Monday, 19 September 2016

أدعية عظيمة: اللهم يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله




 


أدعية عظيمة : يا حي يا قيوم برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي لفاطمة رضي الله عنها :
" ما يَمنعُكِ أنْ تسمَعِي ما أُوصِيكِ بهِ ؟ أنْ تقولِي إذا أصبحتَ وإذا أمسيْتَ : يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِكِ أستغيثُ ، أصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ ، ولا تكِلْنِي إلى نفسِي طرْفةَ عيْنٍ" ( صحيح الجامع للألباني ، وقال حديث حسن)
ورواه النسائي في "السنن الكبرى"  وفي "عمل اليوم والليلة" ، والحاكم في "المستدرك .
وقد ورد هذا الدعاء ، بلفظ مقارب للمذكور هنا ، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ، أن النَّبِيَّ قَالَ : دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ “ .(رواه أحمد،وحسنه الألباني في صحيح الجامع )

الشرح:

هذا الدعاء من أعظم الأدعية التي تتضمن تحقيق العبودية لله رب العالمين ، وتتضمن التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته ، فهو سبحانه الحي القيوم ، الرحمن الرحيم ، والعبد يستمد العون والتأييد من قيوميته عز وجل ، كما يستغيث برحمته التي وسعت كل شيء ، لعله ينال منها ما يسعده في دنياه وآخرته.

خصوصية اسمه تعالى الحي القيوم:

ورد في خصوص " اسم الله الأعظم " عدة أحاديث ، أشهرها :
1. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله قال : " اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ : فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ "  .[ يشير إلى أن اسمه تعالى" الحي القيوم " هو اسم الله الأعظم  قد ورد في هذه السور الثلاث]  (رواه ابن ماجه،  وحسَّنه الألباني في " صحيح ابن ماجه ) .

2. عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ جَالِسًا وَرَجُلٌ يُصَلِّي ثُمَّ دَعَا " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ " ، فَقَالَ النَّبِيُّ : " لَقَدْ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى " ( رواه الترمذي ، وأبو داود ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .)

3. عن بُرَيْدَةَ بنِ الحُصَيْب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ " اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " ، فَقَالَ : ( لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ) ( رواه الترمذي ، وأبو داود وصححه الألباني في " صحيح أبي داود )" . قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله  :وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك .

عودة لشرح الحديث :

ثم يسأل الله تعالى صلاح الأمور والأحوال ، فيقول : " أصلح لي شأني كله " أي : جميع أمري : في بيتي ، وأهلي ، وأولادي، وجيراني ، وأصحابي ، وفي عملي ودراستي وفي نفسي وقلبي وصحتي...في كل شيء يتعلق بي ، اجعل يا رب الصلاح والعافية حظي ونصيبي .
وذلك كله من فضل الله سبحانه وتعالى ، وليس باستحقاق العبد ولا بجاهه ، ولذلك ختم الدعاء بالاعتراف بالفقر التام إليه سبحانه ، وإنه لا حول ولا قوة للمرء إلا بالله ، وهو وحده القادر على إصلاحه وإصلاح أمره ، فقد يعمل المرء ما يظن أنه خير له وصلاح ، بل ويسأل الله تعالى ما يظن أن فيه خير له ،فيكون عمله ، أو ما طلب وبال عليه ، وعكس مراده ، كما قال تعالى ( وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا) ( الإسراء 11)، قال  الشيخ السعدي رحمه الله :" هذا من جهل الإنسان وعجلته حيث يدعو على نفسه وأولاده وماله بالشر عند الغضب ويبادر بذلك الدعاء كما يبادر بالدعاء في الخير، ولكن الله - بلطفه - يستجيب له في الخير ولا يستجيب له بالشر. ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) ( يونس 11)  ولذلك علمهم نبينا الكريم أن نقول: ( ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ) أي:  لا تتركني لضعفي وعجزي لحظة واحدة،  بل أصحبني العافية دائما، وأعني بقوتك وقدرتك ، فإن من توكل على الله كفاه ، ومن استعان بالله أعانه ، والعبد لا غنى به عن الله طرفة عين .
فأكمل الخلق أكملهم عبودية ، وأعظمهم اعترافا بفقره وضرورته وحاجته إلى ربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين .
ولهذا كان من دعائه : " أصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ ، ولا تكِلْنِي إلى نفسِي طرْفةَ عيْنٍ"  ولا إلى أحدٍ مِن خَلقِك " ، وكان يدعو : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".( صحيح الترمذي - صحيح)
يعلم أن قلبه بيد الرحمن عز وجل ، لا يملك منه شيئا ، وأن الله سبحانه يصرفه كما يشاء ، كيف وهو يتلو قوله تعالى : ( وَلَولا أَن ثَبَّتناكَ لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَليلًا)( الإسراء 74)
فضرورته إلى ربه وفاقته إليه بحسب معرفته به ، وحسب قربه منه ، ومنزلته عنده " انتهى، طريق الهجرتين"
وقال المناوي رحمه الله ، في شرح الرواية الثانية ، دعاء المكروب : " ومن شهد لله بالتوحيد والجلال مع جمع الهمة وحضور البال فهو حري بزوال الكرب في الدنيا والرحمة ورفع الدرجات في العقبى " .ولذا جاء أيضا في دعاء المكروب قوله : اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ " ، في هذا أوضح دلالةً على أن أعظم علاج الكرب, هو تجديد الإيمان، وترديد كلمات التوحيد " لا إله إلا أنت" ؛ فإنه ما زالت شدَّة، ولا ارتفع همٌّ ولا كربٌ بمثل توحيد اللَّه، وإخلاص الدين له، وتحقيق توحيد العبودية له عز وجل التي خُلق الخلق من أجلها، فإن القلب عندما يُعمر بالتوحيد والإخلاص، ويُشغل بهذا الأمر العظيم، الذي هو أعظم الأمور، وأجلها على الإطلاق، تذهب عنه الكُربات، وتزول عنه الشدائد، والغموم خاصة إذا فُهِمَتِ المعاني، وعُمل بالمقاصد، فإن يونس عليه السلام ما أزال اللَّه عنه الكربات إلا عند قوله: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾( الأنبياء 87)،  قال النبي " ألا أخبركم بشيء: إذا نزل برجل منكم كرْبٌ، أو بلاء من بلايا الدنيا، دعا به يُفرج عنه ؟ فقيل له: بلى , فقال: دعاء ذي النون" ، كما ورد من دعائه في الكرب :  " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ، وَرَبُّ الْأَرْضِ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " ، ففيها من توحيد الله سبحانه وتعظيمه ما يعمر القلب بالإيمان بأن ما من شيء إلا منه سبحانه ، ولا مرد له إلا به سبحانه وبحوله وقوته.

يا حيُّ يا قيُّومُ برحمتِكِ أستغيثُ، أصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ، ولا تكِلْنِي إلى نفسِي طرْفةَ عيْنٍ

No comments:

Post a Comment