Tuesday 11 July 2017

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات – سورة الجمعة ج 3 – في ذم اليهود وبيان جهلهم:





 




تفسير سورة الجمعة ج 3 – في ذم اليهود وبيان جهلهم:

قوله تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ضرب الله مثلا لليهود لما تركوا العمل بالتوراة ولم يؤمنوا بمحمد ( حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ) أي كلفوا العمل بها؛ عن ابن عباس، وقال الجرجاني: هو من الحمالة بمعنى الكفالة؛ أي ضمنوا أحكام التوراة، ( كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) وأسفارا:  جمع سِفْر، وهو الكتاب الكبير.
في اللغة:
سَفَر الشَّيءُ – بفتح السين والفاء-: وضح وانكشف، سَفَرَ الصُّبْحُ : أضَاءَ، أشْرَقَ وبان بياضه، والسفَرٌ : بقيَّة بياض النهار بعد مَغِيب الشمس
    السِّفْرُ – بكسر السين وتسكين الفاء-: الكتابُ أَو الكتاب الكبير، الجمع : أسْفار
  يقال:  أسْفار موسى : الأجزاء الخمسة الأولى من التوراة.
 وسمي الكتاب الكبير سِفراً لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ.
السَّفَرٌ : رحيل ، رحلة ، تنقُّل في البلاد
" إنِّي على جناح سَفَر" : قالها النّبِي وهو يتجهّز لغزوة تبوك.( من معجم المعاني الجامع)

قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسِفرٌ على ظهره أم زبيل؛ فهكذا اليهود، وفي هذا تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه؛ لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء من اليهود فيصير مثلهم، وقال الشاعر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأوساقه أوراح ما في الغرائر
وقال يحيى بن يمان: يكتب أحدهم الحديث ولا يتفهم ولا يتدبر، فإذا سئل أحدهم عن مسألة جلس كأنه مكاتب.

( ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ) أي لم يعملوا بها، شبههم - والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها - بالحمار يحمل كتبا وليس له إلا ثقل الحمل من غير فائدة،  فهو يحملها حملا حسيا ولا يدري ما عليه، وكذلك هؤلاء في حملهم الكتاب الذي أوتوه، حفظوه لفظا ولم يفهموه ولا عملوا بمقتضاه، بل أولوه وحرفوه وبدلوه، فهم أسوأ حالا من الحمير؛ لأن الحمار لا فهمَ له، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها؛ ولهذا قال في الآية الأخرى:( أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)( الأعراف179 ) فقال فيهم: ( بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ الله ) المثل الذي ضربناه لهم؛ فحذف المضاف، ( واللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي من سبق في علمه أنه يكون كافرا، عن ابن عباس قال، قال رسول اللّه : (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب، فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، والذي يقول له: أنصت ليس له جمعة) (أخرجه الإمام أحمد – قال عنه ابن حجر في بلوغ المرام إسناده لا بأس فيه)

الآيات: 6 - 7 ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّـهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٦﴾ وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)

لما ادعت اليهود الفضيلة وقالوا: ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّـهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ( المائدة 18 ) قال الله تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ للهِ مِن دُونِ النَّاسِ ) فللأولياء عند الله الكرامة. ( فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) لتصيروا إلى ما يصير إليه أولياء الله من الكرامة في الحياة الآخرة، أي أي إن كنتم تزعمون أنكم على هدى، وأنّ محمداً وأصحابه على ضلالة، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ، فقال:( وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ) والمراد بتمني الموت هو أن يدعوا الفريقين على الضال من أنفسهم أو خصومهم بالموت إن كان من الكاذبين، كما ورد في سورة آل عمران من مباهلة النصارى في قوله تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) ( آل عمران61 )

وعند قال الإمام أحمد: عن ابن عباس قال: قالَ أبو جَهْلٍ : إن رأيتُ محمدًا يصلِّي عندَ الكعبةِ لآتينَّهُ حتَّى أطأ على عُنقِهِ ، قالَ : فقالَ رسول الله : " لو فعلَ لأخذَته الملائكةُ عَيانًا، ولو أنَّ اليَهودَ تمنَّوا الموتَ لماتوا ورأَوا مقاعدَهُم منَ النَّارِ، ولو خرجَ الَّذينَ يُباهلونَ رسولَ اللَّهِ لرجَعوا لا يجِدونَ مالًا ولا أَهْلًا"  ( ورواه أحمد شاكر ، وقال عنه صحيح) ،أي بما أسلفوه من تكذيب محمد ؛ فلو تمنوه لماتوا؛ فكان في ذلك بطلان قولهم وما ادعوه من الولاية، وفي حديث أن النبي قال لما نزلت هذه الآية: " والذي نفس محمد بيده لو تمنوا الموت ما بقي على ظهرها يهودي إلا مات " . وفي هذا إخبار عن الغيب، ومعجزة للنبي . ومثل هذا المعنى في سورة البقرة  في قوله تعالى :( قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِندَ اللَّـهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [ البقرة: 94

ثم يخبرهم تبارك وتعالى: ( قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )( ٨)، أن لا بد لكم من الموت، ولكنكم إذا متم فإنكم ترجعون إلى الله وتجدون جزاء أعمالكم.
قال الزجاج: لا يقال: إن زيدا فمنطلق، وها هنا قال: ( فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) لما في معنى ( الذي ) من الشرط والجزاء، أي إن فررتم منه فإنه ملاقيكم، ويكون مبالغة في الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه، وفي الحديث عن سمرة بن جندب قال: " مَثَلُ الَّذي يفِرُّ مِن الموتِ كمَثَلِ الثَّعلبِ تطلُبُه الأرضُ بدَيْنٍ فجعَل يسعى حتَّى إذا عَيِي وانبَهَر دخَل جُحرَه فقالت له الأرضُ يا ثَعلبُ دَيْني فخرَج وله حُصاصٌ فلَمْ يزَلْ كذلكَ حتَّى انقطَعَتْ عُنقُه فمات" ( الأصح أنه موقوف ، ولا يرفع للنبي – الألباني)
قال زهير:
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه  ***   ولو رام أسباب السماء بسلم
وقال طرفة:
وكفى بالموت فاعلم واعظا  ***   لمن الموت عليه قد قدر
كل شيء سوف يلقى حتفه  ***   في مقام أو على ظهر سفر
والمنايا حوله ترصده   ***   ليس ينجيه من الموت الحذر

اللهم ربنا أنت وليُّنا فى الدنيا والاّخرة توفنا مسلمين والحقنا بالصالحين ، اللهم ارحم موتانا وموتا المسلمين واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين،  اللهم ارزقني قبل الموت توبة وعند الموت شهادة وبعد الموت جنة اللهم ارزقني حسن الخاتمة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات

No comments:

Post a Comment