Monday 1 September 2014

صحابيات حول رسول الله - أم المؤمنين زينب بنت جحش أم المساكين



  




أم المساكين - أطولهن يدا
  نسبها
  زينب بنت جحش بن رباب الأسدية أم المؤمنين ، أبنة عمة رسول الله ، أمها : أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم، وخالها هو حمزة بن عبد المطلب وخالتها صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنهم جميعا.
وكانت قديمة في الإسلام ومن المهاجرات الأوائل .
  زواجها الأول من زيد بن حارثة رضي الله عنهما:
  كان زيد بن حارثة مولى السيدة خديجة رضي الله عنها ، وهبته لرسول اللهِ قبل البعثة وهو ابن ثماني سنوات فأعتقه وتبناه. وكانوا يدعونه زيد ابن محمد.
وقصته : هو زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي من بني قضاعة ، ولد حرا  لأبوين أحرار من قضاعة، قد خرجت به أمه في سفر وهو ابن ثماني سنوات تزور أهلها ، وفي الطريق كعادة العرب في ذلك الزمان أغار عليهما جماعة من قطاع الطرق واستطاعوا أن يأخذوا منها ابنها ،وتنجو هي بنفسها ، وباعوه في سوق النخاسة مع العبيد ، فاشتراه حكيم بن خزام ابن أخ السيدة خديجة رضي الله عنها واهداه لعمته خديجة رضي الله عنها ، ولما تزوجت رسول الله وهبته له فصار مَوْليً لرسول الله ﷺ.
وبينما هو ذات يوم بالسوق، إذ رآه جماعة من قومه فعرفوه، وأخبروا أباه أنه بالمدينة، فجاءه أبوه وأعمامه، يخبرون النبي بقصته ووطلبوا منه أن يعيده لهم،وكان قد تمكن في قلب رسول الله حبه، فقال رسول الله : خيِّروه، فإن اختاركم فهنيئاً لك، وإن اختارني، فَمَا كان لي أنْ أُسْلِمه، فردَّ زيد وقال: "ما أنا بالذي أختار عليك أحداً، أنت مني مكان الأب والعم ". فقالا له: " ويحك! أتختار العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟ " فقال لهما: " ما أنا بالذي أختار عليه أحداً. وإني يا أبي رأيت من ذلك الرجل الشيء الحسن فما أنا بمفارقه ". فحينها فرح رسول الله ووقف على صخرة  أمام الكعبة المشرفة وقال: "  يا أهل قريش اشهدوا، هذا زيد ابني يرثني وأرثه "، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا. ومنذ ذلك الحين دعي بـزيد بن محمد ،  وكانت هذه العادة وهي عادة التنبي موجودة في العرب وينسبوا المتبنى إلى متبنيه ، فصير كإبنه بالولادة يرث منه ويورثه، ويحرم على أبوه بالتبنى أن يتزوج زوجته إذا طلقها الولد أو مات عنها. وقد خَلّد الله تعالى زيداً في كتاب يُتْلى، ويُتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة ، فما ذُكر في القرآن اسم صحابي صريحا دونه فقال تعالى:{  فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا... } (الأحزاب 37).
وقد كان من فرط حب النبي لزيد ان اختار أن يزوجه بابنة عمته أميمة زينب بنت حجش ، روى قتادة وابن عباس ومجاهد : أن رسول الله خطب زينب بنت جحش، وكانت بنت عمته، فظنت أن الخطبة لنفسه، فلما تبين أنه يريدها لزيد، كرهت وأبت وامتنعت، فنزلت الآية‏.‏ فأذعنت زينب حينئذ وتزوجته‏.‏ في رواية‏:‏ فامتنعت وامتنع أخوها عبدالله لنسبها من قريش، وأن زيدا كان بالأمس عبدا، إلى أن نزلت هذه الآية: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ... } (الأحزاب: 36).
فزوجه رسول الله وأصدقها عشرة دنانير وستين درهماً وخماراً وملحفة ودرعاً، فمكثت عنده قريباً من سنة أو فوقها، وقد كانت تترفع عليه بنسبها ،وكان زيد يشكوها لرسول الله لأنها تؤذيه وتتكبر عليه بسبب عدم الكفاءة بالنسب من وجهة نظرها.
فجعل رسول الله يقول له: (أمسك عليك زوجك واتق الله) ، ويريد النبي  ان يتأكد من عزم زيد على طلاقها ، ,أنها قد خرجت فعلا من نفسه، وهو قد أوحى الله له أنه يتزوجها هو بعد طلاقها من زيد ، فعاتبه الله تعالى وقال سبحانه :  { وتخفي في نفسك ما اللهُ مبديه وتخشى الناس واللهُ أحق أن تخشاه} أي تخفي في نفسك ما أعلمك الله أياه من قبل أنها ستكون من أزواجك قبل أن يتزوجها ، وتخشى الناس أن يقولوا تزوج من زوجة ابنه بالتبني ، وهو عندهم حرام.
زواجها من الرسول والحكمة منه:
بعد أن طلق زيد السيدة زينب بنت جحش، زوجها الله تعالى لنبيه ليبطل عادة التبني في صورتها التي كانت عليه في الجاهلية. وذلك أن اللهَ أراد نسخ تحريم زوجة المتبني. قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبضا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وقال {ادْعُوهثمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أقسَطُ عِنْدَ اللهِ}  فكان يدعى بعد ذلك زيد بن حارثة. فلما أراد الحق سبحانه أن ينهي هذه العادة، ومثلها عادة الظهار، أنزل قوله سبحانه: { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ... } (الأحزاب 4).
فكما أن الرجل لا يكون له إلا قلب واحد، كذلك لا يكون له إلا أب واحد، وشاء الله أنْ يبدأ بمُتَبنَّي رسول الله ؛ ليكون نموذجاً تطبيقياً عملياً أمام الناس.
قال تعالى: { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} الوطر: هو الحاجة والأرب، أي لما فرغ منها وفارقها زوجناكها، وكان الذي ولي تزويجها منه الله عزَّ وجلَّ، بمعنى أنه أوحى إليه أن يدخل عليها بلا ولي ولا عقد ولا مهر ولا شهود من البشر، يروي أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله لزيد بن حارثة: (اذهب فاذكرها عليَّ) فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال زيد: فلما رأيتها عظمت في صدري: أي هابها لما كانت تتعاظم عليه، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها وأقول: إن رسول اللّه ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي، وقلت: يا زينب أبشري أرسلني رسول الله يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أؤمر ربي عزَّ وجلَّ، فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن: { فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} وجاء رسول الله فدخل عليها بغير إذن.
شبهة :
وأما ما يروى في ذلك من رؤية النبي زينب من وراء الستار في غياب زوجها زيد، وأنها وقعت من قلبه موقعًا بليغًا، ففتن بها وعشقها،  وعلم بذلك زيد فكرهها ولم يعد يستطيع أن يقربها ، وأنه كان يسأل النبي  أن يطلقها له ، والنبي يقول له : أمسك عليك زوجك ويخفي في نفسه حبه لها ، ثم أن زيدا ً طلقها وآثر النبي بها ليتزوجها بعده - فكله لم يثبت من طريق صحيح، والأنبياء أعظم شأنًا، وأعف نفسًا، وأكرم أخلاقًا، وأعلى منزلة وشرفًا من أن يحصل منهم شيء من ذلك، ثم إن النبي هو الذي خطبها لزيد رضي الله عنه، وهي ابنة عمته، فلو كانت نفسه متعلقة بها لاستأثر بها من أول الأمر، وخاصة أنها استنكفت أن تتزوج زيدًا ولم ترض به حتى نزلت الآية فرضيت، وإنما هذا قضاء من الله وتدبير منه سبحانه؛ لإبطال عادات جاهلية، وللرحمة بالناس والتخفيف عنهم.
يوم زواجها من رسول الله ﷺ :
وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة للهجرة ، وفي وليمة العرس روى ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: أعرس رسول الله ببعض نسائه- قال المؤرخون أنها زينب بنتت حجش- فصنعت أم سليم حيساً ثم جعلته في تَوْر (الحيس: طعام خليط من تمر وسمن وأَقِط. التور: وعاء صغير للشرب) ، فقالت: اذهب بهذا إلى رسول الله وأقرئه مني السلام وأخبره أن هذا منا له قليل، - قال أنس: والناس يومئذ في جَهْد - فجئت به، فقلت: يا رسول الله بَعثتْ بهذا أم سليم إليك، وهي تقرئك السلام وتقول أخبره أن هذا منا له قليل، فنظر إليه ثم قال: (ضعه) فوضعه في ناحية البيت ثم قال: (اذهب فادع لي فلاناً وفلاناً) فسمى رجالاً كثيراً، وقال: (ومن لقيت من المسلمين)، فدعوت من قال لي ومن لقيت من المسلمين فجئت والبيت والصفة والحجرة ملأى من الناس، فقلت: يا أبا عثمان كم كانوا؟ فقال: كانوا زهاء ثلاثمائة، قال أنس: فقال لي رسول الله : (جئْ به) فجئت به إليه فوضع يده عليه ودعا، وقال: (ما شاء اللّه) ثم قال: (ليتحلق عشرة عشرة وليسموا، وليأكل كل إنسان مما يليه) فجعلوا يسمون ويأكلون حتى أكلوا كلهم، فقال رسول الله : (ارفعه) قال: فجئت فأخذت التور، فنظرت فيه فما أدري أهو حين وضعت أكثر أم حين أخذت،
-     يؤدب الله تعالى المؤمنين في عدم إطالة المكث في بيته إذا دعوا إليه:
قال أنس في بقية الحديث السابق: وتخلف رجال يتحدثون في بيت رسول الله وزوج رسول الله التي دخل بها معهم مولية وجهها إلى الحائط فأطالوا الحديث، فشقوا على رسول الله وكان أشد الناس حياء، ولو أعلموا كان ذلك عليهم عزيزاً- اي أنهم لم يشعروا أنهم يؤذون رسول الله ، ولو علموا لكان مما يشق ويعز عليهم فعله- فقام رسول الله على حجره وعلى نسائه، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ابتدروا الباب، فخرجوا، وجاء رسول الله حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا في الحجرة فمكث رسول الله في بيته يسيراً وأنزل اللّه عليه القرآن فخرج وهو يتلو هذه الآية: { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي} الآيات، قال أنس: فقرأهن عليَّ قبل الناس فأنا أحدث الناس بهن عهداً ""رواه ابن أبي حاتم واللفظ له وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي بنحوه" ، فأدب الله تعالى المسلمين وعلمهم ما ينبغي عليهم من احترام شعور رسول الله ، وألا يثقلوا عليه المكث عنده كما يفعل أحدهم مع قرينه.
-     ينزِّل الله تعالى آية الحجاب بخصوص نساء النبي ﷺ: 
 وفي بقية حديث أنس يقول : ( حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب، وأخرى خارجه أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب) وهي قوله تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً} ( الأحزاب 53)، فالله تعالى أذن في مسألتهن من وراء حجاب، في حاجة تعرض، أو مسألة يستفتين فيها، والحجاب لنساء النبي هو أن لا يكلمهن أحد إلا من وراء ساتر، او باب، وليس فقط ما تلبسه ، ولذلك كان الصحابة يستفتون عائشة رضي الله عنها بعد ذلك ويسمعون منها وهي تكلمهم من وراء باب بيتها ، أو ستارة بيتها كما ورد في كثير من ألأحاديث.
زينب تفخر على سائر أزواج النبي ﷺ:
وكانت تفتخر زينب رضي الله عنها على سائر أزواج النبي فتقول: زوجكن أهلوكن وزوجني الله من السماء.
عن الشعبي قال: كانت زينب تقول للنبي : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهم: إن جدي وجدك واحد - تعني عبد المطلب - فإنه أبو أبي النبي وأبو أمها أميمة بنت عبد المطلب، وإني أنكحنيك الله عز وجل من السماء، وإن السفير جبريل عليه السلام.
من فضائلها رضي الله عنها :
كانت زينب رضي الله عنها هي التي تسامى عائشة بنت الصديق في الجمال والحظوة عند رسول الله ﷺ،  وكانت دينة ورعة عابدة كثيرة الصدقة وكانت تسمى أم المساكين
قالت عائشة رضي الله عنها: كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي ، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدَّق به، ويُتقرب به إلى الله ، ما عدا سورة من حدَّة- اي أنها شديدة في الغضب-  كانت فيها، تُسرع منها الفيئة – اي سريعة الرضى من الغضب-  
قصة التحريم:  
عن عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُوْلُ: سَمِعتُ عَائِشَةَ تَزْعُمُ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً.  فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا مَا دَخَلَ عَلَيْهَا، فَلْتَقُلْ: إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيْحَ مَغَافِيْرَ! أَكَلْتَ مَغَافِيْرَ!  فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ. َالَ: (بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ، وَلَنْ أَعُوْدَ لَهُ).
فَنَزَلَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ...} إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ تَتُوْبَا} -يَعْنِي: حَفْصَةَ وَعَائِشَةَ-.
أم المساكين، أطولهن يدا:
قالت عائشة رضي الله عنها : أن بعض أزواج النبي قلن للنبي: أيُّنا أسرع بك لحوقًا؟- أي بعد وفاته من تكون أسرعهن وفاتا ولحوقا به ﷺ- قال: " أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". فأخذوا قصبة يذرعونها، فكانت سودة أطولهن يدًا، فعلمنا بعدُ أنما كانت طول يدها الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به، وكانت تحبُّ الصدقة ." اي أنه لما كانت سودة بنت زمعة أطولهن يدا في الحقيقة، ولما لم تكن أولهن وفاتا بعد رسول الله ﷺ، بل كانت زينب هي أول من توفي من أزواجه من بعده ، ولأنها عُرفت بالصدقة ، فعلموا أن تأويل قوله : أَطْوَلُكُنَّ يَدًا". أي أكثركن صدقة وعطاءً.
ذات الورع والتقوى؛ حادثة الإفك:
في حادثة الإفك العظيمة خاض الكثير من الناس فيما ليس لهم به علم، قالت عائشة  رضي الله عنها: وكان رسول الله يسأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال: " يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟ " ، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمتُ إلاَّ خيرًا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله ، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
قال ابن حجر في الفتح: قوله: "يسأل زينب بنت جحش"، أي أم المؤمنين. " أحمي سمعي وبصري"، أي من الحماية، فلا أنسب إليهما ما لم أسمع وأبصر. وقوله: "وهي التي كانت تساميني"، أي: تعاليني من السمو، وهو العلو والارتفاع، أي: تطلب من العلو والرفعة والحظوة.
وفي هذا الأمر تظهر بوضوح تقوى السيدة زينب رضي الله عنها وورعها من أن تتَّهم ضَرَّتها السيدة عائشة رضي الله عنها  بشيء لم تَرَهُ عيناها، ولم تسمع به أذناها.
حياتها وزهدها بعد رسول الله
وقد ظلَّت رضي الله عنها جوَّادة كريمة بعد رسول الله ، زاهدة، لم تتعلق بالدنيا ومتاعها، فيُذْكَر أنه لمَّا جاء العطاءُ عمرَ، بعث إلى أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها بالذي لها، فلمَّا دخل عليها قالت: "غفر الله لعمر! لَغَيْرِي من أخواتي كان أقوى على قَسْم هذا منِّي". قالوا: هذا كله لكِ. قالت: "سبحان الله" واستترت دونه بثوب، وقالت: "صبُّوه واطرحوا عليه ثوبًا". فصبُّوه وطرحوا عليه ثوبًا، فقالت لبرزة بنت رافع: "أَدْخِلي يدكِ فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان". وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها، فقسّمته حتى بقيت منه بقيَّة: فقالت لها برزة: غفر الله لكِ! والله لقد كان لنا في هذا حظٌّ. قالت: "فلكم ما تحت الثوب". قالت: فرفعنا الثوب فوجدنا خمسة وثمانين درهمًا، ثم رفعت يديها، فقالت: "اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا". قالت: فماتت رضي الله عنها. (من كتاب: صفة الصفوة لابن الجوزي)
  زينب الأواهة :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ شَدَّادٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ قَالَ لِعُمَرَ: (إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ). قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا الأَوَّاهَةُ؟ قَالَ: (الخَاشِعَةُ، المُتَضَرِّعَةُ)؛ وَ{إِنَّ إِبْرَاهِيْمَ لَحَلِيْمٌ أَوَّاهٌ مُنِيْبٌ }( هود 75)
التزامها بعهد رسول الله ﷺ:
وقد اشتركت رضي الله عنها مع النبي في غزوة الطائف بعد حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الوداع،  وبعد وفاة النبي ظلَّت السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها محافِظةً على عهد رسول الله ، لازمة بيتها؛ ففي حجة الوداع قال رسول الله لزوجاته: " هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصُرِ"،  : أي بعد هذه الحجة فما لكن إلا الجلوس فوق الحصر، فكن كلهن يحججن إلاَّ زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان: والله لا تحرِّكنا دابَّة بعد أن سمعنا ذلك من النبي .
روايتها للحديث:
رويت عن رسول الله أحد عشر حديثا
ومما أخرجه البخاري " عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن زينب بنت جحش أن رسول الله دخل عليها يوما فزعا يقول :" لا إله إلا الله ، ويل للعرب ، من شرق اقترب ، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه – وحلق بإصبعيه الإبهام والتي تليها – قالت زينب بنت جحش : فقلت: يا رسول الله أفنهلك وفينا الصالحون؟ قال: " نعم إذا كثر الخبث."
وفاتها :
عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، عَنِ القَاسِمِ:  قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ حِيْنَ حَضَرَتْهَا الوَفَاةُ: إِنِّي قَدْ أَعْدَدْتُ كَفَنِي؛ فَإِنْ بَعَثَ لِي عُمَرُ بِكَفَنٍ، فَتَصَدَّقُوا بِأَحَدِهِمَا؛ وَإِنِ اسْتَطَعْتُم إِذْ أَدْلَيْتُمُوْنِي أَنْ تَصَدَّقُوا بِحَقْوَتِي، فَافْعَلُوْا
كانت أوَّل أزواج النَّبيّ وفاة كما أسلفنا: تُوُفِّيَتْ في خلافة عمر بن الخطاب في عام عشرين من الهجرة وصلى عليها، وقيل: في عام واحد وعشرين من الهجرة، وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة.

No comments:

Post a Comment