Thursday 14 April 2022

تفسير سورة سبأ ح 2 داوود وسليمان معجزات وفوائد

  

 

تدبر القرآن الكرين- سورة سبأ ح 2 – كم من الآيات والمعجزات خصها الله لنبييه داوود وسليمان عليهما السلام.

 

وقفات للتدبر في هذه الآيات:

-﴿ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وألَنَّا لَهُ الحَدِيد ﴾إذا تولاك رب العالمين يسخر لك جميع المخلوقات حتى الجمادات

-  ﴿ وألَنَّا لَهُ الحَدِيد ﴾ لا تخف لو كانت ظروفك أقسى من الحديد فالله قادر أن يلينها لك.

-  ﴿ يا جبال أوبي معه﴾ الجمادات تسبح ! فلا عذر للقلوب التي تنبض بالحياة أﻻ تلهج بتسبيح ربها.. سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم

- ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾

كثيرون الذين يشكرون الله بالقلب واللسان،ويغفلون عن شكره بالعمل وهو أعظم الشكر وأقله تطبيقا بينهم.

- ما أقسى هذا الخطاب الإلهي حتى مع جحودنا لشكره يضمّنا تحت جناح عبوديته ربي اجعلنا من الشاكرين، وما احلم الله على من عصاه لم ينزع عنهم لباس العبودية رغم قلة شكرهم له.

- ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ ومقام الشكر جامع لجميع مقامات الإيمان، ولهذا كان أرفعها وأعلاها وهو فوق الرضا...، ولهذا كان الإيمان نصفين: نصف صبر ونصف شكر، والصبر داخل في الشكر، فرجع الإيمان كله إلى الشكر، والشاكرون هم أقل العباد ! / ابن القيم

 

التفسير:

 

وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴿١٠﴾‏ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿١١﴾‏

أخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود عليه الصلاة والسلام مما آتاه من الفضل المبين، فإنه:

-         جمع له بين النبوة والملك المتمكن

-          والجنود ذوي العَدد والعُدد

-          وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات.

-         قال كثير من العلماء؛  أنه طرب لصوت داود، فإن اللّه تعالى قد أعطاه من حسن الصوت ما فاق به غيره، وكان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب ، طرب كل من سمعه من الإنس والجن حتى الطيور والجبال وسبحت بحمد ربها.

روى البخاري في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال: ”خُفف على داود  عليه السلام القرءان فكان يأمر بدوابه فتسرج فيقرأ القرءان قبل أن تُسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عمل يده”.

-             

والمراد بالقرءان في هذا الحديث الزبور الذي أنزله الله تعالى عليه وأوحاه إليه.

 وفي الصحيح ولقد ورد أن سيدنا محمدًا ﷺ وقف يومًا يستمع إلى صوت الصحابي الجليل أبي موسى الأشعري وكان يقرأ القرءان بصوته العذب الحنون، فقال عليه اﷺ:”لقد أعطيت مزمارًا من مزامير ءال داود“، فقال: يا رسول الله أكنت تستمع لقراءتي، قال: “نعم“، فقال: لو علمتُ أنك تستمع لحبرته لك تحبيرًا، أي لجملته تجميلًا. ( البخاري).

تنبيه معنى مزمار داود صوته الجميل الذي كان يقرأ به التوراة، وليس المزمار المعروف المحرّم.

معنى قوله تعالى: (أوبي معه) أي رجِّعي معه؛ من آب يؤوب إذا رجع.

(يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ)  أي نادينا الجبال والطير، وأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها، فكان إذا قرأ الزبور صوتت الجبال معه، وأصغت إليه الطير، كان قد أعطي من الصوت ما يتزاحم الوحوش من الجبال على حسن صوته، وكان الماء الجاري ينقطع عن الجري وقوفا لصوته.

وقوله تعالى: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) قال ابن عباس : صار عنده كالشمع. وقال الحسن: كالعجين، فكان يعمله من غير نار. وقال السدي : كان الحديد في يده كالطين المبلول والعجيين والشمع، يصرفه كيف شاء، من غير إدخال نار ولا ضرب بمطرقة بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال تعالى: ( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ )ۖ وهي الدروع، قال قتادة: وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح.

وذكر أن داود عليه السلام كان يرفع في كل يوم درعاً فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحوارى "أخرجه ابن أبي حاتم""، ( وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ) هذا إرشاد من اللّه تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع، قال مجاهد (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ) لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلظه فيقصمها واجعله بقدر، وقال الحكم بن عيينة: لا تغلظه فيقصم ولا تدقة فيقلق، وقال ابن عباس: السرد حلق الحديد. وقال بعضهم: يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق

وقد ذكر الحافظ ابن عساكر عن وهب بن منبه أن داود عليه السلام كان يخرج متنكراً، فيسأل الركبان عنه وعن سيرته، فلا يسأل أحداً إلا أثنى عليه خيراً في عبادته وسيرته وعدله عليه السلام. قال وهب: حتى بعث اللّه تعالى ملكاً في سورة رجل فلقيه داود عليه الصلاة والسلام، فسأله كما كان يسأل غيره، فقال: هو خير الناس لنفسه ولأمته، إلا أن فيه خصلة لو لم تكن فيه كان كاملاً، قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين يعني بيت المال، فعند ذلك نصب داود عليه السلام إلى ربه عزَّ وجلَّ في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني به عياله.

 فألان اللّه عزَّ وجلَّ له الحديد وعلمه صنعة الدروع فعمل الدروع وهو أول من عملها، فقال اللّه تعالى:  (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) يعني مسامير الحلق، قال: وكان يعمل الدرع فإذا ارتفع من عمله درع باعها فتصدق بثلثها واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها.

وفي الصحيح عن النبي ﷺقال : (إن خير ما أكل المرء من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده).

ملاحظة:

انظر كيف كان كل شيء عند داوود عليه السلام بقدر؛ عبادته : يصوم يوم ويفطر يوم، قيامه الليل ينام نصف الليل ويقوم ثاثه ، وينام سدسه.

وقد ثبت في الصحيحين أنَّ رسول اللهﷺ قال: “أحبُّ الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى“.

عمله: يعمل في النهار فإذا جن عليه الليل أغلق أبوب بيته فلا يؤذن لأحد بالدخول- الخصمان اللذان تسوا المحراب لأن الأبوب مغلقة-

في ماله: يتصدق بثلث ما يجني من بيع الدرع، ويدع ثلثلها لآل بيته ، ويبقى ثلث يتصدق به كل يوم حتى يبيع درع آخر، فلا يحرم أجر يوم صدقة.  ألا تعجب من حاله

 

وقال: إن اللّه تعالى أعطى داود ما لم يعطه غيره من حسن الصوت، إنه كان إذا قرأ الزبور تجتمع الوحوش إليه حتى يؤخذ بأعناقها وما تنفر، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته عليه السلام، وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير، قالوا : وكان قد أعطي سبعين مزماراً في حلقه.

 وقوله تعالى: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ ) أي في الذي أعطاكم اللّه تعالى من النعم (إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)  أي مراقب لكم بصير بأعمالكم وأقوالكم لا يخفى عليّ من ذلك شيء.

ولا يخفى عليه؛ كما قال كثير من العلماء؛  أنه طرب لصوت داود كل من يسمعه، فإنه كان إذا رجَّع التسبيح والتهليل والتحميد بذلك الصوت الرخيم الشجيِّ المطرب ، طرب كل من سمعه من الإنس والجن حتى الطيور والجبال وسبحت بحمد ربها، فيحصل له أجر تسبيحها،  لأنه سبب ذلك وتسبح تبعا له.

وقوله تعالى: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)

لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود عطف بذكره ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام، من تسخير الريح له تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر، قال الحسن البصري: كان يغدو على بساطه من دمشق فينزل بإصطخر- مدينة قديمة تقع في جنوب إيران ، في محافظة فارس، فتحها المسلمون في عهد عمر رضي الله عنه، ومما  دفع المسلمين إلى فتح إصطخر، هو تواجد يزدجرد آخر الملوك الساسانيين في هذه المدينة-  يتغدى بها، ويذهب رائحاً من إصطخر فيبيت بكابل، وبين دمشق وإصطخر شهر كامل للمسرع، وبين إصطخر وكابل شهر كامل للمسرع.

وقوله تعالى: ( وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ) والقطر؛ هو  النحاس، قال قتادة: وكانت باليمن فكل ما يصنع الناس مما أخرج اللّه تعالى لسليمان عليه السلام، قال السدي: وإنما أسيلت له مسيرة ثلاثة أيام،  أسيلت له مسيرة ثلاثة أيام كما يسيل الماء، وكانت بأرض اليمن، ولم يذب النحاس فيما روي لأحد قبله، وكان لا يذوب، ومن وقته ذاب؛ وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله تعالى لسليمان،  أجريت له عين الصفر ثلاثة أيام بلياليهن.

وقوله تعالى: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ ) أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه  (بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ ) أي بقدره وتسخيره لهم بمشيئته، ما يشاء من البنايات وغير ذلك  ( وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ)

 أي ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة ( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ)وهو الحريق. قيل عذا الحريق هذا في الدنيا، وذلك أن الله تعالى وكل بهم فيما  روى السُدِّي- ملكا بيده سوط من نار، فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه بذلك السوط ضربة من حيث لا يراه فأحرقته.

وقوله تعالى: ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

فأما المحاريب فهي البناء الحسن  المرتفع ،وهو أشرف شيء في المسكن وصدره، هو ما يرقى إليه بالدرج كالغرفة الحسنة؛ وقال مجاهد: المحاريب بنيان دون القصور، وقال الضحاك: هي المساجد، وقال قتادة: هي القصور والمساجد.

 وأما التماثيل، جمع تمثال. وهو كل ما صور على مثل صورة من حيوان أو غير حيوان.

وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام تماثيل أشياه. ليست بحيوان. وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء، وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا، قال ﷺ: (إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور). أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة. وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان، ونسخ ذلك بشرع محمد ﷺ.

حكى مكي في الهداية له : أن فرقة تجوز التصوير، وتحتج بهذه الآية. قال ابن عطية : وذلك خطأ، ولم يرد عن أحد من أئمة العلم من يجوزه.: قد صح النهي عن النبي ﷺ عنها والتوعد لمن عملها أو أتخذها، فنسخ الله عز وجل بهذا ما كان مباحا قبله، وكانت الحكمة في ذلك لأنه بعث عليه السلام والصور تعبد، فكان الأصلح إزالتها.

وقوله تعالى: (وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ۚ) الجواب جمع جابية وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء، وقال ابن عباس (كَالْجَوَابِ) ؛ اي  كالحياض.

 والقدور الراسيات أي الثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها، وقال عكرمة: أثافيها منها.

وقوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ)  أي وقلنا لهم اعملوا شكراً على ما أنعم به عليكم في الدين والدنيا، قال السلمي: الصلاة شكر، والصيام شكر، وكل خير تعمله للّه عزَّ وجلَّ شكر، وأفضل الشكر الحمد . (رواه ابن جرير). وقال القرظي: الشكر تقوى اللّه تعالى والعمل الصالح،

وقد كان آل داود عليهم السلام كذلك قائمين بشكر اللّه تعالى قولاً وعملاً، قال ابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال: كان داود عليه السلام قد جزءا على أهله وولده ونسائه الصلاة، فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي فغمرتهم هذه الآية : (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

وفي الصحيحين عن رسول اللّهﷺ أنه قال: (إن أحب الصلاة إلى اللّه تعالى صلاة داود، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه، وأحب الصيام إلى اللّه تعالى صيام داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى). وقد روي عن جابر رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه ﷺ: (قالت أم سليمان بن داود عليهم السلام لسليمان: يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيراً يوم القيامة) "أخرجه ابن ماجه في سننه"".

 في قوله تعالى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ۚ )  قال: داود يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك؟ قال: (الآن شكرتني حين علمت أن النعمة مني)، وقوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ )

إخبار عن الواقع.

فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴿١٤﴾

يذكر تعالى كيفية موت سليمان عليه السلام، وكيف عمّى اللّه موته على الجانّ المسخرين له في الأعمال الشاقة، فإنه مكث متوكئاً على عصاه وهي منسأته مدة طويلة نحواً من سنة، فلما أكلتها دابة الأرض وهي الأرضة ضعفت وسقط إلى الأرض وعلم أنه قد مات قبل ذلك بمدة طويلة، وتبينت الجن والإنس أيضاً أن الجن لا يعلمون الغيب كما كانوا يتوهمون ويوهمون الناس ذلك

 قال عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم: قال سليمان عليه السلام لملك الموت: إذا أمرت بي فأعلمني، فأتاه فقال: يا سليمان قد أمرت بك قد بقيت لك سويعة، فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحاً من قوارير، وليس له باب، فقام يصلي فاتكأ على عصاه، قال: فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متكئ على عصاه، ولم يصنع ذلك فراراً من ملك الموت

 قال: والجن تعمل بين يديه وينظرون إليه يحسبون أنه حي. قال: فبعث اللّه عزَّ وجلَّ دابة الأرض، قال: والدابة تأكل العيدان يقال لها: القادح، فدخلت فيها فأكلتها، حتى إذا أكلت جوف العصا ضعفت وثقل عليها فخر ميتاً، فلما رأت الجن ذلك انفضوا وذهبوا، قال: فذلك قوله تعالى: (مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ) قال أصبغ: بلغني أنها قامت سنة تأكل منها قبل أن يخر، وذكر غير واحد من السلف نحواً من هذا، واللّه أعلم.

عند ذلك علمت الجن أنهم لو كانوا يعلمون الغيب ما أقاموا في العذاب المذلِّ والعمل الشاق لسليمان؛ ظنا منهم أنه من الأحياء. وفي الآية إبطال لاعتقاد بعض الناس أن الجن يعلمون الغيب؛ إذ لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا بوفاة سليمان عليه السلام، ولما أقاموا في العذاب المهين.

  

No comments:

Post a Comment