Monday 10 July 2017

تفسير وربط للآيات وبيان المتشابهات – سورة الجمعة ج 2 – امتنان الله جل وعلا على عباده ببعثة سيد الخلق محمد ﷺ بخاتمة الرسالات.

  

 


  





تفسير سورة الجمعة ج 2 – امتنان الله جل وعلا على عباده ببعثة سيد الخلق محمد بخاتمة الرسالات.


التفسير:

قوله تعالى: ﴿ يُسَبِّحُ لِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ السورة تبدأ بتسبيح الله تعالى، والتسبيح من صور الثناء على الله ، بتقديسه وتنزيهه عن النواقص، والتسبيح هنا بصيغة الفعل المضارع، وهو يمعنى الحاضر والإستمرار، وفي الثلاث سور السابقة [ الحديد – الحشر – الصف ] بدأت بالفعل الماضي، والذي يفيد الماضي والإستمرار ، وهو أعم ووأشمل ، وهنا قال ( يسبح ) والكلام في هذه السورة عن رسالة محمد، ورسالة محمد حاضرة ومستقبلة، قال فيها ( يتلو ) ولم يقل تلا،  ( فيسبح ) تنسجم مع ( يتلو، ويزكيهم، ويعلمهم).( د. السمرائي)
ويلاحظ في كل سور المسبحات يذكر أهل السماء بالتسبيح قبل أهل ألأرض لأن أهل السماء خلقوا وسبحوا لله قبل أهل الأرض فهم من بدؤوا بالتسبيح، وهم أدوم بالتسبيح، فأهل الأرض يفترون عن التسبيح ، وأهل السماء لا يفترون، قال تعالى : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) (20 الأنبياء) وقال تعالى: (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ) ( فصلت 38) فهم أسبق بالتسبيح، وهم كذلك أدوم للتسبيح .
وقد سبق في سورة الحشر شرح أسماء الله تعالى الواردة في هذه الآية.
قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا )
يقول قال ابن عباس: الأميون العرب كلهم، من كتب منهم ومن لم يكتب، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، وقيل: الأميون الذين لا يكتبون، وكذلك كانت قريش، وروى منصور عن إبراهيم قال: الأمي الذي يقرأ ولا يكتب، ( رَسُولًا مِّنْهُمْ )  يعني محمدا منهم جميعا، وما من حي من العرب إلا ولرسول الله فيهم قرابة وقد ولدوه. قال ابن إسحاق: إلا حي تغلب؛ فإن الله تعالى طهر نبيه منهم لنصرانيتهم، فلم يجعل لهم عليه ولادة.
وكان أميا لم يقرأ من كتاب ولم يتعلمها . ( وهذا ما يجب التأكيد عليه ولا ننخدع بقول المشككين الآن أنه  كان يقرأ ويكتب وهدفهم من ذلك ليس مدحاً لرسول الله ، بل لتكذيبه وتمرير القول بأنه تعلم من أهل الكتاب وقرأ في كتبهم – انظر النقطة الثالثة مما قاله الماوردي – )
قال الماوردي: فإن قيل ما وجه الإمتنان بإن بعث نبيا أميا؟ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
 أحدها: لموافقته ما تقدمت به بشارة الأنبياء، كما قال في سورة الأعراف:( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ) ( 157 )
الثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم.
الثالث: لينتفي عنه سوء الظن في تعليمه ما دعا إليه من الكتب السابقة التي قرأها والحكم التي تلاها، أو كما يزعم المبطلون أنه أخذ علمه من التوراة والإنجيل.
قلت: وهذا كله دليل معجزته وصدق نبوته.قال تعالى : ( وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) ( العنكبوت48)( احفظي هذه الآية للرد على المسلمين المشككين)
قوله تعالى: ( يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)  يعني القرآن ( وَيُزَكِّيهِمْ ) أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان؛ قاله ابن عباس. وقيل: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب؛ ويزكي نفوسهم من سوء الأخلاق فقد جاء بالخلق العظيم، ومدج نبيه الكريم أنه ( وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ) ( القلم 4 ) قاله ابن جُريْج ومقاتل. وقال السُّدي: يأخذ زكاة أموالهم- فهي زكاة للنفوس-
( وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ) يعني القرآن ( وَالْحِكْمَةَ ) السنة؛ قاله الحسن، وقال ابن عباس: ( الْكِتَابَ )  الخط بالقلم؛ لأن الخط فشا في العرب بالشرع لما أمروا بتقييده بالخط. وقال مالك بن أنس: ( وَالْحِكْمَةَ ) الفقه في الدين، والمعنى الأول أولى وهو الشائع عند المفسرين، وفي الثاني لفته ذكية، فتعلم الكتاب يحتاج للكتابة بالخط ، والفقه هو تمام الفهم والتحليل.
( وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ ) أي من قبله وقبل أن يرسل إليهم( لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) أي في ذهاب عن الحق.
وهذه الآية هي مصداق إجابة الله  تعالى لدعاء خليله إبراهيم عليه السلام، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة، ثم قال :ويزكيهم، ( ويلاحظ أن دعوة سيدنا إبراهيم بدأ يتعليم الكتاب والحكمة، وثم قال ( ويزكيهم )، ولكن الله تعالى قال أنه بعثه ليزكيهم، ثم يعلهمهم الكتاب والحكمة، وهذا دليل على أن التزكية هي تزكية النفوس عن الكفر أولا، فإذا ثبتت هذه في العقيدة، كان تعلم الكتاب والحكمة مما يعزز العقيدة الصحيحة)، فبعثه الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة، على حين فترة من الرسل( وهي فترة 600 عام تقريبا بينه وبين عيسى عليه السلام ، وليس بينهما نبي ولا رسول، وكانت الرسل والأنبياء قبل عيسى عليه السلام تتتابع ، وقد يكون في نفس الزمان عدد من الرسل مجتمعين)، وقد اشتدت الحاجة إليه، وقد مقت الله أهلَ الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب - أي:نـزرا يسيرا- ممن تمسك بما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام.
وقوله تعالى: ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)
وعبارة ( وَآخَرِينَ مِنْهُمُ ) هي عطف على ( الْأُمِّيِّينَ ) أي بعث في الأميين وبعث في آخرين منهم، ويجوز أن يكون منصوبا بالعطف على الهاء والميم في ( وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ )؛ أي يعلمهم ويعلم آخرين من المؤمنين؛ لأن التعليم إذا تناسق إلى آخر الزمان كان كله مسندا إلى أوله، فكل من تعلم من الدين في كل زمان ومكان فلرسول الله فضل في تعليمه، فكأنه هو الذي تولى كل ما وجد منه، ( لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أي لم يكونوا في زمانهم وسيجيؤون بعدهم، وهذا يشمل اللاحقين من المسلمين في الزمان ، ومن سيسلم حتى أخر الزمان. قال ابن عمرو سعيد بن جبير: هم العجم. وفي صحيح البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال:"  كنا جلوسا عند النبي إذ نزلت عليه سورة « الجمعة » فلما قرأ ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا. قال وفينا سلمان الفارسي. قال: فوضع النبي يده على سلمان ثم قال: ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء )، وفي رواية ( لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس - أو قال - من أبناء فارس حتى يتناوله"  لفظ مسلم. وقال عكرمة: هم التابعون. مجاهد: هم الناس كلهم؛ يعني من بعد العرب الذين بعث فيهم محمد . وقال ابن زيد ومقاتل بن حيان: هم من دخل في الإسلام بعد النبي إلى يوم القيامة، ويؤيده ما وروى سهل بن سعد الساعدي: أن النبي . قال: ( إن في أصلاب أمتي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب - ثم تلا - « ( وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) ، والقول أنهم جميعاً معنيون أثبت. وقد روي أن النبي قال: " رأيتني أسقي غنما سودا ثم اتبعتها غنما عفرا أوِّلها يا أبا بكر- أي فسِّر الرؤيا- ) فقال أبو بكر: يا رسول الله، أما السود فالعرب، وأما الغفر فالعجم تتبعك بعد العرب، فقال النبي : " كذا أولها الملك " يعني جبريل عليه السلام. رواه ابن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي ، وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه( إسناده ضعيف )
الآية: 4 ( ذَلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ )
قال ابن عباس: حيث ألحق العجم بقريش، يعني في الإسلام، فضل الله يؤتيه من يشاء؛ قال الكلبي. وقيل: يعني الوحي والنبوة هو فضل الله على عباده أن دلهم عليه؛ وقيل: إنه المال ينفق في الطاعة؛ وهو معنى قول أبي صالح فيما رواه عنه مسلم عن أبي هريرة أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم. فقال: " وما ذاك " ؟ قالوا: يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله : " أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم " قالوا: بلى يا رسول الله؛ قال: " تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة " . قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فلعنا ففعلوا مثله. فقال رسول الله : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء "،  وقيل: أنه أعم هو انقياد الناس إلى تصديق النبي ودخولهم في دينه ونصرته. والله اعلم.

اللهم إنا نسألك علما نافعا ، وقلوبا خاشعة ، والسنة ذاكرة ، ودعاءً مستجابا يا رب العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً يا رب العالمين

   

No comments:

Post a Comment