Monday 16 November 2020

الفقه الإسلامي الميسر - الطهارة 1 مقدمة وتعريف

 


الفقه الإسلامي الميسر

كتاب: الطهارة

معنى الطهارة:

الطهارة لغة:هي النظافة وهي التخلص من الأدناس والأنجاس الظاهرة والباطنة ، فالنظافة لها مظهرين: نظافة( معنوية ) الباطن ،هي نظافة القلب والعقل من عيوب الإعتقاد من شرك والشبهات ومن العيوب الخُلُقية  مثل الحقد والحسد ، فيقال : تطهر من الحسد: أي تخلص منه.

 ونظافة حسية (الظاهر) وهي نظافة الجسد ،وكل ما حوله من الحسيات مثل الملابس والمكان، لأن الله تعالى يحب التوابين ( الباطن )ويحب المتطهرين ( الظاهر ) .

والطهارة شرعاً: فعل ما تستباح به الصلاة – أو ما في حكمها- كالوضوء لمن كان غير متوضئ، والغسل لمن وجب عليه الغسل، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمكان.

وذلك للوقوف بين يدي الله طاهراً نظيفاَ، لأن الإنسان في صلاته يخاطب ربه ويناجيه، فهو فأولى له أن يكون طاهر الظاهر والباطن نظيف القلب والجسم، لأن الله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين.

 

عناية الإسلام بالنظافة والطهارة:

لقد اعتنى الإسلام بالطهارة والنظافة عناية تامة، ويظهر ذلك مما يلي:

1- أنه جعل الطهارة نصف الإيمان، فقالﷺ : " الطُّهور شَطْرُ الإيمان" [أخرجه مسلم ].

2- أنه أمر بالوضوء لأجل الصلاة كل يوم عدة مرات. قال الله تعالى:

(  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) [ المائدة:6]

3- أنّه حضُّ على الغسل في كثير من المناسبات، قال تعالى:  وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ [ المائدة:6] ، وقال رسول الله ﷺ :" لِلهِ عَلَى كلَّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فيِ كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامِ يَوْماً يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسِهُ وَجَسَدَهُ" [رواه البخاري ، ومسلم].

4- أنّه أمر بقص الأظافر، ونظافة الأسنان، وطهارة الثياب، قال رسول الله ﷺ:  "خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ : الْخِتان، والاسْتِحْدَاد، َوَنْتفُ الإِبط، وَتَقْليمُ الأْظافِر، وَقَصُّ الشَّاربِ"   [رواه البخاري ، ومسلم] .

 وقال  : " لّوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّواكِ عِنْدَ كلِّ صَلاَةٍ" [ رواه البخاري، ومسلم ] . وفي رواية عند أحمد: "مع كل وضوء".

[ الاستحداد: هو استعمال الموسى في حلق العانة].

وقال تعالى: " وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ " [المدثر:4].        

 وقال النبي ﷺ لأصحابه:

" إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحوا رِحَالَكُمْ، وَاَصْلِحُوا لباسَكم، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس، فإن اللهَ لا يحبّ الفُحْشَ وَلا َالتَّفَحُّشَ"  (رواه أبو داود وإسناده حسن، أو ضعيف)       

وقال تعالى:" إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ" [ البقرة:222]  

المياه التي يُطهر بها:

المياه: جمع ماء، وهي ماء السماء، وماء البحر، وماء البئر، وماء النهر، وماء العين، وماء الثلج.

وهذو المياه هي اما    ما نزل من السماء ، أو نبع من الأرض، ودليل كل منها :

قال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً [ الفرقان :48]، وقال تعالى:( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ)  [ الأنفال11].

 وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول اللهﷺفقال: يَا رَسولَ اللهِ، إنَّا نَرْكَبُ البَحْرَ، وَنَحمِلُ مَعَنا القَليلَ مِنَ المَاءِ، فَإنْ تَوَضَّأْنا بهِ عَطِشْنَا، أَفَتَوَضَّأُ بِماءِ البَحْرِ؟ فقال رسول الله: " هُوَ الطَّهُورُ ماُؤهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ" (رواه الخمسة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح)، أي ماء البحر طهور (طاهر بذاته، مطهر لغيره ) (الحل ميتته: أي يؤكل ما مات فيه من سمك ونحوه بدون ذبح شرعي).

وفي الحديث عند الترمذي :عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بالَ رجل أعرابي فِي المسجدِ، فأسرعَ إليه الناسُ، فقال النبي : أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ، أوْ دلْوًا مِنْ ماءٍ." ( حسن صحيح)

وفي دعاء الإستفتاح للنبيﷺ :

" اللهم بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كما بَاعَدْتَ بين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللهم نَقِّنِي من الْخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ من الدَّنَسِ اللهم اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ "

[البخاري ] وفيه أن الماء من الثلج والبرد أيضا طهور .

ما يطهر النجاسة:

في ما يطهر النجاسة أقوال: أولها : أن الماء الطهور فقط هو الذي يطهر النجاسات: وهو ما يؤخذ من أحاديث النبي، ففي حديث بول الأعرابي: قال :" أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا ( دلوا) مِنْ ماءٍ ) وهذا لطهارة الأرض.

وفي الدعاء قال، اللهم اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ ، وهذا في طهارة البدن والباطن من الخطايا.

والجمهور على أن النجاسة على الأرض لا تطهر بالشمس والريح، خلافا للحنفية الذين قالوا بطهارة الأرض بالجفاف بالشمس والريح والنار، وخصوا ذلك بالأرض وما كان ثابتا فيها، ولكن قالوا تطهر للصلاة عليها وليس للتيمم، بخلاف غير الأرض كالثوب، فإنه لا يطهر بذلك.

قال النووي رحمه الله : "وأما الثوب النجس ، ببول ونحوه إذا زال أثر النجاسة منه بالشمس ، فالمذهب القطع بأنه لا يطهر، وبه قطع العراقيون .

ونقل إمام الحرمين عن الأصحاب أنهم فصلوا بين الجفاف بالظل أنه لا يطهر، لأنه إذا صب عليه الماء بعده يظهر أثر النجاسة من رائحة ولون. والجفاف بالشمس والريح يطهر ، لأنه يذهب أثر النجاسة.

فالمعتبر: انقلاع الآثار الدالة على النجاسة على طول الزمان ، بلا خلاف، وكذا القول في الثياب"

وعلم من هذا أن الجفاف وحده لا يكفي ، بل لابد من زوال أثر النجاسة .

وحديثا اجتهاد العلماء على أن تطهير النجاسة باستعمال المركبات الكيميائية التي تنظف بها الثياب هذه الأيام  يطهر إذا زال أثر النجاسة منها.

علما بأن :النجاسة اليابسة على الثوب مثلا، لا تنتقل إلى من لمسها مع جفاف يده، ولا يعني هذا طهارة الثوب، إما إذا لمسها بيد مبللة ولم يكن زال أثرها بالجفاف فقط فإن يده تنجس.

وعليه نقول:

1-النجاسة يزول حكمها بزوالها وزوال أثرها.

2-النجاسة على الثوب لا تطهر بالجفاف؛ لأنها لا تزول به، بل لا بد من زوال أثر النجاسة ، للحكم بالطهارة .

3-النجاسة لا تنتقل بين جافين، لكن عدم انتقالها من الثوب مثلا إلى شيء آخر، لا يعني زوالها من الثوب وطهارته.  والله أعلم.