Wednesday 24 April 2024

تفسير سورة الإسراء 4 توحيد الخالق-وتحدي الخلق


  

 

تابع: تفسير سورة الإسراء-ح4

تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴿٤٤﴾‏

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ} من حيوان ناطق وغير ناطق ومن أشجار ونبات وجامد وحي وميت {إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} بلسان الحال ولسان المقال. {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} أي: تسبيح باقي المخلوقات التي على غير لغتكم بل يحيط بها علام الغيوب.{ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } حيث لم يعاجل بالعقوبة من قال فيه قولا تكاد السماوات والأرض تتفطر منه وتخر له الجبال ولكنه أمهلهم وأنعم عليهم وعافاهم ورزقهم ودعاهم إلى بابه ليتوبوا من هذا الذنب العظيم ليعطيهم الثواب الجزيل ويغفر لهم ذنبهم، فلولا حلمه ومغفرته لسقطت السماوات على الأرض ولما ترك على ظهرها من دابة.

يقول تعالى تقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن أي من المخلوقات وتنزهه وتعظمه وتجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته

ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

من ذي المهابة مشفقات لذي العلو بما علا سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى .

وقوله ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) أي لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد وهذا أشهر القولين كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل .

وفي حديث أبي ذر أن النبي أخذ في يده حصيات فسمع لهن تسبيح كحنين النحل -وكذا يد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم [ أجمعين ، وهو حديث مشهور في المسانيد] .

وقال الإمام أحمد حدثنا ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله أنه مر على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فقال لهم اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكرا لله منه .

وفي سنن النسائي عن عبد الله بن عمرو قال:  "لا تقتُلوا الضَّفادِعَ فإنَّ نقيقَها تسبيحٌ ، ولا تقتلوا الخُفَّاشَ ، فإنه لما خرِبَ بيتُ المقدسِ قال: يا ربِّ سلِّطْني على البحرِ حتى أغرقَهم" (صحيح)

وقال قتادة عن عبد الله بن بابي، عن عبد الله بن عمرو أن الرجل إذا قال لا إله إلا الله فهي كلمة الإخلاص التي لا يقبل الله من أحد عملا حتى يقولها، وإذا قال: الحمد لله فهي كلمة الشكر التي لم يشكر الله عبد قط حتى يقولها، وإذا قال الله أكبر فهي تملأ ما بين السماء والأرض ،وإذا قال: سبحان الله فهي صلاة الخلائق التي لم يدع الله أحد من خلقه إلا قرره بالصلاة والتسبيح وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله " قال أسلم عبدي واستسلم.

وقال الإمام أحمد حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي ، سمعت الصقعب بن زهير يحدث ] عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال أتى النبي أعرابي عليه جبة من طيالسة مكفوفة بديباج أو مزورة بديباج - فقال إن صاحبكم هذا يريد أن يرفع كل راع ابن راع ويضع كل رأس ابن رأس فقام إليه النبي مغضبا فأخذ بمجامع جبته فاجتذبه ، فقال لا أرى عليك ثياب من لا يعقل ثم رجع رسول الله فجلس فقال إن نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال إني قاص عليكما الوصية آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين ،أنهاكما عن :الشرك بالله والكبر وآمركما بلا إله إلا الله فإن السماوات والأرض وما بينهما لو وضعت في كفة الميزان ووضعت لا إله إلا الله في الكفة الأخرى كانت أرجح، ولو أن السماوات والأرض كانتا حلقة فوضعت لا إله إلا الله عليهما لفصمتهما أو لقصمتهما وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء "

وقال بعض السلف : إن صرير الباب تسبيحه وخرير الماء تسبيحه قال الله تعالى : ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده )

وقال سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال الطعام يسبح،ويشهد لهذا القول آية السجدة أول سورة الحج، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ۩ ﴿١٨﴾‏

وقال آخرون إنما يسبح ما كان فيه روح يعنون من حيوان أو نبات، وفي قول ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) قال : كل شيء فيه الروح يسبح من شجر أو شيء فيه

وقال ابن جرير حدثنا :جرير أبو الخطاب قال كنا مع يزيد الرقاشي ومعه الحسن في طعام فقدموا الخوان فقال يزيد الرقاشي يا أبا سعيد يسبح هذا الخوان ؟ فقال :كان يسبح مرة .

قلت الخوان هو المائدة من الخشب فكأن الحسن رحمه الله ذهب إلى أنه لما كان حيا فيه خضرة كان يسبح فلما قطع وصار خشبة يابسة انقطع تسبيحه وقد يستأنس لهذا القول بحديث ابن عباس رضي الله عنهما : "أن رسول الله أنَّهُ مَرَّ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فَقَالَ: إنَّهُما لَيُعَذَّبَانِ، وما يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ، وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، ثُمَّ أخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا بنِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ واحِدَةً، فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، لِمَ صَنَعْتَ هذا؟ فَقَالَ: لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عنْهما ما لَمْ يَيْبَسَا." أخرجاه في الصحيحين .

قال بعض من تكلم على هذا الحديث من العلماء إنما قال: "ما لَمْ يَيْبَسَا." لأنهما يسبحان ما دام فيهما خضرة فإذا يبسا انقطع تسبيحهما والله أعلم

وقوله تعالى ] (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) أي إنه تعالى لا يعاجل من عصاه بالعقوبة بل يؤجله وينظره فإن استمر على كفره وعناده أخذه أخذ عزيز مقتدر كما جاء في الصحيحين إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله (وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ۚ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ )﴿١٠٢هود﴾‏، وقال الله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ) ﴿٤٨ الحج﴾.  ومن أقلع عما هو فيه من كفر أو عصيان ورجع إلى الله وتاب إليه تاب عليه كما قال تعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ﴿النساء١١٠﴾‏

وقال هاهنا ( إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) كما قال في آخر فاطر  (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) ﴿٤١ فاطر﴾ إلى أن قال (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ) ﴿٤٥ فاطر﴾‏؛  سبحانه وتعالى على حلمة بعد علمه

﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ﴿٤٥﴾‏

يخبر تعالى عن عقوبته للمكذبين بالحق الذين ردوه وأعرضوا عنه أنه يحول بينهم وبين الإيمان فقال:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} الذي فيه الوعظ والتذكير والهدى والإيمان والخير والعلم الكثير. فهؤلاء المشركين الذين لا يصدقون بالبعث، ولا يقرّون بالثواب والعقاب، جعلنا بينك وبينهم حجابا، يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم، فينتفعوا به، عقوبة منا لهم على كفرهم. والحجاب ههنا: هو الساتر. {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا } والحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، يسترهم عن فهمه حقيقة وعن التحقق بحقائقه والانقياد إلى ما يدعو إليه من الخير.أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.

عن أسماء بنت أبي بكر  الصديق رضي الله عنها، قالت: لما نزلت  (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) ﴿سورة المسد ١﴾‏، جاءت العوراء أم جميل[ هي أروى بنت حرب بن أمية، زوجة أبي لهب بن عبد المطلب عم النبي ﷺ] ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول: (مذمم أبينا .. ودينه قلينا .. وأمره عصينا .. (. ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، قال: فقال أبو بكر لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك فقال :" لقد أخذ الله ببصرها عني." (وقرأ قرآنا اعتصم به منها) وهذا بيان قوله تعالى: (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا ) . قال فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم تر النبي فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني فقال أبو بكر : لا ورب هذا البيت ما هجاك قال فانصرفت وهي تقول لقد علمت قريش أني بنت سيدها .

وقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ لا ورب هذا البيت ما هجاك، هل هذا كذب من أبي بكر رضي الله عنه؟ بل تصديقها قول رسول الله : (ألا تعجبون كيف يصرف الله عنّي شتم قريش ولعنهم! يشتِمُون مُذَمَّماً، ويلعنون مُذَمَّماً، وأنا محمّد) رواه البخاري.

﴿وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ﴿٤٦﴾

وجعلنا على قلوبهم أكنة أي فعلنا ذلك بهم مجازاة على كفرهم. وليس المعنى أنهم لا يسمعون ولا يفقهون، ولكن لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون، ولا ينقادون إلى الحق كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم. والأكنة الأغطية جمع كنان مثل الأسنة والسنان، كننت الشيء في كنه إذا صنته فيه. وأكننت الشيء أخفيته. والكنانة معروفة. والكَنَّة (بفتح الكاف والنون) يقال: (الكَنَّة) امرأة الابن أو الأخ ؛ لأنها في كَنَهِ. وجعل هذه الأكنة تغطية  كراهية أن يفهموه، أو لئلا يفهموه. أن يفقهوه أي لئلا يفقهوه، أو كراهية أن يفقهوه، أي أن يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني.{وَقْرًا ۚ}، أي وَقرت أذنه (بفتح الواو) توقر وقرا أي صُمَّتْ، وقد وقر الله أذنه يقرها وَقرا، يقال: اللهم قر أذنه..(وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ)،أي قلت : لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن. وقالوا: ليس شيء أطرد للشياطين من القلب من قول لا إله إلا الله، ثم تلا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده، داعيا لتوحيده ناهيا عن الشرك به.{وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} ولوا على أدبارهم نفورا، من شدة بغضهم له ومحبتهم لما هم عليه من الباطل.

‏ ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ﴿٤٧﴾‏

وكانوا يستمعون من النبي القرآن ثم ينفرون فيقولون: إنه مجنون وإنه ساحر وإنه يأتي بأساطير الأولين، { إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} أي: متناجين {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} في مناجاتهم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا } أي مطبوبا قد خبله السحر فاختلط عليه أمره، يقولون ذلك لينفروا عنه الناس. وقيل: مسحورا أي مخدوعا، مثل قوله تعالى: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ) ﴿المؤمنون ٨٩﴾‏ أي من أين تخدعون.

 ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴿٤٨﴾‏

قوله تعالى: (انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا) فلا يستطيعون سبيلا قوله تعالى: انظر كيف ضربوا لك الأمثال عجبه من صنعهم كيف يقولون تارة ساحر وتارة مجنون وتارة شاعر (فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) أي حيلة في صد الناس عنك. وقيل: ضلوا عن الحق فلا يجدون سبيلا، أي إلى الهدى. وقيل: مخرجا، لتناقض كلامهم في قولهم: مجنون، ساحر، شاعر.

﴿وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿٤٩﴾‏

قوله تعالى: (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا) أي: قالوا وهم يتناجون لما سمعوا القرآن وسمعوا أمر البعث: لو لم يكن مسحورا مخدوعا لما قال هذا. قال ابن عباس: الرفات الغبار. مجاهد: التراب. والرفات ما تكسر وبلي من كل شيء، كالفتات والحطام والرضاض، تقول العرب: رفت الشيء رفتا، أي حطم، فهو مرفوت أي: أجسادا بالية .

(أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) أئنا استفهام والمراد به الجحد والإنكار. و خَلْقًا: أي بعثا جديدا. وكان هذا غاية الإنكار منهم. أي: لا يكون ذلك وهو محال بزعمهم، فجهلوا أشد الجهل حيث كذبوا رسل الله وجحدوا آيات الله وقاسوا قدرة خالق السماوات والأرض بقدرتهم الضعيفة العاجزة. فلما رأوا أن هذا ممتنع عليهم لا يقدرون عليه جعلوا قدرة الله كذلك.

فسبحان من جعل خلقا من خلقه يزعمون أنهم أولو العقول والألباب مثالا في جهل أظهر الأشياء وأجلاها وأوضحها براهين وأعلاها ليرى عباده أنه ما ثم إلا توفيقه وإعانته أو الهلاك والضلال.

۞ ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ﴿٥٠﴾‏ أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا ۖ قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا ﴿٥١﴾

(قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا) أي قل لهم يا محمد كونوا على جهة التعجيز حجارة أو حديدا في الشدة والقوة، أنكم لو كنتم حجارة أو حديدا لم تفوتوا الله عز وجل إذا أرادكم، إلا أنه خرج مخرج الأمر، لأنه أبلغ في الإلزام. وقيل: معناه لو كنتم حجارة أو حديدا لأعادكم كما بدأكم، ولأماتكم ثم أحياكم. وقال مجاهد: المعنى كونوا ما شئتم فستعادون .

وبعض الجثث تتحجر- لا تتحلل- وذلك حسب البيئة التي دفنت فيها، الحد الأدنى لعمر المتحجّرات يعتبر 10 آلاف عام وتصل أعمار بعضها إلى 4 مليارات عام، والقرآن سبق العلم الحديث في الإشارة إلى حقيقة تكوّن الحفريات نتيجة تحوّل الموتى إلى حجارة أو حديد.

تتحدث هذه الآيات عن إنكار المشركين لحقيقة البعث بعد الموت بعد أن يتحولوا إلى عظام وتراب، ولكن جاء الرد الإلهي يخبرهم أنكم حتى لو أصبحتم حجارة أو حديد فإن الله قادر على أن يبعثكم مرة أخرى، و لا إشكال عند الله في كونكم في الصورة العضوية (عظام و رفات) أو أنكم تحولتم الي صورة غير عضوية (حجارة - حديد)،فالذي فطر الانسان و غيره من المخلوقات لأول مرة من تراب الأرض قادر على الاعادة و هي من وجهة نظركم أهون على الله الذى لا يوجد عنده سهل و صعب فالكل في حقه سهل {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الروم٢٧).

 

No comments:

Post a Comment