Wednesday 18 September 2019

تدبر آيات من القرآن العظيم - سورة الإخلاص- تأملات وفوائد ومنهج حياة



 




 تأملات وفوائد من سورة الإخلاص :

مميزات سورة الإخلاص

-سورة تعدل ثلث القرآن
-سورة صغيرة في عدد آياتها، عظيمة في معناها، حتى أنها تعدل ثلث القرآن. إنها سورة الإخلاص .
سبب نزولها :
عن أبي بن كعب رضي الله عنه  قال: أن المشركين قالوا للنبي ﷺ:  يا محمد أنسب لنا ربك . فأنزل الله تعالى: { قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ} (حديث صحيح رواه الإمام أحمد) .
فضلها :
وردت عدة أحاديث تبين فضلها منها :
- عن أنس  رضي الله عنه قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء , فكان كلما افتتح يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها ثم كان يقرأ سورة أخرى معها , وكان يصنع ذلك في كل ركعة فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم ترى أنها لا تجزئك حتى تقرأ بالأخرى فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى . فقال : ما أنا بتاركها إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتم . وكانوا يرون أنه من أفضلهم , وكرهوا أن يؤمهم غيره . فلما أتاهم النبي ﷺ أخبروه الخبر ، فقال : " يا فلان ما يمنعُك أنْ تفعلَ ما يأمرُك به أصحابُك؟ وما يحملُك على لزومِ هذه السورةِ في كلِّ ركعةٍ؟ فقال: إني أحبُّها. فقال: حبُّكَ إياها أدخلكَ الجنةَ " ( أخرجه البخاري  معلقا، وهو على شرط مسلم)
- وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ لأصحابه: " أيعجزُ أحدكم أن يقرأَ ثلثَ القرآنِ في ليلةٍ ؟ فشقَّ ذلك عليهم وقالوا : أيُّنا يطيقُ ذلك يا رسولَ اللهِ ؟ فقال : اللهُ الواحدُ الصمدُ ثلثُ القرآنِ " ( رواه البخاري)
- وعن أبي هريرة قال : أقبلت مع النبي ﷺ فسمع رجلا يقرأ { قُلْ هُوَ اللَّـهُ أَحَدٌ* اللَّـهُ الصَّمَدُ} فقال رسول اللهِ : "وجبت قلت ما وجبت؟ قال: الجنة " (رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن صحيح ).
- عن عقبة بن عامر  رضي الله عنه ،قال : لقيني رسول الله ﷺ ،فابتدأني فأخذ بيدي فقال: " يا عُقْبةُ بنَ عامِرٍ، ألَا أُعَلِّمُك خَيرَ ثلاثِ سوَرٍ أُنزِلَتْ في التَّوراةِ والإنجيلِ والزَّبورِ والفُرقانِ العظيمِ؟ قال: قلْتُ: بلى، جَعَلَني اللهُ فِداكَ. قال: فأَقرأَني: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. ثمَّ قال: يا عُقْبةُ، لا تَنْساهُنَّ، ولا تَبِتْ لَيلةً حتى تَقرأَهُنَّ. قال : فما نسيتهن منذ قال لا تنسهن , وما بت ليلة قط حتى أقرأهن ." (رواه الإمام أحمد وقال حديث حسن ، وهو في السلسة الصحيحة للألباني)
- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: " أنَّ النبيَّ كانَ إذا أوَى إلى فِراشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمع كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِما فَقَرَأَ فِيهِما: قُلْ هو اللَّهُ أحَدٌ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ الفَلَقِ وقُلْ أعُوذُ برَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بهِما ما اسْتَطاعَ مِن جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بهِما علَى رَأْسِهِ ووَجْهِهِ وما أقْبَلَ مِن جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذلكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ. " رواه أهل السنن .

معناها :
قل: أمر حاسم،  يعني قلها قولاً جازما موقناً بما تقول .
هو الله أحد : المتفرد بالربوبية والوحدانية والملك، وما يتبعها من صفات حسنى وصفات عُلا .
وكلمة أحد تدل في معناها على أنه لا قبله ولا بعده . وكلمة واحد تدل على أن هناك ما يليها . لذلك لا يقال أحد في الإثبات إلا لله سبحانه وتعالى، تبارك الله في علاه.
الله الصمد : أي هو الذي يصمد إليه جميع الخلق في حوائجهم، لحاجتهم إليه في كل حال وغناه عنهم .
لم يلد ولم يولد : ليس له والد، ولا ولد، ولا صاحبة كما يقول المبطلون . وذلك لكماله سبحانه وغناه اللازم .
ولم يكن له كفواً أحد : أي لا يكافئه أحد لا في أسمائه ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه  فهو ليس له شبيه ولا ند ولا نظير .
لأنه معلوم عقلاً وقدراً أنه ما من شيء يولد إلا سيموت , وما من والد إلا سيموت ويورث من ولد . وهو سبحانه المتفرد بذلك ( ليس كمثله شيء) .
ومع ذلك يقول من أعمى الله بصائرهم عن الحق بأنه له صاحبة وله ولد تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: " قالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، فأمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي، كما بَدَأَنِي، وليسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأَهْوَنَ عَلَيَّ مِن إعادَتِهِ، وأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا وأنا الأحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ ألِدْ ولَمْ أُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لي كُفْئًا أحَدٌ."

ثمرات هذه السورة الشرعية :

- عظم ثواب قارئها ، فحيث هي تعدل ثلث القرآن ، فثوابها سيكون عظيماً .
- وسيلة لنيل حب الله تعالى ومن أحبه الله رضي عنه،  ومن رضي عنه نال سعادة الدنيا والآخرة .
- قراءتها توجب لقارئها الجنة . وذلك لا يكون بقرائتها المجردة عن طاعة الله في كل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر . بل لا بد لقارئها أن يكون من المخبتين لله .
- هذه السورة سبب لاستجابة الدعاء إذا دعي بما تضمنته من أسماء الله الحسنى،  ودليل ذلك مارواه عبد الله بن بريدة عن أبيه  رضي الله عنه أنه دخل مع رسول الله المسجد، فإذا رجل يصلي يدعو يقول : " اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ بأنِّي أُشهِدُكَ أنَّكَ لا إلهَ إلَّا أنتَ الأحَدُ الصَّمَدُ الَّذي لَمْ يلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ فقال رسولُ اللهِ : "والَّذي نفسي بيدِه لقد سأَل اللهَ باسمِه الأعظَمِ الَّذي إذا سُئِل به أعطى وإذا دُعِي به أجاب"  (رواه أهل السنن، وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي حسن غريب .)
-  وهي من آيات الشفاء .

وقفات تدبر في السورة :

- إن الإيمان باسم الله ( الأحد ) أيماناً جازماً عقيدة وسلوكاً ومنهجاً في الحياة يخلص القلب من الشوائب ويغرس فيه الإخلاص .
فالله أحد لا شريك له، إذن لا أعبد غيره، ولا ألتجئ لسواه، ولا أدعو غيره، ولا أطلب أحد إلا هو، ولا أخاف من غيره، ولا أحب سواه، ولا أعلق القلب إلا به .
فمن وجد الله صدقاً واعتقاداً فماذا فقد، ومن فقد الله قلباً وقالباً فماذا وجد – ولو ملك الدنيا  .
- في السورة مناهج الحياة الحقيقية التي لا محيد لمخلوق عنها :
1- عبادة الله وحده لا شريك له .
2- لجوء القلب لله عز وجل وتعلقه به في كل شأن .
3- العمل لله وحده .
4- تلقي الأوامر من الله وحده .
5- طلب العون من الله وحده .
- في السنة كثير ما يقرن الرسول في قراءته بين سورتي الكافرون والإخلاص، كما في سنة الفجر، وسنة الوتر، وأذكار النوم .
لأن سورة الكافرون تقرر التبرؤ من المشركين وشركهم، الإخلاص تقرر العقيدة الخالصة لله تعالى. وهذا هو الطريق المستقيم .
- في السورة دعوة لكل مؤمن ليحقق الإيمان بأسماء الله الحسنى، ويتحقق ذلك بهذه الأمور :
1- معرفة الاسم .
2- معرفة معناه الشرعي وفق منهج القرآن والسنة .
3- تدبره ، والوقوف على عظمة المسمى به . وهذا يؤدي إلى تعلق القلب به .
4- تعبد الله به، في جميع جوانب الحياة، فالعمل يكون وفق ما يتضمنه الاسم، والقول لا يخرج عن حدود معناه، وكذلك المشاعر .
وهذه الحال لا بد أن تكون مع جميع أسماء الله الحسنى على حد سواء .
- ( الصمد ) الذي يقصده جميع الخلق بحوائجهم،  وهو الغني عنهم . فكيف بفقير مثلي ومثلك يغفل عن طاعة من محتاج له على الدوام؟
- الذرية في حياة المخلوقات صفة ضعف ونقص ملازمة لهم، لأن الإنسان يشعر بأنه يستمد قوته بالبقاء في ذريته التي تخلفه. وهذه القوة التي يستند عليها لا تنفعه إلا برحمة الله تعالى – لذلك الله غني عن الذرية لأنه القوي القادر – والعاقل من بني البشر من جعل ذريته في ميزان حسناته يوم يلقى ربه , وبذلك تكون فعلاً قوة حقيقية في حياته 
 منقول بتصرف
 
وختاما نسأل الله تعالى الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن يجعل إخلاصنا له صدقأً .