Tuesday, 25 June 2024

تفسير سورة الإسراء 10 يسئلونك عن الروح هم لا يؤمنون بالنبي إلا برؤية الخ...

    

تابع: تفسير سورة الإسراء-ح١٠

 

 

قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا ﴿٨٤﴾‏، أي كل أنسان {يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} أي: على ما يليق به من الأحوال، إن كان من الصفوة الأبرار، لم يشاكلهم – ما يهمه ويصرف إليه جهده- إلا عملهم لرب العالمين. ومن كان من غيرهم من المخذولين، لم يناسبهم إلا العمل للمخلوقين، ولم يوافقهم إلا ما وافق أغراضهم.

{فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا} فيعلم من يصلح للهداية، فيهديه ومن لا يصلح لها فيخذله ولا يهديه.

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً ) ﴿٨٥﴾‏

قال الإمام أحمد: بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله في حرث في المدينة، وهو متوكىء على عسيب، فمر بقوم من اليهود، فقال بعضهم لبعض: (سلوه عن الروح، وقال بعضهم: لا تسألوه. قال: فسألوه عن الروح، فقالوا: يا محمد ما الروح ؟ فما زال متوكئاً على العسيب، قال: فظننت أنه يوحى إليه، فقال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } قال: فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم لا تسألوه.) (رواه البخاري ومسلم)

ولفظ البخاري عند تفسيره هذه الاَية عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا أنا أمشي مع النبي في حرث وهو متوكىء على عسيب، إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض: سلوه عن الروح، فقال: ما رابكم إليه، وقال بعضهم: لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه. فقالوا سلوه، فسألوه عن الروح فأمسك النبي فلم يرد عليهم شيئاً، فعلمت أنه يوحى إليه، فقمت مقام، فلما نزل الوحي قال: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي } الاَية، وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الاَية مدنية، وأنه نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية. ومما يدل على نزول هذه الاَية بمكة ما قال الإمام أحمد: حدثنا قتيبة، بسنده عن ابن عباس قال: قالت قريش ليهود: أعطونا شيئاً نسأل عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوه عن الروح، فسألوه فنزلت { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } قالوا: أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً، قال: وأنزل الله { قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا }﴿ الكهف١٠٩﴾.

وقد روى ابن جرير بسنده عن عكرمة قال: سأل أهل الكتاب رسول الله عن الروح، فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي} الاَية، فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلاً، وقد أوتينا التوراة وهي الحكمة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ }﴿٢٦٩ البقرة﴾  قال: فنزلت {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ} ﴿٢٧ لقمان﴾‏ الاَية، قال ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل.

وقال محمد بن إسحاق عن عطاء بن يسار قال: نزلت بمكة {وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } فلما هاجر رسول الله إلى المدينة أتاه أحبار يهود وقالوا: يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول {وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } أفعنيتنا أم عنيت قومك، فقال «كلاً قد عُنيت» فقالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء، فقال رسول الله : «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» وأنزل الله {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ ۗ} ﴿٢٧ لقمان﴾‏

وقد اختلف المفسرون في المراد بالروح ههنا على أقوال (أحدها) أن المراد أرواح بني آدم. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ } الاَية، وذلك أن اليهود قالوا للنبي : أخبرنا عن الروح وكيف تعذب الروح التي في الجسد، وإنما الروح من الله ولم يكن نزل عليه فيه شيء، فلم يحر إليهم شيئاً، فأتاه جبريل فقال له: {قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي وَمَآ أُوتِيتُم مّن الْعِلْمِ إِلاّ قَلِيلاً } فأخبرهم النبي بذلك، فقالوا: من جاءك بهذا ؟ قال: جاءني به جبريل من عند الله، فقالوا له: والله ما قاله لك إلا عدونا، فأنزل الله { قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }﴿البقرة: ٩٧﴾وقيل: المراد بالروح ههنا جبريل، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾‏ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }﴿١٩٣﴾‏  والتنزيل هو للقرآن، والروح الأمين: هو جبريل عليه السلام.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ}  يقول: الروح ملك.

وقوله: { قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي } أي من شأنه ومما استأثر بعلمه دونكم, ولهذا قال: {وما أوتيتم من العلم إلا قليل} أي وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى، والمعنى أنه علمكم في علم الله قليل، وهذا الذي تسألون عنه أمر الروح مما استاثر به تعالى ولم يطلعكم عليه، كما أنه لم يطلعكم إلا على القليل من علمه تعالى.وسيأتي إن شاء الله في قصة موسى والخضر أن الخضر نظر إلى عصفور وقع على حافة السفينة فنقر في البحر نقرة, أي شرب منه بمنقاره, فقال: يا موسى ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور من هذا البحر، أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا قال تعالى: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وقال السهيلي: قال بعض الناس لم يجبهم عما سألوا، لأنهم سألوا على وجه التعنت، وقيل: أجابهم. وعول السهيلي على أن المراد بقوله: {قُلِ الرّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبّي } أي من شرعه، أي فادخلوا فيه وقد علمتم ذلك، لأنه لا سبيل إلى معرفة هذا من طبع ولا فلسفة، وإنما ينال من جهة الشرع، وفي هذا المسلك الذي طرقه وسلكه نظر. والله أعلم.

ثم ذكر السهيلي الخلاف بين العلماء في أن الروح هي النفس أو غيرها، وقرر أنها ذات لطيفة كالهواء سارية في الجسد كسريان الماء في عروق الشجر، وقرر أن الروح التي ينفخها الملك في الجنين هي النفس بشرط اتصالها بالبدن واكتسابها بسببه صفات مدح أو ذم، فهي إما نفس مطمئنة أو أمارة بالسوء، كما أن الماء هو حياة الشجر ثم يكسب بسبب اختلاطه معها اسماً خاصاً، فإذا اتصل بالعنبة وعصر منها صار إما مصطاراً أو خمراً, ولا يقال له ماء حينئذ إلا على سبيل المجاز، وكذا لا يقال للنفس روح إلا على هذا النحو، وكذا لا يقال للروح نفس إلا باعتبار ما تؤول إليه، فحاصل ما نقول: إن الروح هي أصل النفس ومادتها, والنفس مركبة منها ومن اتصالها بالبدن، فهي هي من وجه لا من كل وجه، وهذا معنى حسن، والله أعلم.

{وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا} ﴿٨٦﴾‏ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا ﴿٨٧﴾ ‏

يخبر تعالى أن القرآن والوحي الذي أوحاه إلى رسوله رحمة منه عليه، وعلى عباده, وهو أكبر النعم على الإطلاق على رسوله, فإن فضل الله عليه كبير، لا يقادر قدره.

فالذي تفضل به عليك، قادر على أن يذهب به، ثم لا تجد رادا يرده ولا وكيلا بتوجه عند الله فيه.

فلتغتبط به ولتقر به عينك، ولا يحزنك تكذيب المكذبين، ولا استهزاء الضالين.

فإنهم عرضت عليهم أجل النعم،  فردوها لهوانهم على الله  وخذلانه لهم.

يذكر تعالى نعمته وفضله العظيم على عبده ورسوله الكريم فيما أوحاه إليه من القرآن المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. قال ابن مسعود رضي الله عنه: يطرق الناس ريح حمراء, يعني في آخر الزمان من قبل الشام, فلا يبقى في مصحف رجل ولا في قلبه آية، ثم قرآ ابن مسعود : {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الاَية.

قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴿٨٨﴾

ثم نبه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له ولا مثال له ولا عديل له،  وهذا دليل قاطع, وبرهان ساطع, على صحة ما جاء به الرسول وصدقه.

ووقع كما أخبر الله, فإن دواعي أعدائه المكذبين به، متوفرة على رد ما جاء به, بأي وجه كان، وهم أهل اللسان والفصاحة.فلو كان عندهم أدنى تأهل، وتمكن من ذلك، لفعلوه.فعلم بذلك، أنهم أذعنوا غاية الإذعان،طوعا وكرها وعجزوا عن معارضته.

وكيف يقدر المخلوق من تراب الناقص من جميع الوجوه، الذي ليس له علم ولا قدرة ولا إرادة ولا مشيئة ولا كلام ولا كمال، إلا من ربه أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات، المطلع على سائر الخفيات، الذي له الكمال المطلق والحمد المطلق، والمجد العظيم، الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مدادا، والأشجار كلها أقلام لنفذ المداد وفنيت الأقلام ولم تنفد كلمات الله.

فكما أنه ليس أحد من المخلوقين، مماثلا لله في أوصافه، فكلامه من أوصافه التي لا يماثله فيها أحد.فليس كمثله شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله تبارك وتعالى.

فتبا لمن اشتبه عليه كلام الخالق بكلام المخلوق، وزعم أن محمدا افتراه على الله واختلقه من نفسه. فالله أعلم.

 وقوله { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴿٨٩﴾‏  أي بينا لهم الحجج والبراهين القاطعة، ووضحنا لهم الحق وشرحناه وبسطناه، ومع هذا فأبى أكثر الناس إلا كفوراً أي جحوداً للحق ورداً للصواب.  

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي: نوعنا فيه المواعظ والأمثال، وثنينا فيه المعاني، التي يضطر إليها العباد لأجل أن يتذكروا ويتقوا.

فلم يتذكر إلا القليل منهم، الذين سبقت لهم من الله، سابقة السعادة وأعانهم الله بتوفيقه. وأما أكثر الناس فأبوا إلا كفورا لهذه النعمة، التي هي أكبر من جميع النعم، وجعلوا يتعنتون عليه باقتراح آيات، غير آياته، يخترعونها من تلقاء أنفسهم الظالمة الجاهلة.

{وَقَالُواْ لَن نّؤْمِنَ لَكَ حَتّىَ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً}﴿٩٠﴾‏

فيقولون لرسول الله الذي أتى بهذا القرآن المشتمل على كل برهان وآية: " لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا " أي أنهارا جارية.

" أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ " فتستغنى بها عن المشي في الأسواق والذهاب والمجيء.

" أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا " أي: قطعا من العذاب.

" أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا " أي جميعا، أو مقابلة ومعاينة، يشهدون لك بما جئت به.

" أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ " أي: مزخرف بالذهب وغيره.

" أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ " رقيا حسيا.

ومع هذا " وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ " .

ولما كانت هذه تعنتات وتعجيزات وكلام أسفه الناس وأظلمهم، المتضمنة لرد الحق، وسوء أدب مع الله،  وأن الرسول هو الذي يأتي بالآيات - أمره الله أن ينزهه فقال: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا }﴿٩٣﴾‏  تعالى ربي عما تقولون علوا كبيرا، وسبحانه أن تكون أحكامه وآياته تابعة لأهوائهم الفاسدة وآرائهم الضالة.

{هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} ليس بيده شيء من الأمر.

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَىٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولًا }﴿٩٤﴾‏

وهذا السبب الذي منع أكثر الناس من الإيمان، حيث كانت الرسل التي ترسل إليهم من جنسهم بشرا.

وهذا من رحمته بهم، أن أرسل إليهم بشرا منهم، فإنهم لا يطيقون التلقي من الملائكة.

{قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ " يثبتون على رؤية الملائكة, والتلقي عنهم " لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا " ليمكنهم التلقي عنه.

{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.

فمن شهادته لرسوله ما أيده به من المعجزات، وما أنزل عليه من الآيات، ونصره على من عاداه ونأوه.

يقول تعالى مرشداً نبيه إلى الحجة على قومه في صدق ما جاءهم به: إنه شاهد علي وعليكم, عالم بما جئتكم به, فلو كنت كاذباً عليه لا نتقم مني أشد الانتقام, كما قال تعالى: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ﴿٤٤﴾‏ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ﴿٤٥﴾‏ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ﴿٤٦﴾‏ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴿٤٧﴾‏}.

وقوله تعالى: { إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} أي عليماً بهم بمن يستحق الإنعام والإحسان والهداية ممن يستحق الشقاء والإضلال والإزاغة

No comments:

Post a Comment