكذا من صلى الفجر قبل دخول وقتها .أما العصر، والعشاء، فيجوز تقديمها لناوي الجمع، مسافراً كان، أو مريضاً، أو محتاجاً إلى الجمع لعذر من الأعذار التي تبيح الجمع.أما لو قدمها من دون عذر، أو بغير نية الجمع، فصلاته باطلة، وعليه الإعادة، وإذا أراد إعادة الصلاة، فإنه يصلي الإعادة في أي وقت، متى اكتشف الخطأ، حتى لو كان وقت نهي، أو وقت صلاة أخرى؛ لحديث: (من نسي صلاة، فليصل إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك : ( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِ‌ي ﴿١٤ طه﴾   والحديث متفق عليه، من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه  واللفظ للبخاري .
     3- ستر العورة: 

هذا هو الشرط الثالث من شروط صحة الصلاة، ولا بد لمعرفة هذا الشرط من بيان الأمور التالية:
( أ ) معنى العورة:
يقصد بكلمة العورة شرعاً: كل ما يجب ستره أو يحرم النظر إليه.
( ب ) حدود العورة في الصلاة:
حدودها بالنسبة للرجل: ما بين السرة والركبة، فيجب أن لا يبدوا شئ منه في الصلاة.
وحدودها بالنسبة للمرأة: كل البدن ما عدا الوجه والكفَّين، فيجب أن لا يبدو شئ مما عدا ذلك في الصلاة.
قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَ‌بُوا وَلَا تُسْرِ‌فُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِ‌فِينَ ﴾( الأعراف 31)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد به الثياب في الصلاة (مغني المحتاج)
وروى الترمذي وحسَّنه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله :" لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمارٍ".
(والحائض: البالغ، لأنها بلغت سن الحيض. والخمار: ما تغطي به المرأة رأسها، وإذا وجب ستر الرأس فستر سائر البدن أولى].
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لقد كان رسول الله الفجر، فيشهد معه نساء من المؤمنات، ملتفعات في مروطهن، ثم يرجعن إلى بيتهن، ما يعرفهن أحد".
(ملتفعات في مروطهن: متلففات بأكسيتهن، واللفاع: ثوب يجلل به الجسد كله ).
استقبال القبلة:

وهذا هو الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة.
دليل وجوب استقبالها:
دليل هذا الشرط صريح قول الله تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَ‌جْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ‌ الْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَ‌هُ  ( البقرة 150 )
وروى البخاري ومسلم أنه قال للذي علمه كيف يصلي: ( إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر) .
والمراد بالمسجد الحرام بالآية، وبالقبلة في الحديث: الكعبة.
تاريخ  تغيير القبلة:
روى البخاري  ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله يحب أن يوجه نحو الكعبة، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَرَ‌ىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْ‌ضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ‌ الْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ (البقرة 144) فتوجه نحو الكعبة.وكان ذلك في نصف شهر رجب من السنة الثانية للهجرة على الصحيح.
قصة تحويل القبلة:

 أن رسول الله زار امرأة من بني سلمة يقال لها أم بشر في بني سلمة فصنعت له طعاماً، فحانت الظهر فصلى رسول الله بأصحابه في مسجد القبلتين الظهر، فلما صلى ركعتين أمر أن يتوجه إلى الكعبة فاستدار رسول الله إلى الكعبة. فسمي ذلك مسجد القبلتين، وكانت الظهر يومئذ أربع ركعات، منها اثنان إلى بيت المقدس، واثنان إلى الكعبة، وقيل في صلاة العصر.
كيفية الاستدلال على القبلة:
من كان قرب الكعبة وجب عليه استقبال نفس الكعبة. ومن كان بعيداً فإلى جهتها.
لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  : «ما بين المشرق والمغرب قبلة» رواه الترمذي.
ولأن إلزام الناس استقبال عين الكعبة من أماكن بعيدة صعب ومتعذر.
قال الشيخ الفوزان حفظه الله: (ومن كان بعيداً عن الكعبة في أي جهة من جهات الأرض فإنه يستقبل في صلاته الجهة التي فيها الكعبة، ولايضر التيامن ولا التياسر اليسيران).
حالات من خفيت عليه القبلة:
أولاً: إن تبينت له قبل الصلاة (فهذا يجب أن يستقبل القبلة).
ثانياً: إن استبانت له وهو في الصلاة فإنه يتحول إلى القبلة ويكمل صلاته. لحديث البراء رضي الله عنه (إن ملأَ من الأنصار كانوا يصلون جهة بيت المقدس فجاءهم رجل فقال: أشهد أني صليت مع رسول الله جهة الكعبة فاستداروا إلى جهة الكعبة) متفق عليه. (وهذه تعتبر حركة في الصلاة واجبة).
ثالثاً: إن استبانت له بعد الصلاة فلا قضاء عليه. (وهذا مذهب الجمهور). 
لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي في ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فصلينا، فلما طلعت علينا الشمس إذ نحن صلينا إلى غير القبلة فنزلت: فأينما تولوا فثم وجه الله)  رواه الترمذي.
فائدة:
- من صلى باجتهاده (إن كان من أهل الاجتهاد) أو بتقليد (لأنه لايعرف الاجتهاد) فإن صلاته صحيحة سواء أصاب القبلة أم لا لأنه فعل ما عليه.
- من  صلى بغير اجتهاد ولا تقليد، فإن أخطأ القبلة أعاد لأنه مفرط، وإن أصاب لم يعد (لكن عليه الإثم لأنه لم يعمل بالواجب وهو الاجتهاد أو التقليد).
يسقط استقبال القبلة للمسافر المتنفل على راحلته:
لحديث ابن عمر رضي الله عنه (أن رسول الله كان يسبح على راحلته حيث كان وجهه يوميء برأسه). متفق عليه ،  وفي رواية (يوتر على بعيره).
فيسقط استقبال القبلة فقط في حالة:
- (المسافر) فلا يجوز للمقيم.
(المتنفل) فلا يجوز ذلك في الفريضة، للمستطيع التوجه لها.
(على راحلته) فلا يجوز للماشي.
- قال ابن قدامة: (ولا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم في إباحة التطوع على الراحلة في السفر الطويل) .
- (قوله: يسبح، المراد بالتسبيح هنا صلاة النافلة).
- الحكمة من هذا التخفيف: لئلا ينقطع المسافر عن العبادة، ولئلا ينقطع أيضاً المتعبد عن سفره.
- من فوائد الحديث: أنه يشرع التنفل في السفر.
- الأفضل إذا أراد أن يتطوع المسافر على راحلته أن يستقبل القبلة عند تكبيرة الإحرام لحديث أنس رضي الله عنه: ( أن رسول الله كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجهه وركابه). رواه أبو داود  
لكن هذا العمل غير واجب، لأن هذا فعل من الرسول والفعل يدل على الاستحباب.
- كيفية صلاة المسافر النافلة على راحلته: يوميء برأسه، يجعل السجود أخفض من الركوع كما جاء ذلك عند الترمذي 
يسقط استقبال القبلة أيضاً للعاجز:
كأن يكون الإنسان مريضاً ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة بنفسه وليس عنده من يوجهه. فإنه يصلي حسب استطاعته.
لقوله تعالى: ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [التغابن: 16].
وقال : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه