Monday 18 April 2022

قصة سليمان عليه السلام ح -3 - معجزات تفرد بها نبي الله سليمان حتى قالوا عنه أنه ساحر

   
 

قصة نبي الله سليمان عليه السلام كاملة

 

من هو سيدنا سليمان عليه السلام- أين ولد؟

 

 نبيّ الله سليمان هو ابن سيدنا داوود عليهما السلام، {ووَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.(سورة ص ٣٠)، وهو ثالث ملوك بني إسرائيل.

وقال بعد وفاة والده واستلام الملك: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿١٦﴾‏ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٧النمل﴾‏

نسبه:

هو سليمان بن داود بن أيشا بن عويد بن عابر بن سلمون بن نخشون بن عمينا دب بن إرم بن حصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.

 وُلد في فلسطين في مدينة غزّة، وقد قال أبو اليمن العليمي في كتابه الأنس الجليل: (وَلَو لم يكن لغزة من الْفَخر إِلَّا مولد النَّبِي سُلَيْمَان وَالْإِمَام الشَّافِعِي بهَا لكفاها).

ويالأغلب إنه وُلِد في مدينة القدس الفلسطينية عام 985 قبل الميلاد، وفي السنة الرابعة من مُلكه بدء في عمارة بيت المقدس وبقي فيها إلى أن وتوفى وعمره:  52 عاماً.

في أي سورة قصة سيدنا سليمان عليه السلام ؟

 

ورد ذكر سليمان -عليه السلام- في القرآن الكريم ضمن القصص القرآني 16 مرّة في 6 سور هي:

    سورة البقرة    سورة الأنعام   سورة الأنبياء  سورة النمل    سورة سبأ   سورة ص

 

 

عدد زوجات سيدنا سليمان عليه السلام

 

عن أبي هريرة -رضيَ الله عنه- أنّ رسول اللهﷺ قال: "قال سليمان عليه السلام: (لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ علَى تِسْعِينَ امْرَأَةً، كُلُّهُنَّ تَأْتي بفارِسٍ يُجاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ)، فقالَ له صاحِبُهُ: قُلْ: إنْ شاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إنْ شاءَ اللَّهُ، فَطافَ عليهنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِلْ منهنَّ إلَّا امْرَأَةٌ واحِدَةٌ، جاءَتْ بشِقِّ رَجُلٍ، وايْمُ الذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لو قالَ: إنْ شاءَ اللَّهُ، لَجاهَدُوا في سَبيلِ اللَّهِ فُرْسانًا أجْمَعُونَ".

وقد ورد في كتاب سلاطين أنّ سيّدنا سليمان -عليه السّلام- كان له مئة زوجة وثلاث مئة  جارية، فهذا العدد منقول عن بني إسرائيل لا نصدقه ولا نكذبه.

أما عن زواجه من (بلقيس) ملكة سبأ: فقال الإمام الرازي إنّ القول الأظهر في هذا الشأن هو زواجه منها.

 

هل كان لسيدنا  سليمان خاتم يسيطر به على الجن؟

 

ورد ذكر خاتم سليمان عليه السلام في بعض الأحاديث النبوية، غير أنها لا تصح عن النبي ﷺولا تقوم بها حجة.

أما قصة أن سليمان عليه السلام كان يسيطر على الجن والإنس بهذا الخاتم، ثم إن الشيطان تمثل بصورة سليمان وخدع امرأته وأخذ منها الخاتم، فدانت له الشياطين والإنس والجن، ونزع من سليمان ملكه، وجلس هذا الشيطان على عرش سليمان، وكان يقضي بين الناس، حتى استرد سليمان خاتمه، وعاد إليه ملكه فهي القصة مكذوبة، وهي من افتراءات اليهود وكذبهم على الأنبياء.

 ورد ذكر خاتم سليمان عليه السلام في بعض الأحاديث النبوية، غير أنها لا تصح عن النبي ﷺ، ولا تقوم بها حجة .ومن هذه الأحاديث :

روى أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺ، قَالَ:  تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، وَعَصَا مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْطِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتِمِ، حَتَّى أَنَّ أَهْلَ الْحِوَاءِ لَيَجْتَمِعُونَ، فَيَقُولُ: هَذَا يَا مُؤْمِنُ, وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ  .

(ضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، وقال عنه : منكر )

وليس في هذا الحديث – مع ضعفه- ولا في غيره إلا ذكر الخاتم ، دون أدنى إشارة إلى أنه كان سبب ملكه عليه السلام، أو أن الجن والإنس دانوا لسليمان عليه السلام بهذا الخاتم .

وإنما ذكر ذلك بعض الإخباريين، ونقلوا في ذلك آثارا عن بعض السلف – وهذه الآثار- إن صحت عمن نسبت إليه من السلف – فإنها مأخوذة عن أهل الكتاب ، وفيها من الطعن في سليمان عليه السلام ما هو ظاهر .

فإنهم ذكروا أن سليمان عليه السلام كان يسيطر على الجن والإنس بهذا الخاتم ، وأنه كان إذا أراد شيئا حرك خاتمه ، ثم إن الشيطان تمثل بصورة سليمان وخدع امرأته وأخذ منها الخاتم ، فدانت له الشياطين والإنس والجن ، ونزع من سليمان ملكه، وجلس هذا الشيطان (المتمثل بصورة سليمان) على عرش سليمان ، وكان يقضي بين الناس، حتى إنهم ذكروا أن هذا الشيطان كان يأتي نساء سليمان، بل زاد بعضهم : (وهن حيض) ! حتى استرد سليمان خاتمه ، وعاد إليه ملكه .(تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير ابن كثير )

 

وهذه القصة مكذوبة ، وهي من افتراءات اليهود وكذبهم على الأنبياء ، فإن طوائف منهم لا يعتقدون بنبوة سليمان عليه السلام  وإنما يقولون: إنه كان ملكا ساحرا، ولعلهم اختلقوا هذه القصة ليروجوا سحرهم على الناس، وليقنعوا جهلة الناس أن السحر لا بأس به ، وأنه من الممكن أن يكون لك مثل ملك سليمان عليه السلام عن طريق السحر .

قال ابن كثير : "إسناده إلى ابن عباس قوي ، ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس -إن صح عنه-من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه السلام ؛ فالظاهر أنهم يكذبون عليه" انتهى.

وقال القرطبي تفسيره لسورة ص : "وقد ضعف هذا القول من حيث إن الشيطان لا يتصور بصورة الأنبياء، ثم من المحال أن يلتبس على أهل مملكة سليمان الشيطان بسليمان، حتى يظنوا أنهم مع نبيهم في حق، وهم مع الشيطان في باطل" انتهى من تفسير القرطبي.

وقال القاضي عياض في "الشفا: " ولا يصح ما نقله الإخباريون من تشبه الشيطان به، وتسلطه على ملكه، وتصرفه في أمته بالجور في حكمه ، لأن الشياطين لا يسلطون على مثل هذا، وقد عصم الأنبياء من مثله" انتهى .

وإذا كان خاتم سليمان عليه السلام بهذه المثابة ، فكيف يغفل الله شأنه في كتابه الشاهد على الكتب السماوية ولم يذكره بكلمة؟" انتهى.

صفات سيدنا سليمان عليه السلام

 

تميّز سليمان عليه السلام بصفات ميّزته، منها:

 

 -الشجاعة والحكمة وحسن التدبير؛ فكان يحكم فيما يصل إليه من قضايا الناس بدقّة.

-المداومة على شكره لله تعالى.

 -   الصلاح والتقوى.

 -   القدرة الفائقة على الفهْم، ممّا ساعده ذلك لإدارة مملكته والسمُوّ بها.

 -   العدل والأمانة في الحكم.

 -   التأنّي في إصدار الحكم على من يخالفه، أو من يستكر فعلًا من أفعاله.

-  كان أول من صنع السلال من الخوص، ووعمل بصناعة الأسلحة لحروبه مع الأعداء، أول من قام باستخدام النحاس فيها ، فقد يسرها الله له.

معجزات سيدنا سليمان عليه السلام

لقد أيّد الله تعالى سليمان -عليه السلام- بعدد من المعجزات لم يُؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده بمثلها، ومنها:

فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ﴿٣٦﴾‏ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿٣٧﴾‏ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٣٨﴾‏ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿ ص٣٩﴾‏

 

 تسخير الريح

 

قال الله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) (الأنبياء ٨١)/

كان لسليمان بساط الريح ينقله من مكان إلى آخر بعيد، ويوجه الريح حيث يشاء، فيأمرها بأن تهب في ناحية ما، وكانت تقطع مسافة الشهر بدقيقة واحدة، قال تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ) وكانت تتحرك بأمر سليمان عليه السلام؛ فتسوق الماء للجهة التي يأمر بها، وتحرّك السحاب، وغير ذلك الكثير من الأمور الّتي أدّت لازدهار الحضارة.

 

تسخير الجن

 

قال الله تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (الأنبياء٨٢ )

 وقال تعالى: ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ﴿٣٧﴾‏ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ ﴿٣٨﴾‏ هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴿ ص٣٩﴾‏،

وقال سبحانه : (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ۚ) (سبأ ١٣)

فكان يوجّه الجن بما يعود بالنفع والفائدة على مملكته، فسخّر طائفة منهم للبناء والعمارة بشتى مجالاتها، وطائفة من الجن للغوص في الماء ليُخرجوا اللؤلؤ والمرجان.

 

 إسالة النحاس

احتاج سليمان عليه السلام لمادة يصنع بها السلاح كي يستخدمها في حروبه، فأمدّه الله تعالى بعيْنٍ من النحاس الأصفر يسيل، فيقوم بتشكيله كما يريد، قال الله تعالى: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (سبأ ١٢)

 فهم كلام الحيوانات ومن لا ينطق

 

أخبر سليمان بنعم اللّه عليه فيما وهبه له من الملك التام والتمكين العظيم، حتى إنه سخر له الإنس والجن والطير؛ وكان يعرف لغة الطير والحيوان أيضاً على اختلاف أصنافها،  كان عليه السلام يفهم كلام من لا يتكلم ؛ قال الله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (النمل١٦)

 

أحاديث الرسول عن سيدنا سليمان عليه السلام

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: "إنَّ عفريتًا من الجِنِّ تفلَّت البارحةَ لِيقطعَ عليَّ صلاتي، فأمكنَني اللهُ منه فأخذتْه، فأردتُ أن أربِطَه على ساريةٍ من سواري المسجدِ حتى تنظروا إليه كلُّكم، فذكرتُ دعوةَ أخي سليمانَ (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ( ص٣٥)  فرددتُه خاسئًا".

 

قصص سيدنا سليمان عليه السلام

1-  قصة سيدنا سليمان والنملة

    قال تعالى: {‏ وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٧﴾‏

وجمع لسليمان وجنوده من الجن، والإنس والطير، يعني ركب فيهم في أبهة وعظمة كبيرة، في الإنس وكانوا هم الذين يلونه، والجن وهم بعدهم في المنزلة، والطير ومنزلتها فوق رأسه، فإن كان حر أظلته منه بأجنحتها، وقوله (فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يكف أولهم على آخرهم لئلا يتقدم أحد عن منزلته،

حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٨﴾‏‏ حتى إذا مر سليمان عليه السلام بمن معه من الجيوش والجنود على وادي النمل، رأت النّملة جيش سليمان وخافت على بقيّة النّمل من أن يدهسها الجيش، فصاحت تنبّه النّمل ليدخلوا البيوت، فسمع سليمان ما تقوله النّملة، فتبسّم ضاحكاً.

  حيث ذكرت النّملة أنّ سليمان وجنوده لا يمكن لهم أن يتعمدوا الإيذاء حين قالت أنّهم لن يشعروا بدهسنا، وشكر الله على ما أنعم به عليه وعلى والديه، قال تعالى: { فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿١٩﴾}. ، أي ألهمني أن أشكر نعمتك التي مننت بها علي من تعليمي منطق الطير والحيوان، وعلى والدي بالإسلام لك، والإيمان بك ،روأن أعمل عملاً تحبه وترضاه، وإذا توفيتني فألحقني بالصالحين من عبادك، والرفيق الأعلى من أوليائك.

مع نملة تستسقي:

وقد روى ابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود عليهما السلام يستسقي، فإذا هو بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ولا غنى بنا عن سقياك، وإلا تسقنا تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم.

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: (قرصت نبيا من الأنبياء نملة فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى اللّه إليه، أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبّح؟ فهلا نملة واحدة؟) (أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً).

 

قصة سيدنا سليمان مع الهدهد

أنعم الله تعالى على سليمان -عليه السّلام- بأن سخّر له الطير، ومنها الهدهد الذي تفقّده بيوم من الأيام فلم يجده، فتوعده بالعذاب أو القتل إن لم يكن له عذر بغيابه.، ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) النمل ،

قال ابن عباس:كان الهدهد مهندساً يدل سليمان عليه السلام على الماء، إذا كان بأرض فلاة طلبه فنظر له الماء في تخوم الأرض، فإذا دلهم عليه أمر سليمان عليه السلام الجان فحفروا له ذلك المكان، حتى يستنبط الماء من قراره، فنزل سليمان عليه السلام يوماً بفلاة من الأرض فتفقد الطير ليرى الهدهد فلم يره: َ( فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ)

ولمّا جاء سأله سليمان عن سبب غيابه، فقال: ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ  * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ )

فأخبره أنّه رأى أهل سبأ وملكتهم بلقيس ذات الحكم والملك العظيم يسجدون للشّمس ويعبدونها، فأراد سليمان أن يتيقّن من الخبر فكتب كتاباً يتضمّن الأمر بعبادة الله وحده، وأعطاه للهدهد وأمره أن يُلقيه عليهم ويُراقب ما يفعلون به.: ( اذْهَبْ بِكِتَابِي هَٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ)

تحرّى الهدهد نافذة من قصر الملكة بلقيس وألقى فيها الكتاب، فجمعت القوم واستشارتهم في الأمر، فقالوا لها أنّهم قوم ذو قوّة وبأس شديد، فكان اقتراحها أن تُرسل لسليمان هدية تستطلع فيها الخبر: ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ﴿٢٩﴾‏ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣٠﴾‏ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣١﴾‏ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿٣٢﴾‏ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿٣٣﴾‏ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿٣٤﴾‏ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴿٣٥﴾

فلمّا وصلت الهدية سليمان هدّدها بإرسال جيوشه لها، فقرّرت أن تُذعن لأمره وتذهب إليه.

 أراد سيدنا سليمان أن يحصل على عرش الملكة، فأخبره عفريت من الجن أنّه قادر على أن يأتي به قبل أن يقوم من مقامه، ولكنّ عالم من علماء قومه جاءه به قبل أن يرتدّ إليه طرفه، ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾‏ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾‏ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴿٤٠﴾) فشكر سليمان ربه وأحضر العرش، وأمر الحاشية أن يُغيّروا فيه قليلاً، (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿٤١﴾ فلمّا جاءت ورأته سألها أحدهم: (قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿٤٢﴾‏ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴿٤٣﴾‏

كما اندهشت من قصر سليمان الذي ظنّت أن أرضه نهراً، فلمّا أرادت أن تدخله كشفت عن ساقيها، ( قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ ۗ) أي من زجاج ، يرى ما تحته من الماء، والغرض أن سليمان عليه السلام اتخذ قصراً عظيماً منيفاً من زجاج، لهذه الملكة ليريها عظمة سلطانه، وتمكنه، فلما رأت ما آتاه اللّه وجلالة ما هو فيه، وتبصرت في أمره انقادت لأمر اللّه تعالى وعرفت أنه نبي كريم، وملك عظيم، وأسلمت للّه عزَّ وجلَّ، وقالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (النمل٤٤)  أي  استغفرت عما  سلف من كفرها وشركها وعبادتها وقومها للشمس من دون اللّه وأنها  متابعة لدين سليمان في عبادته للّه وحده لا شريك له، الذي خلق كل شيء فقدره تقديراً.