Tuesday 23 July 2019

أحاديث نبوية عظيمة وشرحها ؛ شرح حديث: حديث رضوان الله عز وجل على أهل الجنة



  



حديث رضوان الله عز وجل على أهل الجنة



عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال النبي : "إنَّ اللَّهَ يقولُ لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ والخَيْرُ في يَدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى يا رَبِّ وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ، فيَقولُ: ألا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، فيَقولونَ: يا رَبِّ وأَيُّ شيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ، فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَدًا." (رواه البخاري)

ما الفرقٌ بين الرضا والرضوان؟ وكيف الوصول إلى رضوان الله تعالى؟

إن الرضا يكون من الله عن العبد، ومن العبد عن ربه، يقول ربنا ومولانا تبارك وتعالى في أ ربع مواضع من القرآن الكريم: ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ 119)، وسورة التوبة آية 100، وسورة المجادلة آية 22، وسورة البينة آية 8، وفي هذا إشارة إلى أن بلوغ أفق الرضا هو أسمى غاية ينبغي للمؤمنين الوصول إليها.
والرضا والرضوان بمعنى واحد، إلا أن الرضوان يعبَّر به عن الرضا الكثير، وأعظمُ الرِّضَا رضا الله تعالى، لذا خُصّ الرّضوانُ في القرآن بما كان من الله تعالى.

كيف يكون رضا العبدِ عن ربه؟ 

بين لنا سيدُنا رسول الله إلى أن المسلم لا يذوق طعم الإيمان إلا إذا رضي عن ثلاثة؛ قال: “ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا" (صحيح مسلم)، فهذا بيان من النبي عما يجب يكون هدف المؤمن للعلاقة بينه وبين وربِّهِ، وهي ما نصبوا للوصول إليه؛ أن نكون ممن ﴿رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (سُورَةُ الْمَائِدَةِ 119).

 ورضى العبد عن ربه: هو أن يرضى العبدُ عنه سبحانه وتعالى خالقاً ومدبراً وآمراً وناهيا، ومقدراً ومالكاً وحاكماً، لا أمر بعد أمره، ولا معبود بحق وحب وخوف وإجلال غيره، فيُذعِنَ قلبًا لكل ما قدّره الله، ويستقبلَ ما حلّ به من بلايا ومصائب بسكينةٍ واطمئنان لأنه بين يدي الرحمن الرحيم.
 وعن دين الإسلام المبين الذي وضعه ربُّه، فلا سخط ولا تردد ولا كراهةً. قال رسول الله: " لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ" (النووي في الأربعين النووية–صحيح)
وعن رسول الله الذي بلّغنا هذا الدينَ الحنيفَ، فيتخذه القدوة في كل أعماله وأقواله، ويكون حبه له أحب إليه من ماله وولده ونفسه، كما قال : " ولا يُؤمِنُ أحَدُكم حتى أكونَ أحَبَّ إليه من وَلَدِهِ، ووَالِدِهِ والنَّاسِ أجْمعينَ" (متفق عليه)

فمَن حرص على أن يروض نفسه على الرضى عن ربه، وجعله دائمًا جُلَّ همِّهِ، وغايةَ آمالِهِ، وسعى سعيًا حثيثًا في سبيله؛ فاز برضا الله تعالى عنه؛ وهذه العلاقة متبادلة، لأن الله جلَّ جلالُه إن لم يرضَ عن عبدٍ من عباده حرَمَهُ الشعورَ بالرضا، كما يمكن أن يُقال إنّ مَن لم يَرضَ عن الله تعالى وقضائه وقدره ولم يقابِل كلَّ مصيبةٍ تنزل به بتسليمٍ وطيبِ نفسٍ فهذا يُعدّ علامةً واضحةً على عدم رضا الله تعالى عنه.

الرضوان: بشرى السعادة الأبدية

أما الرضوان في الآخرة فهو الجزاء الذي يتحصّل عليه العبد مقابل سعيِهِ وجُهدِهِ في الدنيا لِنَيلِ مرضاة ربِّهِ، فرضوان الله هو نعمةٌ تفوقُ كلَّ التصوُّرات، يتفضَّل الله بها على عباده المؤمنين في دار السعادة الأبدية؛ فيسقي اللهُ أرواحهم منها؛ فيشعرون بنفحةٍ من اللذة الروحاني المعنوية التي تُنسيهم حتى نعيم الجنة.

أيّهما أعظم فضلًا: الرضوان، أم رؤية وجه الله تعالى؟

جاء في كثير من الآيات الدلالة على أن من أعظم نعيم أهل الجنة أن الله يرضى عنهم فلا يسخط عليهم أبداً، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة 72]. وقوله تعالى: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أي: رضوان الله عليهم أكبر مما هم فيه من النعيم، ومن رضي الله عنه كشف له الحجاب فرأى وجهه سبحانه ذي الجلال والإكرام، فإن نعيمهم لم يطب إلا برؤية ربهم ورضاه عنهم، فرضا الله رب السماوات أكبر من نعيم الجنات ، فلا نعيم للنفس وللروح فوق هذا النعيم، قال الله تعالى: (الِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (يونس، 26)، وجمهور المفسرين على أن المراد بـ (وَزِيَادَةٌ) في الآية الكريمة رؤية الله عز وجل، وهو التفسير المأثور عن أبي بكر وعلي وابن عباس، وحذيفة، وابن مسعود، وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم أجمعين، وخلق آخرين، وروي مرفوعاً إلى رسول الله من طرق شتى” ، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران 15].

فمما سبق، ومما ذكره علماءُ أصول الدين ذوو الدراية بالكتاب والسنّة الصحيحة يمكننا أن نستنبط أن رؤية وجه الله جل وعلا هي من أعظم نعم الجنة، قال الشيخ سعيد النورسي: “إن قضاء ألفِ سنةٍ من حياة الدنيا وفي سعادةٍ مرفَّهة، لا يساوي غمسة واحدةً في حياةِ الجنة! وإن قضاءَ حياةِ ألفِ سنةٍ وسنةٍ بسرور ٍكاملٍ في نعيم الجنة لا يساوي ساعةً من فرحةِ رؤيةِ وجه الله سبحانه" والله أعلم.
من أسباب رضا الله عن العبد في الدنيا والآخرة: 
 

وما ينفعنا هنا أن نبحث عما يوصلنا إلى رضوان الله من دستورنا العظيم، كتاب الله وسنة نبيه الكريم لتكون هدفنا وغايتنا في الحياة، ونجد من هذه الأسباب:


أولاً: الإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7-8] 


ثانياً: بذل النفس لله تعالى ولرسوله ؛ والذب عن دينه، والجهاد في سبيله، قال تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ [الفتح 18] 


ثالثاً: البراءة من الشرك والمشركين وإظهار عداوتهم؛ قال تعالى: ﴿ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة22]. 
 هؤلاء الذين اتصفوا بالصفات السابقة آثروا رضا الله عن مولاة أقرب الناس إليهم ، فأعطاهم أكبر النعيم وأفضله وهو أن الله يُحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً، ويرضون عن ربهم بما يعطيهم من أنواع الكرامات، ووافر المثوبات، وجزيل الهبات، ورفيع الدرجات، بحيث لا يرون فوق ما أعطاهم مولاهم غاية، ولا فوقه نهاية. ( تفسير الشيخ السعدي )


رابعاً: الكلمة الطيبة؛ روى الإمام أحمد في مسنده من حديث بلال بن الحارث رضى الله عنه أن النبي قال: " إنَّ أحدَكُم ليتَكَلَّمُ بالكلِمةِ من رضوانِ اللَّهِ ما يظنُّ أن تبلُغَ ما بلغت فيَكْتبُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ لَه بِها رِضوانَهُ إلى يومِ القيامةِ " (صححه الألباني) 
.
خامساً: الإحسان والصدقة؛ قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة 100].

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضى الله عنه، أن النبي قال: " إنَّ ثَلاثَةً في بَنِي إسْرائِيلَ: أبْرَصَ، وأَقْرَعَ، وأَعْمَى، فأرادَ اللَّهُ أنْ يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إليهِم مَلَكًا، " الحديث، وفي آخره: فقالَ – أي الذي كان أعمى ، ورد الله عليه بصره ، قال معترفا بفضل الله عليه-: قدْ كُنْتُ أعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ إلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ ما شِئْتَ، ودَعْ ما شِئْتَ، فَواللَّهِ لا أجْهَدُكَ اليومَ شيئًا أخَذْتَهُ لِلَّهِ، فقالَ: أمْسِكْ مالَكَ، فإنَّما ابْتُلِيتُمْ، فقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وسُخِطَ علَى صاحِبَيْكَ "( رواه مسلم)


سادساً: حمد الله وشكره على النعم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي قال: " إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الأكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا "

سابعاً: رضا الوالدين؛ روى الترمذي في سننه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي قال: "رِضَى الربّ في رِضَى الوالدِ، وسَخَطُ الرَبّ في سخطِ الوالدِ" (صححه الألباني) 



ثامناً: الرضا بقضاء الله وقدره؛ روى الترمذي في سننه من حديث أنس رضى الله عنه- أن النبي قال: "إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالى إذا أحَبَّ قومًا ابتلاهُم، فمَن رَضِيَ فله الرِّضا، ومَن سَخِطَ فله السَّخَطُ" (حديث حسن- صحيح ابن ماجة)




تاسعاً: استعمال السواك؛ روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: "السِّواكُ مَطهَرةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّبِّ " (صحيح ابن حبان)

قال الشيخ السعدي رحمه الله: ولو تتبعنا النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لوجدنا الكثير فيها. 

وقال: وينبغي للعبد أن يسعى إلى رضا الله، ولو كان ذلك بسخط الناس؛ روى الإمام الترمذي في سننه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي قال: " منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ" (صحيح الترمذي)

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار

No comments:

Post a Comment