التسمية :
يُقَالُ لهَا سُورَةُ (التينِ) بِدُونِ الوَاوِ .
ما ورد فيها من الحديث:
عن البراء بن عازب:" سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يَقْرَأُ في العِشَاءِ: والتِّينِ والزَّيْتُونِ فَما سَمِعْتُ أحَدًا أحْسَنَ صَوْتًا أوْ قِرَاءَةً منه. ". (أخرجه الجماعة في كتبهم، اللفظ للبخاري)
التعريف بالسورة :
-سورة مكية .- من المفصل- عدد آياتها ٨ – ترتيبها في المصحف الخامسة والتسعون- نزلت بعد سورة البروج- بدأت بأسلوب القسم: {والتِّينِ والزَّيْتُونِ}، ورد فيها أربع أقسام.
محور مواضيع السورة :
يقسم الله تعالى على تكريمه لجنس الإنسان، و أنه خلقه على أحسن صورة قويم الخلق سليم الفطرة، ثم ترك له أن يختار ا، ثم إن كل سيلقى جزاء عمله.
التفسير:
بدأت السورة بأربعة أقسام، لكل منها له دلالة، قوله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} اختلف المفسرون هاهنا على أقوال كثيرة فقيل: المراد بالتين مسجد دمشق، وقيل:الجبل الذي عندها. وقال القرطبي:هو مسجد أصحاب الكهف
وقيل: المقصود نفس نبات التين ذو المنافع الكثيرة، والتي تجلت حديثا أكثر.
وهو قول التابعي مجاهد: هو تينكم هذا.
{وَالزَّيْتُونِ } قال كعب الأحبار، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم:هو مسجد بيت المقدس.
وقال مجاهد، وعكرمة:هو هذا الزيتون الذي تعصرون.
{وَطُورِ سِينِينَ} قال كعب الأحبار وغير واحد:هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى.
{وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ} يعني:مكة. قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والحسن،ولا خلاف في ذلك.
وقال بعض الأئمة: وهذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار.
فالأول:محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم.
والثاني:طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.
والثالث:مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا ﷺ
قال الإمام السعدي رحمه الله: (َالتِّينِ) هو التين المعروف، وكذلك (الزَّيْتُونَ) أقسم بهاتين الشجرتين، لكثرة منافع شجرهما وثمرهما، ولأن سلطانهما في أرض الشام، محل نبوة عيسى ابن مريم عليه السلام.
{وَطُورِ سِينِينَ} أي: طور سيناء، محل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم.
{وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ} وهي: مكة المكرمة، محل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأقسم تعالى بهذه المواضع المقدسة، التي اختارها وابتعث منها أفضل النبوات وأشرفها.
ولهذا أقسم بالأشرف، ثم الأشرف منه، ثم بالأشرف منهما. فالترتيب في السورة جاء بحسب شرف الرسائل لا بحسب ترتيبها الزمني في النزول. وهذا يفسر لماذا قدم تعالى ذكر نبوة عيسى عليه السلام عن موسى عليهما السلام.
أين يقع جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام:
وقد اختلف الناس في موقع هذا الجبل حيث إنّ هناك جبليين اسمهما الطور، يقع أحدهما في فلسطين والآخر في مصر، وفي كتب التفسير موجود هذا الخلاف بدون حسم أكيد.
وقوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، واختلف على المقصود منها،
القول الأول: أنه أحسن خلقة وذلك باستواء خلقه واستقامته وحسن تصويره واعتدال هيئته، سَويّ الأعضاء حسنها.
ولزم من هذا القول أن يكون المراد بأسفل سافلين ما يكون الإنسان فيه حال تنكيسه في الخلق بعد كبر سنه كما قال تعالى: {وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ } ( يس ٦٨)
وقال بعضهم: { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي:إلى أرذل العمر. رُوي هذا عن ابن عباس، وعكرمة - حتى قال عكرمة:من جمع القرآن لم يُرَدّ إلى أرذل العمر. واختار ذلك ابن جرير. ولو كان هذا هو المراد لما حَسُن استثناء المؤمنين من ذلك؛ لأن الهَرَم قد يصيبُ بعضهم.
ويرد عليه: إن اللغة لا تحتمله فلا يطلق أسفل سافلين على أرذل العمر لا في لغة ولا عرف وإنما أسفل سافلين هو سجين الذي هو مكان الكفار كما أن عليين مكان الأبرار، وجاء هذا مرارا في القرآن والسنة معبرا عنه بعبارة: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } (النساء ١٤٥)، وقال تعالى:{ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } ( المطففين٧)
الثاني: أن هذا القول يرده الاستثناء بعده {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} من وجهين:
الأول: أن التنكيس في الخلق يشمل المؤمنين وغيرهم لأنها طبيعة الحياة، فلا معنى حينها للاستثناء ويصبح الكلام خطأ.
الثاني: انعدام المناسبة بين المقسم عليه وبين القسم، فما مناسبة الحديث عن التنكيس في الخلق بعدها؟ لا يوجد مناسبة.
فمن هنا كان هذا القول غاية في البعد
التفسير الثاني لجواب القسم: أن المراد بأحسن تقويم هو الفطرة واختار هذا القول الطاهر بن عاشور رحمه الله، وأن أسفل سافلين هو تخلي الإنسان عن فطرته وارتكاسه مع هواه حيث ينحدر إلى مستوى أقل من مستوى البهائم كما هو مشاهد، ويتم انحدارة في الآخرة حتى يتخلف في دركات النار.
ويكون المعنى: لقد خلقنا الإنسان ووضعنا فيه نوازع الشر، وخلقناه في أحسن نظام لتقويم ذلك الشر الذي زرعنا فيه بعض نوازعه، بالفطرة السليمة، فمن نكص رددناه إلى النار بسبب انحرافه عن الفطرة وإيثاره الغي على الرشد والكفر على الإيمان.
وهذا القول مناسب للاستثناء الذي بعده، ويناسب الأقسام على نبوات أولي العزم من الرسل الذي جاءوا بالشرائع الثلاثة التي ما زال لها متابعون.
{ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} أي: إلى النار. قاله مجاهد، وغيره. ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيره إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل؛ ولهذا قال: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}
وقوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي:غير مقطوع، بل هو دائم، لذات متوافرة، وأفراح متواترة، ونعم متكاثرة، في أبد لا يزول، ونعيم لا يحول، أكلها دائم وظلها.
ثم قال: {فَمَا يُكَذِّبُكَ} يعني:يا ابن آدم {بَعْدُ بِالدِّينِ} ؟ أي:بالجزاء في المعاد وقد علمت البدأة، وعرفت أن من قدر على البدأة، فهو قادر على الرجعة بطريق الأولى، فأي شيء يحملك على التكذيب بالمعاد وقد عرفت هذا؟
قال ابن أبي حاتم:حدثنا أحمد بن سنان، بسنده عن منصور قال:قلت لمجاهد: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} عنى به النبي ﷺ؟ قال: مَعَاذ الله! عنى به الإنسان. وهكذا قال عكرمة وغيره.
وقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} أي:أما هو أحكم الحاكمين، الذي لا يجور ولا يظلم أحدًا، ومن عَدْله أن يقيم القيامة فينصف المظلوم في الدنيا ممن ظلمه.
أفمن الحكمة أن يخلق الإنسان بهذه القوة، وهذه الكثرة، وهذه الكثافة، وهذا الامتداد التاريخي والجغرافي على الأرض، ثم يخلقون ويتركون فوضى، يذهب الظالم والمظلوم، والمخطي والمصيب، والمؤمن والكافر، والبر والفاجر، وتأكلهم التراب والدود، ولا يبعث، ولا يسأل، ولا يحاسب، ولا يجازى؟ هل يتوافق هذا مع الحكمة؟ لا؛ ولهذا قال: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين.
وقد يكون قوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} يعني: أن يكون الاستفهام في أنه أي: يا رسول الله يا محمد! ما الذي يجعلهم يكذبونك بعد هذا؟! والمعنى متقارب بكل حال.
فى قوله تعالى : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} للتقرير : إذا الجملة الكريمة تحقيق لما ذكر من خلق الإِنسان فى أحسن تقويم ، ثم رده إلى أسفل سافلين .
فكأنه - تعالى - يقول : إن الذى فعل ذلك كله هو أحكم الحاكمين خلقاً وإيجاداً . وصنعاً وتدبيراً ، وقضاء وتقديراً ، فيجب على كل عاقل أن يخلص له العبادة والطاعة وأن يتبع رسوله ﷺ فى كل ما جاء به من عند ربه عز وجل .
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: « فإذا قرأ أحدكم ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ) فأتى على آخرها: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) فليقل:بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين " ( رواه أبي داود والترمذي- ضعيف، وقيل إسناده ضعيف)
آخر تفسير سورة « وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ » ولله الحمد.