وقفات مع سورة مريم
تبدأ سورة مريم بالأحرف المقطعة ، وهذه
السورة واحدة من اثنتين تبدأ بخمسة من الأحرف المقطعة ( سورة مريم – وسورة الشورى
) ، وتمتاز مريم بأن الأحرف الخمسة كلها مجموعة معا في أية واحدة ، لا تتفرق على
آيتين كما في الشورى .
وفي السورة الكثير من الآيات فيها من
العبر الكثير، ولي هنا وقفات مع بعض العبر في السورة:
الوقفة الأولى: بعض آداب الدعاء التي وردت في دعاء نبي الله زكريا عليه
السلام:
تبدأ السورة بدعاء زكريا عليه السلام ، ومنه كما في القرآن كله
يستخلص آداب الدعاء، أوله :أن يكون الدعاء خفيا:
وصف سبحانة وتعالى حال عبده زكريا إذ
سأل ربه فقال: { إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً
خَفِيًّا} أن يدعو العبد ربه دعاءً خفيا، لأن ذلك أحرى للإخلاص في الدعاء، فإن اللّه
يعلم القلب التقيّ، ويسمع الصوت الخفيّ، قال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام
وقد نام أصحابه، فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب يا رب يا رب، فقال اللّه له:
لبيك لبيك لبيك. وقد نبه الله تعالى
عباده لذلك وحث عليه فقال تعالى { ادْعُوا
رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} ( الأنعام
55) وفي إخفاء الدعاء فوائد
عديدة أورد منها:( من مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية )
أحدها : أنَّه أعظم إيماناً : لأنَّ صاحبَه يعلم أنَّ الله يسمع الدعاء الخفي .
وثانيها : أنَّه أعظم في الأدب والتعظيم لله: لأنَّ الملوك لا تُرفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به .
وثالثها: أنَّه أبلغ في التضرع والخشوع: الذي هو روح الدعاء ولبُّه ومقصوده فإنَّ الخاشعَ الذليلَ إنما يسال مسألةَ مسكينٍ ذليلٍ، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه وخشع صوتُه ؛ حتى إنَّه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أنْ ينكسر لسانُه فلا يطاوعه بالنطق وقلبه يسأل طالباً مبتهلاً. ولسانه لشدة ذلته ساكتاً وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.
ورابعها : أنَّه أبلغ في الإخلاص.
وخامسها: أنَّه أبلغ في جمع القلب على الذلة في الدعاء: فإنَّ رفعَ الصوت يفرقه فكلَّما خفض صوته كان أبلغَ في تجريد همَّته وقصده للمدعو سبحانه.
وسادسها - وهو من النكت البديعة جداً -: أنَّه دالٌّ على قربِ صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ؛ فلمَّا استحضر القلبُ قربَ الله عز وجل، وأنَّه أقرب إليه من كلِّ قريبٍ أخفى دعاءه ما أمكنه.
وقد أشار النَّبيُّ ﷺ إلى المعنى بقوله في الحديث الصحيح : لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال : " أربِعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" ( البخاري)، وقد قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ } [البقرة 186] وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قرباً عامّاً مِن كلِّ أحدٍ فهو قريبٌ من داعيه وقريبٌ من عابديه ، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
أحدها : أنَّه أعظم إيماناً : لأنَّ صاحبَه يعلم أنَّ الله يسمع الدعاء الخفي .
وثانيها : أنَّه أعظم في الأدب والتعظيم لله: لأنَّ الملوك لا تُرفع الأصوات عندهم ومن رفع صوته لديهم مقتوه ولله المثل الأعلى فإذا كان يسمع الدعاء الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت به .
وثالثها: أنَّه أبلغ في التضرع والخشوع: الذي هو روح الدعاء ولبُّه ومقصوده فإنَّ الخاشعَ الذليلَ إنما يسال مسألةَ مسكينٍ ذليلٍ، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه وخشع صوتُه ؛ حتى إنَّه ليكاد تبلغ ذلته وسكينته وضراعته إلى أنْ ينكسر لسانُه فلا يطاوعه بالنطق وقلبه يسأل طالباً مبتهلاً. ولسانه لشدة ذلته ساكتاً وهذه الحال لا تأتي مع رفع الصوت بالدعاء أصلاً.
ورابعها : أنَّه أبلغ في الإخلاص.
وخامسها: أنَّه أبلغ في جمع القلب على الذلة في الدعاء: فإنَّ رفعَ الصوت يفرقه فكلَّما خفض صوته كان أبلغَ في تجريد همَّته وقصده للمدعو سبحانه.
وسادسها - وهو من النكت البديعة جداً -: أنَّه دالٌّ على قربِ صاحبه للقريب لا مسألة نداء البعيد للبعيد ؛ فلمَّا استحضر القلبُ قربَ الله عز وجل، وأنَّه أقرب إليه من كلِّ قريبٍ أخفى دعاءه ما أمكنه.
وقد أشار النَّبيُّ ﷺ إلى المعنى بقوله في الحديث الصحيح : لما رفع الصحابة أصواتهم بالتكبير وهم معه في السفر فقال : " أربِعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنكم تدعون سميعاً قريباً أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته" ( البخاري)، وقد قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ } [البقرة 186] وهذا القرب من الداعي هو قرب خاص ليس قرباً عامّاً مِن كلِّ أحدٍ فهو قريبٌ من داعيه وقريبٌ من عابديه ، وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .
وثاني آداب الدعاء،
وعوامل الإجابة: التذلل لله :
قال نبي الله زكريا في
دعائه ربه: { رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي ْ} أي ضعف العظم وخارت القوى، { وَاشْتَعَلَ
الرَّأْسُ شَيْبًا ْ} أي اضطرم المشيب
في السواد. والمراد من هذا الإخبارُ عن الضعف والكبر، لأن الشيب دليل الضعف والكبر، وهذا زيادة في إظهار التذلل لله تعالى ورد
الحول والقوة له عز وجل.
فتوسل زكريا إلى ربه بضعفه
وعجزه ، وهذا من أحب الوسائل إلى الله، لأنه يدل على التبرىء من الحول والقوة ،
وتتعلق بحول الله وقوته.وفي ما يروى من دعاء رسول الله ﷺ حال رجوعه من الطائف بعد أن رده أهلها ردا سيئا، فقال يدعو ربه : "اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة
حيلتي ، وهواني على الناس..." ( الحديث ضعيف من حيث اسناده ، واحتج به بعض السلف لأن ضعفه ليس
شديد)
وثالثها: حسن الظن
بالله تعالى : قال زكريا عليه
السلام:{ ولم أكن بدعائك رب شقيا } أي لم تشقني من قبل بعدم إجابة دعائي، لم تكن يا رب تردني خائبا ولا محروما من الإجابة، بل لم تزل بي حفيا
ولدعائي مجيبا ، أسعدتني وتسعد خلقك ممن
يدعوك وهو ومحسن الظن بك بأن تستجيب
لهم ، فلم تزل ألطافك تتوالى علي، وإحسانك
واصلا إلي، وهذا توسل إلى الله بإنعامه عليه، وإجابة دعواته السابقة، وحسن الظن
فيه فسأل الذي أحسن سابقا، أن يتمم إحسانه لاحقا
ورابعها: يدعو وهو موقن بإجابة الدعاء: وهو
ما تبينه الآية السابقة، فإن زكريا عليه السلام يناجي ربه وهو موقن بإجابة دعائه
فيقول هذا حالي مع دعائك ربي ، لم تخيب رجائي من قبل، فحري بك ربي أن تجيب الآن،
ومصداقه قول رسول الله ﷺ " القلوب أوعيه،
وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله عز وجل أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون
بالإجابة ، فإن الله لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " ( رواه الإمام أحمد في مسنده، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي)،
أي كونوا على حالة تستحقون معها الإجابة، بحضور السر، وصحة الحال .
وخامسها: إذا سأل العبد ربه شيئا فليسأله الخير فيه:
ويظهر ذلك من قوله عليه السلام عندما
سأل رب الغلام، فقال: { وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا } أي
مرضياً عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه، فطلب من ربه أن يكون
في الولد الخير ، وأن يكون مرضيا صالحا محبا ومحببا للناس بإحسانه إليهم وبخلقه.
ذلك أن الإنسان يسأل الله من خير الدنيا يحسبه خير له \ن وهو شر ، كما قال تعالى : { وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ
لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ } قال ابن كثير في
تفسيره: وهذا عام في الأمور كلها. قد يحب المرء شيئاً وليس له فيه خيرة ولا مصلحة،
وقال الحسن في معنى الآية : لا تكرهوا الملمات الواقعة، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك،
ولرب أم تحبه فيه عطبك، وأقول : وهذا مجرب واضح فينا ، قد نسأل الله تعالى ما نعتقد
أن لنا فيه مصلحة ، ويكون العطب والشر فيه، وخلافه صحيح، والله يعلم وليس لنا من
العلم إلا ما يعلمنا ، فإذا دعوناه نسأله ما نحب ، فلنسأله خير ما طلبنا.
هذه بعض آداب الدعاء التي وردت في
السورة ، وغيرها كثير.
الوقفة الثانية: هل طلب زكريا عليه السلام الولد ليرثه؟ هل يورث الأنبياء؟
سال نبي الله زكريا ربه فقال :{ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ
امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ
مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ
رَبِّ رَضِيًّا }( 5-6)
أراد بالموالي العصبة، ووجه خوفه أنه
خشي أن يتصرف أقرب أقاربه- عصبته- من بعده في الناس تصرفاً سيئاً، فسأل اللّه
ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه، فأجيب في ذلك.
ولا يصح أن يقال خشي زكريا عليه السلام من وراثة
الموالي-أو عصبته- له ماله، فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله
إلى ما هذا حده، وأن يأنف من وراثه عصباته له، ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه
دونهم هذا وجه. الثاني أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب
يديه، ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء، فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
الثالث أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه، أن رسول اللّه ﷺ قال: "لا نورث، ما تركناه صدقة ". وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح: " نحن معشر الأنبياء لا نورث". وعلى هذا فتعين حمل قوله: { فهب لي من لدنك وليا يرثني} على
ميراث النبوة، ولهذا قال: { ويرث من آل يعقوب }
كقوله تعالى: { وورث سليمان داود} أي
في النبوة. إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك، ولما كان في الإخبار
بذلك كبير فائدة، إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث
أباه، فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها، وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث:
"نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما
تركنا فهو صدقة" ( البخاري) قال
مجاهد: كان وراثته علماً وقال الحسن: يرث نبوته وعلمه، وقال السدي: يرث
نبوتي ونبوة آل يعقوب.وهذا هو الأصح .
الوقفة الثالثة: توصيات الله تعالى لأنبيائه، وصفاتهم التي يحبها الله في
الولد الصالح:
يقول الله تعالى عن عبد الله يحيى عليه
السلام { يَا
يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً ۖ وَكَانَ
تَقِيًّا* وَبَرًّا
بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا } يخبر الله تعالى أنه علمه الكتاب وهو التوراة التي كانوا
يتدارسونها بينهم، وقد كان سنه إذ ذاك صغيراً، فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه
وعلى والديه، فقال { يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد، { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } أي الفهم والعلم والجد والعزم، والإقبال على الخير والإكباب عليه
والاجتهاد فيه، وهو صغير حدثت حيث يثبت العلم ويبقى في الذاكرة، ويزيدة السن
والخبرة فهما ، ورسوخا ، قال عبد اللّه بن المبارك، قال الصبيان ليحيى بن زكريا:
اذهب بنا نلعب، فقال: ما لّلعب خلقنا. وقوله: { وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا }، وقال مجاهد: وتعطفاً
من ربه عليه، ومحبة له، وهي معطوفة على: { وَآتَيْنَاهُ
الْحُكْمَ صَبِيًّا }أي وآتيناه الحكم وحناناً، وزكاة أي وجعلناه ذا حنان وزكاة،
فالحنان هو المحبة في شفقة وميل ، وهي من يحيى عليه السلام رحمة لأبويه وغيرهما
وتعطفا وشفقة عليهما وعلى غيرهما.
والزكاة: الطهارة من الدنس والآثام والذنوب، وقيل هي :العمل الصالح
الزكي، { وَكَانَ تَقِيًّا } أي مطيعا
لله تعالى، ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يلم بها، كان فاعلا للمأمور، تاركا للمحظور، ومن
كان مؤمنا تقيا كان لله وليا، وكان من أهل الجنة التي أعدت للمتقين، وحصل له من
الثواب الدنيوي والأخروي، ما رتبه الله على التقوى.
عن ابن عباس، أن رسول اللّه ﷺ قال: " ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، ليس يحيى
بن زكريا، وما ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى"
(أخرجه الإمام أحمد، قال ابن كثير: وفي إسناده ضعف)
وقوله: { وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا
عَصِيًّا } لما ذكر تعالى طاعته
لربه، وأنه خلقه ذا رحمة وزكاة، وتقى، عطف بذكر طاعته لوالديه وبره بهما، ومجانبته
عقوقهما قولاً وفعلاً، أمراً ونهياً.
وفي أول ما تكلم به عيسى عليه السلام:
{ وقَالَ إِنِّي
عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا
كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ
وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } ( 30-33)
وصف نفسه أولا بأنه عبد لله ، ليس بولده ولا شريك له ، تعالى الله عن
الشريك والصاحبة والولد،وأنه كتب في مقادير الكون قبل أن يخلق المخلوقات أنه سيكون
نبيا ، يؤتيه الله الكتاب وهو الإنجيل، وليس أنه أعطاه إياه في الصغر، ثم قال:{ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ْ} أي: في أي مكان، وأي: زمان، فالبركة وهي النماء والزيادة، جعلها الله فيه، من
تعليمه الناس الخير والدعوة إليه، والنهي عن الشر، والدعوة إلى الله في أقواله
وأفعاله، فكل من جالسه، أو اجتمع به، نالته بركته وسعد به مُصاحبه.
{
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ْ} أي: أوصاني بالقيام بحقوقه، التي من أعظمها الصلاة، وحقوق
عباده، التي أجلها الزكاة، مدة حياتي، ووصاني أيضا، أن أبر والدتي فأحسن إليها
غاية الإحسان، وأقوم بما ينبغي له، لشرفها وفضلها،
{ وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا ْ} أي: متكبرا على الله، مترفعا على عباده { شَقِيًّا ْ} في دنياي أو أخراي، فلم يجعلني كذلك بل جعلني مطيعا له
خاضعا خاشعا متذللا، متواضعا لعباد الله، سعيدا في الدنيا والآخرة، أنا ومن
اتبعني.
فلما وصف الله تعالى ابني الخالة
النبيين الكريمين يحيى وعيسى عليهما السلام بصفات، جعل بينهماعامل مشترك، فهو لما
وصف يحيى قال عنه : {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن
جَبَّارًا عَصِيًّا} آية14
وفي عيسى
عليه السلام قال : { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } آية 32
فالمشترك بينهما ، بر الوالدين بعد عبادة وتوحيد الله سبحانه وتعالى ، وقال
عن يحيى أنه بارا بوالديه ، فحيي ليس بجبار ولا عاصيا ، وعن عيسى عليه السلام ،
بارا بوالدته - فليس له أب - وإنه ليس بجبار شقي ، من هذين الوصفين للنبيين مشترك
أنهما بارين بوالديهما ، وليسا بجبارين عاصين ، ولا أشقياء . قال المفسرون : لا
تجد أحدا عاقا لوالديه ، إلا وجدته جبارا شقيا عاصيا لله، ومن ثم لوالديه ، أعاذنا
الله من ذلك.
اللهم ارزقنا بر والدينا ، ولا تجعلنا جبارين في الأرض ، ولا عاصين لك
سبحانه
اللهم خلص أعمالنا لوجهك الكريم
No comments:
Post a Comment