Thursday, 13 August 2015

تدبر آيات من القرآن العظيم – الجزب الثاني والثلاثون –سورة طه نصائح للداعية

 

 



 سورة طه  نصائح للداعية:

سورة ( طه ) هي سورة هذا الحزب،  وهذه السورة المباركة ، ولي هنا معها ثلاث وقفات.
أولها: ما ورد من فضائل هذه السورة :

ورد فيها الكثير من الفضائل التي لا تصح ، ويحتج عليها بأحاديث إما ضعيفة، أو موضوعة ، منها قولهم : أن الله تبارك وتعالى قرأ ( طه ) و( يس ) قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ...) وهو حديث موضوع لا يصح التحديث به ، ولا بأن الله تعالى سيقرأ هذه السورة على أهل الجنة، ولا نبيه داوود عليه السلام. وإنما ننبه على ذلك ليكون المسلم على بينة من دينه فلا ياخذ بما وضعه الوضّاعون يتقولون به على الله تعالى ورسوله .
ويكفي هذه السورة وغيرها من كتاب الله تعالى أنه كلام الله جل وعلا، فيها من ذكره سبحانه ، والأمر بتوحيده ، وإفراده بالعبودية لتفرده بالربوبية والخلق ما يغني عن الوضع فيه .
-       ويذكر لهذه السورة من الأثر والفضل أنها كانت هي سبب إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بامر الله سبحانه وتعالى ، والقصة مشهورة عنه ، والعجيب فيها ، أن يخرج عمر من بيته وقد عزم على أن يقتل محمدا ، ولا ينتهي اليوم إلا وقد أسلم ، لحقته دعوة النبي ، فيكون بمشيئته أن أعز به الإسلام  دون أبا جهل ( عمرو بن هشام )
الوقفة الثانية: في توحيده سبحانه وصرف العبادة خالصة له وحده:
في قوله تعالى :
 { إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِ‌ي} ﴿١٤
كان هذا أول ما بيّن ربنا لموسى في أول لقاء له، إن تعالى الله وحده المستحق لجميع أنواع العبادة الظاهرة والباطنة، مثل الدعاء والخوف والتوكل والاستعانة والصلاة والزكاة والصيام، فيعلم العبد يقينا أن الله هو المعبود لا شريك له، فلا معبود بحق إلا الله تعالى، كما قال سبحانه: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (البقرة: 163)
فيعبد  بكمال الحب والتعظيم والإجلال والإكرام والخوف والرجاء والتوكل والطاعة فيطاع ولا يعصى، ويحمد فلا ينكر، وأرفع صورها بعد لا إله إلا الله ، الصلاة ،وفي قوله { واقم الصلاة لذكري } ، فقوله تعالى { أقم } أي صلّ لتذكرني، وقيل معناه: وأقم الصلاة عند ذكرك لي ، لا تكن صلاتك حركات تؤديها لتسقط ما عليك من الواجب، بل أقمها حبا في خالقك خاشعا  متذللا له  تذكر بك فيها فتعظمه ، تقف بين يديه وتركع وتسجد، تمرغ راسك وجبهتك وأنفك بالأرض للرب العلى العظيم جل في علاه ، أقم صلاتك لذكر الله ، ولشكره على نعمه، واختمها على ذلك.
واعلم أن فرق بين صلاة المؤمن والمنافق هي الذكر فيها وبعدها ، وهذا واضح في سورة النساء ، قال تعالى : 
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَ‌اءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُ‌ونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا } ( النساء 142)
هم يعتقدون أنهم يخادعون الله تعالى، بانهم صلوا، والله هو خادعهم لأنه تعالى أعلم بما في نفوسهم منهم .
فلا تدع أيها المسلم ، المُسَلم أمره لربه ، لا تدعن دبر كل صلاة الأذكار الواردة عن نبيك الكريم بعد كل صلاة مفروضة، ترفع صلاتك طيبة مباركة مزينة بالذكر بعدها يجبر نقصها، وما شابها من الخلل بأمر ربك .  
ويحتمل في قوله ( واقم الصلاة لذكري ) أن يكون معناها ؛ إذا نسيت صلاة ، ثم تذكرت فصل فلا تسقط الصلاة بالنسيان، ويؤيده قول النبي : " من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك " ( متفق عليه)
ونبين هنا بعض الأمور الفقية في الصلاة :
1- أن من ذكر صلاة فاتته، وقد دخل وقت الصلاة التي بعدها، فإن عليه أن يبدأ بقضاء ما فاته قبل أن يصلى الصلاة الحاضرة، حتى وإن فاته خمس صلوات فيبدأ بالأسبق في الوقت منها، فإن كانت أكثر من ذلك صلى مع كل وقت يصليه حاضرا ما يقابله مما فاته ، فيصل قبل  الفجر الحاضر ما فاته ( أو يصليها من الليل ) وبعد أن يؤدي صلاة الظهر الحاضر يصلي ما فاته من صلاة الظهر ، وهكذا  فقد روى مسلم عن أبي قتادة قال : " خطبنا رسول الله : اما إنه  ليس في النوم تفريط ، إنما التفريط على من لم يصلي الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها
2- أن من نسي صلاة أو نام عنها ، فصلاها بعد خروج وقتها فصلاته لها قضاء ولا يأثم، ولكن من ترك صلاة متعمدا حتى خرج وقتها، فيقضيها وعليه إثم الترك، فالمتعمد للترك والمفرط فيها المتهاون مأثوم، والجميع قاضون .
الوقفة الثالثة: نصائح للداعية ما يستعين به على دعوته:
في قوله تعالى : { اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْ‌عَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ *قَالَ رَ‌بِّ اشْرَ‌حْ لِي صَدْرِ‌ي * وَيَسِّرْ‌ لِي أَمْرِ‌ي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرً‌ا مِّنْ أَهْلِي *هَارُ‌ونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِ‌ي * وَأَشْرِ‌كْهُ فِي أَمْرِ‌ي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرً‌ا * وَنَذْكُرَ‌كَ كَثِيرً‌ا * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرً‌ا *قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ }( طه 25- 37)
فيها لطائف تربوية نمر عليها لنتعلم من كلام ربنا ما يعيننا في حياتنا الدنيا والدعوة إليه سبحانه:
1- لما أمر الله تعالى موسى أن يذهب بالدعوة إلى فرعون، فإن الله تعالى سبق بعلمه أن فرعون لا يسلم، ولكنه أمر نبيه موسى بدعوته، كما أن بعض صناديد قريش الذين ألح رسول الله بدعوتهم، يعلم الله تعالى أنهم لن يسلموا، فلم يكف نبيه عن دعوتهم، ليعلمنا أن نيأس من نصح من نرى أنه لا يستجيب، فالأمر أولاً كما قال ربنا { ليس عليك هداهم } ،ولكن علينا الدعوة والله يهدي من يشاء، والأجر على الدعوة، وثانيا: لا نستعجل النتائج  فإن تأتي عاجلاً تركنا النصح،ولا نحكم بالظواهر، فالله أعلم بالقلوب، وما دام الإنسان حياً يرزق فقلبه بين اصبعي الله يقلبه من حال إلى حال.
2- وموسى عليه السلام أول ما تلقى الأمر بالتبليغ جزع إلى الله يطلب العون بأن يشرح له صدره، بان يوسعه وينوره بالإيمان والصبر،  فيتحمل الأذى ولا يضجر، وسأل ربه أن يسهل أمر التبليغ عليه، وأن يحل عقدة لسانه حتى يفصح عن قوله، فيحصل المقصود التام من الدعوة، وهكذا المسلم لا يهمه أمر، ولا يحز به إلا التجأ إلى بارئه بالدعاء والتوسل أن يعينه على ما أهمه، وييسر له أمره، فهو وحده ولي ذلك والقادر على ما قدرة لك عليه، وهو مجيب ما سأله، فما أتم موسى عليه السلام الدعاء ، إلا وربه يجيب:{ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ}
أ- أول ما طلب: { قَالَ رَ‌بِّ اشْرَ‌حْ لِي صَدْرِ‌ي }، هذا سؤال من موسى عليه السلام لربه عز وجل أن يشرح له صدره فيما بعثه به، فإنه قد أمره بأمر عظيم، وخطب جسيم، بعثه إلى أكثر ملوك الأرض تجبراً وأشدهم كفرًا، وأكثرهم جنودًا، وأطغاهم، بلغ من أمره أن ادعى أنه لا يعرف الله، ولا يعلم لرعاياه إلهًا غيره.
فالتجأ موسى بربه ، واستعانه واستنصره : رب إن لم تكن أنت عوني ونصيري، وعضدي وظهيري، وإلا فلا طاقة لي بذلك.
 إن انشراح صدر العبد لمن أعظم الأمور وأجلها إعانة له على عبادة العبد ربه ومولاه، على الوجه الذي يرضيه، ومن ورزقه الله صدرًا منشرحًا فهو على نور من ربه، كما قال سبحانه: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22].
كما ينزل الماء من السماء فينبت لهم به زرعًا مختلفًا ألوانه؛ كذلك ينزل من السماء ذِكْرًا تتلقاه القلوب الحية، فتفتح وتنشرح وتسري فيها الحياة، والله يشرح للإسلام قلوبًا يعلم منها الخير، ويصلها بنوره فتشرق به وتستضيء.
ب-ثم سأله موسى عليه السلام أن يسهل له عمل الدعوة ليحيا فيه الأمل والقدرة على الاستمرار :{ وَيَسِّرْ‌ لِي أَمْرِ‌ي}.
ج- وهارون أسعد الخلق بأخيه موسى، دعى موسى ربه:{وَأَشْرِ‌كْهُ فِي أَمْرِ‌ي} أي في؛ الأمر الذي وكلته إلي؛ أي النبوة، فيجيب ربه سؤاله ويرسل لهارون عليه السلام ، ويصبح نيباً.
وطلب موسى عليه السلام أن يكون أخيه وزيره المؤازر، لأن الإنسان ضعيف بنفسه مهما كان قوياً، قوي بإخوانه،  وقد قال رسول الله : " من ولي منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إذا نسي ذكره، وإن ذكر أعانه "، فكان تعيين موسى لأخيه معيناً ومؤازراً عن بيِّنة بأن به من الصفات المناسبة لهذا المقام، فهو أخاه قوي البنية، أتم من موسى طولا، فحريٌ أن يشد ظهره به ،  وهو فصيح اللسان، قوي الحجة يقوى على جدل فرعون وقومه.
د-كما أن الفصاحة والقدرة على التعبير عن الأفكار تقلب الباطل حقاً في نظر كثير من الناس، فما بالك حين تكون هذه الفصاحة وتلك البلاغة أداة في تجلية الحق والدعوة إليه ؟ ألم يقل النبي الكريم ﷺ: " إن مِنَ البيانِ لسِحرًا "( رواه البخاري)
ولهذا سأل موسى عليه السلام ربه سلاح البيان فقال: { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي } ، وقد كان نبينا الكريم محمد أفصح الناس وأكثرهم بلاغة . روى الطبراني عن أبي سعيد الخدري قوله ﷺ " أنا أَعْرَبُ العَرَبِ ، وَلَدَتْنِي قريشٌ ، ونَشَأْتُ في بَنِي سعدِ بنِ بكرٍ ، فأَنَّى يَأْتِينِي اللَّحْنُ ؟" ( ضعيف )
وكان أحد أسباب طلب موسى عون أخيه، هو طلب الفصاحة لإبانة الحق وتجليته، كان سؤال موسي عليه السلام ربه أن يجعل معه أخاه هارون وزيرا ، وقد علل هذا بقوله كما في سورة القصص قال:{ وَأَخِي هَارُ‌ونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْ‌سِلْهُ مَعِيَ رِ‌دْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ } ( القصص 34)
هـ- الاستعانة بأولي العزم وأصحاب الهمم من المؤمنين وخاصة إن كانوا من الأقارب والأهل أو الأصدقاء والمعارف، فهم : أعلم بصدق الداعية، وأشد رغبة في مؤازرته والذود عنه وعن دعوته ، وهم عون له على الدعوة وأمان من الضعف وحرز من الشيطان، ولذلك كان طلب موسى عليه السلام من ربه أن يقويه باخيه هارون، قال هنا:{ واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي }، وقد هيأ الله تعالى لرسوله المصطفى صحابة كرام فيهم كل ما يبتغيه الداعية من الإخوة ، فقد كانوا لنبيهم عليه صلوات الله وسلامه نعم المعين المؤازر بالمال والعتاد والمشورة والحب: { مُّحَمَّدٌ رَّ‌سُولُ اللهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ‌ رُ‌حَمَاءُ بَيْنَهُمْ}  ( الفتح 29)
و- والجليس الصالح عون لأخيه على ذكر الله، يذكِّره إذا نسي ، ويقويه إذا ضعف ، ويشد من همته كلما فترت، وقد وعى هذا موسى عليه السلام من بداية نبوته ، فطلب مؤازرة أخيه له تقوية له في الطاعة، فقال:{ وَأَشْرِ‌كْهُ فِي أَمْرِ‌ي *  كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرً‌ا * وَنَذْكُرَ‌كَ كَثِيرً‌ا }، وكذلك هي صفة الأخ بالله ، إذا رأيته ذكرت الله ، وقويت على الذكر والعبادة، وكذلك كان صحابة رسول الله لبعضهم البعض.
ولي وقفات أخرى مع سورة {طه} إن شاء الله.

اللهم اجعلنا لإخواننا الذين أحببناهم فيك نعم المعين المؤازر المؤيد الناصح ، واجعلهم لنا كذلك

No comments:

Post a Comment