Sunday, 10 August 2014

تدبر آية من القرآن العظيم - الحزب العشرون - في النيات الكاذبة وخلف العهد



 


في هذه الآيات يبيان لحال بعض الناس ، الذين يتمنون على الله الأماني، ولا يصدقون في عهودهم ، ويعقدون نية ليس في القلب تأكيد لها ولا حرص على وفائها ، ,إنما هي نوايا تلفظ باللسان ليس العزم أكيد على فعلها ، يعلمها الله تعالى ، فهو علام الغيوب ، ويعلم ما في القلوب، ويعلم حتى ما يعلمه العبد عن نفسه .
فكم منا من يقول لو كان عندى مثل فلان لأنفقت مثله وخير منه ، لو عندي وقت لحفظت القرآن ، ولتعلمت وعلمت، لو متعت بالصحة لعملت في سبيل الله ...!! اماني لا يعلم مقدار الصدق منها إلا الله ، وإن صدقه  يظهر بعمله بالقليل الذي أوتيه ، فلو عمل بالقليل من المال بما يعد ، فكان صادقا إن أؤتي الكثير لأنفق بمقداره ، وهكذا .
وهنا أيضا تنبيه للإنسان أن يحرص أن يطلب دائما من ربه ما يصلحه في الدنيا والآخرة ، فكم من أماني يتمناها الإنسان يلح على الله طلبها ، ولا يعلم إن أوتيها أن تكون نقمة عليه ، وقد يدعو بالشر ويحسب أنه خير له ، ولا يدري عظم البلاء الذي يبتلاه بزيادة في المال  أو الصحة أو الأولاد ، أو حتى العلم ...  كما قال تعالى : ( وَيْدعُ الإنْسانُ بالشَّرِ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ ) ( الإسراء 11)
تعالوا بنا نتعظ من هذه الحكاية التي نبهَ الله تعالى إلى الموعظة منها في سورة التوبة ، وننظر من أنفسنا قد يكون لها صدى ، لنصلحه.   
قال تعالى : ( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ*  فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِ‌ضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ  مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ  يَعْلَمُ سِرَّ‌هُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ  عَلَّامُ الْغُيُوبِ ) (التوبة  75-78)

نزلت هذه الآيات في شخص يقال له ثعلبة بن حاطب الأنصاري ـ على قول كثير من المفسرين ، منهم ابن عباس والحسن البصري ـ
 اقرؤوا معي القصة ، ولنستشعر مقدار هذا الإختبار ، هل كنا سنجتازه لو اختبرناه ، أو هل فعلا وقعنا في مثله ؟؟؟
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي  أمامة الباهلي عن ثعلبة بن حاطب الأنصاريأنه قال لرسول الله : ادع الله أن يرزقني مالا .
فقال رسول الله : ( ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه ) انظر رأفة النبي وتوجيهه إلى الأفضل له ، وأن عسى أن يكون القليل خير له من الكثير .
قال : ثم قال مرة أخرى ، فقال رسول الله : أما ترضى أن تكون مثل نبي الله ( يقصد نفسه )  فوالذي نفسي بيده لو شئت أن تسير معي الجبال ذهبا وفضة لسارت، قال- اي ثعلبة- : والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقه ، فقال رسول الله : " اللَّهم ارزق ثعلبة مالاً "
قال : فاتخذ غنما ، فنمت كما ينمو الدود ، فضاقت عليه المدينة ، فتنحى عنها ، فنزل واديا من أوديتها ، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ، ويترك ما سواهما . ثم نمت وكثرت ، فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، وهي تنمو كما ينمو الدود ، حتى ترك الجمعة . فطفق يتلقى الركبان يوم الجمعة ، يسألهم عن الأخبار ، فقال رسول الله : ما فعل ثعلبة ؟ فقالوا : يا رسول الله ، اتخذ غنما فضاقت عليه المدينة .
 فأخبروه بأمره فقال : يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة ، يا ويح ثعلبة .
 وأنزل الله جل ثناؤه : ( خذ من أموالِهِم صَدَقَةً تُطَهِرُهم وتُزَكيهِم بها ) ( التوبة 103)
قال: ونزلت على رسول الله فرائض الصدقة ، فبعث رسول الله رجلين على الصدقة ؛ رجلاً من جهينة ، ورجلاً من سليم ، وكتب لهما كيف يأخذان الصدقة من المسلمين ، وقال لهما : "مرا بثعلبة ، وبفلان - رجل من بني سليم-  فخذا صدقاتهما" ، فخرجا حتى أتيا ثعلبة ، فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول الله فقال : ما هذه إلا جزية . ما هذه إلا أخت الجزية . ما أدري ما هذا ، انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليَ .
 فانطلقا وسمع بهما السلمي ، فنظر إلى خيار أسنان إبله ، فعزلها للصدقة ، ثم استقبلهما بها فلما رأوها قالوا : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ هذا منك . قال : بلى ، فخذوها ، فإن نفسي بذلك طيبة ، وإنما هي له ، فأخذوها منه
 فلما فرغا من صدقاتهما رجعا حتى مرا بثعلبة ، فقال : أروني كتابكما فنظر فيه ، فقال : ما هذه إلا أخت الجزية . انطلقا حتى أرى رأيي
 فانطلقا حتى أتيا النبي فلما رآهما قال :" يا ويح ثعلبة" ، قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمي بالبركة ، فأخبراه بالذي صنع ثعلبة والذي صنع السلمي ، فأنزل الله عز وجل: (وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ) إلى قوله : ( وبما كانوا يكذبون ) الآية  
قال : وعند رسول الله رجل من أقارب ثعلبة ، فسمع ذلك ، فخرج حتى أتاه فقال : ويحك يا ثعلبة  قد أنزل الله فيك كذا وكذا ، فخرج ثعلبة حتى أتي النبي فسأله أن يقبل منه صدقته ، فقال : " إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك " .
، فجعل يحثو على رأسه التراب ، فقال له رسول الله : "[ هذا ] عملك ، قد أمرتك فلم تطعني "،  فلما أبى أن يقبض رسول الله منه صدقته رجع إلى منزله ، فقبض رسول الله ولم يقبل منه شيئا .
 ثم أتى أبا بكر رضي الله عنه حين استخلف فقال : قد علمت منزلتي من رسول الله ، وموضعي من الأنصار ، فاقبل صدقتي ، فقال أبو بكر
 ( لم يقبلها منك رسول الله وأبى أن يقبلها ، فقبض أبو بكر
ولم يقبلها . فلما ولي عمر رضي الله عنه  اتاه فقال :
: يا أمير المؤمنين ، اقبل صدقتي . فقال : لم يقبلها رسول الله ولا أبو بكر ، وأنا أقبلها منك ! فقبض ولم يقبلها ؛ ثم ولي عثمان  رضي الله عنه ، فاتاه فساله أن يقبل صدقته ، فقال :  لم يقبلها منك رسول الله  ،ولا أبو بكر ولا عمر ، وأنا أقبلها منك ؟؟ ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان رضي الله عنه
وقوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ  مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) ـ
أي بسبب إخلافهم الوعد وكذبهم عقب على قلوبهم النفاق، وجعله يسكن قلوبهم بما هيئوا له المكان ، وبأخذهم بأسبابه ، فالإنسان يعمل على أن يملأ قلبه بالإيمان بأن يأخذ بأسبابه كما قال تعالى : ( والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ) ( محمد 17 ) ، أو أن يعمل يستمر على نفاق حتى يستقر في قلبه ، كما جاء في الصحيح عن رسول الله :
(إياكم والكذب فإن الكذب  يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) ( البخاري ومسلم )
فالنفاق ينبت في قلب الإنسان بما يغذيه من العمل به ، من الكذب وإخلاف الوعد كما جاء في الحديث الصحيح : ( آية المنافق ثلاث ، إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) وشواهده كثيرة
ولكن هل يجهل المنافق أن الله عز وجل مطّلع على خفايا القلوب ، أم يتجاهل ، أم هو الغرور ؟؟ لقد أجاب في قوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ  يَعْلَمُ سِرَّ‌هُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ  عَلَّامُ الْغُيُوبِ )
فهو سبحانه وتعالى يعلم السر وأخفى ، وأنه أعلم بضمائرهم وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها ، فإنه أعلم بهم من أنفسهم ؛ لأنه تعالى علام الغيوب ، أي : يعلم كل غيب وشهادة ، وكل سر ونجوى ، ويعلم ما ظهر وما بطن.
نسأل الله العظيم أن يفقهنا في ديننا وأن يجعل أفضل أعمالنا خواتيمها
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين



No comments:

Post a Comment