Thursday 12 March 2015

شرح احاديث نبوية شريفة - حديث قدسي - أنا أغنى الشركاء عن الشرك

  


عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله : قال الله تبارك وتعالى : ( أناْ أغْنى الشُّرَكاءِ عَنْ الشِّرْكْ ، مَنْ عَمِلْ عَمَلاً أشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْري تَرَكْتُه وشِرْكِهِ ) رواه مسلم
 وفي رواية ابن ماجه ( فأنا منه بريء وهو للذي أشرك )  


معنى الحديث :
 
أنا غني عن أن يشاركني غيري ، فمن عمل عملاً لي ولغيري لم أقبله منه ، بل أتركه لذلك الغير 
 .
الترهيب من الرياء: 

جاءت نصوص الكتاب والسنة بالترهيب من أن يقصد الإنسان بعبادته غير الله ، وعدَّت ذلك من عظائم الذنوب بل من الشرك بالله ، لأنه ضد الإخلاص الذي أمر به المؤمن ، قال سبحانه : { وَمَا أُمِرُ‌وا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ  مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (البينة: 5)، والمرائي في الحقيقة جعل العبادات مطية لتحصيل أغراض نفسه الدنيئة ، واستعمل العبادة فيما لم تشرع لأجله ،وهو الحصول على مكاسب دنيوية ، فاستهانة بمقام الألوهية ، ووضع للأمور في غير مواضعها.
وقد توعد الله صنفاً من الناس يراؤون في صلاتهم بالويل والهلاك فقا :{ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *  الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَ‌اءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون: 4-7) ، وبين سبحانه أن الذي جعل مراءاة الناس بالأعمال من أخص صفات أهل النفاق فقال سبحانه : { وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَ‌اءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُ‌ونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا } (النساء 142) ، وبين النبي في أحاديث كثيرة خطورة الرياء على دين العبد وعاقبة المرائين ، ومنها حديث الباب ، وحديث الثلاثة الذين هم أول من يقضى عليهم يوم القيامة وهم شهيد ، وعالم ، ومنفق ، وغيرها من الأحاديث  
 
تعريف الرياء: 

عرف العلماء الرياء بأنه: " أن يقوم العبد بالعبادة - التي يتقرب بها إلى الله - لا يريد بها وجه الله عز وجل وحده بل يريد بها عرضاً دنيوياً أياً كان هذا العرض " ، وفرقوا بين الرياء والسمعة بأن الرياء هو العمل لرؤية الناس ، وأما السمعة فالعمل لأجل سماعهم ، فالرياء يتعلق بحاسة البصر ، والسمعة بحاسة السمع ، وفي الحديث ( من سمَّع سمَّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به ) رواه البخاري   . 

دواعي الرياء :  
أخبر الرسول أنه يخاف على أمته من الشرك الخفي أكثر مما يخاف عليهم من المسيح الدجال ، فقال : (خرجَ علَينا رسولُ اللَّهِ ونحنُ نتذاكَرُ المسيحَ الدَّجَّالَ، فقالَ: ألا أخبرُكُم بما هوَ أخوَفُ عليكُم عندي منَ المسيحِ الدَّجَّالِ ؟ قالَ: قُلنا: بلَى، فقالَ: الشِّركُ الخفيُّ، أن يقومَ الرَّجلُ يصلِّي، فيزيِّنُ صلاتَهُ، لما يرَى مِن نظرِ رجلٍ)  رواه ابن ماجه بإسناد صحيح ، وما ذاك إلا لأن الداعي إلى الرياء قوي في النفوس ، ومغروس في الفطر وهو ثلاثة أشياء : " حب المحمدة ، وخوف المذمة ، والطمع فيما في أيدي الناس
حكم العمل المراءى به : 

العمل لغير الله على أقسام كما ذكر ذلك الإمام ابن رجب الحنبلي :
 -فإما أن يكون الرياء في أصل العبادة كأن يؤدي الإنسان العبادة بحيث يريد بها غير الله ، أو يريد بها الله عز وجل مع غيره من المخلوقين ، فلا شك في أن العمل يبطل حينئذ ، وصاحبه آثم معرض للعقوبة ، وهو الذي جاءت فيه النصوص الصحيحة الصريحة ومنها حديث الباب .
 -وإما أن لا يكون الرياء في أصل العبادة بل في وصفها كمن يريد بصلاته الله عز وجل ، فيدخل فيها وهو يريد أن يقَصِّر القراءة فيها والركوع والسجود ، فيعرض له خاطر بإطالة الركوع والسجود لما يرى من نظر الناس ورؤيتهم له ، فأصل العمل هنا كان لله ثم طرأت عليه نية الرياء بعد ذلك ، فهذا إن كان خاطراً ودفعه فإنه لا يضره ، وأما إن استرسل معه ، فقد اختلفت السلف هل يحبط به عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ؟ و رجح الإمام أحمد وغيره أن عمله لا يبطل بذلك ، وأنه يجازى بنيته الأولى ، إلا أنه ثوابه على عمله هذا لا يكون تاماً ، بل ينقص بسبب ريائه ، ولا يبعد أن يكون على خطر عظيم .
-وأما إذا عمل العمل لله خالصاً، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين ، ففرح بذلك واستبشر ، فإن ذلك لا يضره ، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي   أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير ، ويحمده الناس عليه؟ فقال: "  تلك عاجل بشرى المؤمن "  رواه مسلم

ترك العمل خوف الرياء: 

وقد يعالج البعض الخطأ فيقع في خطأ مثله أو أشد منه ، فإذا أراد أن يقوم بطاعة أو أي عمل من أعمال الخير وعرض له عارض الرياء ، خشي من هذا الخاطر ، فيترك العمل خوف الرياء ، وهذا في الحقيقة هرب من شر ليقع فيما هو مثله أو أشد ، وقد نبه العلماء على هذا المزلق الخطير وحذروا منه فقال الفضيل بن عياض: " ترك العمل من أجل الناس رياء والعمل من أجل الناس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما " .
علاج الرياء
الاستعانة بالله والتعوذ الدائم به وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله   ذات يوم فقال : (يا أيُّها النَّاسُ اتَّقوا هذا الشِّركَ ، فإنَّهُ أخفَى من دَبيبِ النَّملِ"  فقالَ لَهُ من شاءَ اللَّهُ أن يقولَ : وكيفَ نتَّقيهِ وَهوَ أخفَى من دبيبِ النَّملِ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : " قولوا اللَّهمَّ إنَّا نعوذُ بِكَ من أن نُشْرِكَ بِكَ شيئًا نعلمُهُ ، ونستَغفرُكَ لما لا نعلمُهُ" صحيح الترغيب  .
- ومن طرق علاج الرياء أن ينظر المرء إلى عواقب الرياء في الدنيا والآخرة ، فيحرص على إخفاء العبادة وإسرارها ما استطاع ، وأن يكون له خبيئة من عمل صالح لا يطلع عليه أحد إلا ربه جل وعلا.

مظاهر الرياء: 

تتنوع صور الرياء ومظاهره على حسب الأعمال والعبادات التي يتقرب بها المرء ، فقد يرائي الإنسان مثلاً بإظهار بعض الأمور التي تدل على مبالغته واجتهاده في العبادة ، فربما راءى بإظهار النحول والاصفرار وذبول الشفتين ليستدل بذلك على الصيام ، وقد يحرص مثلاً على إبراز أثر السجود في جبهته ، وقد يكون الرياء بالنطق واللسان ، فيتعمد إظهار العلم والحفظ وإقامة الحجة عند المجادلة والخصام ليعرف الناس مدى علمه وقوة حجته ، أو يجهر بذكره لله عز وجل ليعرف الناس أنه ذاكر ، وقد يرائي بعمله كأن يطول في الصلاة ، ويزيد في الركوع و السجود إلى غير ذلك مما لا يقع تحت حصر ، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " وأما الشرك فى الإرادات والنيات فذلك البحر الذى لا ساحل له وقل من ينجو منه" .


اللهم إنَّا نعوذ بك أنْ نشركَ بِكَ ما نَعلَم ، ونَسْتَغْفِرُك رَبي مِما لا نَعْلَم



Monday 9 March 2015

تدبر آيات من القرآن العظيم – الحزب 27 سورة الحجر لمسات بيانية وإعجاز علمي ، ورد على المبتدعين



  



 سورة الحجر لمسات بيانية وإعجاز علمي ، ورد على المبتدعين:

سبب تسمية السورة: 

سُميت ‏السورة ‏الكريمة ‏‏" ‏سورة ‏الحجر ‏‏" ‏لأن ‏الله ‏تعالى ‏ذكر ‏ما ‏حدث ‏لقوم ‏صالح ‏وهم ‏قبيلة ‏ثمود ‏وديارهم ‏بالحجر ‏بين ‏المدينة ‏والشام ‏فقد ‏كانوا ‏أشداء ‏ينحتون ‏الجبال ‏ليسكنوها ‏وكأنهم ‏مخلدون ‏في ‏هذه ‏الحياة ‏لا ‏يعتريهم ‏موت ‏ولا ‏فناء ‏فبينما ‏هم ‏آمنون ‏مطمئنون ‏جاءتهم ‏صيحة ‏العذاب ‏في ‏وقت ‏الصباح .
التعريف بالسورة : 
1- سورة مكية ماعدا الآية 87 فمدنية، وهي قوله تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْ‌آنَ الْعَظِيمَ }.
2- من المثاني . وأما المثاني فهي السور التي تلي المئين( أي التي يزيد عدد آياتها عن المئة ) سميت بذلك لأنها ثَنَّتْهَا، أي تأتي بعدها، فهي ثوان بالنسبة للمئين، والمئون أوائل بالنسبة إليها. وقد تطلق المثاني على القرآن كله، وعلى سورة الفاتحة  فيقال عنها أنها: السبع المثاني.
3-عدد آياتها .99 آية .
4- ترتيبها الخامسة عشرة في ترتيب المصحف.
5- نزلت بعد سورة " يوسف " .
6- تبدأ بحروف مقطعة " الر " .
محور مواضيع السورة :
يدور محور السورة حول مصارع الطغاة والمكذبين لرسل الله في شتى الأزمان والعصور ولهذا ابتدأت السورة بالإنذار والتهديد ملفعا بظل من التهويل والوعيد " رُبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُوا لَو كَانُوا مُسْلِمين * ذَرْهُم يَأْكُلوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهمُ الأملُ فسَوفَ يَعلمُون ".
سبب نزول السورة :
1- عن ابن عباس قال : كانت تصلي خلف النبي امرأة حسناء في أخر النساء وكان بعضهم يتقدم إلى الصف الأول لئلا يراها وكان بعضهم يتأخر في الصف الأخر فإذا ركع قال هكذا ونظر من تحت إبطه فنزلت " وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأخِرِينَ " وقال الربيع بن أنس : حَرَّضَ رسول الله على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا نبيع دورنا ونشتري دورا قريبة للمسجد فأنزل الله تعالى هذه الآية .

فوائد من السورة :
أولا : في القراءة
في قوله تعالى :( رُبَما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا لَو كانوا مُسلِمينَنَ )
يلاحظ هذا هو الموضع الوحيد في القرآن الذي وردت فيه هذه الكلمة  ( رُبَما ) الباء غير المشددة ، فكذلك تقرأ برواية حفص بدون تشديد ، وقد يغلب علينا أن نشددها ، فنقرأها ( ربَّما ) وليست هي كذلك هنا، ولكن لكثرة استخدام هذه الكلمة بتشديد الباء ، وهي في هذا الموضع وهو الوحيد في القرآن لم تشدد، فيجب الإنتباه.
وهنا أنقل لكم من موقع الدكتور فاضل السامرائي عن اللمسة البيانية في قوله تعالى:  (ربَمَا يودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين) بتخفيف الباء في كلمة (ربما)، وعن دلالة استخدام ربما في هذا الموقف، وهل ( ربما ) تستخدم أنها للشك؟  يقول الدكتور فاضل السامرائى:
أولاً رُبّ ليست للشك وإنما هي للتقليل أو التكثير وهذا مقرر في علم النحو واللغة، النحاة يذكرون هذا الأمر ابتداء من سيبويه الذي يقول هي للتكثير وكثير من النحويين يقول هي للتكثير، هم اختلفوا بين التكثير والتقليل وليس في مسألة الشك لا أحد يقول هي للشك ولكن يقولون هي للتكثير أو التقليل وفي الحديث ( ربَّ كاسيةٍ في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة)، رب أخ لم تلده أمك، قيل أنها للتقليل (ألا رب مولود وليس له أب)،  وقيل هي بحسب السياق وهو أرجح الأقوال السياق هو الذي يقضي بها مثل (قد) التي تدخل على المضارع قد تكون للتقليل (قد يصدق الكذوب) أو التكثير { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء } (144 البقرة) للتكثير، { قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ } (64 النور) تكثير.
يبقى أن فيها قراءتان متواترتان (ربَما) بتخفيف الباء ، و(ربَّما)، والمشددة فيها تأكيد أشد للمطلوب من المخففة، التشديد آكد (ربَّ) آكد من (رُبَ) ،  ومثل نون التوكيد الثقيلة والخفيفة (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ (32) يوسف) فهي أرادت له  السجن فأكّدت على السجن ،وخففت في الثانية لانها لم ترد له الذل.
 رَّبما آكد من ربَما فكيف يفهم معناها في الآية؟ قيل هذا في الدنيا عندما يرى الكفرة الغلبة للمسلمين والغنائم التي يحصلون عليها يتمنون أن لو كانوا مسلمين ، وهذا التمني لا يكون متساويا عند كل الناس ،فقسم منهم رغبته فيها شديدة ، تأتي (ربَّما) فيناسبها التشديد، وقسم رغبته أقل (ربَما) فالقراءتان تشمل كل الراغبين في الدنيا من له رغبة شديدة ومن له رغبة قليلة،  القراءتان تشملهم كلهم.
وقسم قال هي في الآخرة عندما يُعطى المسلمون الأجور العظيمة فيتمنى الكافرون لو كانوا مسلمين وهنا تأكيد على تمنيهم لأنهم رأوا أجر المسلمين. تكون (ربَّما).
 ولكن القراءة المعتمدة عندنا (ربَما) مخففة،  ولا تعارض بين القراءتين. وهذان الإحتمالان التمني القليل والتمني الكثير لا يمكن أن يُعبّر عنهما إلا باستخدام القراءتين التين وردتا في الآية (ربّما المشددة) و(ربما المخففة) فشمل كل الإحتمالات في جميع المواقف في الدنيا وفي الآخرة. 

ثانيا: في قوله تعالى:  { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُ‌جُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَ‌تْ أَبْصَارُ‌نَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُ‌ونَ}  ( الحجر 14 -15)
فيه ثلاث أعجازات علمية ، أنقلها عن موقع الدكتور زغلول النجار :  

1ـ : في كون السماء لها أبواب : 

 قوله عز وجل { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ}، قال الدكتور النجار:
( ...فقد اثبتت الدراسات الحديثه  أن السماء بناءً محكماً،‏ تملؤه الماده والطاقه‏، ولايمكن اختراقه إلا عن طريق أبواب تفتح فيه‏، وهو ماأكده القران الكريم قبل ألف وأربعمائه سنه في أكثر من آيه صريحه‏,‏ ومنها الآيه الكريمه التي نحن بصددها:{ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ..} وهي شهاده صدق علي أن القران الكريم هو كلام الله الخالق‏,‏ الذي أبدع هذا الكون بعلمه وحكمته وقدرته‏,‏ وأنزل القران الكريم بعلمه الحق‏.
   
2ـ في معنى العروج : 

 قوله عز وجل ( لظلوا فيه يعرجون )  قال د. النجار :
".. ويتضح من وصف الحركه في السماء بالعروج ‏:‏ { فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُ‌جُونَ } والعروج : لغه هو سير الجسم في خط منعطف منحن‏,‏ فقد ثبت علميا أن حركه الأجسام في الكون لايمكن أن تكون في خطوط مستقيمه‏، بل لابد لها من الإنحناء نظرا لانتشار الماده والطاقه في كل الكون‏,‏ وتأثير كل من جاذبيه الماده‏(‏ باشكالها المختلفه‏)‏ والمجالات المغناطيسيه للطاقه‏(‏ بتعدد صورها‏)،‏ علي حركه الاجسام في الكون‏,‏ فاي جسم مادي مهما عظمت كتلته او تضاءلت لايمكنه التحرك في الكون إلا في خطوط منحنيه وحتي الاشعه الكونيه "أهـ 

3ـ في حال من يرتفع في السماء فوق الغلاف الغازي للأرض:

 قال الحق‏ تبارك وتعالي:‏{ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَ‌تْ أَبْصَارُ‌نَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُ‌ونَ}
ومعني سكرت أبصارنا: أي  أغلقت عيوننا وسدت‏,‏ أو غشيت وغطيت لتمنع من الإبصار‏,‏ وحينئذ لا يري الانسان إلا الظلام‏,‏ ويعجب الإنسان لهذا التشبيه القراني المعجز الذي يمثل حقيقه كونيه لم يعرفها الانسان إلا بعد نجاحه في رياده الفضاء منذ مطلع الستينيات من القرن العشرين حين فوجيء بحقيقه ان الكون يغشاه الظلام الدامس في غالبيه أجزائه‏,‏ وإن حزام النهار في نصف الكره الارضيه المواجه للشمس لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر‏,‏ وإذا ارتفع الإنسان فوق ذلك فانه يري الشمس قرصا أزرق في صفحه سوداء حالكه السواد‏,‏ لا يقطع حلوكه سوادها الا بعض البقع الباهته الضوء في مواقع للنجوم‏. " أهـ
ثالثا : وفي تزيين إبليس المعصية لبني آدم : 

قال تعالى حاكيا عن إبليس لعنه الله :{  قَالَ رَ‌بِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *  إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ( 39-40)
أليست هذه الآية تكرهك بالمعصية مهما كانت لذيذة ، ولو أضطررت إليها ؟؟؟ سبحان الله ، يعمل ابن آدم العمل معصية لربه فيغضبه ، وطاعة لإبليس الذي يزينها له ويرغبه فيها ، حتى يعملها ، فينتفخ إبليس فرحا أن شفى غليله من ابن آدم الذي كرمه ربه عليه ،  يفرح أن قدر عليه فأغراه بالمعاصي فيحشر معه في جهنم والعياذ بالله .إلا عباد الله الذاكرين المخلصين العبادة له ، فاستخلصهم سبحانه من بين الخلق لعبادته . نسأل الله تعالى أن نكون منهم .

رابعا: في وصف جهنم أعاذنا الله منها:

 قال عز من قائل : { وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}( 43-44)
هذا مصير إبليس ومن تبعه ، جهنم وبئس المصير ، وهي كما وصفها لها سبعة أبواب ، وأبواب جهنم بعضها  تحت بعض ، فهي دركات ، وهي الدرجات إلى الأسفل  وهي منازل ، كما جاء في حديث النبي قال : " إن مِنهم من تأخُذُه النَّارُ إلى كعبيهِ . ومنهم من تأخُذُه النَّارُ إلى رُكبتيهِ . ومنهم من تأخذُه النَّارُ إلى حُجزَتِه . ومنهم من تأخذُه النَّارُ إلى تَرقُوَتِه . وفي روايةٍ : بِهذا الإسنادِ . وجعَل مكانَ حُجزَتِهِ - حِقوَيهِ بأعمالهم " ( صحيح مسلم)
 
خامسا : في وصف الجنّة وأهلها جعلنا الله منهم : 

 قال تعالى: { إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*  ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ* وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِ‌هِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُ‌رٍ‌ مُّتَقَابِلِينَ } ( 43-45)
وذلك أن أهل الجنّة بعد ان توزن عليهم أعمالهم ، وتثقل حسناتهم سيئاتهم ، ثم لا يدخلون الجنة حتى ينزع ما في صدورهم من غل عن أبي أمامة قال:( لا يدخل الجنة مؤمن حتى ينزع اللهُ ما في صدره من غل حتى ينزع منه مثل السبع الضاري) وهذا موافق لما في الصحيح أن رسول الله قال : " يخلُصُ المؤمنون من النَّارِ ، فيُحبَسون على قنطرةٍ بين الجنَّةِ والنَّارِ ، فيقتصُّ لبعضِهم من بعضٍ مظالمَ كانت بينهم في الدُّنيا ، حتَّى إذا هُذِّبوا ونُقُّوا أُذِن لهم في دخولِ الجنَّةِ ، فوالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه ، لأحدُهم أهدَى بمنزلِه في الجنَّةِ منه بمنزلِه كان في الدُّنيا"( صحيح البخاري )، وقال ابن جرير: دخل عمران بن طلحة على عليّ رضي اللهُ عنه بعد ما فرغ من أصحاب الجمل فرحب به وقال: إني لأرجو أن يجعلني اللهُ وإياك من الذين قال اللهُ فيهم: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِ‌هِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُ‌رٍ‌ مُّتَقَابِلِينَ }

سادسا: قسم الباري عز وجل بـ ( عُمُرِ) حبيبه وخليله وصفيه محمد ﷺ:

قال سبحانه : (  لَعَمْرُ‌كَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَ‌تِهِمْ يَعْمَهُونَ } ( 73)
أقسم سبحانه وتعالى بعمر النبي الكريم محمد مرة واحدة في القرآن هي في هذه السورة،  ولله أن يقسم بما شاء من خلقه ، وما أقسم بأحد من النبين من قبله ، ولا غيرهم ، وفي هذا تشريف عظيم له ، ومقام رفيع وجاه عريض ، وقد جاء عن ابن عباس قوله : ما خلق الله وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من محمد،  وما سمعت الله أقسم بحياة أحد غيره .
وقسمه سبحانه بـعمر النبي كان حينما عرض قصة لوط مع قومه: { قالَ هوَلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلين*لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون* فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِين}

تفسير الآيات:
أخبر سبحانه في هذه السورة أنّ الملائكة لمّا خرجوا من عند إبراهيم أتوا لوطاً يبشرونه بهلاك قومه، ولمّا حلّوا ضيوفاً عند لوط فرح الفجّار بورودهم، فقال لهم لوط مشيراً إلى بناته { انّ هوَلاء بناتي } "فتزوجوهنّ إن كنتم فاعلين وكانت لكم رغبة في التزويج، ولكن قوم لوط أعرضوا عمّا اقترح عليهم نبيّهم لوط وكانوا مصرّين على الفجور بهم، غافلين عن أنّ العذاب سيصيبهم والله سبحانه يحلف بحياة النبي ، ويقول: { لعَمركَ انَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون } فلا يبصرون طريق الرشد { فَأَخذتهُم الصَّيحة}  أي الصوت الهائل { مشرقين} أي في وقت شروق الشمس. 

المقسم به
المقسم به هو عبارة عن العمر، أعني في قوله: { لعَمركَ } يقول الراغب الأصفهاني : العَمر والعُمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة، فإذا قيل طال عُمره؛  فمعناه عمارة بدنه في روحه، إلى أن قال: والعَمر والعُمر واحد لكن خصَّ القسم بالعَمْر دون العُمر، كقوله سبحانه: { لَعَمْرُكَ انَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون}.
وأما العُمُر فقد وردت في مواقف منها في قوله سبحانه:{ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ‌} ( الأنبياء 44) ، وقوله : { وَلَـٰكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُ‌ونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ‌ } ( القصص 45 )، وفي آية أُخرى: { وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِ‌كَ سِنِينَ } ( الشعراء 18) فاللفظان بمعنى واحد لكن يختص القسم بواحد منهما.

المقسم عليه؛ جواب القسم :
هو قوله: { انَّهُمْ لَفي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون} ، والمراد أقسم بحياتك وبقائك يا محمد، انّهم لفي سكرتهم وانغمارهم في الفحشاء والمنكر متحيرين لا يبصرون طريق الرشد.
وأمّا الصلة بين المقسم به والمقسم عليه.
أما وجه الصلة أنّه سبحانه بعث الاَنبياء عامة، والنبي الخاتم خاصة لهداية الناس وإنقاذهم من الضلالة وإيقاظهم من السكرة التي تعمُّ الناس، وبما أنّ القوم كانوا في سكرتهم يعمهون وفي ضلالتهم مستمرون، حلف سبحانه تبارك وتعالى بعمر النبي الذي هو مصباح الهداية والدليل إلى الصراط المستقيم.

سابعا: أمره سبحانه وتعالى نبية أن يطيل السجود علاجا لضيق صدره من تعند الكفار عليه:

  قوله عز وجل : { فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَ‌بِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَ‌بَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } ( 99 )
فيه أمر لرسوله الكريم – وتعليم لأمته من بعده – أن بشتغل بذكره وتسبيحه وعبادته التي هي الصلاة – لقوله تعالى: {.. وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}  إذا دهمه أمر حز به ، أو غم أشغله وأهمه .
وذلك كما جاء عَن رسولِ اللهِ فيما يرويه عن اللهِ تباركَ وتعالى أنهُ قالَ : " يا ابنَ آدمَ لا تُعجِزني من أربعُ رَكْعاتٍ من أوَّلِ النَّهارِ أكفِكَ آخرَهُ" ( صحيح الجامع – صحيح)
ولهذا كان رسول الله إذا حزبه به أمر فزع إلى الصلاة .
وقوله { حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }  أي الموت ، ويفسره قوله تعالى عن أهل النار في سورة المدثر:{ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ‌*  قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ  * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ } ( المدثر 42-47)
وفي هذا أمر بالمداومة على العبادة والصلاة ما دام عقله ثابتا حتى الموت .
ويستدل بهذه الآية بعض الملاحدة وأهل البدع بأن اليقين المعني هنا هو تمام المعرفة ، فمتى وصل إلى تمام المعرفة كما يدعون  سقط عنه التكاليف كلها، وقد يرى عليه أفعال أهل الفسق والفجور ، فلا يجوز الإعتراض عليه ورميه بالسوء لأنه قد سقط عنه التكليف كما يدعون. وهذا كفر وضلال وجهل ، فإن حال رسول الله والأنبياء كلهم من قبله عبادة ربهم والإجتهاد فيها إلى حين وفاتهم.

لله الحمد والمنة
نسأله تعالى يتوفانا على أكمل أحوالنا وأحسنها قائمين على عبادته، راكعين ساجدين ، ويلحقنا بالصالحين