Wednesday 21 March 2018

الأمثال في القرآن –المثل التاسع عشر- سورة إبراهيم– لا تكونوا كالذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم




 



الأمثال في القرآن –  لا تكونوا كالذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ولم يعتبروا بما صارو إليه


اليوم نفسر مثل ضربه الله تعالى للناس بالأمم السابقة عبره لهم ، فيجتنبوا فعل ما فعلوه ، حتى لا يصيروا إلى مصيرهم.
 فهيا لتدبر قول ربنا ، راجين أن نكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .
قوله تعالى :ـ
( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ ) ( إبراهيم 45 )

تفسير الآية:

قوله تعالى: ( وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ ..) والسكون هو الاطمئنان إلى الشيء من عدم الإزعاج، والمرأة في بيت الزوجية سكناً لزوجها، والبيت سكن فيه يسكن أهله ويطمئنوا.
قُوله : سَكَنَ النَّاس فِي مَسَاكِن الأقوام السابقة ، سَكَنُوا فِي قُرَاهُمْ مَدْيَن وَالْحِجْر وَالْقُرَى الَّتِي عَذَّبَ اللَّه أَهْلهَا، قَوْم نُوح وَعَاد وَثَمُود،  وَقُرُون بَيْن ذَلِكَ كَثِيرَة مِمَّنْ هَلَكَ مِنْ الْأُمَم. 

 - ويجوز أن يقال أنهم سكنوا أو ركنوا واطمأنوا إلى فعلهم، فلم ينكروا عليهم ، والإطمئنان وهو سكون القلب إلى الفعل، فكأنهم رضوا بفعلهم ولم يستنكروه، بل قد يكون وصل بهم الأمر أنهم فعلوا مثلهم، والله أعلم .
 وقوله تعالى:(  وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْف فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الْأَمْثَال ) بيان بأنهم ركنوا إلى فعل المكذبين العصاة عن علم ، فقد بين لهم ربهم ما كان منهم من العصيان، وما صاروا إليه من العذاب نتيجة أفعالهم.فاَللَّه قد بَعَثَ رُسُله ،وَأَنْزَلَ كُتُبه  ،وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلَ اللَّه بِهِمْ ،  وَضَرَبَ لَكمْ الْأَمْثَال فيمن سبقكم، فقد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ، علمتم كيف أهلكناهم حين عتوا على ربهم وتمادوا في طغيانهم وكفرهم ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ولم يكن لكم فيما أوقعنا بهم مزدجر   

 ( وَضَرَبْنَا لَكُمْ الْأَمْثَال) يقول : ومثلنا لكم فيما كنتم عليه من الشرك بالله مقيمين الأشباه ، فلم تنيبوا ولم تتوبوا من كفركم ، فالآن تسألون التأخير للتوبة حين نزل بكم ما قد نزل بكم من العذاب ، إن ذلك غير كائن .

والعبرة من هذا المثل:ـ

- إن في سرد الله تعالى لكثير من قصص الأمم السابقة معتبر ومزدجر لمن كان له قلب يعقل به ، ولا شك أن الأمم من قبلنا كثيرة جدا لا تحصى ، ولكن ما يضرب الله به المثل هو ما يكون فيه بقية شاهدة عليه ليعتبر بها الناس من شهدها ، أو سمع بها ، كما قال تعالى عن سفينة نوح عليه السلام : (وَلَقَد تَّرَ‌كْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ‌ ﴿القمر: ١٥﴾  
- إن أحوال العالم من حولنا أيضا فيها معتبر لمن يعتبر ، فالفاجر مهما تكبر وتجبر وعلا ، إلا أن له نهاية لا يحسده عليها أحد ، بل يشمِّت الله به من كان يعتبره صديقا قبل العدو، نسأل الله العافية .
فيجب على كل من شاهد أحوال الماضين من الأمم الخالية ، والقرون الماضية وعلم ما جرى لهم وكيف أهلكوا أن يعتبر بهم ويعمل في خلاص نفسه من العقاب والهلاك . قوله سبحانه وتعالى ( َقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ) ا الضمير هنا يعود إلى الذين سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، لأن الضمير يجب عوده إلى أقرب مذكور ، قوله: ( وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ ) فإن مكرهم مثبت عند الله ليجازيهم به يوم القيامة،  والله مطلع على ما يخططون وما يرسمون لأنفسهم، من حيث هم لا يعلمون.
 وقوله: ( وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } أي : ما كان مكرهم لتزول منه الجبال لضعفه ووهنه ، وكذا قال الحسن البصري، وقال القرطبي : { وإن} بمعنى { ما} في القرآن في مواضع خمسة : أحدها هذا. الثاني { فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ } [يونس 94]، أي ما كنت في شك،  الثالث { لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ } [الأنبياء 17] أي ما كنا فاعلين.
ووجهه ابن جرير الطبري: بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم باللّه وكفرهم به ما ضر ذلك شيئاً من الجبال ولا غيرها، وإنما عاد وبال ذلك عليهم، ويشبه هذا قول اللّه تعالى: { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا } ( الإسراء 37)

هل من معتبر؟


وإن هذا المثل يتجدد في الحياة ويقع في كل حين، فكم من طغاة يسكنون مساكن الطغاة الذين هلكوا من قبلهم، وربما يكونون قد هلكوا على أيديهم، ثم هم يطغون بعد ذلك ويتجبرون ويسيرون حذو النعل بالنعل سيرة الهالكين، فلا تهز وجدانهم تلك الآثار الباقية التي يسكنونها، ولا يعتبرون منها،  بل يمكرون إنهم يتمادون ويمكرون لأنفسهم ، ويحسبون أنهم ناجون { وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّـهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم، ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر، فإن لم يكن فيما أوقعنا بهم مزدجر لكم ، فليس بنافعكم شيء من النذر غيرها، كما قال تعالى: ( حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ) [ القمر5 ] .

اللهم إنّا اسألك علمًا نافعًا ،وقلوبًا خاشعةً، والْسنةً ذاكرةً
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسَنه

No comments:

Post a Comment