التعريف بالسورة :
1- سورة مكية .من المفصل – في الجزء (30) ـ الحزب ( 60) -عدد آياتها 15 - ترتيبها بالمصحف الحادية والتسعون- نزلت بعد سورة القدر .
بدأت باسلوب قسم {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا} وفيها 11 قسم أو 12 كما سيأتي تفصيله.
مضمون السورة
تناولت السورة موضوعين اثنين هما :
1- موضوع النفس الإنسانية وما جبلها الله تعالى عليه من خير وشر وهدى وضلال
2- موضوع الطغيان ممثلا في ( ثمود ) الذين عقروا الناقة فأهلكهم الله .
1- ابتدأت بالقسم بمخلوقات الله على نجاح الإنسان إن أطاع الله وعلى هلاكه إن عصاه ، من قوله تعالى: {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا ﴿١﴾ وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا} إلى قوله تعالى : (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا {10}
2- ذكرت قصة ثمود قوم صالح الذين كذبوا وبغوا وعقروا الناقة حتى أهلكهم الله وباتوا عبرة لمن يعتبر قال تعالى: ( كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا {11} إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا {12} ) إلى قوله تعالى : (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا {14})
3- ختمت ببيان أن الله تعالى لا يخاف عاقبة إهلاكهم، قال تعالى : {وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا}.
تفسير السورة:
وقد تقدم حديث جابر الذي في الصحيحين:أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ:هلا صليت بـ ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى ) ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ) ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ) ؟
قوله تعالى: { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا ﴿١﴾ وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ﴿٢﴾ وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ﴿٣﴾ وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰهَا ﴿٤﴾ وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ﴿٥﴾ وَٱلْأَرْضِ وَمَا طَحَىٰهَا ﴿٦﴾ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّىٰهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا ﴿٨﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ﴿١٠﴾}
قال مجاهد: {وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا} أي:وضوئها. وقال قتادة: {وَضُحَاهَا} النهار كله.
قال ابن جرير:والصواب أن يقال: أقسم الله بالشمس ونهارها؛ لأن ضوء الشمس الظاهر هو النهار .
وعظمة الشمس التي أقسم الله تعالى بها لا تخفى على بشر؛ فهي تقع على مسافة متوسطة عن الأرض تبلغ 150 مليون كيلومتراً، أي أنها بعيدة جداً لدرجة أن الضوء الشمسي يستغرق ثمانية دقائق للوصول للأرض كونه يسافر بسرعة 300.000 كيلومتراً في الثانية، وبما أن الأرض ذات مدار بيضاوي الشكل فإنها لا تدور حول الشمس في دائرة كاملة ومع وجود الشمس بعيداً عن مركز المدار فهذا يعني أن المسافة بين الأرض والشمس تتغير خلال العام، وأقرب هذه المسافات هي 147.1 مليون كيلومتراً، بينما أبعد هذه المسافات هي 152.1 مليون كيلومتراً، وتعتبر الأرض هي الأقرب إلى الشمس خلال فصل الشتاء في نصف الكرة الشمالي.
{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} قال مجاهد: تبعها. وقال العوفي، عن ابن عباس: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} قال:يتلو النهار. وقال قتادة: {إِذَا تَلاهَا} ليلة الهلال، إذا سقطت الشمس رؤي الهلال.
وقال ابن زيد: هو يتلوها في النصف الأول من الشهر، ثم هي تتلوه. وهو يتقدمها في النصف الأخير من الشهر. وعن زيد بن أسلم:إذا تلاها ليلة القدر.
وقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} قال مجاهد: أضاء. وقال قتادة: {وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا} إذا غشيها النهار.
قال ابن جرير:وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظلمة، لدلالة الكلام عليها.
والأولى: معنى {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} أي: البسيطة، ظهر كل ما على الأرض، ولصح [ تأويله في ] قول الله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} أيضا يغشى الأرض، فكان أجود وأقوى، والله أعلم.
وقال مجاهد: {وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا} إنه كقوله: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} (الليل2 ) .
وأما ابن جرير فاختار عود الضمير في ذلك كله على الشمس، لجريان ذكرها.
قال القرطبي: أي كشفها. فقال قوم : جلى الظلمة؛ وإن لم يجر لها ذكر؛ كما تقول : أضحت باردة، تريد أضحت غداتنا باردة. وهذا قول الفراء والكلبي وغيرهما. وقال قوم : الضمير في {جلّاها} للشمس؛ والمعنى : أنه يبين بضوئه جرمها. ومنه قول قيس بن الخطيم :
تجلت لنا كالشمس تحت غمامة ** بدا حاجب منها وضنت بحاجب
وقيل : جلى ما في الأرض من حيوانها حتى ظهر، لاستتاره ليلا وانتشاره نهارا. وقيل : جلى الدنيا. وقيل : جلى الأرض؛ وإن لم يجر لها ذكر.
وقالوا في قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا} يعني:إذا يغشى الشمس حين تغيب، فتظلم الآفاق.
وقال بَقِيَّة بن الوليد، عن صفوان، حدثني يزيد بن ذي حمامة قال:إذا جاء الليل قال الرب جل جلاله:غشي عبادي خلقي العظيم، فالليل يُهابه، والذي خلقه أحق أن يهاب. رواه ابن أبي حاتم.
وقوله: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا} يحتمل أن تكون «ما» هاهنا مصدرية، بمعنى:والسماء وبنائها. وهو قول قتادة، ويحتمل أن تكون بمعنى «مَن» يعني: والسماء وبانيها. وهو قول مجاهد، وكلاهما متلازم، والبناء هو الرفع، كقوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} أي:بقوة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ* وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} (الذاريات 47، 48) .
وهكذا قوله: {وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا} قال مجاهد: {طَحَاهَا} دحاها. وقال العوفي، عن ابن عباس: {وَمَا طَحَاهَا} أي:خلق فيها.وعن ابن عباس: {طَحَاهَا} قسمها.
وقال مجاهد، وقتادة والضحاك، والسُّدِّي، والثوري، وأبو صالح، وابن زيد: {طَحَاهَا} بسطها.
وهذا أشهر الأقوال، وعليه الأكثر من المفسرين، وهو المعروف عند أهل اللغة، قال الجوهري: طحوته مثل دحوته، أي: بسطته.
الفرق بين دحاها، وطحاها:
دحى الأرض أي:وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، كما قال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْأَرْضَ فِى يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴿٩﴾ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِىَ مِن فَوْقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَٰتَهَا فِىٓ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴿١٠﴾ ( فصلت )
وَٱلْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَىٰهَآ ﴿٣٠﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَىٰهَا ﴿٣١﴾ النازعات
طحاها: جعلها بشكلها البيضاوي الذي هي عليه ، طحا اللهُ الأرضَ :مدَّها وبسطها ( المعجم الجامع)
طحا بالكرة: رمَى بها
طحا بك الهوى/ طحا بك الهمّ: ذهب بك إلى حيثُ لا ترغب
طَحَا طَحَا طَحْوًا: بَعُد، الطَّحَا : المنبسطُ من الأَرض
فوائد من ترتيب الأقسام في السورة:
يدل التريب أولا على قدرة الله تعالى في الكون
- يُشير القسم في بداية سورة الشمس إلى مظاهر قدرة الله تعالى في الكون حيث أنه أبدع الخلق وسيّره وفقًا لتدبيره، وفي ذلك القسم دليل على أنه لا يعجزه شيئًا.
أقسم الله بالشمس حيث أنها أم المجموعة الشمسية وهي النجم المُسيطر على تسعة-أحد عشر- كواكبا والكثير من الكويكبات التي لا يمكن حصرها، وتتميز الشمس بشدة ضوئها في النهار، واختص الله تعالى وقت الضحى حيث يمكن للإنسان أن ينعم بسطوع الشمس في ذلك الوقت دون أن يتأذى من حرارتها.
- يتلو الشمس في الوضوح القمر، حيث يتجلى ضوئه بعد مغيب الشمس، وهذه الحركة الكونية مثيرة للتساؤل عن نظام هذا الكون الفسيح الذي لا يمكن أن يختل إلا أن يشاء الله.
-يضرب الله المثل في التتابع بالنهار والليل، حيث أن النهار يأتي فيجعل الشمس جلية واضحة للعيان، بينما يتبع الليل النهار لكي يُغشي الليل ويُغطيها.
-يأتي القسم الخامس في سورة الشمس بالسماء وما بناها، حيث يسأل الله تعالى الكفار من الذي بنى هذه السماء ليعلموا أنه لا خالق إلا الله، وبالتالي فهو القادر على إعادتهم وبعثهم بعد الموت، وربما يكون المقصود بقوله {وَمَا بَنَىٰهَا} أي انظروا إلى عظمة بنائها وكيفية ارتفاعها بغير عمد.
-تتعدد الآراء في قوله والأرض وما طحاها، حيث يمكن أن يكون المراد وما خلق فيها من أنفسٍ، بالإضافة إلى إمكانية أن يكون المقصود القسم بالأرض المسطحة لكي تسمح بخروج النباتات من الشقوق حتى يسعى الإنسان بحثًا عن الرزق.
وقوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} نكرة في سياق الإثبات تفيد العموم، هنا غير معرفة، لتفيد العموم ، لو كانت معرفة، لعنت نفس مخصصة . أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة، كما قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (الروم 30 )
وقال رسول الله ﷺ: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدانه أو يُنَصِّرانه أو يُمَجِّسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جَمْعَاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ " .أخرجاه من رواية أبي هريرة
وفي صحيح مسلم من رواية عياض بن حمار المجاشعي، عن رسول اللهﷺ قال: " يقول الله عز وجل:إني خلقت عبادي حُنَفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " .
وقوله: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي:فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بين لها ذلك، وهداها إلى ما قدر لها.
قال ابن عباس: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } بين لها الخير والشر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضحاك، والثوري.
وقال سعيد بن جبير:ألهمها الخير والشر. وقال ابن زيد:جعل فيها فجورها وتقواها.
وقال ابن جرير: عن أبي الأسود الدّيلي قال:قال لي عمران بن حصين: أَرَأَيْتَ ما يَعْمَلُ النَّاسُ اليومَ وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى عليهم مِن قَدَرِ ما سَبَقَ؟ أَوْ فِيما يُسْتَقْبَلُونَ به ممَّا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟ فَقُلتُ: بَلْ شيءٌ قُضِيَ عليهم، وَمَضَى عليهم، قالَ فَقالَ: أَفلا يَكونُ ظُلْمًا؟ قالَ: فَفَزِعْتُ مِن ذلكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلتُ: كُلُّ شيءٍ خَلْقُ اللهِ وَمِلْكُ يَدِهِ، فلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، فَقالَ لِي: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إنِّي لَمْ أُرِدْ بما سَأَلْتُكَ إلَّا لأَحْزِرَ عَقْلَكَ، إنَّ رَجُلَيْنِ مِن مُزَيْنَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقالَا: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ ما يَعْمَلُ النَّاسُ اليَومَ، وَيَكْدَحُونَ فِيهِ، أَشيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى فيهم مِن قَدَرٍ قدْ سَبَقَ، أَوْ فِيما يُسْتَقْبَلُونَ به ممَّا أَتَاهُمْ به نَبِيُّهُمْ، وَثَبَتَتِ الحُجَّةُ عليهم؟ فَقالَ: لَا، بَلْ شيءٌ قُضِيَ عليهم وَمَضَى فيهم، وَتَصْدِيقُ ذلكَ في كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَما سَوَّاهَا فألْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}(الشمس 7 – 8). (رواه أحمد ومسلم)
وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } قيل : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} هي جواب الأقسام، وقيل بل: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَىٰهَآ} هي جواب القسم، والأول أولى لقربها
ووقد يحتمل أن يكون المعنى:قد أفلح من زكى نفسه، أي:بطاعة الله - كما قال قتادة- وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل. ويُروَى نحوه عن مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وكقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} الأعلى:14 ، 15 ] .
{وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} أي:دسسها، أي:أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهُدَى، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله عز وجل.
وقد يحتمل أن يكون المعنى:قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دَسَّى الله نفسه، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة، عن ابن عباس.
وقال ابن أبي حاتم: عن ابن عباس قال:سمعت رسول الله ﷺ يقول في قول الله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } قال النبي ﷺ: " أفلحت نفس زكاها الله "ضعيف .
وهذه كقوله تعالى: { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }﴿البلد ١٠﴾
وقال الطبراني: عن ابن عباس قال:كان رسول الله ﷺ إذا مر بهذه الآية: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } وقف، ثم قال: "اللهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها " .
وقال الإمام أحمد: عن عائِشةَ أنَّها فقَدَتِ النَّبيَّ ﷺ مِن مَضجَعِه، فلمَسَتْه بيَدِها، فوقَعَتْ عليه وهو ساجِدٌ وهو يَقولُ: "رَبِّ أعْطِ نَفْسي تَقْواها، زَكِّها أنتَ خَيرُ مَن زَكَّاها، أنتَ وَليُّها ومَوْلاها." (تفرد به، حسن ، وإسناده صحيح)
حديث آخر:قال الإمام أحمد: عن زيد بن أرقم قال: لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا كما كانَ رَسولُ اللهِ ﷺيقولُ: كانَ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا. » . قال زيد:كان رسول الله ﷺ يعلمناهن ونحن نعلمكموهن." (رواه مسلم من حديث أبي معاوية)
قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَىٰهَآ ﴿١١﴾ إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشْقَىٰهَا ﴿١٢﴾ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَٰهَا ﴿١٣﴾ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمْ فَسَوَّىٰهَا ﴿١٤﴾ وَلَا يَخَافُ عُقْبَٰهَا ﴿١٥﴾
يخبر تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي.
وقال محمد بن كعب: ( بِطَغْوَاهَا ) أي:بأجمعها.
والأول أولى، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما. فأعقبهم ذلك تكذيبًا في قلوبهم بما جاءهم به رسولهم من الهدى واليقين.
( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ) أي:أشقى القبيلة، هو قُدَار بن سالف عاقرُ الناقة، وهو أحيمر ثمود، وهو الذي قال تعالى: {فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} ( القمر 29 ). وكان هذا الرجل عزيزًا فيهم، شريفًا في قومه، نسيبًا رئيسًا مطاعًا، كما قال الإمام أحمد:
حدثنا ابن نمير، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زَمْعَةَ قال:خطب رسول الله ﷺ، فذكر الناقة، وذكر الذي عقرها، فقال: "{ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا } انْتَدَبَ لَهَا رَجُلٌ ذُو عِزٍّ ومَنَعَةٍ في قَوْمِهِ كَأَبِي زَمْعَةَ. ".
ورواه البخاري في التفسير، ومسلم في صفة النار، والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم [ من طرق ] عن هشام بن عروة، به .
وقال ابن أبي حاتم: عن عمار بن ياسر قال:قال رسول الله ﷺ لعلي: « ألا أحدثك بأشقى الناس؟» . قال:بلى: قال: « رجلان؛ أحيمر ثمود الذي عَقَر الناقة، والذي يضربك يا عليّ عَلَى هذا - يعني قَرنه- حتى تبتل منه هذه » يعني:لحيته .
وقوله: {فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ} يعني:صالحًا، عليه السلام: {نَاقَةُ اللَّهِ } أي:احذروا ناقة الله أن تمسوها بسوء، { وَسُقْيَاهَا } أي:لا تعتدوا عليها في سقياها، فإن لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم. قال الله: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا} أي:كذبوه فيما جاءهم به فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها الله من الصخرة آية لهم وحجة عليهم، {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ} أي:غضب عليهم، فدمر عليهم، أي أهلكهم وأطبق عليهم العذاب بذنبهم الذي هو الكفر والتكذيب والعقر.
وحقيقة الدمدمة تضعيف العذاب وترديده. ويقال : دممت على الشيء أي أطبقت عليه، ودمم عليه القبر : أطبقه. وناقة مدومة : ألبسها الشحم. فإذا كررت الإطباق قلت : دمدمت. والدمدمة : إهلاك باستئصال؛
وفي الصحاح : ودمدمت الشيء : إذا ألزقته بالأرض وطحطحته. ودمدم الله عليهم : أي أهلكهم.
والدمدمة : الكلام الذي يزعج الرجل. وقال بعض اللغويين : الدمدمة : الإدامة؛ تقول العرب : ناقة مدمدمة أي سمينة. { فسواها} أي سوى عليهم الأرض. وعلى الأول { فسواها} أي فسوى الدمدمة والإهلاك عليهم. وذلك أن الصيحة أهلكتهم جميعا، فأتت على صغيرهم وكبيرهم.
{فَسَوَّاهَا} أي:فجعل العقوبة نازلة عليهم على السواء.
قال قتادة:بلغنا أن أحيمر ثمود لم يعقر الناقة حتى تابعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنوبهم فسواها.
وقوله: {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} وقرئ: (فلا يخاف عقباها)
قال ابن عباس:لا يخاف الله من أحد تبعة.
وقال الضحاك والسدي: ( وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا ) أي:لم يخف الذي عقرها عاقبة ما صنع. والقول الأول أولى؛ لدلالة السياق عليه، ولقرب السبب منه، والله أعلم.
No comments:
Post a Comment