Monday 17 August 2020

أحاديث نبوية عظيمة وشرحها- " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"

  


 


 

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله ﷺ قبل موته بثلاثة أيام، يقول: "لا يَمُوتَنَّ أحدُكم إلا وهو يُحسنُ الظَّنَّ بالله -عز وجل-" .(رواه مسلم.)

 

شرح الحديث:

 

الواجب على المسلم أن يعيش بين الخوف والرجاء، الخوف من غضب الله وسخطه، والرجاء لعفوه ورحمته، ولكنه عند الاحتضار يغلب جانب الرجاء ويزيد حسن ظنه بالله، ويرجو ويأمل رحمته وعفوه، حتى يكون ذلك مانعًا من القنوط من رحمة الله في تلك الساعة.

وفي هذا الحديث نهي عن سوء الظن بالله وخاصة عندما يحضره الموت، والأصل أن النهي للتحريم، ولذلك يقال: إن إحسان الظن بالله عند الموت أمر واجب.

وكما جاء في الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، قال: "أنا عندَ ظَنِّ عبدي بي، إنْ ظَنَّ بي خَيْرًا فلَه، وإنْ ظَنَّ شَرًّا فلَه." ( أخرجه الإمام أحمد- وصححه شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند)، فإذا أحسن العبد الظن بربه عند الموت فإن ذلك يُرجَى معه أن يجد ما رجّاه، وما ظنه بالله -تبارك وتعالى.

والمقصود بإحسان الظن بالله سبحانه عند الموت: أنه يحسن الظن بالله تعالى أنه رب رحيم واسع المغفرة، وأنه تعالى، سيعامله بعفوه ويتجاوز عنه، وما أشبه ذلك.

فهذا مطلوب عند الموت، ولكن إذا كان الإنسان، في حال القوة والصحة والعافية، وما أشبه هذا فإن من أهل العلم من يقول: يغلب جانب الخوف؛ ليكون ذاك وازعًا ورادعًا له عن مقارفة ما لا يليق

ومن أهل العلم من يقول: ينبغي أن يستوي الخوف والرجاء، سواء في حال العافية، أو عند الموت، ويستدلون على ذلك ببعض ما ورد من الأحاديث، منها: أن النبي ﷺ دخل على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟، قال: والله يا رسول الله، إني أرجو الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله ﷺ: "لا يجتمعان في قلبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطنِ، إلا أعطاه الله ُما يرجو، وآمنهُ مما يخافُ" ( رواه الترمذي في سننه، وقال حسن غريب)

 

فالشاهد أن مثل هذه الأحاديث تدل على اجتماع الخوف والرجاء، وكذلك بعض ما ورد في القرآن، وهذا الحديث يدل على تغليب جانب حسن الظن، لكن حينما يغلب الإنسان جانب حسن الظن لا يعني أنه ينسى تمامًا عقاب الله تعالى ويكون مُفرِدًا للرجاء فحسب، لا يوجد عنده شيء من الخوف، لكن الكلام في التغليب فحسب، وهذا لا يعارض ما ورد من سؤال النبي ﷺ لهذا الرجل من أنه يخاف هذا وهذا.

وكذلك ما ورد عن جماعة من الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم كان الواحد لربما بكى عند موته؛ لأنه يخاف من ذنوبه يخاف من عذاب الله عز وجل فقد قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71].

وأهل العلم قالوا: أخبرنا ربنا في هذه الآية عن الورود، فلا ندري كيف الصدر بعد الورود، كيف يكون خروجنا من هذا الورود.

 

وقد ورد في السير أن أبا هريرة رضي الله عنه بكى عند موته، وبكى معاذ بن جبل، وبكى عبد الله بن رواحة لما أراد أن يذهب إلى مؤتة، وبكى جماعة من التابعين، ومن بعدهم من الصالحين، والعلماء، وعمرو بن العاص رضي الله عنه لما حضرته الوفاة بكى أيضًا، وأدار وجهه إلى الجدار.

والخلاصة: أنه على المؤمنِ أن يُحسِنَ الظَّنَّ باللهِ تعالى، ومع ذلك لا يَأمَنُ مَكْرَه، بل يَسْعى في الجَمعِ بينَ الاثنَين حتَّى يَلْقى اللهَ تعالى، وألَّا يَغُرَّه عمَلُه، بل ينبغي الخوفُ مِن عقابِ اللهِ مع رجاءِ ثوابِه وعفْوِه وفَضلِه.

 

اللهم أمنَّا يوم العرض عليك، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين

 

 

No comments:

Post a Comment